من هو سفيان الثوري؟

هو فقيه، وإمام، ومحدث، وأحد أعلام القرن الثاني الهجري.


وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وكنيته أبو عبد الله، إمام من أئمة المسلمين، وعلمًا من أعلام الدين، نبغ وذاع صيته في الفقه، واشتهر بالرأي والاجتهاد، الأمر الذي جعله يتبوأ مكانة علمية مرموقة، وأهّله لأن يؤسس مذهبه الفقهي الخاص به، وإلى جانب ذلك فقد برع الثوري أيضًا في علوم القرآن والتفسير، كما احتل مرتبة عالية بين أقرانه في علم الحديث حتى أطلق عليه لقب "أمير المؤمنين في الحديث"، وقد أثنى عليه كبار علماء عصره، وشهدوا له بمكانته العلمية العالية، ومنهم الأوزاعي الذي قال عنه: "لو قيل لي اختر لهذه الأمة ما اخترت إلا سفيان الثوري".[١]


مولد سفيان الثوري ونشأته

ولد سفيان الثوري في الكوفة في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وعلى الرغم من اختلاف الروايات حول تاريخ ولادته، إلا أنّ الرواية الأرجح والأصح والتي ذكرتها معظم كتب التراجم هي ولادته عام 97 هجري، وقد نشأ الثوري في بيت علم وتقوى وورع، فوالده هو "سعيد بن مسروق أبو سفيان" وهو من محدثي الكوفة المشهورين الثقات، كما كانت والدته من النساء الصالحات الزاهدات، ويرجع لها الفضل الكبير في تربية ولدها سفيان وتشجيعه على طلب العلم، ونهيه عن التهاون في ذلك.[٢]


مسيرة سفيان الثوري العلمية والعملية

كان لنشأة سفيان الثوري في بيت علم وصلاح دورٌ كبير في تكوين شخصيته العلمية، وتوسيع مداركه، فقد عُرف منذ صغره بالذكاء وقوة الحفظ، وقد كان لوالدته دورٌ كبير في حثه على طلب العلم، ومما يدل على ذلك قولها له: "اذهب فاطلب العلم، حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عدة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه، وإلا فلا تتعن"، وقد عمل الثوري بنصيحة والدته، فكرس جلّ وقته لطلب العلم، حتى قِيل أنه سمع عن ما يقارب ستمائة شيخ، وعرض القرآن أربع مرات على "حمزة بن الزيات"، ومن الشيوخ الذين أخذ عنهم: "والده سعيد بن مسروق، وعمرو بن مرة، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، والأسود بن قيس"، وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم، ولم يكتفِ الثوري بذلك، بل حرص أيضًا أثناء رحلاته الكثيرة في ملاقاة علماء البلدان التي ينزل فيها، وأن يأخذ العلم عنهم، وقد تنوعت أسباب أسفاره ما بين طلب العلم، والتجارة، أو الهرب من بطش السلاطين، حيث زار الثوري مكة والمدينة لأداء فريضة الحج، وزار بيت المقدس، واليمن التي قابل فيها "معمر"، وقد قال الثوري عن نفسه: "أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة" قاصدًا أنه أفنى حياته في طلب العلم.


ومما يتضح سابقًا، فإنّ الثوري قد أفنى جلّ عمره في طلب العلم وخاصةً الحديث، ليصبح بذلك من كبار أئمة المسلمين في الفقه، والتفسير، وعلوم القرآن، والحديث، كما جلس للفتوى وهو لا يزال في ريعان الشباب، فاستحق بذلك ثناء العلماء عليه، كما أسس مذهبه الفقهي الخاص به، ووضع له أصوله وقواعده، والذي كان يُعد واحدًا من المذاهب الستة المعروفة، واتبعه العديد من الناس في مختلف أرجاء الدول الإسلامية، حيث سمي من يتبع مذهبه بالثوري أو السفياني، ومن أشهر أتباعه "أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة، والنعمان بن عبد السلام بن حبيب، وأبو نصر بشر بن الحارث المروزي" وغيرهم الكثير، وقد اعتمد الثوري منهجًا فقهيًا مبني على الجمع بين أهل الرأي وأهل الحديث، أي أنه يعتمد بشكلٍ أساسي على قوة الدليل والاجتهاد، وقد استمر العمل بمذهبه هذا حتى أوائل القرن الخامس الهجري، وقِيل حتى القرن الثامن الهجري، قبل أن يندثر.[٣][٤]


شيوخ سفيان الثوري وتلاميذه

تتلمذ سفيان الثوري على يد كبار علماء عصره، منهم على سبيل الذكر لا الحصر:[٥]

  • جعفر الصادق.
  • زياد بن علاقة.
  • أيوب السختياني.
  • سليمان الأعمش.
  • عمرو بن دينار.


