من هو كعب بن زهير؟

هو شاعر عربي مسلم مخضرم.


وهو كعب بن زهير بن ربيعة المعروف بأبي سلمى، ابن رياح بن قطر الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هزمة بن لأم بن عثمان بن مزينة، ويكنى بأبي المضرب، ويُعد من أبرز الشعراء المخضرمين، إذ عاصر عصرين مختلفين، هما عصر الجاهلية، وعصر الإسلام، وهو من شعراء الطبقة الثانية، والذي امتلك مكانة أدبية وشعرية مرموقة بين شعراء عصره، فهو سليل أسرة عريقة في الشعر، والتي كانت معروفة بكثرة شعرائها، حيث ورث موهبة الشعر عن والده، والتي ظهرت عليه منذ نعومة أظافره، وقد قال عنه ابن قتيبة الدينَوري "كان كعب فحلًا مجيدًا".[١][٢]


مولد كعب بن زهير ونشأته

ولد كعب بن زهير في الجاهلية، إلا أنه لا يتوفر في كتب التراجم ذكر لتاريخ ولادته بدقة، وينتسب كعب إلى قبيلة مزينة، وهي من إحدى قبائل مضر، وهو ينتمي إلى عائلة من الشعراء، فوالده هو الشاعر زهير بن أبي سُلمى، وهو أحد فحول الشعراء في الجاهلية، وصاحب واحدة من أشهر المعلقات المشهورة، والذي أورث فن الشعر لأبنائه كعب وأخيه بجير، أما جد كعب فهو أبو سُلمى شاعر معروف، كما كان خال أبيه الشاعر بشامة بن الغدير، وكانت عماته الخنساء وسُلمى شاعرتين أيضًا، أما أمه فهي كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم.


كان لنشأة كعب بن زهير في هذه البيئة الشعرية دورٌ كبير في تنمية موهبته الشعرية، وشبّ منذ صغره على قول الشعر، وقد كان كبير أبناء والده زهير، لذا تلقى العناية الأكبر، وكان والده ينهاه عن الشعر في بعض الأحيان؛ وذلك إلى أن تكتمل قدراته الشعرية وحرصًا على أن لا يقول شعرًا ضعيفًا وغير جيد، فقد كان يهذب ذوقه الشعري دائمًا.[٣]


إسلام كعب بن زهير

كان كعب بن زهير من أشد المعارضين للإسلام في بداية ظهوره، وللرسول عليه الصلاة والسلام، وقد اشتدت هذه العداوة بعد إسلام أخيه "بجير"، ولما علم كعب بإسلام أخيه نظم قصيدة يعاتبه فيها، ويهجو المسلمين والمسلمات، والتي كان مطلعها:


ألا أبلغا عني بُجيرًا رسالةً فهل لك فيما قلتَ ويحك هل لكا سقاك بها المأمون كأسًا رويّةً وأنهلك المأمون منها وعلَّكا



فلما سمع الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الأبيات غضب غضبًا شديدًا، فأرسل بجيرًا إلى أخاه بعض من الأبيات الشعرية ردًا عليه، جاء في مطلعها:


فمن مبلغ كعبًا فهل لك في التي تلومُ عليها باطلًا وهي أحْزمُ إلى الله لا العُزَّى ولا الّلات وحده فتنجو إذا كان النَّجاء وتسلمُ



كما بعث له رسالة يخبره بها أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قام بقتل بعض الرجال ممن تسببوا بالأذية للإسلام والمسلمين، وعند قراءة كعب لهذه الرسالة تملكه الخوف الشديد، وضاقت به الأرض، فلم يجد بُدًا من الذهاب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وإعلان إسلامه أمامه، وكان ذلك في أول السنة التاسعة من الهجرة، وقد عفا الرسول عليه الصلاة والسلام عن كعب، فأنشد كعب في هذه اللحظة قصيدته الشهيرة "بانت سعاد" أو "البردة"، والتي اعتذر فيها من الرسول عليه الصلاة والسلام مما بدر عنه، ويقول في مطلعها:


بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ متيّمٌ إثرها لم يُفد مكبول وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغَنُّ غضيضُ الطَّرْف مكحول


وبعد أن استمع الرسول عليه الصلاة والسلام لهذه القصيدة، أعجب بها شديد الإعجاب، واستحسنها، فخلع عنه بردته، وألبسها لكعب بن زهير، تقديرًا له على فصاحته.[٤]


شعر كعب بن زهير

امتلك كعب بن زهير مكانة أدبية عالية، حتى أن بعض النقاد قاموا بوضعه في منزلة تفوق والده، على الرغم من أنه درس الشعر على يديه، واتبع منهجه الشعري والذي يشتمل على البحث، والتأني، والتعقّل، والعناية بالشعر، لذلك فقد عرفت قصائده بلقب "الحوليات"، أي أنه لا يذيع أية قصيدة له قبل أن يقوم بتنقيحها، وتهذيبها، ومراجعتها لمدة عامٍ (حول) كامل قبل أن يقوم بإلقائها على المستمعين.


