من هو البتاني؟

هو فلكي، وعالم رياضيات عريق من أعلام القرن التاسع الميلاد في العهد العباسي.


وهو أبو عبد الله مُحَمَّد بن جَابر بن سِنَان الْحَرَّانِي الأَصْل البتاني نسبةً إلى مدينة بتان، وهو حاسب مُتقن، وراصد، وفلكي من أبرز علماء الفلك الإسلاميين المشهورين في مُختلف أنحاء العالم؛ نظرًا لمساهماته الهامة في علوم الرياضيات والفلك، واجتهاده في عمله الذي أمضى فيه مُعظم سنوات حياته، فقدم من خلاله ملاحظات فلكية في غاية الدقة، صحح من خلالها أخطاء بعض علماء الفلك السابقين له، ومنهم بطليموس، والتي شملت حركة الكواكب والأفلاك، والحسابات الشمسية، والحسابات القمرية التي ترتبط بالاعتدالات والظواهر الطبيعية؛ كالكسوف والخسوف، وتعاقب الفصول، وأوقات السنين، وأطوال الليل والنهار، وغيرها، بالإضافة إلى إنجازاته في مجال الرياضيات، خاصة في علم المثلثات، فضلًا عن كتابه الزيج الصابئ الذي يُعد من أعمدة علم الفلك ومراجعها التاريخية الهامة.[١][٢][٣]


مولده البتاني ونشأته

ولد البتاني في بتان التي تقع في إقليم حران (تركيا الآن) قبل عام 858 م كما ذكر المؤرخون، وعاش وترعرع في مدينة الرقة (إحدى مدن سوريا الآن)، وكانت مسقط رأسه حران موطنًا ازدهر فيه علم الفلك وبرز فيه الكثير من علمائه، أبرزهم ثابت بن قرة، فاشتغل البتاني بهذا العلم وتفرغ له.[٤][٢]


ثقافة البتاني ودراسته الفلك

رصد البتاني ودرس الأفلاك مدّة تقارب 42 عامًا، وذلك خلال الأعوام من 264-306 هـ، واستخدم في مسيرته العديد من أدوات الرصد والمراقبة التي أتيحت في عصره الذي اهتمت فيه الحضارة الإسلامية بشكل كبير في علم الفلك، ومن أبرز الأدوات الفلكية التي استخدمها: مزولة العقرب، والمزولة الأفقية والرأسية، وشبه المنحرف، والاسطرلاب، والحكام، ونوع جديد من الكرة الحربية، وربع جدارية، كما أوصى بأحجام تزيد عن متر؛ ليحصل على نتائج وملاحظات أكثر دقة، وقد بنى مرصدًا خاصًا به في مدينة أنطاكية ليتسنى له مراقبة كسوف وخسوف القمر، وارتحل من مدينة الرقة إلى بغداد، وتوفي في طريق العودة.[٢][٥]


أبرز مساهمات البتاني العلمية

قدّم البتاني العديد من المساهمات العلمية في مجالات متنوعة، أبرزها ما يأتي:


في مجال الفلك

كان البتاني يُلقب ببطلميوس العرب؛ نظرًا لاجتهاده المثمر في علم الفلك، وثبات قدمه فيه، وتضلعه منه، ومن أبرز اكتشافاته الرياضية والفلكية التي كانت عماد علم الفلك خلال القرون الوسطى، والتي اشتهرت في مدارس أوروبا أيضًا، ما يأتي:[٦][٧]

