من هو عبد القاهر الجرجاني؟

أديب لغوي بارز، وعالم في النحو والبيان، وفقيه شافعي، ومؤلف، وشاعر، وعلامة من القرن الحادي عشر في عهد الدولة العباسية.


وهو عبد القاهر بن عبد الرحمن، أبو بكر الجرجاني، الفارسي الأصل، العلامة النحوي، واللغوي، والمُصنف، والإمام، والفقيه الشافعي، والمُتحدث، وشيخ اللغة المُتكلم في زمانه على الطريقة الأشعرية، وواضع أصول علم البلاغة، الذي تميّز فيه بعلمي المعاني والبيان، اشتُهر هذا الإمام بقناعته وورعه وحُسن إمامته، وغزارة علمه وسعة اطلاعه، وكثرة تصانيفه الجليلة من بين الأدباء، فذاع صيته في مدينة جرجان، وقصده الناس من مُختلف الجهات للاستفادة والتزود من معارفه.[١]


مولد عبد القاهر الجرجاني

لم يذكر المترجمون بوضوح تاريخ ميلاد العلامة عبد القاهر الجرجاني أو معلومات وافية حول نشأته وعائلته، لكن أشارت الكتب التاريخية إلى أنه كان ينتمي لأسرة فارسية الأصل، جرجانية الدار، وأنه ولد ونشأ في مدينة جرجان المشهورة بين طبرستان وخراسان في بلاد فارس، وأمضى حياته فيها، كما وأشاد البعض بمكانته وأخلاقه الحميدة ومعارفه الواسعة التي دفعت الكثيرين للإعجاب به ومُجالسته والنهل من علمه.[٢]


تعليم عبد القاهر الجرجاني

حظي عبد القاهر الجرجاني بتعليم متواضع بالنظر لنشأته في أسرة بسيطة وميسورة الحال، وعدم قدرته على الترحال والخروج من جرجان للدراسة في الخارج، لكنه أظهر نباغة وولعًا وذكاءً وفطنة شديدة كرسها نحو العلم والنحو، وتتلمذ على يد معلمين أكفاء وعلماء مميزين في جرجان، فتبحر في الأدب والنحو، وقرأ كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني، واستفاد منه، بالإضافة إلى التثقف، والاطلاع الذاتي، والتتلمذ على آثار الشيوخ وعلماء اللغة العربية الأقدمين، فنقل عن سيبويه، وأبي علي الفارسي، والجاحظ، وقدامة بن جعفر، والزجاج، وأبي هلال العسكري وغيرهم، فغدا مؤسس علم البلاغة وأحد المتقدمين فيه، وألّف العديد من الكتب الهامة في هذا المجال، أبرزها كتابيه دلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة؛ وذلك سعيًا منه لبيان إعجاز القرآن وفضله على النصوص الأدبية التي تشمل الشعر والنثر، وكونه رجلًا فاضلًا اتسم بالورع والتقوى، بالإضافة إلى مُساهمته بالعديد من المُصنفات القيمة المتنوعة التي خلفها للأجيال من بعده، والتي تضمنت الشعر، والأدب، وعلوم القرآن، واللغة، والنحو، والصرف، والبلاغة، وغيرها.[٣]


منهج عبد القاهر الجرجاني اللغوي والبلاغي

كان للإمام عبد القادر الجرجاني رؤية خاصة في ربط علوم البلاغة بالإرث النحوي والعربي، فتميز وعمل وفقًا لها سعيًا منه لإكمال النقص، وفك الغموض الذي لازم الألسنة العربية في زمانه؛ إذ كان يرى البلاغة بعيدة عن الاستعمال الصحيح حينها، وهو ما تجلى بوضوح في كتابه دلائل الإعجاز، فعرض قواعد النظم ومفاهيمه وفوائده، ومن أبرز السمات التي ميزت منهجه ما يأتي:[٤]

  • التزام النحو وأصوله من النواحي الشرعية؛ إذ كان عبد القاهر إمامًا ملتزمًا بأحكام القرآن الكريم وعلومه، وبالتالي استسقى مادته المعرفية من علوم النحو العربي، وأظهر قوة الاستشهاد والتمثيل النحوي في كتابه الإعجاز والتفسير.
  • الاطلاع على أعمال العلماء السابقين في زمانه والتأثر بهم، خاصة أستاذاه أبي الحسين الفارسي، والقاضي أبي الحسن الجرجاني، إضافةً للتأثر بآراء الجاحظ، وسيبويه، وغيرهم.
  • انتهاج التفكير الفلسفي، واتباع التفسير المنطقي لقضايا ومسائل اللغة المُختلفة، فكان يتبنى فلسفة العقل والمنطق لإقرار الأحكام، وتعليل الأفكار، وتخريج الآراء، وترسيخ الدلائل، وبسط الحجج، ومن هنا يُعد الإمام الجرجاني من علامات المنطق يستند في عمله على الركائز العقلية والأصول الثقافية، فجعل الشعر والخطابة أيضًا فنونًا منطقية تباينت فيها البراهين اليقينية، واستدلالات المُختلفين والمجادلين من أهل السفطسة، إضافةً لتبني قواعد النحو واستنطاق مفاهيمه بحيث تتلاءم مع بناء قواعد البلاغة ومعانيها وبيانها.


