من هو الإمام مُسلم؟

وهو الإمام الحافظ، والمُحدث المُتقن، وأحد أعلام الحديث والسيرة النبوية وعلومها البارزين من أئمة القرن الثالث الهجري.


وهو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ، القشيري النسب، النيسابوري الأصل، وهو من أعلام المسلمين ومن الأئمة الحافظين البارعين الذين تتلمذوا على يد صفوة مشايخ الحديث وأعظمهم، وصاحب كتاب المُسند الصحيح المسمى على اسمه، والذي يُعتبر ثاني أجود كتب السنة وأشهرها صيتًا، وأكثرها دقة وموثوقية من بعد صحيح البخاري.[١][٢]


مولد الإمام مسلم ونشأته

اختلف المؤرخون حول تاريخ ولادة الإمام مسلم، إذ رجّحت كتب التراجم على أنها كانت خلال الأعوام 202-206 هـ، وأنه ولد في مدينة نيسابور، وهي من مدن خراسان القديمة، وكان ينتمي لقبيلة قشير العربية الأصيلة، وقد نشأ الإمام مُسلم وترعرع في بيتٍ عريق ذو علمٍ وجاه، فكان والده الحجاج بن مسلم، من المشايخ المتصدرين في تعليم الناس وتربية التلاميذ على الدين، وهو ما أثر على الإمام مسلم بشكل واضح، فكان والده منارةً تُنير له دروب العلم وتحثّه على طلبه والتزوّد منه، فدفعه إلى حلقات العلم النافعة، وشجعه على التردد إليها بانتظام، وأدخله الكتاب كسائر الأئمة السابقين ليتعلم القرآن الكريم ويحفظه، بالإضافة إلى تعلّم اللغة العربية وعلومها، والتثقف في مُختلف العلوم الأخرى من علوم الحديث والسيرة النبوية وغيرها.[٣][٢]


ثقافة الإمام مسلم وتعليمه

بدأ الإمام مُسلم بطلب العلم منذ نعومة أظافره، فسمع الحديث عندما كان غلامًا يبلغ من العمر سبعة أعوام، وسعى واجتهد في البحث عن المعرفة والتزود منها، فارتحل في طلبها وسافر في أولى رحلاته إلى مدينة الحجاز في عام 220هـ، والتي قصدها ليؤدي فريضة الحج، ويستمع ويتعلم في الوقت نفسه من شيوخ ومُحدثي مكّة، ثم عاد إلى وطنه نيسابور، وأمضى فيه بعض سنوات من الدراسة والاستماع للمشايخ وعلماء الحديث، وعاد ليُسافر سنة 230 هـ في رحلة طويلة شملت بلاد الأمصار الإسلامية والعراق، والشام، ومصر، والحجاز، فطافها وأخذ العلم فيها على يد صفوة علمائها، وسمع من عدد كبير من الحفظة المُتقدمين، فغدا من أئمة الحديث الحافظين والمُتقنين والمُتضلعين في مُختلف علومه.[٤][٢]


وتجدر الإشارة إلى أن الإمام مُسلم كان تاجرًا أيضًا، وكانت مهنته بائعًا للثياب والقماش، لكنها لم تقف عائقًا في سبيل صلاحه وإتقانه لعلوم الحديث وإفادة المسلمين بمعرفته، ولم تُغنه أمواله وممتلكاته أو تسد حاجته عن التزود بالعلوم واكتسابها، فكان مُقبلًا ومُحبًا للعلم غير مُدبر، فغدا صاحب تجارة ناجح ومُحدثًا ثقة، مُتقنًا وبارعًا في جمع الحديث وروايته.[٥]


