من هو يحيى بن شرف النووي؟

هو إمام، وعالم في الفقه والحديث النبوي من المذهب الشافعي، ومن أئمة المسلمين في القرن الثالث عشر الميلادي.


وهو يحيى بن شرف بن مري بن حسن، الحزامي، الحوراني، النووي، الشافعيّ، ويُكنى مُحيي الدين أبو زكريا، ولُقب بالنووي نسبة إلى قرية نوى، وبالشافعي تبعًا لمذهبه الشافعي المذهب، وبالحوراني لأنه أقام في أرض حوران في دمشق، والحزامي نسبةً لجده حزام، وكان شيخ الْإِسْلَام النووي زاهدًا تقيًا التفت إلى العلم ولم يبال بمُلهيات الدُّنْيَا، وطلب العلم من أوسع أبوابه كما اشتهر بالقناعة والزّهْد، والسير ومتابعة السالفين من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، ولم يصرف ساعة إلا في طلب العلم النافع والطاعة، وبالمصابرة على أَنْوَاع الْخَيْر، كما أتقن مُختلف فِي أَصْنَاف الْعُلُوم، وأبرزها: الفقه، واللغة، والمتون، والأحاديث، وأسماء الرواة، والتصوف، وغيرها.[١][٢]


مولد يحيى بن شرف النووي ونشأته

وُلد يحيى بن شرف النووي في العشر الأوسط من شهر محرم سنة 631 هـ في قرية نوى التي تقع في سهل حوران في مدينة سوريا، ونشأ فيها ونُسب إليها كما كان والده من سكانها، وكان الإمام النووي يميل إلى قراءة القرآن ومُحبًا للانتفاع والعلم منذ الصغر فأتم حفظ القرآن مُبكرًا، وسعى واجتهد في طلب العلم من أوسع أبوابه ومُختلف مجالاته.[٣][٤]


ثقافة يحيى بن شرف النووي وعلمه

انتقل الإمام النووي مع والده إلى دمشق بينما كان عمره 19 عامًا، وارتاد وسكن المدرسة الروحانية ولم يُفارقها مدة عامين فكانت بيته، كما درس في دار الحديث الأشرفية وغيرها، ولم يكن يهتم أو يجري في سبيل كسب المال، أو يَقبله من أحد غير والده، وبالمقابل كان يرضى بقليل الطعام والشراب، ويصب كل اهتمامه واجتهاده في سبيل التزود وطلب العلم وتحصيله وفهمه، فحفظ كتاب التنبيه في فروع الشافعية، وربع العبادات من كتاب المهذب في عمر 19 عامًا، وأمضى بعدها 6 سنوات في الغوص والتثقف والاطلاع على الكتب، ثم أخذ في التصنيف والاستفادة والاستماع إلى أقوال الشيوخ، خاصة بعد أن حج البيت مع والده، فكان يحضر مجالس ودروس ما يُقارب 12 عشر شيخًا في اليوم الواحد، وكانت دروسه في مختلف العلوم، منها: دروس الحديث، واللغة، والتصريف، وأصول الفقه، وأصول الدين، وأسماء الرجال وتراجمهم، وغيرها، فتنورت بصيرته، وزادت خبرته وذخيرته، فصنف وألف العديد من الكتب التي نفع بها الأمم ودفع العديد من التلاميذ والعلماء والفقهاء للتناوب على تحصيل مؤلفاته، والاستماع إليه والسير على نهجه واتباع فتاويه، وأثنى عليه الكثير من العلماء وأقروا بمعرفته في الحديث والتفسير، وأجازوا له الإمامة والحفظ، ومدحوا مؤلفاته في مختلف العلوم.[٤][٣]


