من هي الخنساء؟
هي شاعرة عربية مُخضرمة، وصحابية جليلة من أواخر العصر الجاهلي وبدايات العصر الإسلامي في القرن السابع الميلادي.
وهي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، تُعد من أشهر الشاعرات العرب المسلمات اللواتي عاصرن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وسمع وأعجب بأشعارهن في القرن الأول الهجري، بالإضافة إلى أن أبياتها الفصيحة والمميزة انتشرت في مُختلف بلاد العرب على الرغم من تشربها بطابع الحزن، إذ غلب عليها الرثايئات والبكائيات على شقيقيها صخر ومُعاوية اللذين قتلا في العصر الجاهلي، فضلًا عن مكانتها المرموقة، ونَسبها الكريم الذي يعود لآل شريد من ملوك وأشراف قبيلة بني سليم، وشخصيتها المُخضرمة القوية التي تنبع من فكر مُتزن وعقل نابع، ورأي حُرّ، والتي ميزتها من بين باقي الشعراء الرجال والنساء على حد سواء على مر العصور المتعاقبة.[١][٢]
مولد الخنساء ونشأتها
رجَّح المؤرخون أن مولد الخنساء كان في مدينة نجد سنة 575 م، واختلفوا حول لقبها، فذُكر أنه بسبب قصر أنفها، وذكر آخرون أنه دلالة على جمالها، وعلى أنه مأخوذ من الظبية، أو تشبيهًا بالبقرة الوحشية في جمال عينيها، أما عن نسبها فهي ابنة أحد أسياد قبيلة بني سليم بن عيلان بن مَضر، وشقياقها الكبيران معاوية وصخر من فرسان القبيلة وأشرافها، فكانت دائمة التفاخر بهما في أشعارها، ومن هنا حظيت الخنساء بأسباب العزة من جميع أبوابها؛ نظرًا لخلفيتها الأسرية النبيلة ونسبها الكريم، وجمالها، ومالها، ونفوذها، والتي أكسبتها المنزلة الرفيعة، وحفظت مكانتها فلم يجرؤ أحد الشعراء على التهجم عليها أو ذكرها بالسوء، إلا عندما رفضت الشاعر الفارس دريد بن الصمة سيد بني جسم الذي خطبها أكثر من مرّة وردّته فهجاها، ولكنها لم ترد عليه، ومن ثم تزوجت برواحة بن عبد العزيز السلمي، وبعد وفاته تزوجت عبد الله بن عبد العزى من بني خفاف، وأنجبت منه ابنها عبد الله، وتزوجت من بعد أبيه مرداس بن أبي عامر المسلمي الذي أنجبت منه أبناءها العباس، ويزيد، وحزن (قيل بأن اسمه معاوية)، وسراقة، وعَمران، وابنتها عمرة، وكان جميع أبنائها شعراء مثلها، خاصةً العباس الذي تميز بشجاعته وإجادته للشعر، وتجدر الإشارة إلى أن الخنساء أسلمت مع قبيلتها ووفدوا إلى المدينة لرؤية النبي وإشهار إسلامهم في العام 8 هـ، وكانت خلالها دائمة الحداد على شقيقها معاوية وصخر، واستمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قصيدها ومدحه، ومن ثم شارك أبناؤها الأربعة في غزوة القادسية وأبلوا فيها بلاءً حسنًا لكنهم استشهدوا فيها جميعها، ولم يبقَ لها إلا ابنتها عمرة، ورغم ذلك كانت صابرة وراضية بشهادة أبنائها. [٣][٤][٢]
شعر الخنساء
يعُد شعر الخنساء من أسلم نصوص الشعر الجاهلي، إذ يتسم ببعده عن الشك والانتحال، والغرض الشعري البارز فيه هو الندب والرثاء، والذي يُعد بدوه موضوًعا إنسانيًا بعيدًا عن التعصب الديني والمذاهب القبلية؛ إذ لم يكن للخنساء دور منشود في الحروب الداخلية والنزاعات المذهبية، فكان نسبه إليها واتصاله بسند الرواية أمرًا ليس فيه اختلاف؛ نظرًا لمكانة هذه الشاعرة المعروفة، وقد امتازت بإنشاد الشعر منذ مطلعها لكنها لم تكن تُكثر قوله إلا بعد حزنها الشديد على أخويها، وبشكلٍ خاص صخر الذي كان حليمًا وكريمًا ومجوادًا، وسندًا لها، ناهيك عن شجاعته ومنزلته بين أبناء عشيرته، فانطلق لسانها المجروح يشدو الشعر الممزوج بالدموع، والمتدفق من صدر مُتألم ونفسٍ مكسورة وقلبٍ مكلوم،[٥] ويُمكن تلخيص بعض السمات الشعرية واللغوية البارزة في بكائياتها كما يأتي:[٦][٧]
- معظم رثائيات الخنساء تدور حول ندب الموتى والبكاء عليهم، ويطغى عليها الشعور بالفجيعة والأسى، وهي أحاسيس عميقة تولدت من عواطف جياشة تجاه المُرثى عليه، فضلًا عن أنها انعكاس لصدمة نفسية كبيرة ناجمة عن الفراق والفقدان المُتجسد في التعبير الشعري.
