من هو أبو نواس؟

شاعر من أبرز الشعراء في تاريخ الأدب العربي، ومن شعراء العصر العباسي.


وهو الحسن بن هاني بن عبد الأول بن الصباح الحكمي المذحجي، شاعر عربي فارسي ذو قيمة أدبية كبيرة، رغم أنه اشتهر بولعه الشديد بالخمر وعشقه لها قبل توبته لاحقًا، والتي دفعته للانخراط في شعر الخمريات المعروف بتاريخ الأدب العربي وفي عصره الذي تميز بانحدار الأخلاقيات، فتفرّد في وصف الخمور وبرع في مدحها والتغزل بها، حتى إنه خصص لها في أدبه بابًا مُستقلًا، جنبًا إلى جنب مع قصائده الأخرى متعددة الموضوعات، والتي تلونت بالغزل، والثناء وغيرها من الموضوعات، كما تميز بألفاظه الحضريّة، فكان أول من أقصى الألفاظ البدوية وابتعد عن الأشعار العربية التقليدية.[١][٢]


مولد أبي نواس ونشأته

وُلد أبو نواس في مدينة الأهواز (إيران)، لكنه نشأ وترعرع في البصرة عندما كان عمره عامين، واختلف المؤرخون حول تاريخ ولادته، فقيل إنه كان في الأعوام 140-145-148 هـ/775-762-765 م، أما عن نسبه فلم يكن من النبلاء، أو ذوي الأنساب الأصيلة، فهو عربي فارسي الأصل، وكان والده مولى من الموالي ومن أصلٍ فارسي، أما والدته فعاملة بسيطة تنسج وتصنع الجوارب، وهي من أصل دمشقي، وكان يُجيب إذا ما سُئل عن نسبه بأن أدبه يغنيه عن نسبه، وبينما كان صغيرًا توفي والده ونشأ يتيمًا، وعندما كانت والدته تعمل بجد لتحصيل قوتهم، كان يجوب دكاكين العطارين، وبدأ من هناك مسيرته الأدبية والشعرية.[٣][١][٤]


ثقافة أبي نواس وعلمه

انتقل أبو نواس إلى بغداد برفقة أبي أسامة والبة بن الحباب بعد أن التقاه في الكوفة، وكانت مدن العراق حينها ملتقى للأمم والثقافات من مُختلف الأجناس، من المجوس، وأهل الهند، والصين، الذي يختلفون في شعائرهم وعاداتهم وطرقهم باللهو، إضافةً للمذاهب الفقيه والفلسفية والأدبية المُتعددة، ومذاهب علوم الكلام، فتشرب منهم أبو نواس البلاغة وامتاز بثقافته الواسعة التي دعمته وساعدته على التفنن والتطرق إلى مُختلف العلوم، منها؛ العلوم اللغوية والشرعية، وعلوم القرآن الكريم والحديث وفهمها، فعرف ناسخ القرآن ومنسوخه.


كما درس النحو، والشعر، والألفاظ، وغريب الكلام وفصيحه على يد أهله وأصحابه، فنال من الثقافة ما جعله يحظى بمكانة مميزة ويستحق ثناء وإطراء علماء عصره، إلا أنه وفي الوقت نفسه انغمس في اللهو، وسار مع تقلبات الأطياف التي عاشرها، قبل أن تقوم ثورة الأمين الذي جعله ضيفه ونديمه الذي أقصاه فيما بعد بسبب سمعته وهوسه بالخمور، فعندما أصابته آفات العصر وأغرته انغمس في الملذات كبعضٍ من أرباب المقامات وأصحاب الأنساب حينها، فكان يُرشح نفسه، ويعتز بثقافته وعلومه التي مكّنته من الجلوس في أشرف المجالس وأوجه المراسم، ليستبيح الوقار وينسب لنفسه السيادة، ويغدو ممن يُجاهرون بعرض سوء الخُلق ويتحدى به الغير مُستغلًا منصبه الرفيع من الثقافة والدراية التي امتاز بها عن غيره في زمانه، وكان يجاهر في أخلاقه السيئة بذلك أصحاب الأنساب وأهل الوقار والنبلاء ممن يحتقرونه بأصولهم وأنسابهم، فبات يُظهر من خلال مجاهرته بالمعصية استخفافه الشديد بهم، ونبذهم.[٥][٦][٧]


