من هو جان بول سارتر؟
وهو أديب وناقد ومُفكر وفيلسوف وناشط سياسي ومُدرس ومؤلف كتب وروايات ومسرحيات بارز من رواد القرن العشرين.
وهو جان بول سارتر، فيلسوف فرنسي الأصل، ويُعد بدوره أب الفلسفة الوجودية في القرن العشرين، وناشط سياسي بارز خلال الحرب العالميّة الثانيّة، امتاز بفكره الحر وإبداعه الأدبي الذي أكسبه شهرة عالميّة أثرت على الحياة الفكرية ما بعد انتهاء الحرب، وكان من أبرز محاضراته الشعبية العامة محاضرة الوجودية هي الإنسانية، التي مثلت منهجيته وفلسفته الخاصة وقدّمتها للناس، كما قدّم العديد من المؤلفات الأدبية والفلسفية المميزة، وأثني عليه بمنحه جائزة نوبل للأدب عام 1964م تكريمًا لمساهماته الأدبية المُفعمة بروح الحرية ذات التأثير الواسع المدى في عصرنا لكنه رغم ذلك رفض تلقي الجائزة.[١][٢]
مولد ونشأة جان بول سارتر
ولد جان بول سارتر في مدينة باريس في فرنسا في تاريخ 21-6-1905م، وترعرع في منزل جدّه كارل شفايتسر بعد وفاة والده في سن صغير، وكان جدّه يعمل مدرسًا للغة الألمانية في جامعة السوربون، وعاش جان بول سارتر يتجول في مدينة باريس في حدائق لوكسمبورغ برفقة والدته مُقتفيًا المرح والمتعة.[٣]
ثقافة وتعليم جان بول سارتر
التحق جان بول سارتر بمدرسة ليسيه هنري الرابع في مدينة باريس وانتقل منها إلى مدرسة الليسيه في لاروشيل بعد زواج والدته، ومن بعدها ارتاد المدرسة العليا نورمال خلال الأعوام من 1924-1929م، وفي هذه المرحلة من حياته تعرف على كتاب عدّة أصبحو من المشاهير فيما بعد منهم ايمانويل منير، جان هيبوليت، وريمون آرون، وسيمون ويل، وعُيّن مدرسًا للفلسفة في مدرستي لوهافر، واون في عام 1931م، والتحق خلال عمله في التدريس بالمعهد الفرنسي في برلين الذي اطلع فيه على أفكار الفلاسفة القدماء من أمثال إدموند هوسرل ومارتن هايدجر، واستمر في مهنته حتى عام 1937،إذ انتقل للتدريس في مدرسة ليسيه باستير في باريس واوصل العمل حتى عام 1939م، وبعد أن تم تجنيده، التحق في الخدمة العسكرية في حلول الحرب العالميّة الثانية، وبعدها بعام سُجن لمدّة سنة وأطلق سراحه.
لم يتوقف سارتر عن الكتابة خاصة بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية فتمحورت كتاباته حول مواضيع إنسانيّة تدعو للحرية والحفاظ على كرامة المواطن، وتنادي بضرورة التحلي بالمسؤولية الاجتماعية ورعاية المحتاجين والفقراء، ومن أبرز أعماله كانت مسرحية الوجودية والإنسانية التي نقلت رسالته الأخلاقية الساميّة للعالم، كما تميّز بنشاطه السياسي الذي ارتبط بالحركات الفرنسية اليسارية وأبدى إعجابه بالاتحاد السوفييتي دون الانضمام للحزب الشيوعي، وصبّ اهتمامه في أواخر سنوات حياته على سيرة الروائي الفرنسي جوستاف فليبير فقدّم سيرة ذاتية ضخمة عنه، وتوقف عن الكتابة بعض الوقت منذ عام 1971م حيث كان يُشارك في المظاهرات وفي بيع الأدب اليساري تحت ذريعة الترويج للثورة، وأصيب بالعمى في أواخر سنواته وتوفي بعد أن أصيب بوذمة رئوية.[٣][٢]
فلسفة الوجودية لجان بول سارتر
تنوعت قيم وأعمال سارتر عن منهجية الفيلسوف هوسرل واهتمامه بالأخلاق ومفهوم الذات، وتطورت مساهماته المبكرة استنادًا للتغيرات التي رافقت الظواهر الكلاسيكية، وركزت على دعم الفلسفة الوجودية، فحاول فهم الوجود البشري عوضًا عن وجود العالم مُستندًا إلى تكيف الظواهر والأساليب التي تعتمدها، وكانت السمات الأساسية لحسابه الوجودي هي الحرية واللا أساس التي ميزت حال الإنسان والتي تختلف مع بساطة عالم الأشياء وكينونته فعبر عنها بأسلوب أدبي دراماتيكي.