منهج الإمام النووي الفقهي وعقيدته

كان الإمام النووي شافعي المذهب، ويتبع عقيدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويُنكر البدع، وله العديد من المواقف التي تُشيد بذلك، خاصةً مواقفه مع الملك الظاهري التركي ومواجهته له ورسائله ومكاتيبه التي بعثها له، والتي تمحورت حول العدل في الرعية، وأظهر ما نقله في مؤلفاته، ومن أشهرها كتاب المجموع شرح المهذب، إذ قال الإمام النووي في مقدمته: "هذا كتابٌ مُهذّب أذكر فيه أصول مذهب الشافعي بأدلتها، وما تفرع على أصوله من المسائل المشكلة بعللها"، فتميز في كتابه بالتبويب المُتقن الذي نهج في تقسيمه نهج المصنفين المعروفين في الفقه الشافعي وحذا حذوهم، وحرص على تصنيفه في قالب جديد يقتصر على فروع الفقه الشافعي، كما أنه درسه ونقّحه أكثر من مرة، مما يدل على مثابرة هذا الإمام ودقته المتناهية، فاستوفى فيه مُختلف الأحكام التي يحتاجها المسلم في شتى أبواب الفقه، وفي الوقت نفسه كانت الأحكام مُنسجمة مع مقاصد القرآن.


أما بالنسبة لطريقة النووي في شرح كتابه المجموع فهي طريقة علم الخلاف والمشهورة بالفقه المقارن، وهو من مواضع معرفة أدلة الشافعية في مسائل الفقه وكيفية ردهم على من خالفهم، وصرّح الإمام بدوره من هدف التأليف، وهو أن يُعلم به مذهب الشافعي، مُبينًا سبب اختيار هذا الكتاب كونه من أشهر الكتب المهمة لطلاب العلم حينها، رغم وجود متون أخرى جنبًا إلى جنب معه؛ ككتاب الوسيط للغزالي، وبالإضافة لشرح المذهب الشافعي فقد كان مُطلعًا على المذاهب والفقهاء الآخرين وناقش أدلتهم للوصول إلى الرأي الراجح السليم،[٥][٦] ومن أبرز السمات المميزة لمنهج الإمام النووي العام ما يأتي:[٧]

  • توضيح المنهج المتبع في الشرح، مضافًا له تفسير الآيات القرآنية، والأحاديث، والآثار، والفتاوى، والاحترازات، واللغات الواردة.
  • ذكر أدلة أهل العلم من السنة مع توضيح صحيحها وضعيفها، وموفوعها ومتصلها، وموقوها ومنقطعها وعدلها، وموضوعها، وغريبها، ومشهورها، وغير ذلك مما يخصها.
  • الإشارة إلى لغة الحديث وضبط الرواة والناقلين، وفي حال كان الحديث ضعيفًا توضيح سبب ضعفه ومواطنها مع ذكر دليل عليه من المذهب الشافعي إذا وجده، وإن لم يجد استخدم القياس.
  • استخدام العبارات السهلة الواضحة، خاصةً عند بيان الأحكام، مع ذكر فروع المسائل عند آخر فصل في أبوابها، مع الإشارة إلى الأقوال الراجحة في حالة الخلاف عليها.


أبرز شيوخ يحيى بن شرف النووي

تتلمذ الإمام النووي على يد نخبة من المشايخ، وأبرزهم:[٨]

  • جمال أبو عبد الله محمد بن مالك الجياني.
  • الشيخ أبو حفص عمر بن أسعد القاضي.
  • الإمام شمس الدين عبد الرحمن بن نوح المقدس.
  • إسحاق بن أحمد الشيخ كمال الدين المغربي.


أبرز مؤلفات يحيى بن شرف النووي

ألّف الإمام يحيى بن شرف النووي العديد من كتب الفقه والتراجم والمصنفات، وأبرزها ما يأتي:

