من هي مي زيادة؟

هي كاتبة، وأديبة، وشاعرة، وإحدى أبرز أعلام النهضة في تاريخ الأدب النسوي العربي في النصف الأول من القرن العشرين.


وهي ماري إلياس زخور زيادة، وقد اختارت اسم مي زيادة لتُعرف به، كما أن لها العديد من الأسماء والألقاب الأخرى، أبرزها: إيزيس كوبيا، مداموزيل صهباء، شجيّة، عائدة، كنار، السندادة البحرية الأولى، وغيرها من الأسماء المُستعارة التي حظيت بها خلال رحلاتها وقصصها ورواياتها الغريبة التي استدعت تغيير اسمها ليغدو محيرًا تمامًا كحال صاحبته.[١]


مولد مي زيادة ونشأتها

ولدت مي زيادة في مدينة الناصرة التي تقع في فلسطين، وذلك في تاريخ 11-2-1886 م، فكان والدها إلياس لبناني الأصل ومُدرسًا في إحدى مدارس الناصرة، أما والدتها نزهة مُعمر فهي فلسطينية ذات ذوق أدبي رفيع، تحفظ عدة دواوين وقصائد شعرية، وكان لها شقيقًا واحدًا غدت بعد وفاته الابنة الوحيدة والمُدللة لذويها، ثم انتقلت مع أسرتها إلى مدينة مصر، إذ عمل والدها مُحرِّرًا في جريدة المحروسة.[٢][٣]


ثقافة مي زيادة ومسيرتها الأكاديمية

ترعرت مي في مدارس الراهبات بدءًا من مدرسة اليوسفيات في مدينة الناصرة في موطنها فلسطين، ومن بعدها ارتادت مدرسة الزيارة في عينطورة التي تقع في لبنان مسقط رأس والدها، والتي غرست فيها الوحدة والقلق اللذين رافقاها طوال عمرها، وكانت رغم ذلك متفوقة في دراستها فأتقنت 5 لغات، وهي: الفرنسية، والإنجليزية، والألمانية، والإيطاليّة، والعربية، ورغم شعورها المستمر بالحزن والوحدة كبحت مشاعرها وقيدتها وتغلبت عليها بقوة، وأطلقت العنان لفكرها ليتألق وينطلق، فكانت صاحبة انفعالات روحية مبكرة فاصلة تكسر القيود والنظام الذي فرضته تلك المدارس على طلابها.


لكن في الوقت نفسه فجر شوقها وحنينها لوطنها ومدينة الناصرة الكلمات في أعماقها، فعادت لها بعد مغادرة لبنان عام 1904 م، لكنها لم تُنكر فضل لبنان وأثره في مسيرتها وتكوينها الأدبي بدءًا من جمال الطبيعة وانتهاءً بصرامة المدارس وجو التعليم المتين والحصين، ناهيك عن دلال والديها كونها الابنة الوحيدة، فاجتمعت هذه العوامل لتصقل شخصيتها الأدبية مُستفيدةً من ذكائها وسرعة بديهتها التي تفرّدت بها، إضافة لامتلاكها سمة القبول التي جعلتها تحظى بإعجاب من حولها من أصدقاء ومعلمين ومرشدين.


وفي الناصرة تلقت مي عرض زواج رفضته وسافرت مع عائلتها إلى مصر وعملت كمُدرسة لابنتي إدريس باشا صاحب مجلة المحروسة التي يعمل فيها والدها، والتي أصبحت صحفية تكتب فيها لاحقًا، وشرعت باستخدام أسماء مستعارة خلال كتاباتها، كما تابعت التعليم ودراسة الفلسفة الإسلامية واللغة العربية، والتحقت بالجامعة المصرية الأهلية، وكانت تكتب لمجلات مختلفة غير المحروسة، منها: مجلة السياسة الأسبوعية، والهلال، والمُقتطف، والمرأة الجديدة وغيرها.


