من هو ابن الهيثم؟

هو عالم فيزياء ورياضيات، وفيلسوف، وفلكي، وطبيب من العصر الفاطمي.


وهو الحسن بن الحسن بن الهيثم، أبو علي البصري، والمُلقب ببطليموس الثاني، وهو عالم وفيلسوف وطبيب وباحث برع في الرياضيات والعلوم الطبيعية، كما أن له مُشاركات عديدة في مجال الطب، وكان مصدر حركة فلسفية عظيمة في مجال الطبيعيات والرياضيات بعد إخطائه بنظرية توزيع مياه النيل في مصر، ولم يكن ممن يهتمون بالجاه والمال مُقابل العلم، كما أن له العديد من المؤلفات التي شكلت عمادًا للمعرفة على مر العصور في بلاد الشرق والغرب، ويفوق عددها 200 كتاب ورسائل في الفلسفة، والرياضيات والحساب، والمساحة، والهندسة، والطبيعة، والشعر، والنفس، والطبيعة، والبصريات، والضوء، وغيرها من المؤلفات التي لخصها وألفها خلال كل مرحلة مُختلفة من مراحل حياته ليترك ثروة علمية اكتنزتها الأجيال من بعده، ولا تزال تأثيراتها راسخة في العلوم حتى عصرنا الحاليّ.[١][٢]


مولد ابن الهيثم ونشأته

ولد ابن الهيثم في عام 354 هـ/ 965 م في مدينة البصرة، وهو من أصلٍ عربي، لكن حياته ونشأته في البصرة كانت غامضة إلى حدٍ ما، وروى المؤرخون عنه أنه أقام في بلاد الشام في كنف أحد الأمراء، ومن ثم سافر إلى مصر في أوائل القرن الحادي عشر ميلاديًّا بأمر من الحاكم بأمر الله الفاطميّ، وهناك ازدهرت حياته العلمية، وكان مُنشغلًا بالبحث والتعلم، وعُرف بقوة ذكائه، وكثرة تصانيفه، وإنسانيته وحبه الشديد للخير.[٣]


علم ابن الهيثم وثقافته

تميّز ابن الهيثم بمنهج وأخلاق البحث الإسلامية التي تقوم على الحق والعمل الدؤوب، والتي تُشيد بقدرة الله تعالى، فأثمرت دراساته وأبحاثه في الكشف عن نظريات علمية بارزة في علوم الطبيعة بالاستعانة بطرق بحث متميزة، عجز علماء أوروبا في القرن الثالث عشر عن الوصول لها، فاعتبروا ابن الهيثم مؤسس المنهج العلمي الحديث، ومن أبرز العلوم التي برع بها: علم المناظر، والإشعاع، والضوء وغيرها، كما كان طبيبًا مزاولًا وحاصلًا على الإجازة في الطب، وصاحبًا لتصنيفات عدة في مجاله، بالإضافة للمؤلفات الفلكية والرياضيّة، ناهيك عن كونه مُهندسًا بارزًا وذا شأن رفيع في فن الهندسة.


وعندما ذاع صيته ووصلت إلى الحاكم الفاطمي لمصر دراساته وتبنيه لنظرية هندسية تتمحور حول بناء سد لمياه نهر النيل، طلبه الحاكم وأكرمه وأوكله ببعثة علمية حتى وصل موقع الجنادل المقابل لمدينة أسوان، وهناك عاين مياه لنيل واختبر النهر من جانبيه واعتذر للحاكم حول ضعف نظريته وعدم صحتها، فلم يتقبل الحاكم اعتذاره ويقتنع به فوضعه تحت جناحيه وولّاه بعض الدواوين، في حين كانت هذه الغايات الدنيوية البعيدة عن العلم لا تشغل ابن الهيثم إلا انه تولاها ورضخ لأمر الحاكم خوفًا منه، وعندما لم يتمكن من متابعة الإذعان تظاهر بالجنون، فحبسه الحاكم في منزله وضبط ممتلكاته وأمواله، وهنا استمر ابن الهيثم على حاله إلى حين وفاة الحاكم، وعاد بعدها إلى رشده، واستأنف علمه ودراسته وأبحاثه وتصنيفاته، ووصل عدد مؤلفاته ما بين رسائل وكتب ومصنفات متنوعة حول مختلف أنواع المعرفة إلى 237 مؤلفًا، من بينها ما يُقارب 100 كتاب منوع.[٤]


