من هو أبو الريحان البيروني؟

هو عالم وباحث في علوم الفلك، والجغرافيا، والرياضيات، والصيدلة، ورحالة، وفيلسوف، ومؤرخ، ومترجم من رواد العصر الذهبي الإسلامي، في عهد الدولة الخوارزمية.


وهو مُحمد بن أحمد البيروني الخوارزمي الأصل، والمعروف بأبي الريحان، أما عن لقب البيروني فيُشير له ابن أبي أصيبعة أنه يرجع لمدينة بيرون في إقليم السند، بينما يقول السمعاني أنه كان يُطلق على من يعيش خارج البلدة لقب بيروني بالفارسية حينها، ومن جهة أخرى فإن أبا الريحان علامة مُسلم نابغ ذو عقلية فريدة من نوعها، فلُقِب بالأستاذ؛ إذ إنه كان عالمًا وباحثًا من نبغاء عصره، واسع الاطلاع، ومُحبًا للبحث، فأجاد عدة لغات؛ كالفارسية، والعربية، واليونانية، والسريانية، والتي مهدت له الطريق للغوص في الثقافات المتاحة من حوله، فأجاد ترجمة الكتب المختلفة وتأريخ الأحداث، وكان بمثابة عالم لغوي، وفيلسوف، ومؤرخ عظيم، فضلًا عن معرفته بعلم الفلك، والجغرافيا، والاقتصاد، وعلوم النباتات، وغيرها من النواحي والمجالات العلمية البحتة.[١][٢]


مولد أبي الريحان البيروني ونشأته

ولد البيروني في ظاهر التي تقع في مدينة خوارزم في أوزبكستان (خراسان)، في تاريخ 4-09-973 م، وسميت القرية فيما بعد بقرية بيرون على اسمه، ومن جهة أخرى كانت خوارزم مدينة مزدهرة ومتقدمة ثقافيًا، وهي ملتقى للحضارات اليونانية، والهندية، والفارسية، والصينية المتعاقبة، وقد ساهم التقاء البيروني برجل يوناني متعلم بانفتاحه على علوم الطبيعة، فأصبح معلمه ومُلهمه من بعدها.[٣]


ثقافة أبي الريحان البيروني وعلمه

امتاز البيروني باطلاعه الواسع، وعمق تفكيره، وامتلاكه روح النقد العلمية الدقيقة، وكان للترحال والسفر دورًا كبيرًا في اكتسابه العلوم والمعارف في مختلف المجالات العلمية، والتي تشمل؛ العلوم الرياضية، والفلسفة، والفلك، وعلوم اللغة، والتاريخ، وتقويم البلدان، وغيرها، وغدا واحدًا من أشهر العلماء الذين ذاع صيتهم في أوروبا في العصور الوسطى، إذ أتيح له أن يُرافق السلطان محمود الغزنوي في فتوحاته بالهند، فجاب تلك البلاد في رحلات طويلة، فتعلم لغاتها، وضبط مواقع مدنها، وأصلح بعض البيانات الجغرافية المغلوطة حولها والمدونة عنها، وامتاز بكثرة تجاربه ودقة ملاحظاته بسبب تنقله الطويل في تلك البلاد ومعرفته أخبار أهلها، فضلًا عن دراسته لعاداتهم ومعالمهم الحضارية، ومن جهةٍ أخرى فقد كان مُقبلًا على البحث والاستنتاج والتنقيب.[٤][٥][٢]


المسيرة العلمية والعملية لأبي الريحان البيروني

عمل البيروني كمساعد لعالم نباتات يجمع له البذور والأعشاب، وغرس ذلك في نفسه حب البحث فانتقل لدراسة الأجرام السماوية وعلوم الفلك، وتدرب على يد أبي نصر منصور بن علي ابن عراق، واتصل مع العالم ابن سينا، وغادر خوارزم بينما كان في الثالثة والعشرين من عمره، بعد اغتيال شاه أبي العباس الذي كان البيروني من أنصاره، وداعمًا للسياسة في خوارم، فهاجر بعدها إلى جرجان، وأصبح من حاشية بلاط السلطان أبي الحسن قاموس بن وشكمير، وبدأ بكتابة مؤلفاته التاريخية والفلكية، وبعد هدوء الوضع السياسي في خوارزم عاد لها بعد غياب استمر 15 عامًا، والتحق بحاشية الأمير أبي العباس مأمون بن مأمون خوارزم شاه، شقيق الأمير أبي الحسن علي بن مأمون، وكان يهتم بالأمور السياسية في مدينة جرجانية (أورعنج الآن)، بسبب طلاقة لسانه وطريقته الفذة في الإقناع، وقدم العديد من الأبحاث الفلكية وأصبح من أبرز العلماء في خوارزم، لكنه أسر في مدينة غرنة التي تقع داخل حدود أفغانستان، بعد غزو خوارزم وقربه السلطان ابن مسعود له؛ للاستفادة من علوم ومعارفه، ورفض هدية السلطان الثمينة التي كانت حِمل فيل من القطع الفضية، دلالة على زهده ورفعة نفسه وحبه للعلم لا الشهرة والمال، فاصطحبه السلطان معه في غزواته للهند، واستفاد من رحلاته في معرفة الحضارة الهندية والإغريقية وإثراء معارفه وثقافته.[١][٢]