وقد حظي الإمام مسلم بمكانة علمية عريقة بين علماء الحديث، فأجمعوا على إمامته وعظمته وجلالته، وعلو شأنه ومرتبته العلمية العريقة، وحِذقه فى الرواة، وجمع ومعرفة جملة علوم الحديث، وتقدمه وقعوده فيها، وتضلعه منها، وهو ما يَظهر جليًا وواضحًا في كتابه الصحيح، الذي تفنن فيه وصب ذخيرته وخبرته في تأليفه، فلم يواتيه كتاب آخر في حُسن الترتيب، أو من حيث طريقة تلخيص الحديث دون زيادة أو نقصان، وباحتراز ودقة لا متناهية في صناعة الأسانيد والمتون، والاعتناء بالروايات المصرحة بسماع المدلسين وغيرها.[٦]


منهج الإمام مسلم في صحيحه

على الرغم من وجود العديد من الاختلافات وتناقض في الآراء بين علماء الحديث الآخرين، إلا أنه يُمكن تلخيص جزء من منهجية الإمام مُسلم في نقل وتدوين الحديث النبوي من خلال كتابه المشهور صحيح مسلم، وذلك بناءً على النقاط الأساسية الآتية:[٧]

  • شروط انتقاء الحديث: اشترط الإمام مسلم في صحيحه بأن يكون الحديث صحيحًا ويستوفي شروط الصحة، والتي لخّصها ابن صلاح، بأن يكون الحديث مُتصل الإسناد ومنقولًا عن راوي ثقة ابن ثقة من بدايته إلى نهايته، وأن يكون خاليًا وسليمًا من العلل والشذوذ، إضافةً لاتصال الإسناد من الطبقة الأولى، والتي انتقى الإمام مسلم رجالها من بين الحَفَظة المُتقنين وأهل الاستقامة في الحديث، تاركًا باقي أقسام الحديث الأخرى للرواة المتوسطين أو الضعفاء، كما اشترط أيضًا في الأحاديث التي يرويها الراوي عن غيره بصيغة "عن فلان"، بأن يكون الراويان مُتعاصران أي بضرورة ثبوت لقائهما ومعاصرتهما وليس اللقاء مرة واحدة كنهج الإمام البخاري، إضافةً لأن يكون الحديث مُجتمعًا ومُتفقًا عليه وإن كان صحيحًا.
  • منهجية صناعة الأسانيد: تميّز صحيح مسلم بدقة التحرّي في الرواية وحسن الترتيب والصيغة الإسنادية، فجمع بين الاستيعاب والاختصار، وذلك بالالتزام ببعض المسالك الفنية الأساسية، من بينها الإكثار من التحويل، والمقصود به التحوّل من إسناد إلى آخر بوضع حرف (ح)، فيكرر ذلك في الحديث الواحد مرتين وأكثر، كما كان يجمع بين الشيوخ، ويُشير بدوره إلى باقي الإسناد، فيروي الحديث رواية تامة سنداً ومتناً، ويتبعه بعدها برواية ثانية تلتقي مع الرواية الأولى في نقطة يسوق بدوره إليها، ومن ثم يُشير لبقية السند اختصارًا، وذلك فقط في حال وجود فائدة جديدة في السند، كوجود اختلاف في صيغة الأداء وما إلى ذلك، أما المسلك الأخير، فهو إشارة الإمام مسلم إلى باقي المتن، كذكره الحديث بسنده ومتنه كاملًا، وإتباعه برواية أخرى يذكر إسنادها، ويُشير فقط إلى المتن باختصار دون الخوض فيه، ويستخدم هذه الطريقة في حال عدم وجود فرق يُذكر في متون الروايتين.[٨]
  • التكرار والتفريق بين الصيغ: كان الإمام مسلم يُكرر الحديث مرتين أو أكثر، وذلك فقط في حال اشتمال السند، أو المتن، أو كليهما على فائدة من التكرار، ولكن في نفس الوقت، كان يلتزم تكرار الحديث في موضع واحد في صحيحه، وإن اشتمل على أكثر من حكم فقهي فكان يذكره في أكثر المواضع التصاقًا به، ويتجنب تكراره في موضع آخر إلا نادراً، ويُراعي التفريق بين صيغتي الرواية "حَدّثنا وأخبرنا"؛ إذ إن الأولى تدل على السماع، والثانية تدل على العرض، الأمر الذي يدل على دقته وأمانته في صناعة الأسانيد.[٨]


