من هو ابن الخطيب؟

هو شاعر، وكاتب، ومؤرخ، وفيلسوف، وطبيب، وسياسي أندلسي، وأحد أعلام القرن الثامن الهجري.


وهو لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله سعيد بن يوسف بن علي بن أحمد السلماني، وله العديد من الألقاب، ومن أبرزها ذو الوزارتين؛ لأنه جمع ما بين السيف والقلم، وذو العُمرين؛ لقضائه النهار في تدبير شؤون الحكم، والليل للتأليف والكتابة، وقد اكتسب ابن الخطيب مكانة عالية في عصره، نظرًا للدور الذي اضطلع به في العديد من الجوانب السياسية، والفكرية، والتاريخية، فقد كان يُعد من كبار شعراء الأندلس، وكتّابها، كما ترك إرثًا قيمًا يضم العديد من المصنفات في مختلف مجالات العلوم، مثل الطب، والتصوف، والسياسة، والتاريخ، والآداب، وغيرها الكثير، ومن جهةٍ أخرى، فقد كان لابن الخطيب منزلة سياسية مرموقة، إذ تولى منصب الوزارة في بلاط بني نصر في مدينة غرناطة في الأندلس.[١]


مولد ابن الخطيب ونشأته

ولد ابن الخطيب في تاريخ 25 من شهر رجب في عام 713 هجري/ الموافق 1313م، في مدينة لوشة، والتي تقع بالقرب من غرناطة، وهو ذو أصول عربية، إذ تعود جذوره إلى سلمان، وهو بطن من بطون عرب اليمن القحطانيين، والذين هاجروا إلى الأندلس بعد الفتح، واستقروا في مدينة غرناطة.


نشأ ابن الخطيب في كنف عائلة ذات مكانة اجتماعية وعلمية عالية، إذ كان جده خطيبًا، ومن أهل العلم والدين، أما والده فقد كان فقيهًا، وقارئًا للقرآن، وعالمًا بالحساب والأدب، ومعروفًا عنه تحليه بالنزاهة، والخصال الحميدة، ومن جانبٍ آخر، فقد تولى والده منصب الإشراف على مخازن الطعام في قصر السلطان "أبو الوليد إسماعيل"، ثم خدم في ديوان الإنشاء مع الرئيس "أبو الحسن بن الجياب"، وقد استمر في منصبه هذا حتى قتل في معركة طريف في عام 741 هجري.[٢][٣]


تعليم ابن الخطيب وثقافته

تلقى ابن الخطيب تعليمه في مدينة غرناطة، حيث درس اللغة والشريعة والأدب على يد كبار العلماء من أمثال "أبو عبد الله بن الفخار الألبيري"، و"أبو عبد الله بن مرزوق"، و"القاضي أبو البركات بن الحاج البلفيقي"، كما درس الأدب والشعر على يد الوزير "أبو عبد الله ابن الحكيم اللخمي"، والرئيس "أبو الحسن علي بن الجياب"، بالإضافة إلى الطب والفلسفة على يد "يحيى بن هذيل".[٤]


مسيرة ابن الخطيب الأدبية

يُعد ابن الخطيب من كبار شعراء وأدباء الأندلس في ذلك العصر، فقد جمع بين ملكتي الشعر والنثر، إلى جانب تأليفه في العديد من المواضيع الأخرى كالرسائل، والتاريخ، والطب، والموسيقى، كما امتاز باستخدامه لأسلوب السجع في كتاباته، وإن كان لم يلتزم به بشكلٍ دائم.


امتاز ابن الخطيب بكثرة مؤلفاته، وغزارة إنتاجه الشعري، حيث تطرق إلى معظم الأغراض الشعرية المعروفة، كالتأمل، والغزل، ووصف الطبيعة الأندلسية، إلى جانب تصوير الأحداث العامة والسياسية، كما كتب في بعض الأحيان شعر المديح، والذي لم يكن ينظمه إلا في المناسبات، والاحتفالات، والأعياد فقط، وقد كان ابن الخطيب شاعرًا طويل النفس، ذو ثقافة واسعة، ومخزون غزير، وتمكن لغوي كبير، مما انعكس على شعره بالإيجاب، فاتسم شعره بالبديهة، والارتجال، وتراص البناء الشعري، واحتوائه على الصور الشعرية الخيالية والبلاغية، أما في النثر فقد أولى اهتمامًا كبيرًا باللفظ، واستخدم التنميق، والسجع، والتكلف، والميل إلى الإطناب، مما ساهم في أن تكون كتاباته ذات معاني قليلة، وألفاظ وجمل كثيرة، ومما يدل على اطلاعه الواسع، ومعرفته الكبيرة، والرسائل التي قام بتأليفها في عدة نواحي، سواء أكانت رسائل سياسية، أو إخوانية، أو سلطانية.[٥]


