من هو جاك دريدا؟

هو فيلسوف ومُفكر وناقد وأستاذ ومؤلف كتب بارز ارتبط اسمه بمفهوم التفكيكية، ويُعد علامة بارزة من أعلام القرن العشرين.


وهو جاك دريدا، أستاذ جامعي وفيلسوف من أصل فرنسي، ساهم في سلسلة من الدراسات الواسعة، التي طرحت عدّة محاور نقدية تشمل مجالات علميّة وأدبية، وأبرز من خلالها نظرياته الثورية التي تضمنتها كتبه ومؤلفاته الغزيرة التي تفوق 40 عملًا، والتي تتطرق لعدة مواضيع مختلفة أبرزها: البنيوية، وعلم التربية، والأدب، والتحليل النفسي، والتصوير الفوتوغرافي، والتعليم، والصحة، والهندسة المعمارية، والسياسة وغيرها من المجالات الفلسفية التي اعتنت بجوهر بعض طرق التفكير الشائعة، وامتاز باحترام الطبقة البسيطة والمُهمشة في مُختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية، الأمر الذي جعله يحظى باحترام الناس من حوله، وغدا لاحقًا شخصيّة محورية للعديد من الأبحاث، والكتب الفلسفية، والرسائل النقدية، والأفلام العالمية المتميزة التي عبرت عن منهجه وفكره العميق.[١][٢]


مولد جاك دريدا

وُلد جاك دريدا في مدينة البيار وهي إحدى ضواحي الجزائر في تاريخ 15-7-1930، حيث كانت الجزائر حينها تخضع للاستعمار الفرنسي، وكان جاك ينتمي لعائلة يهودية سفاردية الأصل.[٣]


ثقافة جاك دريدا ومسيرته الأدبية والعلمية

سافر جاك دريدا إلى فرنسا بقصد الدراسة فالتحق في مدرسة النخبة العليا في عام 1949، كما درّس الفلسفة فيها، وفي جامعة السوربون وفي مدرسة الدراسات المتقدمة في العلوم الاجتماعية، وألف سلسلة من المقالات والكتب التي شكلت مواضيعًا متنوعة، جنبًا إلى جنب مع التدريس وإلقاء المحاضرات في عدّة جامعات منها: جامعة ييل، وجامعة كاليفورنيا، وجامعة إيرفين، ومُختلف دول العالم، فاكتسب شهرة عالمية واسعة منذ بداية مسيرته.


صاغ جاك دريدا مُصطلح التفكيك الذي ارتبط اسمه به وأصبح الداعي الرئيسي له، والذي يهدف بدوره إلى التقصي النقدي للفروقات والاختلافات بين المفاهيم الأساسية، والتي تمتاز بكونها مزدوجة، وتتضمن اثنين من المُصطلحات التي يجب أن يكون أحدها رئيسيًا والآخر ثانويًا ومُشتقًا، والتي ترسخت في الفلسفة الغربية منذ القدم، وخاصةً من العصر الإغريقي القديم، وتتعدد هذه المصطلحات لتشمل الكثير من الأمثلة الطبيعية والثقافية والكتابية، واللفظية في الكلام، أو الحرفية والمجاز، والأشكال والمعاني، أو العقل والجسد، وغيرها الكثير من الأشياء التي قد تحتمل حدوث سوء الفهم حولها، ومن هنا تهدف التفكيكية لاكتشاف التناقضات بين الترتيب المتسلسل والهرمي المفترض في النصوص، وفي المعاني الأخرى الضمنية غير المباشرة لها.


وقد اعتمد جاك دريدا نظريات عالم اللغة السويسري فرديناند دي سوسور، لصياغة مفهوم الفرق الذي يقصد به الاختلاف في سبيل وصف كيفية إنشاء المعنى اللغوي، عوضًا عن تقديمه، حيث يرى العالمين أن مفهوم الكلمة يبين تنقاضات مميزة تقدمها جنبًا إلى جنب مع المعاني الأخرى المتصلة بها، وبالنظر لإمكانية ارتباط معنى الكلمة الواحدة بمعاني كلمات أخرى، فقد لا يظهر معناها بشكل صريح ودقيق، خاصةً في حال كانت تُعبر عن نوايا وهواجس داخلية، وبالتالي يتم "تأجيل" معناها إلى موقع غير معروف في سلسلة معانٍ طويلة، وقد اعتبر جاك دريدا أن المعنى ينشأ في "مسرحية" للكلمات المختلفة، بوصفها "غير محددة" و"لا نهائية".


