من هو الكندي؟

هو فيلسوف عربي مسلم، ومؤرخ، ومترجم، وعلامة بارع في مُختلف مجالات الطب، والهندسة، والفلك وغيرها، ومن علامات القرن التاسع الميلادي.


وهو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن صباح الكندي، والمُلقب بفيلسوف العرب، وينتهي نسبه إلى كندة من بني يعرب بن قحطان (بني كهلان) من عرب الجنوب، وأحد أبناء ملوكها، وهو من كبار الفلاسفة العرب، والمترجمين لأعمال الفلاسفة من أمثال أرسطو، وباقي الأفلاطونيين المحدثين، ومُختلف علماء الرياضيات، واليونانيين الذين ترجم أعمالهم إلى اللغة العربية، فساهم في نقلها إلى العرب وتعريفهم عليها والانتفاع منها، كما كتب العديد من الأعمال حول مواضيع فلسفية أخرى، خاصةً علم النفس وعلم الكونيات، فضلًا عن مؤلفاته الغزيرة في الرياضيات والعلوم والتقاليد العربية، وغير ذلك.[١][٢]


مولد الكندي ونشأته

اختلف المؤرخون حول ولادة الفيلسوف يعقوب الكندي، ورُجح أنه ولد في مدينة الكوفة في عام 185هـ/ 801 م، في بداية القرن التاسع الميلادي، أي في القرن الثالث الهجري، وكان والده إسحاق بن الصباح أميرًا على الكوفة في زمن المهدي والرشيد، ولكنه توفي بينما كان ابنه يعقوب صغيرًا، فعاش في البصرة في أول حياته، ثم انتقل منها إلى مدينة بعد أن حرصت والدته على تعليمه وتوسيع معارفه، وتربيته تربية أكاديمية ودينية في الوقت ذاته، فانكب على العلوم بمختلف أصنافها، ونهل منها وتشرب حد الارتواء، فاتسعت آفاقه العلمية وبرع في مختلف المعارف والعلوم.[٣][٤]


ثقافة الكندي وعلمه

درس الكندي في مدارس البصرة، ومن ثم انتقل إلى بغداد، فالتحق بمدارسها أيضًا، فألم بجملة من العلوم التي اشتهرت في عصره، ومنها: الفلسفة، والطب، وعلم الحساب، والمنطق، والهندسة، وطبائع الأعداد، وعلم النجوم، وتأليف الموسيقى والألحان، ناهيك عن تثقفه في علوم الإغريق، والفرس، والهنود، كما ألمّ باللغة اليونانية والسيريانية، فاشتغل في ترجمة مؤلفات أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان، ولغزارة علمه ونبوغه وتميزه عرف بأنه أول فلاسفة الإسلام، وكان قد ألف العديد من الكتب التي احتذى فيها بالفيلسوف أرسطو، كما فسر العديد من كتب الفلسفة وحل مشاكلها، ولخص الصعب فيها وبسّطه بسبب نباهته ومهارته في الترجمة، وهو ما جعل العديد من معاصريه يحسدونه، ومنهم أبو القاسم صاعد بن أحمد القرطبي الذي قال أن علومه لا نفع بها، وأنها خالية من المنطق، وهي مزاعم غير حقيقية، ومن جهة أخرى أثرَت مؤلفات الكندي خزينة ومكتبة العرب والمسلمين، وكادت تشمل سائر العلوم، فكتب رسائل ومؤلفات في الفلسفة والأخلاق، وعلم السياسة، والموسيقى، والفلك، ونظام الكون، والطب والنفسانيات، والجغرافيا، وعلم المعادن، والكيمياء. [٥]


منهج الكندي وفلسفته

تأثر الكندي بالحركة الاعتزالية النشطة في عصره، وظهر ذلك في مؤلفاته، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن يكون مُعتزليًا، فبرزت له رسائل تدور حول أصول المعتزلة كالعدل والتوحيد، وأخرى في الاستطاعة وزمان وجودها، وردود على المانوية والثنوية والملحدين، ويرجع السبب في بحثه في هذه المواضيع إلى أنه عاش فترة الصراع العقائدي الشديدة التي برزت فيها الحركة الاعتزالية التي تميزت بالقول بخلق القرآن وجابهتها نزعات الإلحاد والزندقة والمادية، ونزعات أخرى عديدة غيرها، فكان دور الكندي يتمثل بكونه فيلسوف عصره الذي يملك الفكر والعلم ويعيش وسط التيارات المتضاربة، فعالج مشاكل المعتزلة والشيعة الإمامية والزيدية وغيرها، وقدم آراءه التي طبقها على الكون جملةً وتفصيلًا مُحركًا التيار المعتزلي العاصف آنذاك، ولم تتعارض فلسفته مع الدين إطلاقًا، وإنما نصره بسلاح العلم والعقل.


ومزج الفلسفة بالمنطق ووضّح العقيدة ودافع عنها، ودرأ شبهة المذاهب التي حاولت تشويهها، خاصة المانوية، فالفلسفة والدين أساسان مرتبطان على حد سواء في معرفة الحق، كما لم يفقده ذلك فسلفته الشخصية القوية وطابعها المميز، فاعتبر أول مفكر عربي أطّر قضية ونظرية المعرفة بطريقة جديدة، ووضعها خارج حدود الإطار اللاهوتي، فيرى أن ما يُمكن للإنسان معرفته هو علة لمعرفة شيء آخر، ويربط العلة بالحقيقة التي يراها أداة بحث العلل التي توصلنا لإدراك الحقائق والمعارف والأشياء، وصناعة العلم الذي هو وجدان حقيقة الشيء، والفلسفة التي تمثل أعلى الصناعات الإنسانية، التي تعد حدودها علم الأشياء ضمن طاقة الإنسان وقدرته.