مؤلفات ابن الخطيب

بلغت مؤلفات ابن الخطيب ما يقارب الستون كتابًا، حيث يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أصناف رئيسية، وهي:[٦]

  • الكتب التاريخية: ومن الأمثلة عليها "الإحاطة في أخبار غرناطة"، و"التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى"، و"اللمحة البدرية في الدولة النصرية".
  • الكتب العلمية: والتي تبلغ سبع رسائل في مجالات مختلفة مثل الطب، والأغذية، وعلاج السموم، ومنها رسالته عن وباء الطاعون، ورسالة "الحلل المرقومة في اللمع المنظومة".
  • الكتب الأدبية: ومن أهمها ديوانه الشعري، ومجموعة من الرسائل الأدبية، بالإضافة إلى كتاب السحر والشعر، وكتاب جيش التوشيح، وغيرها.


حياة ابن الخطيب السياسية

من الطبيعي والبديهي أن يكون للبيئة السياسية التي نشأ ابن الخطيب فيها بحكم منصب والده دورٌ كبير ومهم في رسم سير حياته ومستقبله، إذ عند وفاة والده تم استدعاء ابن الخطيب ليحل محله، فتولى منصب أمانة السر عند أستاذه الرئيس "أبو الحسن بن الجياب"، وهو لا يزال في الثامنة والعشرين من عمره فقط، ثم بعد ذلك خلف أستاذه في منصب الوزير لدى السلطان "أبو الحجاج يوسف الأول النصري"، إلى جانب منصب ديوان الإنشاء، وقد أظهر ابن الخطيب في عمله السياسي براعة وكفاءة عاليتين، مما جعله موضعًا لثقة السلطان، وبيت سره، فقربه منه، وأجزل عليه النعم والعطايا، وبعد وفاة السلطان "أبو الحجاج" تولى بعده ابنه السلطان محمد الخامس الغني بالله، وقد استمر ابن الخطيب في خدمة السلطان الجديد، والذي أرسله كسفير إلى ملك المغرب في مهمة رسمية، استطاع ابن الخطيب تأديتها على أكمل وجه.


استمر ابن الخطيب في عمله السياسي إلى أن تم عزل السلطان الغني بالله عن عرشه، حيث تولى أخيه الأمير إسماعيل الحكم بدلًا عنه، وعندها قام بعض الحاقدين على ابن الخطيب والمنافسين له بتحريض السطان الجديد عليه، مما دفعه إلى إلقاء القبض عليه، ومصادرة جميع أمواله، ففقد ابن الخطيب كل ما يملك من نفوذٍ وجاه، فاضطره ذلك إلى اللجوء إلى دولة المغرب، والتي قضى فيها ما يقارب الثلاثة أعوام، حيث قضاها في تلقي العلم والتأليف.[٧]


وفاة ابن الخطيب

توفي ابن الخطيب في عام 776 هجري/ الموافق 1374م في مدينة فاس، وقد وافته المنية خلال وجوده في السجن، فعندما تولى السلطان "أبو العباس المريني" العرش في المغرب، قام بإلقاء القبض عليه، وزجه في السجن نتيجةً لبعض الوشايات من الحاقدين والحاسدين، وأثناء وجود ابن الخطيب في السجن دخل عليه بعض الأشخاص ليلًا، حيث قاموا بخنقه وقتله، ومن ثم إحراق جثته، وقد تم دفن باقي الرفاة في مقبرة باب المحروق.[٨]


يمكنك قراءة المزيد من شعراء الأندلس، مثل: ابن خفاجة، وابن زيدون.

المراجع

  1. كامل شهاب محمد الجبوري، تجليات المضامين التراثية في شعر لسان الدين بن الخطيب، صفحة 15-22. بتصرّف.
  2. عبد الحميد طواهري، عبد اللطيف قحمص، لسان الدين ابن الخطيب في رمزية العلاقة بين السياسي العالم والسلطة.pdf اغتيال لسان الدين بن الخطيب في رمزية العلاقة بين السياسي العالم والسلطة، صفحة 11-14. بتصرّف.
  3. محمد عيساوي ، المؤرخ لسان الدين بن الخطيب "حياته ومنهجه في التدوين التاريخي"، صفحة 16. بتصرّف.
  4. لسان الدين بن الخطيب، معيار الاختيار فى ذكر المعاهد والديار، صفحة 13. بتصرّف.
  5. ذاكر عبداللطيف عبوش، لسان الدين بن الخطيب وصوره البلاغية، صفحة 1600. بتصرّف.