من هو أبو فراس الحمداني؟

من هو أبو فراس الحمداني؟

هو أمير، وقائد عسكري، وشاعر عربي مسلم من القرن الرابع الهجري في عهد الدولة العباسية.

وهو الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث الحمداني، ويُكنى بأبي فراس، وهو أمير ينتمي إلى أسرة بني حمدان المؤسسة للإمارة الحمدانية بعاصمتها حلب، وقد أتبع مكانته السياسية المجيدة بمكانة أخرى أرق وأعذب والتي توَّجها بالشعر، فقد كان شاعرًا عباسيًا فصيحًا، ذا أبيات مترفة العذوبة، والسلاسة، والجزالة، والرزانة، وعز الملوك، حتى قال صاحب بن عباد عنه "بُدء الشعر بملك، وخُتم بملك"، إذ يقصد هنا امرؤ القيس وأبو فراس الحمداني، وإلى جانب حسن أدبه ولسانه، نجد فيه الفارس المقدام والمغوار، بقيادة حربية فاتكة، فقد نال شرف المشاركة في الكثير من المعارك والحروب ضد الروم مع ابن عمه سيف الدولة الحمداني، وسقط أسيراً في إحدى هذه المعارك، وصاغ خلال أسره مجموعة قصائده الشهيرة باسم "الروميات".^[١][٢]

مولد أبي فراس الحمداني ونشأته

ولد أبو فراس الحمداني في مدينة الموصل في العراق، في عام 320 أو عام 321 هجري، ويعود نسبه من ناحية الأب إلى قبيلة تغلب المعروفة، ومن ناحية الأم إلى قبيلة تميم، إلا أنّ بعض المؤرخين قد شككوا في نسبه من ناحية والدته، فذكروا أنها رومية الأصل، ومهما يكن من أمر، للشاعر عروبة راسخة في مواقفه.

نشأ أبو فراس الحمداني يتيمًا؛ إذ قتل والده على يد ابن أخيه ناصر الدولة، وذلك بسبب خلاف وقع بينهما على إمارة الموصل، وكان أبو فراس آنذاك لم يتجاوز بعد الثالثة من عمره، وقد نذرت والدته حياتها من أجله، وتعهدت برعايته وتربيته على أكمل وجه، وفيما بعد انتقل أبو فراس مع والدته إلى مدينة منبج بالقرب من حلب، وهناك كفله ابن عمه أمير حلب سيف الدولة الحمداني، وقد أولاه الاهتمام والعناية الشديدين، فكان بمثابة الوالد له، فتربى أبو فراس ونشأ في كنف سيف الدولة على الشعر والفروسية والشجاعة.^[٣]

تعليم أبي فراس الحمداني

نشأ أبو فراس الحمداني في بلاط سيف الدولة، والذي جمع فيه الكثير من الشعراء، والأدباء، والعلماء، فأتاح له ذلك أن يلتقي بأئمة عصره في جميع الفنون، فكان لهذا الأمر الأثر الكبير في تكوين شخصية أبي فراس الأدبية، وقام سيف الدولة بإرساله إلى البادية؛ ليتلقن اللغة السليمة عن البدو، ودرس اللغة على يد أشهر الأئمة، فتميز بفصاحته وبلاغته، وشهد له بذلك شعراء عصره، وقد عهد سيف الدولة إلى ابن خالويه مهمة الإشراف على تعليم أبي فراس، وأصبحت فيما بعد العلاقة التي جمعت أبو فراس ومعلمه وثيقة وقوية، فكان ابن خالويه الراوي الوحيد لشعر أبي فراس، وجامع ديوانه وشارحه.^[٤]

حياة أبي فراس الحمداني العسكرية

لم يكتفِ سيف الدولة بتعليم أبي فراس الأدب واللغة، بل اهتم أيضًا بتدريبه على الفروسية وأساليب القتال، فعيّن له أمهر القادة لتحقيق ذلك، كما اصطحبه معه في العديد من غزواته منذ صباه؛ ليكتسب المهارات العملية، وقد شارك أبو فراس مع سيف الدولة في معظم معاركه ضد الروم، والقبائل العربية المتمردة، فيقول أبو فراس: "غزونا معه وفتحنا حصن العيون في سنة 339 هـ-950م، وسنّي إذ ذاك تسعة عشر عامًا"، وقد أبلى بلاءً حسنًا، وأظهر من الشجاعة، والإخلاص، والثبات، والولاء ما دفع بسيف الدولة أن يقوم بتوليته إمارة منبج؛ تقديرًا وإكرامًا له، فاضطلع أبو فراس بواجبات الإمارة على أكمل وجه.^[٥]

أسر أبي فراس الحمداني

يذكر بعض المؤرخين أنّ أبا فراس الحمداني قد تم أسره من قبل الروم مرتين، المرة الأولى في عام 347 هجريًا، إذ اقتاده الروم في المرة الأولى إلى منطقة تسمى "خرشنة" والتي تقع على الفرات، وقد كان لهم فيها حصنٌ منيع، إلا أنه لم يمكث فترة طويلة في الأسر، إذ افتداه سيف الدولة، كما قال بعض المؤرخين أنه استطاع الهرب.