شيوخ الإمام مسلم

تتلمذ الإمام مسلم على يد نخبة من المشايخ من أئمة عصره، ومن أبرزهم:[٩][٦]

  • الإمام البخاري.
  • الإمام أحمد بن حنبل.
  • إسحاق بن راهويه.
  • يحيى بن يحيى النيسابوري.
  • محمد بن يحيى بن أبي عمر.
  • قتيبة بن سعيد.
  • عبد الله بن مسلمة القعنبي.
  • إسماعيل بن أبي أويس.
  • عثمان بن شيبة.
  • عبد الله بن أسماء.
  • شيبان بن فروخ.
  • حرملة بن يحيى صاحب الشافعي.
  • محمد بن المثنى.


أشهر مؤلفات الإمام مسلم

من أبرز مؤلفات الإمام مسلم ما يأتي:

  • كتاب المنفردات والوجدان: وهو كتاب أورد فيه الإمام مسلم الرواة، وذكر فيه أسماء من روى عنهم، بغض النظر عن أجناسهم، سواء كان الراوي رجلًا أو امرأة ممن حفظوا عن الرسول الكريم قولًا أو فعلًا، ومن جهة أخرى، اقتصر في روايته لكلّ راوٍ واحدًا من مشهور التابعين، ولا يُتبعه بثانٍ فيما حفظ من الرواية.[١٠]
  • كتاب الطبقات: ويُعرف أيضًا بطبقات مُسلم، وهو من أقدم كتب الطبقات وأهمها، فقد أورد فيه الإمام مسلم وذكر 2246 صحابيًا وتابعًا، عدّهم جميعًا كطبقة واحدة بطريقة سلسة ومُختصرة، ومن ثم قسمهم إلى طبقات تبعًا لموطنهم، فبدأ في كتابه بذكر أهل المدينة من الصحابة، ومن بعدهم أهل مكة، فالطائف، فالكوفة، ثم البصرة، فأهل الشام، ثم أهل مصر، ومن بعدهم أهل اليمن، فالرقّة، ثم اليمامة وباقي البوادي والأوطان، ومن بعدها أورد النساء وقسمهنّ إلى طبقات تبعًا لبلدانهن بنفس طريقة تصنيف الصحابة الرجال، لكنّه اقتصر على ذكر الصحابيات فقط دون التطرق للتابعيات.[١١]
  • كتاب الكنى والأسماء: ألّف الإمام مسلم كتابه هذا الذي أفرد فيه كنى الرواة في عدة مواضع، مُعتبرًا عمله مهمة عظيمة؛ إذ كان يرى الجهل فيها عيبًا على المُحدثين من أمثاله كما روى ابن صلاح، فقد كان مُتأثرًا بظاهرة الوضع في الحديث، والتي استمر فيها أعداء الإسلام في خلط صحيح الحديث مع سقيمه وجيّده مع رديئه، بقصد تشويه صورة الإسلام والتشكيك في دقة السيرة النبوية، فسار الإمام مُسلم على نهج العلماء الأجلاء السعاة لحفظ الدين، وبدورهم قاموا بالسؤال عن أحوال الرواة جرحًا وتعديلًا وقواعدًا، وعرّفوا الحديث وقسموه إلى: صحيح، وحسن، وضعيف، وموضوع، وغيرها من الأنواع التي أقرّها أهل هذا الفن.[١٢]


صحيح مسلم

واسمه بالكامل المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُعد هذا الكتاب واحدًا من أبرز وأهم كتب الحديث النبوي الشريف عند أهل السنة والجماعة، ويُصنف كثالث أصحّ الكتب بصورة مُطلقة من بعد القرآن الكريم أولًا ومن بعد صحيح البخاري ثانيًا، وهو أحد كتب الجوامع؛ إذ يحتوي بدوره على جميع أبواب علوم الحديث النبوي من أحكام، وعقائد، وتفسير، وآداب، وتاريخ، ورقاق، ومناقب، وغيرها.