قاد جاك دريدا حركة أدبية تجاوزت البنيوية وشككت باحتمالية وجود علم عام للمعنى، فلقيت أفكاره إعجابًا واسعًا من قبل المفكرين البنيويين، كما حلل بعضهم الطقوس الدينية والظواهر الثقافية، والروايات والأساطير وغيرها من الاتجاهات باعتبارها تحتوي على الإشارات المشابهة للغات الطبيعية من حيث الهيكل والقواعد والمفاهيم، كما حاولوا تطوير لغة اصطلاحية منها، وقدّم دريدا أعمالًا نقدية لعدّة مفكرين بنيويين، منهم الفيلسوف ميشيل فوكو، وسوسور، وكلود ليفي ستروس، وقدّم أعمالًا أخرى اكتشف فيها علاج الكتابة، مُستعينًا بفلاسفة لغويين بارزين في تاريخ الأدب والفكر الغربي، ومن بينها كتاب الكلام والظواهر، والكتابة والاختلاف، وأعمال تضمنت تحليلًا للكتابة في أعمال الفلاسفة، مثل هوامش الفلسفة، وغيرها من المؤلفات الأخرى.


كما تضمنت أعمال دريدا مقالات تدور حول قضايا مجتمعية هامة، منها: التحليل النفسي، والماركسية، والقضايا القانونية، والسياسية، والأخلاقية، والأدبية، وعلم الجمال، والسير الذاتية مثل كتابه المُحيط، وغيرها، وعلى الرغم من تعرض دريدا للرفض الكبير من قبل بعض الفلاسفة والنقاد الذين لم يفهموا أو يتقبلوا أعماله، إلا أنه حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة كامبريدج، بعد طرح مسألتها للتصويت على غير العادة؛ إثر الخلاف والهجوم النقدي الكبير الذي قابلته المؤازرة القوية والمؤيدة لأعمال دريدا، ليكسب الرهان ويحصل بجدارة على شهادة الدكتوراه.[٤][٥][٣][٢]


مؤلفات جاك دريدا

من أبرز مؤلفات جاك دريدا ما يأتي:

  • كتاب عن الحق في الفلسفة: يتمحور هذا الكتاب ويشمل مجموعة من النصوص المخصصة لقضايا البحث الفلسفي والتعليم، وجملة من المسائل التي تُعنى بالمؤسسات التعليمية والجامعة بشكل عام في الفترة التي امتدت من سنة 1975 وحتى مطلع تسعينات القرن العشرين، كما وتتميز سطوره وجمله بجزالة ألفاظها التي تتزامن مع فصاحة المعنى، بالإضافة إلى ضخامة أفكارها ودقتها، والتي تتماشى مع المقصد والغاية المرجوة منها، فترفع الستار عن المشروع الفكري العميق والتحليل المنسق والمنهج المنطقي النابع من عقل جاك دريدا النابغ، وتُعبر عن براعته وحرفيته وقدرته العظيمة على التحليل وإيضاح المعنى للقارئ بمرونة ومهارة.[٦]
  • كتاب أحادية الآخر اللغوية: تتداخل في متن الكتاب الجوانب اللغوية بالتاريخية، والفلسفية بالدينية، والسياسية بشتى متطلبات البحث والتنقيب التي يراها دريدا ممكنة، ومن هنا حلل دريدا أحادية الآخر اللغوية وصنفها في مستويين مختلفين، أولهما حمل اسم البعد النوستالجي في المسألة اللغوية الهوياتية لدى دريدا نفسه، والآخر سماه البعد الهرمينوطيقي في المسألة ذاتها، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يُعد من الكتب الهامة جدًا، والتي تُمثل درّة من الدرر المكنونة التي تضمنها ميراث جاك دريدا الإبداعي والفلسفي.[٧]