أما المرة الثانية، فكانت عند سقوط منبج بأيدي الروم وذلك في عام 350 هجريًا، وفي هذه المرة قاده الروم إلى القسطنطينية، إذ مكث فيها طوال مدة أسره والتي بلغت أربع سنوات وحتى عام 354 هجريًا، إذ استطاع سيف الدولة إعادة ترتيب وتجهيز جيوشه، فهاجم الروم، وانتصر عليهم، وأسر البعض منهم، ومن ثم قام بافتداء أبو فراس ومن معه من الأسرى المسلمين.^[٦]

وقد قضى أبو فراس فترة سجنه في تنظيم أجمل وأبلغ قصائده الشعرية، والتي كانت مليئة بمشاعر الحزن، والألم، والحنين إلى الوطن ووالدته، بالإضافة إلى الرسائل التي كان يرسلها إلى ابن عمه؛ يشكو فيها من الأسر، ويلومه على تأخره في فدائه، ومن هذه القصائد:^[٧]

وفي قصيدة أخرى يقول في مطلعها:

شعر أبي فراس الحمداني

تميز شعر أبي فراس الحمداني بسهولة الألفاظ، ووضوح المعاني، مما جعله يتفوق ويتميز على الكثير من الشعراء في عصره،^[٨] وعلى الرغم من موهبته الشعرية الكبيرة إلا أنه لم يتخذ من الشعر صناعة، أو وسيلة للتكسب، فنجد أشعاره يغلب عليها طابع الأنفة والكبرياء، وخالية من أغراض المدح التكسبي، والهجاء، واللعب كغيره من الشعراء، ما عدا شعره في مديح بعض أقاربه، وهو يُعد فخرًا وليس نوعًا من أنواع التكسب، وقد اقتصرت الأغراض الشعرية في شعر أبي فراس الحمداني على الموضوعات التي تناسب شخصيته، ومكانته، وعزة نفسه، وتتفق مع مفهومه للشعر، وتتمثل هذه الأغراض في: الفخر، والحماسة، والغزل، والوصف، والحكمة، والرثاء.^[٩]

ولم يولِ أبو فراس أيّة أهمية لشعره، فلم يكن يهتم يجمعه أو تنقيحه، بل كان يكتفي بإلقاءه أمام أستاذه ابن خالويه، وكان يطلب منه عدم نشره بين الناس، إلا أن أستاذه قام بجمع جميع أشعاره وقصائده في ديوان، إذ تعد رواية ابن خالويه هي الرواية الوحيدة لشعره، والتي نقل عنها علماء العرب فيما بعد أمثال التنوخي، والثعالبي، وغيرهم الكثير، وقد تمت ترجمة ديوانه إلى عدة لغات، مما ساهم في انتشاره في جميع مكتبات العالم في أوروبا، وأفريقيا، وآسيا.^[١٠]

الروميّات

المقصود بالروميّات هي تلك القصائد التي نظمها أبو فراس الحمداني أثناء فترة أسره في بلاد الروم، وقد امتازت قصائده هذه بصدق العاطفة والأحاسيس، إذ عكست مشاعره وحبه وشوقه الشديد لوالدته، وحنينه إليها، وحزنه على مرضها، ومنها قوله:

وقد سجل في البعض من قصائده عتابه وألمه تجاه سيف الدولة الذي تركه في الأسر فترةً طويلة، ومنها قوله:

كما اشتملت الروميات على ذكر العديد من المزايا والصفات التي عُرف وتحلى بها الشاعر كعزة نفسه، وجرأته، وشجاعته، وصبره، وثقته الكبيرة بالله، فنجح أبو فراس في رومياته في نقل معاناته في الأسر، وحالته النفسية المتعبة بصدقٍ وأمانة.^[١١]

وفاة أبي فراس الحمداني

قتل أبو فراس الحمداني في ربيع الأول من عام 357 هجريًا، الموافق 968 ميلاديًا، عن عمرٍ يناهز 37 سنة، وذلك بعد عامٍ واحد من وفاة سيف الدولة الحمداني، وسبب مقتله عائد إلى خلاف وقع بينه وبين أبي المعالي وهو ابن أخت أبي فراس، إذ تنافسا على تولي إمارة مدينة حمص، فأرسل أبو المعالي جيشًا لقتال خاله، فوقعت بينهما معركة شديدة نتج عنها مقتل أبي فراس وهو ما زال في أوج قوته، وريعان شبابه.^[١٢]