وابتكرت بابًا جديدًا في الصحافة أسمته خلية نحل وكانت تصيغ فيه أسئلة القراء المتكررة، وتطلب من الجميع الإجابة عليها، وتنتقي أفضل إجاباتهم وتنشرها، أما لبنان التي داهمها شوقها فزارتها وسجلت فيها خواطر شعر فرنسية ساهمت في دعم مسيرتها الأدبية، ولمع اسمها في الوسط الأدبي ليسبقها إلى مصر التي عادت لها، وبدأت تبني صرحها الشامخ في القاهرة وتلمع أكثر في عالم الاجتماع والأدب، وتلازم الشعراء والأعلام وتزداد ذخيرتها من الأعمال الناجحة، وأقامت صالونها الثقافي، ولترتاح بعد جهد وعناء طويل سافرت إلى لبنان، ومن ثم إلى روما، وإلى فرنسا بعد وفاة حبيبها جبران، ووالدها، ووالدتها، وصديقها يعقوب صروف فمرضت وتأثرت بشدة نفسيًا، ومن بعدها تابعت التنقل والترحال إلى إنجلترا، وأخيرًا إلى القاهرة.[٤][٥]


علاقة مي زيادة بالأديب جبران خليل جبران

اكتسبت مي ثقافة وشهرة واسعة من دراسة ومُطالعة كتب التاريخ العربي والإسلامي، والفلسفة، والأدب، وكانت تُعقد لها ندوة أسبوعية حضرها نخبة من نقّاد وأدباء وشعراء عصرها ممن أعجبوا بها بشدة، من أمثال أحمد شوقي، وعباس العقاد، ومصطفى الرافعي، وطه حسين، وشبلي شميل، وغيرهم، إلا أن قلبها لم يتبع إلا شخصًا غائبًا عن عينها لكنه ساكن ومُتربع في عقلها ووجدانها وهو جبران خليل جبران، فكان الوصال مقصورًا على تبادل الرسائل مدة عشرين عامًا دون لقاء، وجمع جبران العديد منها في كتابه الشعلة الزرقاء.[٣][٦]


صالون مي زيادة الأدبي

تعد ظاهرة المنتديات والصالونات الفكرية والأدبية ظاهرة قديمة لكنها جديرة بالاهتمام، وكغيرها من الأدباء عقدت مي صالونها الخاص في عام 1913 م، بعد إلقائها كلمة نيابةً عن جبران خليل جبران الذي تعذر قدومه بغية تكريم الشاعر خليل مطران في بهو الجامعة المصرية، فأعلنت في نهاية كلمتها افتتاح صالونها الأدبي في بيتها في كل يوم ثلاثاء مقدمةً دعوة جماعية للحضور، وكان من أبرز رواد ندوتها منصور فهمي، وأحمد زكي، وإسماعيل صبري، وعباس محمود العقاد، وطه حسين، ونخبة من الشعراء والأدباء المعروفين، وساهم شغف، وحب، وإخلاص مي للأدب، وسحر حديثها، وفِكرها المميز في نجاح صالونها الأدبي وتأثيره في الحضور فنيًا وإنسانيًا، فكان ملتقى يبث السعادة الروحية بالجميع، يدعم تشارك الحديث الشيق في مختلف المواضيع الدبية والفكرية والثقافية.[٧][٨]


أبرز مؤلفات مي زيادة

من أبرز مؤلفات مي زيادة ما يأتي:

  • كتاب غاية الحياة: تُخاطب مي المرأة العربية في هذا الكتاب، وتُشاركها آلامها وتُحاول إنجادها ووصف دواء يُعيد الحياة لعروقها المُتعبة، كما تحثّها على إيجاد غايتها في هذا الحياة وإن كانت قد أضاعتها، إذ لكل شخص في هذه الحياة هدف ومطلب يبث فيه الروح ويُمده بالقوة، وتتلخص الغايات في طريق واحد وهو السعادة التي يطمح الجميع لتحقيقها، وهو ما تحاول مي غرسه في المرأة وتحفيزها للبحث عنه.[٩]
  • كتاب بين الجزر والمد: توجه مي في هذا الكتاب رسالة إلى الأمم والحضارات تحثها من خلالها للرجوع والتمسك بلغتهم الأم والاهتمام بها، خاصةً في ظل التطور والنهضة الحضارية الحديثة، وتُشير إلى أن اللغة من أهم العناصر والأساسات التي تميز الحضارات، وعلى الرغم من ضعف اللغة العربية كباقي لغات العالم وتعرضها للإهمال حينها إلا أنها حافظت على حياتها وكيانها، نتيجة ما أسمته مي (الجزر والمد) الذي يُهدد لغات العالم بالغرق، كما ألحقت في طيات كتابها أبحاثًا في الأدب واللغة والفن والحضارة العربية أيضًا.[١٠]
  • كتاب باحثة البادية: يُمثل اسم الكتاب الاسم المستعار للكاتبة المصرية ملك حفني، ويُقدم دراسة نقدية عميقة قدمتها مي زيادة عن المصلحة الاجتماعية والأديبة ملك التي تحتل مكانة أدبية واجتماعية رفيعة.[١١]


