ابن طفيل

من هو ابن طفيل؟

هو فيلسوف، وفلكي، وطبيب، وشاعر، وأديب، ووزير مُسلم من علامات وحكماء الأندلس في القرن الثاني الميلادي في عهد الدولة الموحدية.

وهو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي، أحد علامات الأندلس، اتسم بعلمه الواسع وغزارة معرفته وحكمته، فقد درس الفلسفة والطب على يد نخبة من علماء الأندلس، وله مساهمات عديدة في مُختلف المجالات في عصره، فكانت له أرجوزة ألفها في مجال الطب عنيت بالأمراض وعلاجها، وكان طبيب السلطان أبا يعقوب يوسف، وأصبح وزيرًا، كما برع في علم الفلك فعثر على نظام فلكي، وأوجد تفسيرًا لحركة الأفلاك، واستغنى عن نظام بطليموس، فضلًا عن أدبه وقصائده الغزلية والصوفية، وهو الفيلسوف صديق ابن رشد الذي كان معاصرًا له، وأكثر ما اشتهر به كان كتابه ابن حيان الذي لا زال يُتداول ويحظى بمكانة هامة وقيمة حتى عصرنا هذا، والذي عرفنا على فلسفته أكثر، وتُرجم إلى عدة لغات أجنبية وأروبية.^[١][٢]

مولد ابن طفيل ونشأته

يُرجح المؤرخون أن مولد ابن طفيل كان في بلدة وداي آش الأندلسية قرب مدينة غرناطة في الفترة بين 1106-1101م، أو خلال أول عشر سنوات من القرن الثاني عشر الميلادي، كما ذكر أنه تلقى العلم على يد أهل الحكمة في مدينته، وبأنه اطلع على ثقافة الفارابي، والغزالي، وابن سينا، وابن باجه من مؤلفاتهم وكتبهم.^[٣][٤]

ثقافة ابن طفيل ومسيرته العملية

درس ابن طفيل عدة مجالات، شملت الفلسفة، والفلك، والأدب، والطب الذي زاوله واتخذه مهنةً له أثناء إقامته في غرناطة، فاشتهر وذاع صيته فيه، واتصل مع العديد من الأمراء والحكام الذين كانوا يهتمون بالطب والأطباء، فطلبه حاكم غرناطة في سبيل الحجابة، وعهد إليه حاكم سبتة الأمير أبو سعيد بن عبد المؤمن، ومن بعده الأمير الموحدي أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الذي جعله أمين سره، وحظي بمنزلة رفيعة الشأن لديه، فكان يجلس طويلًا في قصره، وعرفه على الفيلسوف ابن رشد، كما كتب العديد من المؤلفات في الطب والفلك والفلسفة، إلا أن ما وصل كانت رسالته حيان بن يقظان فقط.^[٣][٤]

فلسفة ابن طفيل

تجدر الإشارة إلى أن ابن طفيل صبّ فلسفته الخاصة التي وصلت إلينا في كتابه الوحيد المتبقي، وهو كتاب (أسرار الحكمة المشرقة)، وهو نفسه (حي بن يقظان)، ومن هنا وقع خطأ بعض المطلعين في ظنهم أنه استخلص فلسفته من ابن سينا، وهو أمر مغلوط، فلكل منهما مذهبه وفلسفته الخاصة، كما أن ابن طفيل خطّ فلسفته بعد أن نقد أفكار العديد من الفلاسفة، وتوافق مع بعضها، مثل: الفارابي، وابن باجة، والغزالي، وابن سينا، فاتخذ لنفسه نهجًا فلسفيًا ومذهبًا بعد جمع ونقد أفكار من سبقه، وبذلك كان أول فيلسوف إسلامي صب مذهبه الفلسفي في قالب قصصي بطله شخص متوحد وصل في نهاية طريقه إلى الإدراك والاتصال.