فلسفة ابن الهيثم

انجذب ابن الهيثم للفلسفة بغية البحث عن الحقيقة التي كان ينشدها منذ صباه، والتي تنبع من قناعته بأن الفلسفة هي أساس العلوم، فكانت مؤلفات الفيلسوف أرسطو هي منهجه ومُرشده في هذا السبيل، وكان يحذو حذوها لخدمة الإنسانية، وكان بحثه حول المذاهب الفلسفية لخير الإنسانية يشبه الفلاسفة أسلافه من أمثال ابن رشد في الأندلس، إلا أنه لسوء الحظ لم يبق أي شيء من كتبه ورسائله الفلسفية، لكن وبحسب وصف المؤرخين له، كان يتسم بعلمه الواسع حول المرئيات، وهو ما أهّله للتقدم على الرياضي الأوروبي فيتلو الذي عاش بعده بقرنين، إذ امتاز ابن الهيثم بطريقة تفكيره الرياضية الشبيهة بديكارت وسبينوزا، كما أنه كان نابغًا وظهر نبوغه في نظرياته في علم النفس وفي إدراك الحس عامة، والإبصار خاصة، وأبحر في دراسة الإحساس والمواجهة بين الإحساسات المتنوعة وكيفية التعرف عليها، وتمييز بعضها عن بعض، فكان يسعى للعلم والحكمة، ولم تكن الماديات تشغله فلم ينجح في حياته المادية أو يتمكن من العودة لمسقط رأسه البصرة، خاصةَ بعد أن غدا بحثه ودروسه العلمية مدرسةً عريقة المبادئ خاصةَ في الرياضة والفلك، ورغم اجتهاده في المنطق والفلسفة الأرسطوطاليسية إلا أن التاريخ لم يذكر سوى تلميذه الأمري أبا الوفا مباشر فاتك القائد المصري، إذ كان هنالك الكثيرون ممن كفّروا ابن الهيثم بعد موته وتجرأوا على إحراق بعض كتبه في بغداد في أوائل القرن الثالث عشر ليحرموا التاريخ من عظمتها ومنفتعها.[٥]


أبرز اكتشافات وإنجاز ابن الهيثم العلمية

من أبرز إنجازات ابن الهيثم في مختلف أنواع العلوم ما يأتي:


البصريات والفيزياء

أطلق على ابن الهيثم لقب (أبو البصريات)، وذلك نتيجة إنجازاته في هذا المجال، ومنها:[٦]

  • قدّم التقدير الحقيقي الأول لعمل العدسة، ووضح قدرة الشكل المُحدب على تكبير صور الأجسام، والتي جاءت النظارات كتطبيق عملي لها.
  • اهتم بدراسة الظواهر الفيزيائيّة الطبيعية الضوئيّة، وشرح الرؤية المجهرية، وقدم شرحًا وافيًا للزيادة في حجم الشمس والقمر عند اقترابهما من القمر، واستخدم الكاميرا المظلمة والكاميرا ذات الثقب.
  • كتب مُلحقًا لكتاب البصريات عنوانه رسالة في الضوء، ضم فيه دراسات حول خصائص الإنارة وتشتت الإشعاع من خلال مختلف الوسائط الشفافة، إضافةً لكتابه ميزان الحكمة الذي ناقش فيه كثافة الغلاف الجوي وربطها بالارتفاع، إضافةً لدراسة الانكسار الجوي.
  • أفاد بنظريته حول كيفية رؤية العين للأشياء أن الأشعة تنشأ في موضوع الرؤية وليس بالعين على خلاف ما نصت نظريات إقليدس وبطليموس ومفادها أن الرؤية تتم عندما ترى العين الأشياء بالاعتماد على الأشعة المُنبعثة عنها وليس عن العين.[٧]
  • اكتشف قوانين الانكسار خلال تفحصه مرور الضوء عبر وسائل الإعلام المختلفة بدقة، وإجرائه التجارب الأولية على تشتت الضوء إلى الألوان المكونة له، ووصف جميع هذه الإنجازات في أطروحته الشهيرة كتاب المناظر.[٦][٨]


علوم الفلك

ساهم ابن الهيثم في تحديد القبلة، ونقد افتراضات وأعمال بطليموس في مجال الفلك، وقدم عدة كتب، أبرزها مخطوطة (حول تكوين العالم)، قدم فيها وصفًا تفصيليًا دقيقًا لبنية الأجسام السماوية الفيزيائيّة، ومنها أن الأرض كرة مستديرة يُشكل مركزها الوسطي مركز الكون، وهو ثابت، وفي حالة سكون، ولا يتحرك مُطلقًا، بالإضافة إلى نموذج الحركة للكواكب السبعة، الذي مثّل كتابًا فلكيًا هامًا إلا أن مُعظم مخطوطاته فقدت.[٦][٩]


طب العيون

قدم ابن الهيثم شرحًا تفصيليًا لأجزاء العين ولعملية الرؤية، وكان طبيبًا رائدًا في هذا المجال، ساهم بجدارة في تطوير جراحة العيون، ودراسة الإدراك البصري، وعملية الإبصار، وقدم نظريته الشهيرة أن الرؤية تتم من خلال الأشعة الضوئية المنبعثة من الأجسام على شكل خطوط مستقيمة، التي تصل العين التي تدركها وتُبصرها.[٦][١٠]