شخصيّة أبي نواس الشعرية

تمتع أبو نواس بمقدرة أدبية ولغوية مهدت له الطريق ليتصدر مجالس العلماء، ويُشاركهم الحديث فيها، بشهادة العديد من علماء عصره من أمثال الجاحظ الذي مدح فصاحته بالكلام وعلمه الواسع باللغة، إضافةً لابن قتيبة، والأصفهاني، وأبي عبد الله الجمباز، وغيرهم، ومن هنا تمحورت شخصيته الشعرية المتفردة والمميزة التي جمعت علوم عصره وجعلته عالمًا وشاعرًا غزير اللغة، بعيدًا عن التقييم الأخلاقي والديني، والكذب الفني، ومعايير الجودة في الشعر القديم.[٨]


شعر أبو نواس

تنوعت المواضيع والأغراض الشعرية التي كتب فيها أبو نواس، وأبرز المحاور التي دار حولها شعره ما يأتي:


الخمريات

عُرف شعر أبي نواس باقترانه الكبير بذكر الخمر، وهو سبب تسميته بشاعرالخمر، وزعيم الخمريات في الأدب العربي، أما الخمريات فهي مجموعة من الأشعار المُقتصرة على عالم الشراب، ومن ضمنها الخمرة، وهنا يسرد الشاعر جميع ما يخصها، من أوصافها، وشكلها، ولونها، وطعمها وتأثيرها في نفسه، والنشوة التي تعتريه بفضلها، وطقوسها، وغير ذلك، فكانت الخمرة تتبوأ منزلة كبيرة عند أبي نواس، وخلق بفضلها عالمه المتفرد المُسمى بالعالم النواسيّ، وهناك تمتزج الخمرة بإحساسه وفكره وروحه، وتذوب فيها نفسه تاركةً خلفها الألم، وساعيةً وراء الخلاص من مصائبه وأحزانه، وكانت بالنسبة له بمثابة مرآة تُجسد له تحولات العالم الجميل ومُجتمعه المحيط به.


كما أنه يراها وسيلةً منيعة ساعدته في التمرد على السنن الشعرية والأعراف الاجتماعية السائدة، وأداةً يُحارب بها القبح، ويستبدل من خلالها المكروه بالمحبوب، لتعوضه عن رياء الخليفة الذي يقطن في ظله، وإن كانت الفاكهة المُحرمة، فعند أبي نواس هي بوابةٌ واسعة أدخلته عالم السياسية والمعرفة، وشقت طريقه للسعادة، مُطلقةً سراحه من سجن المُجتمع والتقاليد والقيود التي تأسره، لكن رغم ما قيل عنه في حب الخمرة والميل لأشعار الخمريات إلا أن هنالك الكثير من النقّاد ممن بالغوا في ذمه واستنكاره واحتقاره، فوصفوه بالمجون والتفحش والتهتك، تاركين أمجاده وألوانه الشعرية الأخرى، ومُنتقين سمات شعره الذي يدور حول الخمريات، وعندما دعاه الجمّاز للتوبة أجابه " يا أبا عبد الله، والله ما أشركت بالله طرفة عين قط".[٩]


غزل المُذكر والمؤنث

تغزل أبو نواس في شعره بالمُذكر والمؤنث، فقد كان يتغزل بالجواري بنفس الطريقة التي تغزل بها بالغلمان، وهنا يُمكن تلخيص غزله بناء على ما جاء به بعض الباحثين بأنه ليس شذوذًا استلزم حبه لأبناء جنسه دون غيرهم، بل هي إحدى غايات طبيعته النرجسية التي تجعله قادرًا على تمثيل شخصه في الإناث والذكور، ورؤيته للفتى يُشبه الفتاة، والعكس، كما أن بيئة أبي نواس التي ترعرع بها كانت بعيدة عن البدائية، وكانت غالبًا ما تتمحور حول الجواري والغلمان المتعرضين لشعراء المجون، وبشكلٍ عام لم يكن الغزل بهم إلا ضمن المتعارف عليه في بيئته من التسلية وقت الفراغ، وثرثرة المجالس، ومناوشات شاربي الخمر.[١٠][١١]


