من هو أبقراط؟

هو طبيب وفيلسوف بارز في العهد اليوناني الكلاسيكي قبل الميلاد.


وهو أبقراط ابن إقليدوس (هيراكليذوس) بن أبقراط، سابع أطباء اليونان من آل أسقليبوس الذين يُعدون مؤسسي الطب القديم، ويُقصد باسمه باللغة اليونانية الفارس الماهر، يُعد أبقراط بدوره والد الطب في القرن الرابع قبل الميلاد، فعلى الرغم من غموض شخصيته وعدم دقة الحقائق والمعلومات التي نقلها المؤرخون والمُترجمون عنه، إلا أنه لا يُمكن إنكار دوره الكبير في مجال الطب والفلسفة والفكر، فهو مؤسس المدرسة الطبية في جزيرة كوس في البحر الأبيض المتوسط، كما يرجع له الفضل في فصل المفاهيم الإلهية والدينية عن الطب، والابتعاد عن التكهنات والخرافات السائدة في القدم، واستبدالها بأسلوب طبي بحت قائم على الملاحظة ومراقبة الجسد كأساس للمعرفة الطبية، إضافةً لاعتبار النظام الغذائي والأدوية المناسبة مفتاح الحفاظ على توازن الجسم وصحته، بعيدًا عن العقائد والممارسات الدينية المُعترف بها في عصره.[١][٢]


مولد أبقراط

لم يُحدد المؤرخون بدقة تاريخ ميلاد أبقراط، لكن من المُرجح أنه وُلد في جزيرة "كوس" اليونانية في عام 460 ق.م، أي في القرن الخامس قبل الميلاد، وأنه ينتمي إلى عائلة أسقلبيوس اليونانية العريقة.[٣]


تعليم أبقراط

توجد العديد من الاختلافات حول تعليم وحياة أبقراط، لكن يُشير المترجمون إلى أنه درس مع ديموقريطوس وجورجياس، وأنه سافر لطلب العلم عبر اليونان وآسيا الصغرى، ثم استقر في جزيرة كوس التي يرجع أصله إليها، والتي كانت مدينة يُمارَس فيها الطب لكنه كان مخلوطًا بالعقيدة الدينية.


كان هنالك العديد من الأطباء ودارسي الطب من الكهنة والفلاسفة قبل أبقراط، والذين بدورهم دوّنوا بعض أسماء الأمراض، بالإضافة لاستخدامهم مُصطلحات طبية عديدة، حتى جاء العهد الذي استبعد فيه ديموقريطوس وأعضاء المدرسة الطبية الأفكار الدينية المرتبطة بالطب، ووضع إيمبيدوكليس نظرية العناصر الأربعة التي غالباً تُنسب إلى أبقراط، لكن في الحقيقة أنه كان صغيرًا في السن حينها، وأن إيمبيدوكليس نفسه استلهم نظريته من الفيلسوف القديم فيثاغورس، وفيما بعد استلهم أبقراط وتشبّع بهذه الروح العلمية أثناء استقراره وتعلمه للطب في جزيرة كوس، إذ يُذكر أنه تعلم بشكل خاص ومارس مهنة الطب عبر البحث ودراسة قصص معالجة الأمراض المحفوظة في معبد كوس.[٤]


فلسفة أبقراط الطبيّة ومنهجه العلاجي الخاص

قدّم أبقراط وصفًا دقيقًا للعديد من الأمراض، منها: داء السل، والصرع، والتشنج النفاسي، إضافةً للحميات الغذائية المختلفة، كما أشار بدقة إلى علامات تُنذر باقتراب الموت لما يُقارب 42 حالة مرضية، وكان مصير 25 منها الموت حقًا، فأصبحت بعض أقسام علم الجراحة الخاصة به والمعروفة بالأبقراطية هي الأشهر بلا مُنازع حتى أواخر القرن الثامن عشر، كما تميّز بأخلاقه المهنية كإنسان حقيقي قبل أن يكون طبيباً ماهرًا، أما عن منهجه الطبي فقد بنى أنواع العلاج والأدوية الخاصة به بالاعتماد على المبادئ الآتية:[٣][٥]