وتتمحور فلسفة الوجود لدى سارتر تحت بندي الوجود والعدم، إذ يتضمن الواقع الخارج عن الوعي والخبرة نوعين أساسين هما أصل مسألة الوعي ووجود الوعي نفسه، ومن هنا يرى مسألة الوعي ذاتية تتم بسبل غير عقلانية ومُستقلة، وفي نفس الوقت يكون الوعي إدراك شيء معين يرتبط بشيء خر، ويُميّز الوعي بسمة بارزة هي القوة السلبية التي تُتيح تجربة العدم وتقوم داخل الذات فتُشكل نقص جوهري في الطابع والهوية الذاتية، فتصور وحدة الذات على أنها مهمة بالنظر لذاتها وليس لأنها تعتبر مهمة بالفعل.
وتُحفز الرغبة في الوجود خلق المشاريع التي تحتاجها الذات الفردية، والتي يرجع أصلها لعفوية تنبع من حرية الفرد، ولكنها أحيانًا تتعرض لخداع ناجم عن سوء النيّة وهنا تُستثنى الطبيعة وحقيقة الفرد باعتبارها الذات؛ بقصد تبني طبيعة الذات نفسها، ويكمن حل القصية وتجنب الخداع في العودة للأصل والاختيار الصحيح الذي يكشف الذات ويُظهرها واقعية وسامية، ومن هنا يدعي سارتر أن ممارسة الحرية بشكل صحيح تصنع قيم يُمكن لأي شخص تجربتها واختبارها.[٤]
أبرز مؤلفات جان بول سارتر
من أبرز مؤلفات سارتر ما يأتي:
- كتاب الكينونة والعدم: يُناقش بول في هذا الكتاب العميق والواقعي جملة من المفردات الفلسفية الإنسانية من بينها الوجودية الإنسانية وتأثيرها على الذات، بالإضافة إلى النفي السالب والوهم النفسي والإدراك الحسي، والتوحد، وعدم الاكتراث، والزمنية النفسية، والكذب والحرية، والملكية، والعمل، والمسؤولية، وغيرها من المططلحات التي ذكرها المؤلف مُستخدمًا لغة صريحة وأسلوب بسيط وسلس لكنه عميق من الناحية الفلسفية.[٥]
- كتاب الجدار: يروي الكتاب حكاية ثلاثة أشخاص حُكم عليهم بالاعدام بالرصاص وينتظرون ساعة تنفيذ الحكم عليهم في صباح اليوم التالي، ويُترجم سارتر مشاعرهم وسولكهم المُختلف الذي يحمل طابع ذاتي خاص لكل منهم رغم تشابه المصير واقتراب خطر الموت، أي إن لكل فرد موقف خاص يعيشه تبعًا لبيئته واستنادًا لثقافته الشخصية وطريقة تفكيره ومخزون تجاربه وعمره، وهذه القصة من أبرز أعمال سارتر التي يتجلى من خلالها أسلوبه الفني العميق الذي يُمكنه من سرد الأحداث والوصول لعمق الحس البشري ومكنونه بمهارة وحرفية.[٦]
- كتاب عاصفة على العصر: تأثر سارتر بالفيلسوفة سيمون دي بوفوار التي أطلق عليها السياسيون المعادين السارترية الكبيرة؛ بسبب تشابه أفكارها بأفكار سارتر وتأثر كل من الكاتبين ببعضهما، وفي هذا الكتاب الموضوعي الذي تعرض لانتقادات شديدة أدرج سارتر 8 أقسام مختلفة غير مُكترث بالجدل الذي خلّفه، واختصت مواضيه بعلم الفلسفة وبعالم الفكر والحياة، وبعلم النفس، وعالمي السياسة والخلاق جنبًا إلى جنب مع الفلسفة السياسية وعالم النقد الأدبي وانتهاءًا بعالم المسرح.[٧]
كتاب الوجودية مذهب إنساني
ربط سارتر الوجودية بثلاث معاني أساسية وهي الاختيار والمسؤوليّة والحرية الفردية التي تُمثل أصل الوجود الانساني، وعلى الرغم من تعرّض الكتاب لسوء الفهم إلا انه حاول توضيح أفكار الوجودية التي ترتقي بالإرادة الإنسانية وتُشير إلى أصالة الحرية في النفس البشرية ودور الإرادة الحرة في مسؤولية المرء عن تصرفاته، وتُحتم عليه المسؤوليات والواجبات التي تتبعها في ظل الهجمات التي تشنها بعض الجهات السياسية والاجتماعية والدينية على الفرد بقصد إخضاعه لقرارات وأمور ليس من صنعه تحت مزاعيم زائفة تصورها له بقصد طمأنته كتقديم وعود وهمية بالسعادة والراحة المُستقبلية.