ومن جهة أخرى أشار الكندي في فلسفته إلى أن العلل والمطالب أربعة أنواع، وهي العلة الفاعلية، والعلة الصورية (صورة الشيء)، والعلة الهيوانية (مادة الشيء)، والعلة الغائية، مؤكدًا بدوره إلى ضرورة الاستفادة في سبيل تحصيل تلك المطالب دون تراكم معرفي، وإنما بدءًا من اللحظة التي أوتي الإنسان فيها العلم والمعرفة، مع التنبيه إلى أن العلم ليس مجهودًا فرديًا، وإنما حصيلة مجهود المجتمع البشري كله، ويدعو الكندي أيضًا لضرورة شكر من تقدم فيه، مؤكدًا على ضرورة استحسان الحق واتباعه، وموضحًا أن هنالك 3 طرق لكسب المعرفة: وهي الحس والعقل الطبيعي والبشري، وأخيرًا الطريق الإلهي غير البشري الذي يفوق الحس والعقل الطبيعي، والذي يصل من خلال الرسل والأنبياء، وهنا تجدر الإشارة إلى أن طريقة الحس والعقل البشرية تتضمن علومًا ومعارف ومناهج مختلفة، أما الطرق الإلهية فلا تتطلب البراهين، أو الأدلة العلمية؛ لأن فهمها يكمن بالإيمان، مضيفًا إلى أن هناك نوعًا من الفلسفة توصل إلى الإيمان بالعلوم الإلهية وهي التي عرفت بالفلسفة الأولى، والتي تبحث في العلة في الوجود، والتي يشير لها أرسطو بكونها أسمى وأرقى وأشرف درجات ورتب الفلسفة.[٦][٧]


أبرز مؤلفات الكندي

يُشير المؤرخون إلى غزارة إنتاج ومؤلفات الكندي، والتي اختلف حولها وقيل بأنها تتراوح بين 230-240 كتابًا ورسالة في مختلف العلوم، ومن أبرز مؤلفاته ما يأتي:[٣]

  • رسالة في حدود الأشياء ورسومها: حدد الكندي في هذه الرسالة المعاني والمصطلحات الفلسفية، فأشار فيها إلى معنى العلة الأولى، والعقل، والطبيعة، والنفس، والإبداع، وجملة واسعة من المصطلحات الفلسفية الأخرى.
  • رسالة في وحدانية الله وتناهي جرح العالم: وأثبت فيها الكندي وحدانية الله سبحانه وتعالى.
  • رسالة الكندي في خبر صناعة التأليف: تعد هذه الرسالة من أقدم الرسائل التي تتناول الموسيقى العربية بطريقة علمية منهجية والتي أتى الكندي بها من المستحدثات الفكرية في القرن الثالث للهجرة، وما وصل إليه العرب من أصول الموسيقى الإغريقية المترجمة حينها.[٨]
  • رسالة في الفاعل الحق الأول التام.[٣]
  • رسالة في إيضاح تناهي الجرح.[٣]
  • رسالة في علة الكون والفساد.[٣]
  • رسالة في الجواهر الخمسة.[٣]


أشهر أقوال الكندي

من أشهر أقوال الكندي ما يأتي:[٩]

  • لا ينبغي أن نخجل من الاعتراف بالحقيقة واستيعابها من أي مصدر يأتي إلينا، حتى لو كانت قد جلبتها إلينا أجيال سابقة وشعوب أجنبية.


وفاة الكندي

اختلف المؤرخون حول وفاة الكندي، فذكر أنه توفي في أواخر القرن التاسع عشر، وذكر البعض أنه توفي في عام 861 م، بينما ذكر آخرون أنه توفي في عام 258 هـ/ 873 م، وتراوح عمره حينها بين 70 عامًا.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب محمد لطفي جمعة، تاريخ فلاسفة الإسلام، صفحة 21. بتصرّف.
  2. "al-Kindi", plato.stanford, Retrieved 21-2-2020. Edited.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح مهدي طه مكي السعيدي (31-10-2017)، "الكندي حياته ومؤلفاته"، شبكة جامعة بابل، اطّلع عليه بتاريخ 28-5-2021. بتصرّف.
  4. مصطفى عبد الرازق، فيلسوف العرب والمؤلف الثاني، صفحة 17-15. بتصرّف.
  5. محمد لطفي جمعة، تاريخ فلاسفة الإسلام، صفحة 22-23-21. بتصرّف.
  6. د عارف عبد فهد، إسراء علي عودة، المعرفة عند الكندي في القراءات الفلسفية العربية المعاصرة، صفحة 4-5. بتصرّف.
  7. حيدر عبد الحسين قصير، أثر الاعتزال في فكر فليسوف العرب الكندي، صفحة 6-8. بتصرّف.
  8. الكندي، "رسالة الكندي في خبر صناعة التأليف"، مكتبة النور، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2021. بتصرّف.
  9. "Yaqub ibn Ishaq al Kindi Quotes ", goodreads, Retrieved 30-5-2021. Edited.