المنهج العلمي لأبي الريحان البيروني

امتاز البيروني بعقليته العلمية االمدعومة بسمات العلم وقيمه النبيلة، والمكرسة لأهدافه بصورة عميقة تفوق مُعظم علماء التاريخ العرب قبله، فاعتبر المنطق أساس فكره والركيزة الرئيسية الداعمة له، وهو سبب تسميته بالأستاذ، فضلًا عن تكريس نفسه لأسلوب البحث المُنضبط والتطبيق السليم للنتائج والمعطيات في المباحث والعلوم العقلية، والسير في طريق التقدم والتطور المعرفي في مختلف مجالات العلوم التي اشتهرت وبرزت في الحضارة العربية حينها؛ كالرياضيات، ورغم أنه لم يكن مُهندسًا كما وصفه الشهرروري والبهقي، ولكنه برع في علم الهيئة، أي الفلك الذي كان يتفرع من الرياضيات حينها، إضافةً لارتباطه بالتاريخ والحضارات والأنتربورلوجيا، ويتقاطع بشكل سطحي مع المباحث الأخرى التجريبية التي عُني فيها البيروني؛ كالجغرافيا، والجيويلوجيا، والطب والصيدلة، ومن هنا امتاز بكونه موسوعي الطابع، مُتعدد المعرفة في تلك المجالات، ولا نغفل عن اهتمام أبي الريحان بالمباحث الإنسانية بطريقة علمية خالصة، إذ عمل على إثرائها وإنتاجها بغزارة بعقليته العلمية بهيكلها وصلبها وأهدافها ومبناها، وتجدر الإشارة إلى أن الأبعاد الدينية والفلسفية والأدبية رغم حضورها لديه إلا أنها كانت هوامشًا تدعم التشكيل العلمي، وروافدًا تصقله وتغذيه، نظرًا لارتباطها بالعصر الثقافي الذي يتطلب وجودها لدى العالم، خاصةً وأن الفلسفة لها عمق في العقلية العلمية ومرتبطة بجميع العصور.[٦]


أشهر مؤلفات أبي الريحان البيروني

من أشهر مؤلفات البيروني ما يأتي:

  • كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية: يُصنف هذا الكتاب كأحد الكتب القيمة التي تضم جملة من التخصصات العلمية المُختلفة، خاصة العلوم الاجتماعية والثقافية والتاريخية منها، ويسرد فيه أبو الريحان تاريخ نظم الجماعات والطوائف المختلفة، وعاداتهم وتقاليدهم السائدة، وأبرز المواضيع التي تخصهم ضمن فصول متعددة.[٧]
  • كتاب الهند: يصف أبو الريحان في هذا الكتاب عقائد الهندوسيين وشرائعهم وعاداتهم المختلفة في الزواج، والأعياد، وحتى طعامهم، بسبب ذخيرته الجيدة من المعلومات التي جمعها خلال مكوثه في الهند ومخالطة أهلها وعلمائها، ويُعد من الكتب التاريخية المهمة جدًا، التي تُشبه إلى حد ما الحكاية دون ردود أو حجج، وبعيدًا عن الأسلوب الجدلي، ويضم 80 بابًا مختلفًا.[٨]


أشهر أقوال أبي الريحان البيروني

من أشهر أقوال البيروني ما يأتي:[٩]

  • الأمر هو نفسه سواء اعتبرت أن الأرض تتحرك أو السماء، لأنه في كلتا الحالتين لا يؤثر على العلوم الفلكية، إنه للفيزيائي فقط ليرى ما إذا كان من الممكن دحضه.
  • العلماء يعرفون استعمال المال، لكن الأغنياء يجهلون نبل العلم.


وفاة أبي الريحان البيروني

اختلف المؤرخون في وفاة البيروني، وقيل إنه توفي في غزنة بتاريخ 13-12-1045، كما ويُقال أنه بقي حيًا يُرزق حتى عام 1050م، أو 1052م.[١][٢]

المراجع

  1. ^ أ ب ت د محمد جمال الفندي، و د إمام إبراهيم أحمد، أبور الريحان محمد بن أحمد البيروني، صفحة 24-25-26-27. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث George Saliba، "Al-Bīrūnī"، britannica، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2021. Edited.
  3. أحمد سعيد الدمرداش، كتاب البيروني أبو الريحان محمد بن أحمد، صفحة 19-20. بتصرّف.
  4. زكي محمد حسن، لرحَّالة المسلمون في العصور الوسطى، صفحة 43. بتصرّف.
  5. أحمد سعيد الدمرداش، البيروني أبو الريحان محمد بن أحمد، صفحة 9. بتصرّف.
  6. يمنى طريف الخولي، بحوث في تاريخ العلوم عند العرب، صفحة 72-73-74. بتصرّف.
  7. أبو الريحان البيروني، "الآثار الباقية عن القرون الخالية"، ويكيميديا، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2021. بتصرّف.
  8. البيروني، " تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"، منظمة ويكيميديا، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2021. بتصرّف.
  9. "Abu Rayhan al-Biruni Quotes", azquotes, Retrieved 26-5-2021. Edited.