الرياضيات والهندسة

عمل ابن الهيثم في مجال الرياضيات على تنظيم حساب التفاضل والتكامل متناهي الصغر، فطوّر الصيغة العامة التي تمثل مجموع أي قوى متكاملة، وعمل على نظرية الأعداد، ويشمل ذلك التحليل والتركيب، إضافةً لدراسته للأقسام المخروطية وتطويره الهندسة التحليلية القائمة على ربط الهندسة والجبر معًا، فصاغ معادلة لجمع أول 100 رقم طبيعي، كما درس الميكانيكا والتفت إلى قانون مُشابه لقانون نيوتن الأول للحركة، فأكد أن الجسم يظل دائم الحركة ما لم تعترضه قوة خارجية توقفه أو تغير اتجاهه، إضافةً للعمل على معادلات من الدرجة الرابعة واشتقاق الصيغة الأولى لمجموع القوى الرابعة، وغيرها من الإنجازات الرياضية.[٦][٧]


أشهر مؤلفات ابن الهيثم

من أشهر مؤلفات ابن الهيثم ما يأتي:

  • كتاب فلسفة الضوء: أبطل ابن الهيثم في كتابه هذا النظريات السائدة في زمانه حول الإبصار، وذلك من خلال الأدلة العلمية والفيزيائيّة، وكانت النظرية تزعم أن العينَ تُرسِلُ أشعةً خاصةً تَسقطُ على الأشياء فتُساهم في رُؤيتَها، وهو قول مغلوط أبطله ابن الهيثم الذي لم يقتصر ميوله وشغفه في دراسةِ الظَّواهرِ الفيزيائيَّة، فوضّح الكتاب مُساهماته في علومِ الجبْر والهندسة والطبِّ البَشري، وأنه أول من قدم فكرة بناء خزَّانٍ لمياهِ نهرِ النيلِ؛ لحماية القُرى المِصْريةَ من خطَرِ الفيضانِات وادخار كمية كافية من المياه للمُزارِعِينَ على مَدارِ العام، بالإضافة للعديد من الأبحاثٍ في مُختلف العلوم، ولا ننسى إنجازاته في مَجالِ البَصريَّاتِ (فِيزياءِ الضَّوْء حاليًا)، وغيرها.[١١]
  • كتاب حول تكوين الكون: وهو أحد أشهر أعمال ابن الهيثم الفلكية والذي قدم فيه وصفًا غير تقني لطريقة فهم النماذج الرياضية المجردة لبطليموس تبعًا للفلسفة الطبيعية السائدة في عصره، وتقبل مُبكرًا وبشكل ضمني بعض نماذج بطليموس وفرضياته ونقد وتعارض مع بعضها.[٧]


كتاب المناظر

أوجز ابن الهيثم في كتابه المناظر، ولخص المعارف والنظريات السابقة عن الرؤية، كما قدم أسس ملاحظاته التجريبية الخاصة، وطرح من خلاله آراءً ومعلومات علمية جديدة، أبرزها نظريته المعروفة في الرؤية، وقسم كتابه إلى 7 فصول، اختصت الفصول الثلاثة الأولى منها بمواضيع الرؤية، بالإضافة لوصف التشريح الدقيق للعين وأجزائها والهياكل المحيطة بها، أما الفصول الثلاثة التالية فتتعلق بالتفكير، بينما يتطرق الفصل الأخير إلى موضوع الانكسار، ويُصنف هذا الكتاب كأحد أكثر الكتب تأثيرًا في مجال الفيزياء.[١٢]


وفاة ابن الهيثم

توفي أبو البصريات ابن الهيثم في مدينة القاهرة في عام 430 هـ / 1040م عن عمر يُناهز 74 عامًا.[٧]

المراجع

  1. أحمد امين، ظهر الإسلام، صفحة 168-169. بتصرّف.
  2. اسماعيل القريشي الشريف، الحسن بن الحسن بن الهيثم، صفحة 1. بتصرّف.
  3. مصطفى عبد الرازق، فيلسوف العرب والمعلم الثاني، صفحة 75-76. بتصرّف.
  4. إسماعيل القريشي الشريف، الحسن بن الحسن بن الهيثم، صفحة 2-3. بتصرّف.
  5. محمد لطفي جمعة، تاريخ فلاسفة الإسلام، صفحة 273-274. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج Abdelghani Tbakhi, MDcorresponding and Samir S. Amr, "Ibn Al-Haytham: Father of Modern Optics", ncbi.nlm.nih, Retrieved 6-5-2021. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Richard Lorch، "Ibn al-Haytham"، britannica، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2021. Edited.
  8. Babak Daneshfard ,Behnam Dalfardi,and Golnoush Mahmoudinezhad, Ibn al Haytham The original portrayal of the modern theory of vision, Page 6. Edited.
  9. SAMIR S AMR, "Ibn Al-Haytham : Father of modern optics", academia, Retrieved 6-5-2021. Edited.
  10. Babak Daneshfard ,Behnam Dalfardi,and Golnoush Mahmoudinezhad, Ibn al Haytham The original portrayal of the modern theory of vision, Page 3. Edited.
  11. ابن الهيثم، "كتاب فلسفة الضوء"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2021. بتصرّف.
  12. Babak Daneshfard ,Behnam Dalfardi,and Golnoush Mahmoudinezhad, Ibn al Haytham The original portrayal of the modern theory of vision, Page 4-5. Edited.