كتاب ظلمات وأشعة

وهو أحد المؤلفات النسوية الرائدة التي قدمتها مي زيادة، ويضم مجموعة من المقالات الأدبية حول موضوعات مختلفة وفي مناسبات عديدة، لكنه يتمحور ويهتم بقضايا المرأة الشرقية، ويناقش دور مساهمة المرأة في التقدم السياسي، والثقافي، والاجتماعي، والحضاري في الشرق في العصر الحديث، ويحمل في جعبته رسالة توعية بارزة للمرأة تحثها على ممارسة حقوقها المجتمعية، مثل: الحرية وحق الحياة الكريمة، بأسلوب الكاتبة البعيد عن التكلف.[١٢]


أشهر أقوال مي زيادة

من أشهر مقولات مي زيادة ما يأتي:

  • الكتب هي المكان الوحيد في العالم الذي يمكن أن يلتقي فيه شخصان غريبان على انفراد.[١٣]
  • من يُنجب ميًا، لا يُنجب غيرها.[٢]
  • ولدت في بلد، وأبي من بلد، وسكني في بلـد، وأشـباح نفـسي تنتقـل من بلد إلى بلد، فلأي هذه البلدان أنتمي، وعن أي هذه البلدان أدافع.[١٤]


وفاة مي زيادة

مرت مي في آخر مراحل حياتها بمأساة مؤلمة، ففقدت أهم 3 أشخاص في حياتها، وهم؛ والدها، وجبران خليل جبران، ووالدتها، الذين توفوا جميعًا واحدًا تلو الآخر تاركين مي وَحيدة تعيسة، وكان لهذه الفاجعة أثر كبير عليها تسبب بدخولها مستشفىً للأمراض النفسية، لكنها استجمعت شجاعتها وتعافت وخرجت تحت رعاية الأديب أمين الريحاني الذي بقيت في ضيافته عدة شهور قبيل عودتها إلى مصر، وتوفيت في القاهرة عام 1941 م، عن عمرٍ يُناهز 55 عامًا مُخلفةً وراءها إرثًا أدبيًّا متميزًا.[٣]

المراجع

  1. د خالد محمد غازي، مي زيادة، صفحة 13. بتصرّف.
  2. ^ أ ب هبة الوادي، مي زيادة بين اديبات العرب قديما وحديثا، صفحة 65. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت "مي زيادة"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2021. بتصرّف.
  4. هبة الوادي، مي زيادة بين أديبات العرب، صفحة 66-67-69. بتصرّف.
  5. مي زيادة، أسطورة الحب والنبوغ، صفحة 3-4-11. بتصرّف.
  6. جبران خليل جبران، " كتاب الشعلة الزرقاء: رسائل حب إلى مي زياد"، فل بوك، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2021. بتصرّف.
  7. د خالد محمد غازي ، مي زيادة، صفحة 75-76. بتصرّف.
  8. أسطورة الحب والنبوغ، مي زيادة، صفحة 13. بتصرّف.
  9. مي زيادة، "كتاب غاية الحياة"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2021. بتصرّف.
  10. مي زيادة، "كتاب بين الجزر والمد"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2021. بتصرّف.
  11. مي زيادة، "كتاب باحثة البادية"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2021. بتصرّف.
  12. مي زيادة، "كتاب ظلمات وأشعة"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2021. بتصرّف.
  13. "May Ziadé ", goodreads, Retrieved 7-5-2021. Edited.
  14. د غازي محمد غازي، مي زيادة، صفحة 22. بتصرّف.