  • مبدأ الحيوية (vitalism): ويُعد هذا المبدأ صدى للآراء الروحية المعروفة في عهد أبقراط، ويُشير من خلاله إلى وجود عنصر غير مادي يحيي الجسد ويكون بمثابة نسيم عابر ينقرض بانقراضه، وهو النفس (psyche).
  • مبدأ الأخلاط (humorism): يعتقد هذا المبدأ بأن الأشياء من حولنا مكوَّنة من أربعة عناصر أساسية، وهي: البارد، والحار، واليابس، والرطب، وأن الجسم البشري يُشكّل مزيج متناسب من الدم، والصفراء، والبلغم، وأنه في حال امتزجت تلك العناصر بكمية وبشكل مُتوازن، تُسمى حالة الامتزاج هذه بحالة الكرازيس (crasis)، إذ يكون الجسم صحيًا وسليمًا، بينما في حال اختلت كيفية أو كمية مزجها، كأن يزيد أو ينقص أي من تلك العناصر، أو لا يقبل الامتزاج مع العناصر الأخرى، تحدث العلل والأمراض في الجسم، كما يؤكد أبقراط إلى أن ازدياد البرودة والحرارة هو أكثر مُسببات الأمراض في الجسم، وبالتالي فإن الجسم البشري يُشار له بأنه كتلة متضامنة ومُتحدة في الوظائف، والأعضاء تتأثر جميعها بمرض أو اعتلال أي جزء أو عضو في منظومتها.
  • المبدأ الطبيعي (naturism): والمراد به محاكاة الطبيعة أثناء العلاج، إذ تميّز أبقراط بدقة الملاحظة في التشخيص والتحقق من الأمراض، فلاحظ وجود طبائع ثابتة الصفات في الجسم، وأن للمرض مراحل تطور طبيعية خاصة به ونضوج ومصير مُحدد، وأن الطبيعة تُمثل مبدأ بسيط الذات متعدد المفعول، يشرف على مُختلف الوظائف الحيوية في الجسم، ويُحارب العوامل التي تؤثر عليه وتهدمه، أما عن دور الطبيب فهو يكمل في مساعدته للطبيعة حتى تمارس دورها، وبالتالي عليه أن يكون على علم بالبُحْران أو الحومة (crisis)؛ وهو "تغيّر مفاجئ يحدث لمريض الحُمّى الحادّة، يصحبه عرق غزير وانخفاض سريع في درجة الحرارة"، والتي تُمثل نقطة الفصل في المرض، فهي تُوحي باتجاه سيره، سواء إلى التحسن أو التفاقم، إضافةً لوجوب إدراك الطبيب للأيام الحاسمة؛ لذا لا بد للطبيب من عدم التسرّع وأخذ الحيطة والحذر خلال تدخله في خط سير المرض؛ حتى لا يحول دون أداء الطبيعة ودورها الشافي، أما في حال تأخر ظهور البُحْران، فعلى الطبيب التدخل لإزالة المواد السقيمة، مُستخدمًا الأدوية والمُسهّلات وغيرها من سبل العلاج.


أبرز مساهمات أبقراط في مجال الطب

قدّم أبقراط العديد من المساهمات الهامة في مجال الطب، وأبرزها الآتية:[١][٦]

  • فصل الطب عن الدين، فاعتمد قاعدة ثابتة بنى عليها العلاج، وهي أن مصدر الأمراض الرئيسي يأتي من الهواء والغذاء، فربط تغيرات الهواء بحالة المريض، مؤكدًا بأن الأجسام المريضة يُمكن أن تُشفى باستخدام العلاجات الصحيحة.
  • يُعد أول مؤسس لمدرسة طبية نظامية درَّس فيها مُعتقداته ومبادئه لتلاميذه.
  • يُعد أول من قرر الوراثة المرضية، فمن ضمن أقواله ما أشار فيه إلى أن الصفراوي مولود من صفراوي، والبلغمي مولود من بلغمي.
  • اعتمد على المشاهدة الطبية، واتبع أسلوب العلاج السريري الذي ظهرت فائدته في الطب الحديث، فكان شديد الملاحظة ودقيق النظر في مُعاينته لمرضاه واستقرائه للعلاج، وهذا هو سبب تسميته "أبا الطب"، كما أنه اتبع منهجية جديدة تعتمد على الملاحظة ودراسة الطبيعة في سبيل الشفاء بعيدًا عن سلطة الكتب والمعتقدات السائدة.
  • رغم عدم معرفة أبقراط بالتشريح كثيرًا، إلا أنه شرَّح القردة، ووضح بناء الهيكل العظمي وحاله الطبيعي والخطير، كما وصف تركيب الجمجمة والأحشاء، ولكنه في الوقت نفسه أخطأ بالخلط بين الأوردة والشرايين والأعصاب، وسمى العضلات باللحم البسيط.
  • أقر أبقراط بأن الأمزجة أربعة، وهي: الصفراوية، والسوداوية، والدموية، والبلغمية، مُشيرًا بأن المرض يحدث بسبب نقص أو زيادة في إحداها.
  • استخدم الحقن، وكان يشخص المريض بالسمع، وبرع في تشخيص الأمراض، فقسمها إلى ثلاثة أدوار: دور الهجوم، ودور الحدة، ودور الانتهاء، وعيّن للدور الثالث أيامًا معدودة.
  • أتقن أبقراط وبرع في فن الجراحة، وخاصةً في طريقة رده الخلوع وجبر الكسور، واستخدام الترقين لبزل أغشية الدماغ، واستسقاء التأمور (غشاء القلب الظاهر)، واستخراج الحصى الكلوية بالمشق، وتثبيت الملاقط في عملية التوليد، وثقب تجويف الأضلاع في تقيح الغشاء المستبطن للصدر (البيلورة)، وعمليات البتر وغيرها، كما أنه منع تلامذته من إخراج الحصاة بعملية؛ نظرًا لخطورة العملية وافتقارهم للخبرة.
  • قدّم الكثير من الكتب الطبية المفيدة والرسائل والأطروحات في مجال الجراحة، والتوليد والعظام، وأبرزها: كتاب "الكسور"، و"شجاج الرأس"، و"طبيعة العظام" وغيرها.
  • اعتنى أبقراط بشكل خاص في غذاء المرضى أكثر من ميله لإعطائهم الأدوية، وكان يُشيد بالحمية الغذائية لصحة وسلامة الجسم، والتي تختلف طبيعتها في حالة الصحة والسقم، وكان من بين آرائه في هذا المجال أن العليل يُداوى بعقاقير أرضه؛ لأن الطبيعة تتطلع بهوائها وتدخل إلى غذائه.
  • تميّز أبقراط بأخلاقه الطيبة وإنسانيته كطبيب حقيقي بارز، فكان يدعو الأطباء ويُشير إلى أهمية تحليهم بالجوانب الإنسانية وتمسكهم بالأخلاق المهنية وتجنبهم الحيل والخداع.