ومن جهةٍ أخرى، فقد توخى الإمام الجليل أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري الحذر والدقّة في جمعه، فلم يروي فيه من الأحاديث إلا تلك الصحيحة المُتفق عليها بإجماع العلماء والمُحدثين الموثوقين، كما اقتصر فيه على رواية الأحاديث المرفوعة تاركًا رواية الموقوفات، والمعلّقات، وندر ما أضمنه أقوال وأحكام العلماء وآرائهم الفقهية، وهو ما يمنح الكتاب قيمة ومكانة رفيعة وأهمية بالغة لدى علماء السنة، وقد اجتهد الإمام مُسلم في جمعه وتصنيفه، فاستغرق ما يُقارب خمسة عشر عامًا، جمع خلالها ما يزيد عن ثلاثة آلاف حديث غير مُكرر من بين 300 ألف حديث محفوظ لديه.[١٣][١٤]


وفاة الإمام مسلم

اختلف المؤرخون حول وفاة الإمام مُسلم، ولكن المُتفق عليه والمرجح كما ورد في مُعظم كتب التراجم لسيرة الإمام الجليل على أنه توفي في مدينة نيسابور، في تاريخ 25-رجب-261 هـ، ودُفن في مقبرة في رأس ميدان زياد في نصر آباد ظاهر نيسابور، وكان يبلغ من العمر 55 عامًا تقريباً عند وفاته.[١٥]

المراجع

  1. فهد بن عبد الرحمن العثمان، كتاب الفوائد الذهبية من سير أعلام النبلاء جـ 2، صفحة 76. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت عبد المحسن العباد، Ω½ΘΩ φ¡Ñ∩Ñ∞.pdf الإمام مسلم وصحيحه، صفحة 1-2-3-4. بتصرّف.
  3. مشهور حسن محمود سليمان، الامام مسلم بن الحجاج صاحب المسند الصحيح، صفحة 22-23. بتصرّف.
  4. الدكتور أمين محمد القضاة، الدكتور شرف محمود القضاة، منهج الإمام مسلم في صحيحه، صفحة 4. بتصرّف.
  5. د رمضان حسين الشاوش، مسلم وصناعة التحويل في الأسانيد.pdf?sequence=1&isAllowed=y الإمام مسلم وصناعة التحويل في الأسانيد، صفحة 4. بتصرّف.
  6. ^ أ ب الإمام النووي، كتاب تهذيب الأسماء واللغات، صفحة 90. بتصرّف.
  7. الإمام مسلم وصناعة التحويل في الأسانيد من خلال صحيحه، مسلم وصناعة التحويل في الأسانيد.pdf?sequence=1&isAllowed=y د رمضان حسين الشاوش، صفحة 14-15. بتصرّف.
  8. ^ أ ب د أمين محمد القضاة، د شرف محمد القضاة، منهج الإمام مسلم في صحيحه، صفحة 13-14-15-16. بتصرّف.
  9. ابن خلكان، كتاب وفيات الأعيان، صفحة 194. بتصرّف.
  10. مسلم بن الحجاج، كتاب المنفردات والوجدان، صفحة 5. بتصرّف.
  11. مسلم بن الحجاج، الطبقات، صفحة 1. بتصرّف.
  12. الإمام مسلم بن حجاج، كتاب الكنى والأسماء، صفحة 7. بتصرّف.
  13. الإمام مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، صفحة 1. بتصرّف.
  14. الإمام مسلم بن حجاج النيسابوري، "صحيح مسلم"، مكتبة النور، اطّلع عليه بتاريخ 8-7-2021. بتصرّف.
  15. د رمضان حسين الشاوش، مسلم وصناعة التحويل في الأسانيد.pdf?sequence=1&isAllowed=y الإمام مسلم وصناعة التحويل في الأسانيد، صفحة 9. بتصرّف.