كتاب تاريخ الكذب

يُعبر هذا الكتاب عن دراسة تحليلية تُثير الكثير من الشكوك والتساؤلات في عمق النفس والفكر، وتدعو القارئ للتأمل في مسألة الكذب والممارسات الواعية وغير الواعية التي قد تنجم عنها، حيث حاول جاك دريدا من خلال هذه الدراسة الوصول إلى أصول تفكيكية لمفهوم الكذب، انطلاقًا من استفهام طرحه حول إمكانية إيجاد تاريخ يخص الكذب، أو حول إمكانية خلق تاريخ تفكيكي للتناقض الذي يقوم بين الكذب والصدق، وذلك بتبني المسؤوليات السياسية والأخلاقية والقانونية، بأخذ دور العقل العلمي والنظري وتأثير الوجود والوعي واللاوعي بشكل جديّ، وتقصي تأثير هذه العوامل على هذه الدراسة.


ولم يكتفِ جاك دريدا بذلك، بل درس العديد من النظريات التقليدية التي تدور حول الكذب للعديد من الفلاسفة، من أمثال الفيلسوف أوغسطين، وأفلاطون، وكانط، وروسو، وحنة آرندت، واختياره لهؤلاء المفكرين كان مبنيًا على اختلاف وجهات نظرهم وآرائهم، بالإضافة إلى افتراضه وجود علاقة مُتأصلة تربط بين القصد والكذب، وترك مساحة كبيرة لإشكالية الكذب على الذات، فأشار دريدا إلى عدم إمكانية الكذب على الذات، وطرح سؤالًا جدليًا حول كيفية الكذب على الذات دون اعتبارها بمثابة ذات أخرى مستقلة. 


وتجدر الإشارة إلى أن مضمون هذا الكتاب ومادته الأدبية مُستمدة من محاضرة ألقاها المؤلف جاك دريدا في المعهد الدولي للفلسفة في مدينة باريس في عام 1997م، كما أنها تُمثل صياغة مختصرة لسلسلة من البحوث التي حملت عنوان "مسائلة المسؤولية"، والتي ألقاها دريدا في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس خلال الموسم الجامعي لعامي 1994-1995م.[٨]


مقولات جاك دريدا

من أشهر أقوال جاك دريدا ما يأتي:[٩]

  • ما لا يمكن قوله، لا يجب إسكاته قبل كل شيء بل كتابته.
  • لا أحد يغضب من عالم رياضيات أو فيزيائي لا يفهمه سواء كان هو أو هي، أو من شخص يتحدث لغة أجنبية، ولكنه يغضب من شخص يعبث بلغته.
  • العبارة التقليدية حول اللغة هي أنها حية بحد ذاتها، وأن الكتابة هي الجزء الميت من اللغة.


وفاة جاك دريدا

توفي جاك دريدا في مدينة باريس في فرنسا في تاريخ 8-10-2004م، وكان يبلغ من العمر 74 عامًا.[٤]

المراجع

  1. " Jacques Derrida", as.nyu, Retrieved 15-8-2021. Edited.
  2. ^ أ ب "Jacques Derrida "، iep.utm، اطّلع عليه بتاريخ 15-8-2021. Edited.
  3. ^ أ ب "Jacques Derrida"، plato.stanford، 30-7-201، اطّلع عليه بتاريخ 15-8-2021. Edited.
  4. ^ أ ب "Jacques Derrida", britannica, 11-7-2021, Retrieved 15-8-2021. Edited.
  5. Darin Tenev (15-1-2020), "Jacques Derrida", oxfordbibliographies, Retrieved 15-8-2021. Edited.
  6. جاك دريدا، "كتاب عن الحق في الفلسفة:"، مقهى الكتب، اطّلع عليه بتاريخ 15-8-2021. بتصرّف.
  7. جاك دريدا، "كتاب أحادية الآخر اللغوية:"، مقهى الكتب، اطّلع عليه بتاريخ 15-8-2021. بتصرّف.
  8. جاك دريدا، "كتاب تاريخ الكذب "، مكتبة النور، اطّلع عليه بتاريخ 15-8-2021. بتصرّف.
  9. Jacques Derrida , "Jacques Derrida Quotes", goodreads, Retrieved 15-8-2021. Edited.