  • كتاب المجموع شرح المهذب: يُعد هذا الكتاب من أشمل الكتب في الفقه الشافعي، وهو شرح لكتاب المهذب الذي ألفه أبو إسحق الشيرازي، وهو من أبرز كتب الإمام النووي الذي بين فيه منهجه في الشرح موضحًا لغاته وألفاظه، وعرّف بالمصطلحات الفقهية، كما ذكر الأحاديث الصحيحة والحسنة وغيرها ورواة كل منها، وأسهب في بيان الأحكام مُستخدمًا العبارات البسيطة، كما يضم الكتاب الفروع، والتتمات، والزوائد، والقواعد، والضوابط في الفقه، مُحددًا فيه ما اتفق عليه أصحاب المذهب الشافعي وما انفرد به بعضه، وملتزما ببيان الراجح والمعتمد في المذهب، مُتتبعًا فتاوي الأصحاب في كتب الشروح والأصول والطبقات، وذكر مذاهب السلف من الصحابة والتابعين مع أدلة كل مذهب من مذاهب الأئمة والعلماء.[٩]
  • كتاب تهذيب الأسماء واللغات: وهو كتاب ألفه الإمام النووي في اللغة، ولغة الفقه، والتراجم، إذ يبحث المواضيع اللغوية وتراجم الأعلام في مجموعة من الكتب، منها: كتاب مختصر أبي إبراهيم المزني، وكتاب المهذب، وكتاب التنبيه، وكتابي الوسيط والوجيز، ومُختصر الوجيز أيضًا، إضافةً لكتاب الروضة، كما يذكر النووي فيه الأسماء المترجم لهم، والتي تشمل 8 أبواب للذكور و7 أبواب للإناث، وجميعها مُرتبة على حروف المعجم، فعند ترجمته للشخص يذكر موضعه في الكتب الستة الصحيحة، وعدد أحاديثه المروية إن وجدت، وعددها في كتابي الصحيحين إضافةً لغرائب المسائل المروية عنه، خاصةً في باب الفقه.[١٠]
  • كتاب منهاج الطالبين وعمدة المتقين: يُصنف هذا الكتاب كواحد من أهم المتون في الفقه الشافعي، إذ اختصره الإمام يحيى بن شرف النووي من كتب المُحرر الذي ألفه الإمام الرافعي، كما أضاف إليه بدوره جملةً من مسائل، وقارن بين آراء شيوخ المذهب الشافعي حولها.[١١]


كتاب الأربعين النووية

يحتوي هذا الكتاب على 42 حديثًا نبويًا صحيحًا جمعها الإمام النووي، بحيث تضم وتشمل مُختلف المواضيع الدينية من أصول الدين وفروعه، ومن الجهاد، والزهد، والخُطب، ومُختلف المقاصد الدينية الصالحة، كما تحمل هذه الأحاديث في جعبتها جملة من قواعد الدين، ومن جهة أخرى حذف الإمام النووي أسانيدها لتسهيل حفظها لكنه حرص على صحتها، وأتبعها بباب يضبط فيه المخفيّ من ألفاظها.[١٢]


وفاة يحيى بن شرف النووي

توفي الإمام النووي في مسقط رأسه في قرية نوى في تاريخ 24-رجب-676 هـ، ودفن هناك، وكان يبلغ من العمر 45 عامًا.[١٣]

المراجع

  1. تاج الدين السبكي، كتاب طبقات الشافعية الكبرى، صفحة 305. بتصرّف.
  2. خير الدين الزركلي، الاعلام للزركلي، صفحة 149. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عبد الكريم فتحي عبد الكريم ضاش، منهج الإمام النوي في تصحيح الأسانيد من كتابه المجموع شرح المهذب، صفحة 34-35. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ظافر بن جسن آل جبعان، ترجمة الإمام النووي، صفحة 8-9-11-22. بتصرّف.
  5. شادي محمود حشمة، منهج الإمام النووي الفقهي، صفحة 25-27. بتصرّف.
  6. ظافر بن حسن آل جبعان، ترجمة الإمام النووي، صفحة 19-20-21. بتصرّف.
  7. شادي محمود حشمة، منهج الإمام النووي الفقهي، صفحة 29-30. بتصرّف.
  8. عدنان سليمان حسن، فقه أبي بكر القفال المروزي في كتاب المجموع للإمام النووي، صفحة 14. بتصرّف.
  9. الإمام النووي، المجموع شرح المهذب، صفحة 1. بتصرّف.
  10. تهذيب الاسماء واللغات، يحيى بن شرف النووي، صفحة 1. بتصرّف.
  11. يحيى بن شرف الدين النووي، منهاج الطالبين وعمدة المتقين، صفحة 1. بتصرّف.
  12. يحيى بن شرف النووي، ƒΘÜ⌐áπ∩δ ƒΘδφφ∩í.pdf الأربعين نووية في الأحاديث النبوية، صفحة 1. بتصرّف.
  13. عدنان سليمان حسن، فقه أبي بكر القفال المروزي في كتاب المجموع للإمام النووي، صفحة 16. بتصرّف.