ومن جهة أخرى يُؤكد سارتر أن وجود الشخص يسبق جوهرة الداخلي وهي عبارة باتت شعارًا للتيار الوجودي الذي يتبناه، وبشكل عام يُقصد به بأن المرء نفسه هو ما يُحدد ويعي جوهرة الداخلي، والذي بدوره لا يُحدد تبعًا لأهداف الشخص وطبيعته وشخصيته الخارجيّة، ومن هنا ينادي سارتر بضرورة تحمل الفرد لأفعاله وإخضاعه للمسؤوليّة، وهو أمر يُسبب له الخوف بعد ان يتيقن من أن أفعاله تضعه في دائرة المسؤوولية الجماعية التي تصب على الإنسانية جمعًا فتقودها لحكم الغير بحسب نظرتهم للحريّة، كما يرد سارتر على المُتشائمين من الفلسفة الوجودية ويدعي بأنها على العكس تمامًا؛ إذ إنها تحمل في صميمها التفاؤل وتُواجه المرء مع نفسه بقالب حر يُخيره لا يُسيره وهو ما يجعل البعض غير مُقتنعين ومؤازرين لها.[٨][٩]
مقولات جان بول سارتر
من أشهر أقوال جان بول سارتر ما يأتي:[١٠]
- هل تعتقد أنني أحسب الأيام؟ لم يتبق سوى يوم واحد، نبدأ من جديد دائمًا: يُعطى لنا عند الفجر ويُسلب منا عند الغسق.
- الإنسان محكوم عليه أن يكون حرًا؛ لأنه بمجرد طرحه في العالم يكون مسؤولاً عن كل ما يفعله، فالأمر متروك لك لإعطاء الحياة معنى.
- من الأفضل أن يموت المرء على قدميه من أن يعيش على ركبتيه.
- قد تكون هناك أوقات أكثر جمالًا، لكن هذا هو زمننا.
وفاة جان بول سارتر
توفي جان بول سارتر في مدينة باريس في فرنسا في تاريح 15-4-1980م، وكان يبلغ من العُمر 74 عامًا.[٣]
المراجع
- ↑ "Jean-Paul Sartre", plato.stanford, 5-12-2011, Retrieved 12-8-2021. Edited.
- ^ أ ب "Jean-Paul Sartre"، nobelprize، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. Edited.
- ^ أ ب ت Wilfrid Desan (17-1-2021)، "Jean-Paul Sartre"، britannica، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. Edited.
- ↑ "Jean Paul Sartre: Existentialism", iep.utm, Retrieved 12-8-2021. Edited.
- ↑ جان بول سارتر ، "كتاب الكينونة والعدم"، مكتبة النور، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. بتصرّف.
- ↑ جان بول سارتر ، "كتاب الجدار"، المكتبة الإلكترونية، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. بتصرّف.
- ↑ جان لول سارتر، "كتاب عاصفة على العصر"، مقهي الكتب، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. بتصرّف.
- ↑ جان بول سارتر، "كتاب الوجودية مذهب إنساني"، مكتبة فولا بوك، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. بتصرّف.
- ↑ جان بول سارتر، "كتاب الوجودية منزع إنساني"، مقهي الكتب، اطّلع عليه بتاريخ 15-8-2021. بتصرّف.
- ↑ Jean-Paul Sartre, "Jean-Paul Sartre Quotes", goodreads, Retrieved 12-8-2021. Edited.