من هو ابن عربي؟

فيلسوف متصوف، وأديب، وشاعر مسلم، وواحدٌ من من أبرز الفلاسفة الصوفيين في عهد الدولة الموحدية.


وهو محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي الحاتمي المرسي ابـن عربي، وله عدة ألقاب، أبرزها: الشيخ الأكبر، وابن أفلاطون، وسلطان العارفين، وبرهان المُحققين، وغيرها، وهو فيلسوف إسلامي شهير يرجع له الفضل في إدخال البعد الباطني الصوفي للفكر الإسلامي وإنشاء أول تعبير فلسفي كامل ومُتكامل عنه، على الرغم من أن له بعض المؤلفات التي أثارت جدلًا كبيرًا وقوبلت بالطعن زعمًا من أصحابها بأنها مناهج تكفيرية.[١][٢][٣]


مولد ابن عربي ونشأته

ولد ابن عربي في مدينة مرسية التي تقع في بلاد الأندلس بتاريخ 17 رمضان 560 هـ، والموافق 28/6-/1165م، وكان والده إمامًا زاهدًا عابدًا من أئمة الفقه والحديث والعبادة، ممن يحظون بمكانة مميزة ورفيعة في خدمة السلطان محمد بن سعد مردنيش، وعندما انتقل إلى إشبيلية حافظ على مكانته ليُصبح وزيرًا يخدم صاحبها سلطان الموحدين، ومن جهة أخرى نشأ بن العربي في ظل أسرة نبيلة وثرية شديدة التدين والتقوى، فوالده رجل صالح ووالدته نور الأنصارية امرأة زاهدة، بالإضافة لعمومه وخواله من الكرام أصحاب الدين والزهد، مما ساهم في صقل شخصيته واتباعه نهجه المُتفرد.[٣]


علم ابن عربي وأدبه

اتصف ابن عربي بمكانته المرموقة وتقدمه في الرياضة والمُجاهدة والثقافة، وميوله للسفر والترحال لطلب العلم والمعارف، فكان ذكيًا جدًا، كثير العلم، كتب العديد من الرسائل لبعض أمراء المغرب، بالإضافة إلى تعبده وتزهده، وإقامته الخلوات، وروايته حول تصوف أهل التوحيد، وطاف وسافر إلى مُختلف البلاد التي اتهم في بعضها تهمًا عدة لكنه بُرِّأ منها، وتميّز بأن له علمًا واسعًا وذهنًا وقادًا وشعرًا بارعًا، وميزت بعض أشعاره بكونها غريبة ومميزة، وأخباره ونوادره، ومن جهة أخرى اشتهر ابن عربي بذكائه الباهر وقوته في الخاطرة، وتدقيقاته في التصوف ومؤلفاته في العرفان، كما أن له العديد من الأصحاب والتلامذة، وصنف تصانيف كثيرة وتواليف عديدة خلال رحلاته، فسكن بلاد الروم وقونية وملطية ودخل بغداد وطافها ليسكن آخر حياته في دمشق.[٢]


الفكر الصوفي لابن عربي

وصل ابن عربي بفضل اطلاعه العميق والواسع على ثقافة عصره، وخوضه العديد من التجارب الحياتية والرحلات المُختلفة لمنزلة رفيعة الشأن، وغدا رجلًا موسوعيًا عالمًا بالثقافات اليونانية والعربية الإسلامية بجميع تياراتها ومصادرها من العلوم كالكيمياء، والرياضيات والفلك، وأدب الكلام والفقه والشريعة، بالتزامن مع النحو والبلاغة والمنطق والفلسفة، وبالتالي ساعدته جميع هذه المعارف والمنابع الثقافية وسهلت عليه صياغتها بعقله النابغ ليستخلص منها نظرية وحدة الوجود الداعية إلى الحب والتسامح، والتي يقوم أساسها على حقيقة مُطلقة تيقن بوحدة الذات الإلهية، وحب الله ثم حب من يسعى إليه، ومن هذه النقطة وبموجب هذا الحب تلتقي جميع التجارب الفكرية الإنسانية الكبرى، ومن هنا برهن ابن عربي مُستعينًا بفكره المُتكامل والمُتناسق والكبير على قضاياه الأساسية التي خرج بها، ليضع نظريته الصوفية المُختلفة والتي تجاوز بها المتصوفون الأوليون وصارت مرجعًا غنيًا وثمينًا للمتصوفة اللاحقين، ومن ضمن أبرز مُعاصيريه ممن استمع له في آخر سنين حياته جلال الدين الرومي.[٤]