وتحمل كلمة توحد هنا 3 معانٍ يجتهد ابن طفيل في الكشف عنها وعن أبعادها الفلسفية في قصته، فالمعنى الأول للمتوحد هو المنفرد المنعزل من الناحية الاجتماعية بالنظر إلى أن بطل قصته نشأ طفلًا صغيرًا وحيدًا معزولًا في جزيرة، أما المعنى الثاني فيقصد به بطله العاقل الذي أصبح مدركًا وناضجًا، وبدأ يبحث عن وسيلة للتغلب على وحدته وعزلته بالاتصال مع الذات الإلهية، أي التفكر والتدبر بالكون، والمعنى الثالث كان للمتوحد المتغرب الذي يبتعد عن الناس بملء إرادته بعد أن اتصل معهم وأخبرهم باعتقاده أي يعود إلى خالقه.^[٥][٦]

موقف ابن طفيل ونقده للفلاسفة الآخرين

زعم الكثيرون ممن درسوا فلسفة ابن طفيل بأنه تأثر بالفلاسفة، أو الهنود، واليونان، والفرس، ونُلخص موقفه من فلسفة السابقين كما يأتي:^[٧]

• الفارابي: يُشير ابن طفيل إلى أن كتب الفارابي مشكوك بها، بعد أن قرأها قراءة الناقد ورفضها، وخير مثال على ذلك جدله معه حول فلسفته التي تتحدث السعادة وانها في الدار الدنيا، ومن هنا يجزم القول أنه لم يُقلده إطلاقًا.
• ابن باجة: يرى ابن طفيل أن ابن باجة ثاقب الذهن صادق الرواية، لكن الدنيا شغتله ووافته المنية قبل أن تُملأ خزائن علمه، وتُبث حكمته المخفية، ويرى أنه وصل لمراتب العلم النظري والبحث الفكري أي رتبة العلم الأولى ولم يتخطاها، وهي أهل النظر فقط بينما يرى المرحلة الأخيرة مرحلة الولاية التي تصل بالإنسان باب الصواب والتي لم يصبُ ابن باجة لمراحلها السامية.
• ابن سينا: كان ابن سينا خير معلم وأفضل قدوة لابن طفيل؛ إذ إنه درس التصوف بشكل فني وموضوعي، وكان يصف مراتبه بدقة دون أن يكون متصوفًا، وكان متفقًا مع ابن باجة بالمرحلة النظرية، لكنه تفوق عليه بالتعمق بما وراء الطبيعة، ووصفها بدقة وموضوعية، لكنه أيضًا لم يصل مرحلة العارف برأي ابن طفيل، ورغم زعم الكثيرين بتشابه رسالة كلا الفيلسوفين لكنه أمر غير صحيح، إذ إن قصة ابن سينا رمزية، بينما رسالة ابن طفيل فلسفية وفكرية بحتة وعميقة المعنى.
• الغزالي: يتعارض ابن طفيل بشدة مع الغزالي الذي رفض العقل قطعيًا، بينما كانت رسالة ابن طفيل عقلية صارمة ترد على فساد اتجاه الغزالي، لكن في نفس الوقت رغم تعارضها يرى ابن طفيل أن الغزالي وصل إلى مرحلة شرفية مقدسة وسامية تؤدي إلى المعرفة.

كتاب حي بن يقظان

تُعتبر هذه الرواية إحدى روائع وكلاسيكيات الأدب العربي القديم، وقد كتبت أربع مرات على يد ابن سينا وان النفيس، وشهاب الدين السهروردي وابن الطفيل، والذي تميز بدوره فيها فجمع بين الفلسفة والدين والتربية والأدب، فحملت في مضمونها عمقًا فلسفيًا كبيرًا، وناقشت ما يُسمى حاليًا رؤية العالم أو النموذج المعرفي، وتشمل القصة عناصر الثقل المعرفي الأساسية، وهي الإله، والإنسان، والطبيعة، وتوضّح أبعاد العلاقة بين هذا العناصر، وتسرد في طياتها قصة إنسان وصل به الحال وهو طفل على أرضٍ خالية من البشر، فغذت االحيوانات مُرضِعته، والطبيعة مأواه وملاذه، فآثر الأرض لتكون فراشه والسماء لحافه حتى كبير ونضج فكره وأصبح قويًا، فانصرف إلى التأمل في الكون والخلق، مما قاده إلى الجزم واليقين بحتمية وجود خالق لهذا الكون.^[٨]

وفاة ابن طفيل

توفي ابن طفيل في عام 1185 م في مدينة مراكش عن عُمرٍ يُناهز 75 سنة وأقيمت له جنازة حضرها السلطان بنفسه.^[١]