من هو أبو البقاء الرُّندي؟

هو كاتب، وناقد، وأديب، وأحد أشهر شعراء الأندلس في القرن السابع الهجري.


وهو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن علي بن شريف النّفزي، الرُّندي، ويكنى أبا الطيب، وأبا البقاء، إلا أنه اشتهر أكثر بأبي البقاء، وقد كان متعدد المواهب والاهتمامات المعرفية، والتي امتدت لتشمل معظم جوانب الثقافة الأدبية والدينية في عصره، فقد كان أديبًا، وشاعرًا، وفقيهًا، ومحدثًا، كما كان ذا مكانة مرموقة في ذلك الوقت، وتربطه العديد من الصلات الوثيقة مع الأمراء، والحكام، والوزراء، وبالإضافة إلى ذلك كله، فقد اتصف بالورع، والتدين، والأخلاق الحسنة.[١]


مولد أبي البقاء الرُّندي

ولد أبو البقاء الرُّندي في شهر محرم من عام 601 هجري، في مدينة رُندة حيث ينتمي، الواقعة في الجزيرة الخضراء بين مالقة وشريش في جنوب الأندلس، وينتسب أبو البقاء إلى قبيلة نفزة، وهي من قبائل البربر.[٢]


مسيرة أبي البقاء الرُّندي العلمية والعملية

بدأ أبو البقاء الرندي رحلة تلقي العلم منذ الصغر على يد والده أبي الحسن يزيد بن صالح، ثم التحق بمجالس الشيوخ، وحلقات العلم في مسقط رأسه رُندة، فدرس فيها القرآن الكريم وحفظه، ورواية الشعر والترسل، وقوانين اللغة العربية، والخط، أما في مرحلة الشباب، انتقل الرندي، كما فعل الكثير من الطلاب إلى الأقاليم المجاورة لبلدته، والمشهورة بمجالسها العلمية الثرية، مثل: مالقة، وإشبيلية، وشريش، والتقى فيها بكبار العلماء والشيوخ.


عندما بلغ أبو البقاء مرحلة النضوج، انتقل إلى غرناطة، وأصبح فيها شاعرًا للبلاط النصريّ، كما كان كثير التردد على مدينة سبتة، وزار مراكش مرتين ضمن الوفد الرسمي الذي كان متوجهًا إلى البلاط المريني؛ لطلب النصرة والاستنجاد بهم، ودعوتهم إلى الجهاد في الأندلس.[٣]


شعر أبي البقاء الرُّندي

برز أبو البقاء الرندي كشاعر مدّاح في بلاط ملوك بني الأحمر؛ إذ كان ذا صلة قوية بأمراء الدولة المحبين للشعر، وقد امتاز بكونه شاعرًا غزير الإنتاج، وسهل العطاء، وحاضر البديهة، ومن أبرز أغراض الرندي الشعرية: المديح، والغزل، والرثاء، خاصةً رثاء المدن والممالك، والحكمة، والهجاء، والتوحيد، والشوق إلى أبنائه.[٤]


وقد كانت لغة الرندي الشعرية واضحة وسلسة في التعبير للقارئ، وميسورة الفهم، إضافةً إلى ذلك، عاصرالرندي العديد من الأحداث والمواقف والوقائع التاريخية في حياته، وخاض تجاربًا مريرة عديدة، مثل؛ الغربة ووحشتها، وفقدان الأحبة، والحروب، وكان لهذا كله دور هائل في رسم صدق العاطفة الصارخ في شعر الرُّندي، وقد أظهر هو تأثره بجميع هذه العوامل بصورة واضحة ومتمكنة في أبياته الشعرية، وكلماته النثرية، كما تأثرت كتاباته بحكم وأمثال السابقين، وفكر وفلسفات عصره.[٥]


قصيدة رثاء الأندلس

ترجع شهرة أبي البقاء الكبيرة إلى قصيدته "رثاء الأندلس"، والتي نظمها بعد تنازل ملوك بني الأحمر عن عدد من المدن الأندلسية للإسبان، في محاولة منهم للحفاظ على حكمهم من السقوط، وقد استهل أبو البقاء قصيدته بالدعوة إلى الاعتبار من زوال الدول وموت الملوك، ثم وصف المدن الأندلسية، وصوّر سقوطها في يد العدو، وما حل بأهلها من مصائب ونكبات، ثم انتقل بعد ذلك إلى دعوة المسلمين إلى الجهاد، إذ استنجد في قصيدته، والتجأ إلى بني مرين والقبائل المغربية، واستنصرهم لمساعدتهم في حربهم مع العدو، وإنقاذ ما تبقى من مدن أندلسية أن قبل سقوطها.


تمتاز قصيدة "رثاء الأندلس" بصدق العاطفة الجياشة، ويسيطر عليها التأثر، والانفعال، وروعة الحماسة الدينية والوطنية، كما استخدم الشاعر لغة بسيطة ومعبرة، وذات أثر مباشر، وقد صور فيها واقع الأندلس القاسي بعبارات بعيدة عن التنميق والتكلف، أو الإسراف في التصوير، فاستطاع بقصيدته تحريك العواطف، ولفت الانتباه إلى قضية الأندلس، بوصفها مشكلة عامة تخص جميع الأمة الإسلامية بلا استثناء، كما ركز فيها على أهمية الجهاد لاسترداد المدن المسلوبة، باعتباره فرض عين على جميع المسلمين، لا يسقط التكليف به على أيّ حالٍ من الأحوال.[٦]


وفاة أبي البقاء الرندي

توفي أبو البقاء الرندي في عام 684 هجريًا، الموافق 1285م، وقد دفن في مسقط رأسه مدينة رندة، عن عمرٍ يناهز 83 عامًا.[٧]

المراجع

  1. محمد رضوان الداية، أبو البقاء الرندي شاعر رثاء الأندلس، صفحة 35-43. بتصرّف.
  2. زياد طارق لفتة، أبو البقاء الرندي حياته وشعره، صفحة 332. بتصرّف.
  3. نوف بنت محمد علي يماني، الحكمة في شعر أبي البقاء الرُّندي، صفحة 58-59. بتصرّف.