كما تلقى العلم على يديه العديد من التلاميذ، منهم على سبيل الذكر لا الحصر:[٦]

  • أحمد بن عبد الله بن يونس.
  • إسحاق بن يوسف الأزرق.
  • إسماعيل بن عُليّة.
  • بِشر بن السّري.
  • بِشر بن منصور السّليمي.


أشهر مؤلفات سفيان الثوري

يُعد سفيان الثوري من أوائل المصنفين في الكوفة، وقد ألف عددًا كبيرًا من الكتب والمصنفات، ولكن لم يصل إلينا إلا عددٌ قليل؛ ويعود السبب في ذلك لما روي عنه أنه قام بدفن بعض مؤلفاته أكثر من مرة، كما كان يأمر أصحابه بحرق بعضها أو محوها، وفيما يأتي أسماء بعض كتبه المعروفة:[٧]

  • الجامع الكبير في الفقه والاختلاف: ويُعد من أشهر مصنفاته في الفقه.
  • الجامع الصغير: وهو كتاب مختصر قام الثوري بتأليفه بمناسبة إسلام أحد الرجال على يديه.
  • الفرائض: وتناول الثوري فيه عدة مسائل فيما يخص موضوع الميراث.
  • تفسير الثوري: قام الثوري في هذا الكتاب بتفسير بعض الآيات القرآنية وشرحها.
  • آداب سفيان الثوري.
  • رسالة إلى عباد بن عباد الأرسوفي: وهو عبارة عن رسالة تتضمن العديد من الوصايا، والآداب، والأحكام، والأمثال.
  • كتاب الاعتقاد.
  • وصية الإمام الثوري لعلي بن الحسن السلمي.


حكم سفيان الثوري ومواعظه

من مواعظ سفيان الثوري ما يأتي:[٨]

  • زينوا العلم بأنفسكم ولا تزينوا بالعلم.
  • الحديث أكثر من الذهب والفضة وليس يدرك، وفتنة الحديث أشد من فتنة الذهب والفضة.
  • من رق وجهه رق عمله.
  • ما عالجت شيئًا قط أشد علي من نفسي، مرة علي ومرة لي.
  • من كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل، ومن كانت سريرته شرًا من علانيته فذلك الجور.


ثناء العلماء على سفيان الثوري

أثنى كبار العلماء على الثوري، ومنهم:[٩]

  • قال ابن المبارك: لا أعلم على وجه الأرض أعلم منه.
  • قال عبد الله بن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان.
  • قال أبو حاتم الرازي: سفيان فقيه، حافظ، زاهد، إمام، هو أحفظ من شعبة.

وفاة سفيان الثوري

توفي سفيان الثوري في البصرة في شهر شعبان من عام 161 هجري، عن عمرٍ ناهز 64 عامًا، وذلك إثر إصابته بمرض شديد في بطنه، وقد تم تشييع جنازته بحضور عدد كبير من الناس، وصلى عليه "عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر الكوفي" عملًا بوصية سفيان الثوري نفسه.[١٠]

المراجع

  1. سفيان الثوري، كتاب تفسير سفيان الثوري، صفحة 6-10-12-13. بتصرّف.
  2. سفيان الثوري، كتاب تفسير سفيان الثوري، صفحة 8-9. بتصرّف.
  3. مريم أحمد أبو طالب، أقوال الإمام سفيان الثوري في العقيدة، صفحة 5-6. بتصرّف.
  4. ماهر نبيل أحمد إدريس، سفيان الثوري في الطلاق والخلع.pdf مذهب سفيان الثوري في الطلاق والخلع، صفحة 33-35-36-38. بتصرّف.
  5. ماهر نبيل أحمد إدريس، سفيان الثوري في الطلاق والخلع.pdf مذهب سفيان الثوري في الطلاق والخلع، صفحة 25. بتصرّف.
  6. سفيان، II.pdf ترجمة الإمام سفيان الثوري، صفحة 21. بتصرّف.
  7. ماهر نبيل أحمد إدريس، سفيان الثوري في الطلاق والخلع.pdf مذهب سفيان الثوري في الطلاق والخلع، صفحة 39-41. بتصرّف.
  8. محمد نصر الدين محمد عويضة، كتاب فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 842-843. بتصرّف.
  9. مريم أحمد أبو طالب، أقوال الإمام سفيان الثوري في العقيدة، صفحة 6. بتصرّف.
  10. مريم أحمد أبو طالب، أقوال الإمام سفيان الثوري في العقيدة، صفحة 9-10. بتصرّف.