من هو الحلاج؟
هو شاعر وأديب وفقيه وقارئ متصوف، وعلامة بارزة في العصر العباسي في القرن الثالث بعد الهجرة.
وهو الحُسَيْن بن منْصور بن مَحْمِيٍّ، أَبُو عبد الله، ويقال أبو مغيث، الفَارِسِيّ الأصل، البيضَاوِيّ نسبةً لمدينته، الصُّوْفِيّ تبعًا لعقيدته، فقد بلغ الحلاج في التصوّف أرقى وأقصى درجات الفنيّة وأصبح رمزًا له، فكانت له مكانته المميزة، واكتسب حضورًا رزينًا ومُبهرًا ومؤثرًا جدًا على متصوفة البلدان الإسلامية المجاورة، وهو ما أثار الشكوك والريبة حوله، ظنًا من الكثير أنه يتبنى أفكارًا سياسية ودينية تعارض السلطة الدينية في عصره، ناهيك عن البغضاء والكراهية التي أضمرها الكثير من المعاصرين له، حتى سُجِن وأُعدِم من قبل الخليفة العباسي المُقتدر.[١][٢][٣]
مولد الحلاج ونشأته
ولد الحلاج في بلدة تور في الشمال الشرقي من مدينة البيضاء، وهي من الأراضي الفارسية، في مطلع عام 244هـ/858 م وهي فترة ضحى العصر الذهبي للتصوف، وأجمع المؤرخون على أنه فارسيّ الأصل وليس عربيًا، وقد انتقل مع أسرته عندما كان صغيرًا من بلدة تور إلى العراق، وبالتحديد مدينة واسط المزدهرة آنذاك؛ بسبب تزعزع أوضاع والده المالية، ولكسب العيش والعمل هناك، وقد اشتهر بلقب الحلاج بسبب صنعة والده وهي حلج القطن.[٤]
مسيرة الحلاج ورحلاته
نشأ الشاعر الحلاج وترعرع في مدينة واسط في العراق، وهناك صَحِب العديد من المتصوفين والمشايخ والعلماء، ولكن في الوقت نفسه، كان هناك خلاف بينه وبين الكثير منهم ممّن تبرأوا منه، إذ كان شخصية غامضة ومثيرة للجدل، والتي بدورها سبّبت اختلافًا في رأي عامة الناس فيها، فالبعض يُعظّم شأنه، ويراه شاعرًا متصوفًا بمكانةٍ عريقة، والبعض يراه متعصبًا يبالغ في عقيدته وزهده، وآخرين يُكفّرونه، ومما ورد عنه في كتاب التاريخ لعز الدين ابن الأثير، أنه أظهر الزهد والتصوف والكرم، فقد كان يُحب مساعدة الناس ويُهديهم الفاكهة والدراهم، بينما وصفه آخرون بالساحر الشاعر الكذاب المُتكهن، لتتزايد الشائعات المغرضة حوله.
وقد انتقل الحلاج من مدينة خراسان إلى العراق فارتحل منها إلى الهند، ومن ثم انتقل منها إلى مكة المكرمة وأقام بها، وكان يُكثر العبادة والتزهّد والتصوّف، فيصوم الدهر ويُقلل الطعام والشراب، ولما رأى بعض المشايخ مبالغته وغرابة طباعه وزيادة نسكه وزهادته بما يختلف مع تعاليم الدين الإسلامي الميسورة، أعرضوا عنه وتجنبوه، ومن بينهم كان شيخ الصوفية في مكة عبد الله المغربي، وبعد مدّة من الزمن، عاد الحسين إلى بغداد في عهد الخليفة المقتدر.[٥][٦][١]
ومن جهة أخرى، فقد اتسم الحلاج بحب الثقافة والاطلاع الواسع، ومرونة عقله وتقلّباته السريعة من رأي إلى آخر، خاصةً إذا ثبت لديه رجوح رأي على آخر ليُعلن يقينه به، وقد كان مذهبه هو وحدة الوجود المختلطة بتعاليم الإسماعيلية، كما اشتهر وذاع صيته في مدينة خراسان وبغداد، وقيل فيه ما يُخالف ظاهر الشريعة المعروف، الأمر الذي سبّب خلافه مع بعض العلماء، ممن اشتكوه للخليفة ووصفوه بالكفر، مُستشهدين على ذلك بمُستندٍ وقع عليه العديد من الفقهاء والقضاة، وهو ما دفع الخليفة لإصدار أمر بالقبض عليه، وسجنه مدّة ثمانية أعوام، وبعد انتهاء مدّة سجنه، عاد العلماء وشكوه للخليفة مُطالبين بقتله، فاستجاب الخليفة لطلبهم، وأحال أمره إلى الجلاد.[٣]
أبرز أساتذة الحلاج
صحب الحلاج العديد من الأساتذة في التصوّف خلال مسيرته، وأبرزهم:[١]
- سهل بن عبدِ اللهِ التُّستري.