امتاز أسلوب كعب بن زهير الشعري بالجزالة والقوة، والسهولة، واستخدام الأساليب والمعاني التي تكسب قصائده الخصوبة والثراء، بالإضافة إلى براعته الكبيرة، وقدرته في الانتقال من غرض شعري إلى آخر في نفس القصيدة بسلاسة وسهولة، مع الحفاظ على التسلسل المنطقي لأغراضها، ودون المساس بوحدة القصيدة، وهذا كله دلالة على شاعرية كعب الرفيعة.[٥][٦]


ومن العوامل التي كان لها الأثر الكبير في شعر كعب بن زهير:[٧]

  • الجاهلية: حيث من الممكن ملاحظة أن كعب لم يستطع التخلص من قيود الجاهلية بشكلٍ كامل، وهذا لترابط وتقارب العصرين الجاهلي والإسلامي، لذا نجد أن العديد من أشعاره قد تأثرت بشكلٍ كبير بالتقاليد الجاهلية الأدبية، فطغى عليها استخدام الصور، خاصةً الصور الحسية، والمفردات، والتعابير التي كان متعارف عليها عند الشعراء الجاهليين، كما أنه بقي متبعًا الأسلوب القديم في الشعر، كاستهلال القصيدة بالغزل، والوقوف على الأطلال، ومن ثم الانتقال إلى الغرض الرئيسي للقصيدة، واستخدم كعب أسلوب الانصراف عن الممدوح أو المشبّه والتركيز على وصف المشبّه به، لتوضيح الشبه بطريقة غير مباشرة، مثل ذكر سمات الأسد، عندما شبّه الرسول عليه الصلاة والسلام به.
  • القرآن الكريم: يظهر تأثر كعب بن زهير بالقرآن الكريم في شعره جليًا وواضحًا من حيث الصياغة، والمعاني، والأسلوب، واستخدام ألفاظ وتعابير إسلامية، حيث قدم صورًا شعرية رائعة وصف فيها الإسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام، وبيّن أخلاقه الكريمة، ورحمته بالمؤمنين، وإقراره بنبوته، وأنه الحق المبين، بالإضافة إلى إظهار كعب لإيمانه التام بالقضاء والقدر، وحتمية الموت.


قصيدة بانت سعاد

احتلت هذه القصيدة والتي تسمى أيضًا بإسم البردة مكانةً بارزة في الشعر العربي عامةً، وفي شعر المديح النبوي خاصةً، فهي تُعد من أوائل قصائد المديح النبوي والتي اعتمد فيها الشاعر على المنهج الفني الجاهلي، فعلى الرغم مما تحمله معانيها من تقليد واضح، إلا أنها تخفي نسقًا مغايرًا، وبالتالي تميزت هذه القصيدة بطابع الأصالة، والإبداع.


تتألف هذه القصيدة من أربعة مقاطع، قد تبدو للوهلة الأولى أنها بعيدة الصلة عن بعضها البعض، إلا أنها في الحقيقة تشكل معًا بناءً فنيًا متكاملًا، حيث كان الانتقال فيها من موضوع إلى آخر مجرد انتقالًا نفسيًا، ليس له تأثير على وحدة التجربة الشعرية، وقد كان المقطع الأول عبارة عن مقدمة غزلية، تغزل بها الشاعر بمحبوبته سعاد، وصوّر حزنه، وألمه الشديد على رحيلها وفراقها، وهي تمثّل حياته الماضية، أما في المقطع الثاني فكان حديث الشاعر عن الناقة، والتي أراد من خلالها أن يرمز إلى معاناته، ومشاعر الحزن والضعف التي تنتابه، وتمكُّن الخوف منه.


يتطرق الشاعر في المقطع الثالث إلى الاعتذار إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وطلبه الصفح والعفو منه، بالإضافة إلى محاولته إثبات براءته، وإلقاء اللوم على الوشاة والمغرضين، أما المقطع الرابع والأخير فهو عبارة عن مديح للنبي عليه الصلاة والسلام، فشبّه الرسول عليه الصلاة والسلام فيه بالأسد ثم بالسيف، ثم انتقل إلى هجاء الأنصار، ومن ثم مدح قبيلة قريش، فنجد أن هذا المقطع قد غلب عليه طابع العصبية القبلية أكثر من غيره.[٨]


وفاة كعب بن زهير

اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ دقيق لوفاة كعب بن زهير، فمنهم من قال أنه توفي عام 24 هجري، وذكر بعضهم عام 26 هجري، بينما حدد البعض الآخر التاريخ في عام 42 هجري؛ وذلك استنادًا إلى قصة البردة، والتي كان يرغب معاوية بن أبي سفيان في شرائها منه، والذي خلافته كانت بين الأعوام 40-60 هجري.[٩]

المراجع

  1. أنيس عفيفة، AFIFAH-FDI.pdf شعر كعب بن زهير في الجاهلية والإسلام، صفحة 21. بتصرّف.
  2. وائل علي محمد السيد، قصيدة " بانت سعاد " لكعب بن زهير، صفحة 7. بتصرّف.
  3. جازية فواز إبراهيم عوض، الحيوان في شعر كعب بن زهير، صفحة 12-13. بتصرّف.
  4. ، ، الأدب العربي وتاريخه، صفحة 104-105. بتصرّف.
  5. سمر الديوب، قراءة في لامية كعب بن زهير، صفحة 3-24. بتصرّف.