منهج ابن عربي في التأليف والكتابة

امتاز ابن عربي بمعارفه المتلاحقة والمتدفقة والمتشابكة الشبيهة بدائرة المعارف، خالية من الأبواب والمناهج، لكنها في الوقت نفسه بحار زاخرة بالأمواج المُتلاطمة ذات المعاني الكثيرة، وبحسب ما يُقال في رجال التصوف أن عبقريتهم تنبع من سجود القلب في محراب الهدى ومناجاتهم لله، ليمنحهم الهبة والعبقرية، والعلم والمعارف التي تتدفق في قلوبهم وتنير بصيرتهم، أما عن أسلوبه فيُشبه الأدباء، ويمتلك أسلوبًا شديد الدقة والعناية في تحري الجواهر الثمينة بالاعتماد على ذوقه وخبرته وحساسيته العاليّة، فلا يشغل القارئ بروعة الألفاظ عن المعاني، وبالمقابل لا تسمو معانيه المُختارة عن ألفاظها، فكل ما يُكتب لديه يكون بمكانه ومكياله، ولكل جملة من جمله معركة عقلية وصورة بيانية واضحة، إذ تنبع مهارته من قوة فكره وبيانه وبلاغته الشديدة لا من الزخارف والتهويل، ويُصنف من علماء البلاغة ذوي التأثير المزدوج الذي يشمل التأثير بالعقول والتأثير بالقلوب.[٥]


أساتذة ابن عربي

تلقى ابن عربي علومه من خلال العديد من المشايخ، أبرزهم: [٦]

  • الإمام أبو العباس العريني.
  • الإمام جراح بن خميس.
  • أبو محمد بن عبد الله.
  • العابد يوسف الكومي.


أشهر مؤلفات ابن عربي

من أبرز مؤلفات ابن عربي ما يأتي:

  • كتاب ماهية القلب: يُعد كتاب ماهية القلب وثيقة نادرة من تراث ابن عربي بصورته الإشراقية، ويرجع السبب وراء تخصيصه للقلب؛ لأنها يراه أداة للمعرفة الذوقية، بعد مراجعته كل المواقف الروحية المرتبطة بالقلب وصياغتها في النهاية ضمن نظريته في المعرفة، مُعتبرًا القلب موضع الأنوار؛ لأن الحواس جميعًا تستمد نشاطها من نور القلب.[٧]
  • كتاب الوصايا: وهو أحد أبواب موسوعة ابن عربي الكبيرة (الفتوحات المكية)، يهتم فيه بالوصية التربوية التي تأخذ بيد السالك إلى طريق المؤمنين بالله وإلى صدق العبودية والإخلاص فيها مع الله تعالى، ويُمثل الكتاب نفحات قدسية ووصايا فريدة من نوعها تقارب 560 وصية تتضمن العبر والحكم والمواعظ التي فيها فائدة لكل مؤمن يريد أن يزكي نفسه ويربيها في حال التزم بهذه الوصايا العظيمة.[٨]


كتاب الفتوحات المكيّة

يُصنف هذا الكتاب كواحد من أبرز كتب ابن عربي في التصوف، ويحتوي على أكثر من 4000 صفحة مُقسمة لعدة أبواب، ذكرها في مقدمة في فهرسته بمعدل 560 بابًا، ويجمع في أحدها أسرار الفتوحات كلها في سنة 629، ومن جهة أخرى اختصر الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني هذا الكتاب بكتابه الذي أسماه (لواقح الأنوار القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية)، ثم أعاد تلخيصه بكتابه (الكبريت الأحمر من العلوم) لتقليل اللفظ وتكثير المعنى دون أن يخرج عن ترتيب ابن عربي الذي يشمل 560 بابًا.[٩]


وفاة ابن عربي

توفي ابن عربي في مدينة دمشق بينما كان في منزل القاضي محيي الدين، بتاريخ 28/ربيع الآخر/ 638، والموافق 16-11-1240 م، عن عمر يُناهر 75 عامًا.[١٠]

المراجع

  1. "Ibn al-ʿArabī", britannica, Retrieved 30-4-2021. Edited.
  2. ^ أ ب يزن محمود الشمايلة ، محمد بن علي بن محمد أحمد الطائي الحاتمي المرسي ابن العربي دراسة فنية، صفحة 18-19. بتصرّف.
  3. ^ أ ب خديجة السيد عومر، تأويل النص القرآني عند ابن عربي من خلال تفسيره، صفحة 116-117-119.
  4. هيفرو ديركي، ابن عربي االأندلسي الدمشقي سيرته وتجديده في الفكر الصوفي، صفحة 10-11. بتصرّف.
  5. طه عبد الباقي سرور، محيي الدين بن عربي، صفحة 187-188. بتصرّف.
  6. طه عبد الباقي سرور، محيي الدين بن عربي، صفحة 28-29-27. بتصرّف.
  7. ابن العربي، "ماهية القلب"، مكتبة فل بوك، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2021. بتصرّف.
  8. ابن عربي، "كتاب الوصايا"، مكتبة فل بوك، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2021. بتصرّف.
  9. ابن العربي، "كتاب الفتوحات المكية"، مكتبة فول بوك، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2021. بتصرّف.
  10. يزن محمود الشمايلة، محمد بن علي بن محمد أحمد الطائي الحاتمي المرسي ابن العربي دراسة فنية، صفحة 27. بتصرّف.