أساتذة عبد القاهر الجرجاني

تتلمذ عبد القاهر الجرجاني على يد نخبة من المُعلمين، أبرزهم:[٣]

  • الشيخ أبو الحسين محمد بن الحسن بن محمد بن عبد الوارث الفارسي أستاذه الأول في علم النحو.
  • القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، قاضي جرجان من قبل الصاحب بن عباد.


مؤلفات عبد القاهر الجرجاني

من أبرز مؤلفات عبد القاهر الجرجاني ما يأتي:

  • كتاب دلائل الإعجاز: وهو كتاب يستدل فيه عبد القاهر الجرجاني بالقرآن الكريم الذي رفع شأن اللغة العربية، وميزها، وأتم عليها الفصاحة، خاصةً وأنّ آيات القرآن الكريم بماهيتها وعباراتها العربية لم تشبه آيات الرسل الأقدمين، كما لم يتمكن أحد من نَظم أشباٍه لها.[٥]
  • كتاب درج الدرر في تفسير الآيات والسور: يُعد هذا الكتاب من كُتب التفسير القيمة التي يهتم بها باحثو العلوم القرآنية بصورة خاصة، وغيرهم من المتخصصين في العلوم الإسلامية بشكل عام، وقد ألفّه الإمام عبد القاهر الجرجاني، ويقع في نطاق دراسات علوم القرآن الكريم، وما يتصل بها من تخصصات تتعلق بتفسير القرآن العظيم.[٦]


كتاب أسرار البلاغة في علم البيان

وهو من أهم مؤلفات العلامة عبد القاهر الجرجاني، وأشهرها التي تخص علم البلاغة؛ إذ يُعد كنزًا من الكنوز الأدبية، يُسلط فيه الضوء على علم البلاغة وأصوله، ويعد عُمدةً فيه بالنظر لكون الجرجاني إمام البلاغة الأقدر في عصره، ومن جهة أخرى فقد أورد في كتابه الكثير من المعلومات القيمة حول الجناس، والسجع، والمجاز، والتشبيه والاستعارات، والمزيد من فروع علم البيان، بالإضافة إلى الإكثار من ذكر الشواهد، والأمثلة على كل ذلك.[٧]


أبيات من شعر عبد القاهر الجرجاني

تميز العلامة الجرجاني بكتابته للشعر والقصيد في النًظم، ومنها الأبيات الآتية في مطلع كتابه دلائل الإعجاز:[٨]


إني أقول مقالًا لست أُخفيه ولست أرهب خصمًا إن بدا فيه ما من سبيل إلى إثبات مُعجزةٍ في النظم إلا بما أصبحتُ أبديه فما لنظم كلامٍ أنت ناظمه معنى سوى حُكم إعراب تُزجيه إسم يرى وهو أصلً للكلام فما يَتِم من دونه قصدُ لمُنشيه وآخر هو يُعطيك الزيادة في ما أنت تُثبته أو أنت تنفيه تفسير ذلك أن الأصل مُبتدأ لقى له خبرًا من بعد تثنيه وفاعل مُسند فعل تقدمّه إليه يُكسبه وصفًا ويُعطيه



وفاة عبد القاهر الجرجاني

توفي الإمام عبد القادر الجرجاني في مسقط رأسه في مدينة جرجان في عام 471 هـ، كما رُجح في كتب التراجم. [٩]

المراجع

  1. رحاب صالح الطاهر عبد الرحمن، الشواهد القرآنية البلاغية في كتاب دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني، صفحة 9-10. بتصرّف.
  2. غدیر احمد بني حمدان، أثر عبد القاھر الجرجاني في الدراسات البلاغیة الحدیثة، صفحة 11. بتصرّف.
  3. ^ أ ب نادیة أبو عزیز ونبیلة سیدي علي، البلاغیة عند عبد القاهر الجرجاني.pdf الصورة البلاغیة عند عبد القاهر الجرجاني، صفحة 12-11. بتصرّف.
  4. عبد الر ّحیم البار، عبد القاهر الجرجاني حياته ومؤلفاته ومنهجة اللغوي، صفحة 8-10-11-12. بتصرّف.
  5. عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، صفحة 1. بتصرّف.
  6. عبد القاهر الجرجياني، درج الدرر في تفسير الآي والسور، صفحة 1. بتصرّف.
  7. عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، صفحة 1. بتصرّف.
  8. أحمد عاطف محمد كلاب، منهج الإمام عبد القاهر الجرجاني في عرضه المسائل النحویة، صفحة 16. بتصرّف.
  9. أحمد عاطف محمد كلاب، منهج الغمام عبد القاهر الجرجاني في عرض مسائله النحوية، صفحة 19. بتصرّف.