- أبو القاسم الجنيد.
- أَبو الحسين النُّوْرِيّ.
- عَمرو بنَ عثمانَ المَكِّي.
- أَبو العبَّاسِ بن عَطاء.
- محمد بنُ خَفِيْف.
- إبرَاهِيم أَبو القاسم النصر آباذِيّ.
ديوان الحلاج
يمتاز هذا الديوان بدقّة الحروف والكلمات والتشكيل والنقاط التي خلق منها الشاعر الحلاج أبياته العذبة، بالإضافة إلى جمالية معانيها واتساقها؛ إذ إن أي تغيير أو تصرف في تشكل الجمل قد يؤدي إلى انتكاسها وتغيّرها، وليس فقط الجملة بل المقطعة بالكامل، كما أنّ الحلاج لم يغفل في ديوانه الشعري عن أي هامش يدعم ويفيد الجمل، وهو ما يُشير بوضوح إلى طبيعة شعر الحلاج الذي يمتاز بشعشعة الأنوار، وإرسال الظلال إلى جهاته الست، وتقبُّل التخريج والتأويل إلى الطبقة السابعة، وقد جمع الديوان على يد كامل مصطفى الشيبي بطريقة تعاون القراء غير المتخصصين، فقد قام بجمع المقطعات وعنونتها بعناوين إيضاحية مُستمدّة من جوهر معناها؛ حتى تكون بمثابة شرح للقارئ الذي يحتاجها، كما حرص على إرفاق مُلحق للأشعار جنبًا إلى جنب مع الديوان، والذي يضم بدوره الأشعار المنسوبة للشاعر الحلاج؛ بقصد الحفاظ على الصلة العضويّة بين الأصل وشرحه، بالإضافة إلى إطلاع القارئ على طبيعة أشعار الحلاج والأشعار الأخرى التي عدل بها الناس إليه في مُختلف العصور ومن متخلف الأصناف.[٧]
أبيات من شعر الحلاج
من أبيات الشاعر الحلاج الفريدة التي ناشدها في حب المولى تعالى ما يأتي:[٨]
وفاة الحلاج
توفي الشاعر الحلاج في مدينة بغداد، وذلك بعد أن أُعدم في تاريخ 25-ذي الحجة-309هـ، وكان من آخر أبياته بعد أن استمر على حاله مُبتسمًا ومُتمردًا رغم تعذيبه قائلًا:[٩][٢]
اقتلوني يا ثقاتي، إنَّ في قتلي حياتي
فاقتلوني واحرقوني بعظامي الفانياتِ
ثم مروا برفاتي في القبورالدارساتِ
تجدوا سرّ حبيبي في طوايا الباقياتِ
المراجع
- ^ أ ب ت شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 194. بتصرّف.
- ^ أ ب ويس ماسنيون، آلام الحلاج، صفحة 1-2-3. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الله حسين، التصوف والمتصوِّفة، صفحة 42-43. بتصرّف.
- ↑ طه عبد الباقي سرور، الحسين بن منصور الحلاج شهيد التصوف الإسلامي، صفحة 30-31. بتصرّف.
- ↑ ابن خلكان، وفيات الاعيان، صفحة 141. بتصرّف.
- ↑ ابن خلكان، وفيات ااعيان، صفحة 140. بتصرّف.
- ↑ الحلاج، "ديوان الحلاج"، مكتبة النور، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2021. بتصرّف.
- ↑ الحلاج، "الحلاج يا موضع الناظر من ناظري"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13-7-2021. بتصرّف.
- ↑ أسرار الطريق الصوفي، د محمد أبو رمان، صفحة 17. بتصرّف.