  • اجتهد في تصحيح أرصاد الكواكب، واختبار حركتها وسيرها في استقامتها ورجوعها، ووضع جداول جديدة لها اختلفت عما قدمه علماء الفلك السابقين، كما قام بتصنيف 489 نجمًا في زيجه الشهير، إذ يُطلق على الجداول الفلكية؛ زيج.
  • ضبط القيم الموجودة لطول السنة ومنحها قيمة تعادل 365 يومًا، و5 ساعات، و46 دقيقة، و24 ثانية، بالإضافة لتحديد مواعيد وأوقات الفصول، والشهور، وزيادة ونقصان طول الليل والنهار وغيرهما.
  • درس حركة الشمس والقمر، وحسب أوقات الكسوف والخسوف، وأزمانها وصحح مذهب بطليموس في كتاب المجسطي بالاستدلال من الأرصاد، والأبحاث العلمية، والحسابات الفلكية والهندسية وباستخدام علم المثلثات.
  • حسب ميل مسير الشمس وقدره بما يُعادل 23 ° 35، كما حسب الاعتدال الشمسي بما يُعادل 54.5 في السنة.
  • ألف كتبه المشهور زيج الصابئ الذي ترجم لاحقًا إلى اللغة اللاتينية، والذي ناقش من خلاله العدد من المشاكل في علم الفلك والأرصاد، كما ساهم في العديد من المؤلفات التي لم تُطبع، ومن بينها كان تعليقات على كتاب المجسطي، ومقالة في الفلك والجغرافية، وشرح لمقالات بطلميوس، كما أعاد ضبط زيج بطلميوس الزمني لأنه لم يكن مضبوطًا، فأصبح زيج البتاني هو أضبط ما وجد من نوعه عند العرب.
  • كشف أن موقع ذروة الشمس، أي أبعد نقطة عن الأرض هي نقطة متغيرة، وبالتالي برهن على أن الخسوف الحلقي المركزي الكلي وحتى الكسوف غير المكتمل للشمس ممكن.[٤]
  • يُعد أول عالم كشف نقطتي السّمت (Azimuth) والنظير (Nadir) المعروفتين عند الإفرنج، وحدد نقطتيهما من السماء، كما اكتشف حركة الأوج الشمسي وتقدم المدار الشمسي وانحرافه.[٥]
  • ساعدت حساباته علماء الغرب ودعمت تقدّم علم الفلك، إذ يُقال إن العالم دمنتورن اعتمد على رصود البتاني الدقيقة للكسوف والخسوف في عام 1749م في تحديد تسارع القمر في حركته خلال قرن من الزمان كما روى المُستشرق نلينو.[٥]


في مجال الرياضيات

عمل البتاني على تحسين الحسابات الفلكية التي أجراها عالم الفلك بطليموس بأسلوب رياضي، وذلك باستبدال الطرق الحسابية الهندسية التقليدية بعلم المثلثات، وقام بالعديد من الدراسات والحسابات الدقيقة خلال عمله في مرصد الرقة في سوريا، فكان على سبيل المثال يستخدم المثلثات القائمة الزاوية لإعطاء الصيغ والحسابات الرياضية المهمة فدعم بذلك علم المثلثات، وصنع بعض الصيغ في حساب المثلثات الكروية، وأنشأ جداول باستخدام ظل التمام والجيب الهندسي والأوتار.[٧][٤][٥]


كتاب الزيج الصابئ

وهو من أبرز وأدق الكتب المختصة في علم الفلك التي ألفها العالم البتاني، ويُعرف بزيج البتاني نسبةً له، والمقصود بالزيج قديمًا هو الجداول الفلكية، ويحتوي الكتاب على جداول تتعلق بحركات الأجرام التي اكتشفها هذا العالم إضافةً لنتائج أرصاده للكواكب الثابتة في عام 299هـ، ومُختلف إنجازاته الفلكية المختلفة على مدار 42 عامًا والممتدة خلال الفترة من عام 264-306هـ، ويُصنف باعتباره أكثر زيج فلكي يحتوي معلومات صحيحة وفي مُنتهى الدقة، بالتالي كان له أثر كبير ساعد على تقدم علوم الرياضيات والفلك المرتبطين ببعضهما، وكان مرجعًا للعديد من العلماء والفلكيين في حساباتهم، حتى إن البعض فسر واقتبس بعضًا من محتوياته، ومن جهة أخرى ونظرًا لأهمية هذا الكتاب فقد تُرجم إلى اللغات اللاتينية، والإسبانية، والعديد من اللغات الأخرى الأوروبية، إذ اعتبره الغرب زيجًا أصح من زيج عالم الفلك بطليموس.[٨]


وفاة البتاني

توفي البتاني أثناء عودته من بغداد إلى الرقة في قصر الجص قرب مدينة سامراء، في عام 929 م، وكان يبلغ من العمر 75 سنة.[٣][٥]

المراجع

  1. زين الدين ابن الوردي ، كتاب تاريخ ابن الوردي، صفحة 252. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت Mohammad Abdullatif, Al Battani Contributions in Astronomy and Mathematics, Page 7-8. Edited.
  3. ^ أ ب خير الدين الزركلي، الأعلام للزركلي، صفحة 68. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "Al-Battānī"، britannica، اطّلع عليه بتاريخ 20-6-2021. Edited.
  5. ^ أ ب ت ث ج خير الدين الزركلي، الأعلام للزركلي، صفحة 69. بتصرّف.
  6. إسماعيل مظهر، تأثر الثقافة العربية بالثقافة اليونانية، صفحة 39-40-41. بتصرّف.
  7. ^ أ ب "Abu Abdallah Mohammad ibn Jabir Al-Battani", mathshistory.st-andrews.ac, Retrieved 20-6-2021. Edited.
  8. محمد بن جابر بن سنان البتاني، الزيج الصابئ، صفحة 1. بتصرّف.