شعر المديح والثناء

بعد انتقال أبي نواس من البصرة إلى بغداد التي كانت ذورة آمال وأمجاد الشعراء ومقر الخلافة العباسية أصبح على علاقةٍ وطيدة بخلفاء بني العباس، فأكثر من مدَحهم في قصائده، وخص في مديحه هارون الرشيد، والخليفة الأمين الذي كان نديمًا له، وامتاز شعره بأنه يسخر من شعر العرب التقليدي الذي يقوم على بكاء الأحبة والوقوف على الأطلال، فكان من دعاة التجديد، وأول من بادر لهجر الألفاظ البدوية واستبدالها بألفاظ حضرية عذبة، وغلب على شعره وقصائده ألوان الغزل والمدح والثناء بدلًا من الرثاء، والزهد، والهجاء التي ميزت أسلافه من الشعراء المخضرمين.[١][٤]


أساتذة أبي نواس

تتلمذ أبو نواس على يد نخبة من كبار العلماء والفقهاء، منهم:[٥]

  • أبو أسامة والبة بن الحباب الذي سمع وأخذ عنه الشعر.
  • خلف الأحمر، ومنه تعلم النحو الشعر.
  • يعقوب الحضرمي الذي حفظ عنه القرآن.
  • أبو زيد النحوي والذي تعلم منه الألفاظ والكلمات الغريبة.
  • أبو عبيدة معمر بن المُثنى وسمع عنه أخبار العرب.[٧]
  • يحيى القطان، وحماد بن سلمة، ومنهم طلب علوم الحديث.[٧]
  • محمد بن حبيب الماشي، وقد جالسه ونظر منه في علم نحو سيبويه.[٧]


أشهر قصائد أبي نواس

من أشهر قصائد أبو نواس ما يأتي:[١]

  • رَضينا بِالأمين عن الزَّمان.
  • دَع عَنكَ لَومي.
  • نِمت إِلَى الصبح وَإِبلِيس لي.
  • بَينَ نارَيْن.


ديوان أبي نواس

ضمّ أبو نواس في ديوانه هذا العديد من الموضوعات الشعرية، أبرزها الخمريات التي كانت إحدى أبرز سمات شعره، فكانت سببًا في حقد الكثيرين عليه ووصفه بالزندقة، لكن لم يقتصر ديوانه عليها بل شمل قصائد المديح والثناء والغزل، فرغم سوء سمعة الشعر لدى البعض حول أبي نواس إلا أنه كان مُرهف الحس رقيق التعبير ينتقي أبسط العبارات والألفاظ التي حملتها قصائده الموجودة في ديوانه هذا، كما وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يخلو من الشعر المنسوب إلى أبي نواس، والذي اختلط بقصائده بسبب كثرتها.[١٢]


وفاة أبي نواس

تجدر الإشارة إلى توبة أبي نواس وزهده وبعده عن المعصية والفجور في آخر حياته، وذلك قبل وفاته التي اختلف المؤرخون حولها، فقيل إنه مات في مدينة بغداد، وأن وفاته كانت في عام 195-198 هـ/ 814-811 م، وذلك عن عمر يُناهز 59 عامًا، أما دفنه فكان في تل اليهود غرب بغداد.[١][٣][٤][٢]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج "أبو نواس"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 5-5-2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عمر بن الخطاب ادم، صورة المجتمع في العصر العباسي الأول من خلال شعر أبي نواس، صفحة 9. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عيسى عبد الشافي إبراهيم المصري، أبو نواس في انظار الدارسين العرب المُحدثين، صفحة 12-13. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "Abū Nuwās", britannica, Retrieved 6-5-2021. Edited.
  5. ^ أ ب عيسى عبد الشافي إبراهيم المصري، أبو نواس في انظار الدارسين العرب المُحدثين، صفحة 14. بتصرّف.
  6. عباش العقاد، أبو نواس، صفحة 80-81-82. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث محمد خليل الخلايلة، جـدليـة أبي نواس وعلمـاء القـرن الخامس والسادس والسابع الهجري، صفحة 7. بتصرّف.
  8. محمد خليل الخلايلة، جـدليـة أبي نواس وعلمـاء القـرن الخامس والسادس والسابع الهجري، صفحة 10. بتصرّف.
  9. يوسف هادي پور نهزمي، دراسة نقدية في مبني خمريات أبي نواس، صفحة 1-2. بتصرّف.
  10. عيسى عبد الشافي إبراهيم المصري، أبو نواس في انظار الدارسين العرب المُحدثين، صفحة 123. بتصرّف.
  11. عباس العقاد، أبو نواس، صفحة 123-124-125. بتصرّف.
  12. أبو نواس، "ديوان أبي نواس"، مكتبة النور، اطّلع عليه بتاريخ 5-5-2021. بتصرّف.