- أشركت الخنساء الطبيعة كعامل يدعم ويُعبر عن حزنها في سبيل نقل المأساة من الطابع الذاتي والشخصي إلى إطار عام وشامل أكثر.
- الميل للتأبين في رثائياتها، إذ سردت الخنساء من خلاله خصائص وسمات المرثى عليه الحميدة التي تطغى على صورته في نظرها، بالإضافة لاستخدام غرض التأبين في سبيل تخليد صورته الجميلة من ناحية معنوية، وهي محاولة لمواجهة فكرة فَنائه وموته، أي أنه يُخلّد بالذاكرة وليس على الواقع، كما أبرزت خلاله قدرتها على التعبير عن هواجسها وعواطفها وعجزها وضعفها أمام حقيقة الموت التي لا يمكن مواجهتها.
- محاولة استثارة غضب أبناء العشيرة لأخذ ثأر المُرثى عليه، وهم أخَواها المقتولان، وذلك ببث الحماس فيهم، وشحذ هممهم وإثارة الحقد لديهم؛ بدافع الاقتصاص من أعدائهم.
- خرجت قصائدها عن النظم التقليدية للشعر العربي وتنوعت في بنيتها وشكلها الخارجي بين مقطوعات شعرية وقصائد متفاوتة في الطول، إضافةً لخلوها من المقدمات ووحدة موضوعياتها وهي الرثاء.
- اتسمت قصائد الخنساء بوضوح معانيها رغم عمقها وبروز العواطف فيها، إضافةً للمبالغة واستخدام صيغ الدعاء وافتداء المرثوّ، ناهيك عن التكرار الواضح فيها، واستخدام الصور الفنية العفوية والبسيطة، بالإضافة للأساليب البلاغية الأخرى؛ كالاستعارة والكناية والتشبيه.
ديوان الخنساء
خلّفت الخنساء في رثاء أخويها معاوية وصخر الذي خصّته أكثر بقصائدها ديوانًا شعريًا جُمعت فيه بكائياتها، ومن جهةٍ أخرى وبسبب عمق الإحساس في هذا الديوان وبالنظر لشدّة الحزن الذي يُدمي القلب، ووقع المصيبة التي ألمت بها على فراق أخويها، غدَا ديوانها أقرب ما يكون للمأتم المليءُ بالآهات والعويل واللطمات، تمتزج فيه قصادئها وأبياتها الحزينة بالدمع الغزير الجاري الذي تقرح له الجفون وتُعمى بسبب لهيبه العيون.[٨]
أبرز أبيات الخنساء
من أبرت الأبيات الشعرية التي أنشدتها الخنساء في رثاء أخيها صخر ما يأتي:[٩]
أَعَينَيَّ جودا وَلا تَجمُدا**أَلا تَبكِيانِ لِصَخرِ النَدى ؟
أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ**أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا ؟
طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ**سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا.
إِذا القَومُ مَدّوا بِأَيديهِمِ**إِلى المَجدِ مَدَّ إِلَيهِ يَدا.
فَنالَ الَّذي فَوقَ أَيديهِمِ**مِنَ المَجدِ ثُمَّ مَضى مُصعِدا.
يُكَلِّفُهُ القَومُ ما عالُهُم**وإِن كانَ أَصغَرَهُم مَولِدا.
تَرى المَجدَ يَهوي إِلى بَيتِهِ**يَرى أَفضَلَ الكَسبِ أَن يُحمَدا.
وَإِن ذُكِرَ المَجدُ أَلفَيتَهُ**تَأَزَّرَ بِالمَجدِ ثُمَّ اِرتَدى.
وفاة الخنساء
تُوفِّيت الخنساء في مدينة نجد عامَ 24 ﻫ/645 م، وكانت تبلغ من العمر 71 عامًا.[١]
المراجع
- ^ أ ب "الخنساء"، موسوعة هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 14-6-2021. بتصرّف.
- ^ أ ب شهيرات النساء في العالم الإسلامي، قدرية حسين، صفحة 208-210. بتصرّف.
- ↑ شواهد الخنساء في كتب التراث العربي ، نديم سائد شراب، صفحة 13-14-15-16. بتصرّف.
- ↑ شوابح منال، مــــوازنـــــة بيـــــن بكائيــــات "المهلهل بن ربيعة" و دراســــــــة فنيـــــــة موضوعيــــــة، صفحة 47-48-49. بتصرّف.
- ↑ نديم سائد شراب، شواهد الخنساء في كتب التراث العربي، صفحة 21-22. بتصرّف.
- ↑ د جبار اللامي، قراءة جديدة في مراثي الخنسـاء، صفحة 25-26-27-28. بتصرّف.
- ↑ الدكتور حفظ الرمن، Hifz ur _v23_16.pdf منهج اساء شعرها ا، صفحة 7-9-16-17. بتصرّف.
- ↑ الخنساء، ديوان الخنساء، صفحة 1. بتصرّف.
- ↑ الخنساء، ديوان الخنساء، صفحة 16-17. بتصرّف.