أشهر مؤلفات أبقراط

على الرغم من أن أبقراط ألّف العديد من الكتب والرسائل الطبية المُختلفة، إلا أن هناك الكثير من الكتب والمقالات التي نُسبت له من قبل تلاميذه والأطباء الآخرين المعاصرين له ممن سار على نهجه واتبعوا فلسفته الطبية الخاصة، وقد سماها مؤرخو تاريخ الطب كوربوس أبقراط (Cropus hippocraticum)، أي المجموعة الأبقراطية، ويتراوح عدد كتبها بين 72-76 كتابًا تشمل 53 موضوعًا مُختلفًا، وتُمثل إرثًا طبيًا هامًا تم تداوله على مر العصور، وقد تم نشرها ونقلها وترجمتها إلى اللغات العربية والإنجليزية والألمانية، ومن الكتب التي ألفّها أبقراط ما يأتي:[٧]

  • كتاب الأجنَّة (On the fœtus): ويتضمن الكتاب ثلاث مقالات تدور حول تكوين الأجنة، إذ إن الأول يتحدث عن تكوّن المني، والثاني عن تكوّن الجنين، والأخير يتمحور حول تشكل أعضاء الجسم.
  • كتاب الأمراض الحادة (Regimen in acule diseases): يدور محتوى الكتاب حول الأمراض وأدويتها، ويضم ثلاث مقالات، إذ إن الأول يدور حول كيفية تدبير الغذاء، وعن الاستفراغ في الأمراض الحادة، والثاني يشرح كيفية المداواة بالتكميد والفصد، ويُشير إلى تركيب الأدوية المسهلة وما إلى ذلك، أما الأخير فيتحدث عن التداوي بالخمر، وبالماء البارد والاستحمام، وبماء العسل، والسكنجبين.
  • كتاب أوجاع النساء: يعرض أبقراط في كتابه ما يحدث للمرأة من العلل والأمراض الناجمة عن احتباس الطمث ونزيفه، كما يستعرض التغيرات والأسقام والأمراض التي قد تُصيبها خلال الحمل وما بعد الولادة.


أشهر أقوال أبقراط

من أشهر أقوال أبقراط ما يأتي:[٨]

  • على الرجل الحكيم أن يفكر في أن الصحة هي أعظم نعمة للإنسان، وأن يتعلم بفكره كيف يستفيد من أمراضه.
  • يجب على الطبيب أن يكون قادرًا على إخبار السابق، ومعرفة الحاضر، والتنبؤ بالمستقبل، وأن يتوسط في هذه الأمور، وأن يمتلك شيئين أساسيين فيما يتعلق بالمرض، وهما: فعل الخير، أو عدم التسبب في أي ضرر.
  • الحياة قصيرة، والفن طويل، والفرصة عابرة، والتجربة غادرة، والحُكم صعب.
  • إن معرفة الشخص المصاب بالمرض أهم بكثير من معرفة المرض الذي يعاني منه الشخص.


وفاة أبقراط

توفي أبقراط في مدينة لاريسا اليونانية القديمة، وقد اختلف المؤرخون حول وفاته لكن من المُرجح أنه توفي بين الأعوام 375-351 قبل الميلاد.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب ت عيسى إسكندر المعلوف، تاريخ الطب عند الأمم القديمة والحديثة، صفحة 22-23-24-25. بتصرّف.
  2. Charles Patrick Davis, MD, PhD (29-3-2021), "Medical Definition of Hippocrates", medicinenet, Retrieved 7-7-2021. Edited.
  3. ^ أ ب جورج شحاتة قنواتي، تاريخ الصيدلة والعقاقير: في العهد القديم والعصر الوسيط، صفحة 61-62. بتصرّف.
  4. كلود كيتيل، تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا، صفحة 31. بتصرّف.
  5. "Hippocrates ", ep.utm, Retrieved 7-7-2021. Edited.
  6. Wesley D. Smith, "Hippocrates", britannica, Retrieved 7-7-2021. Edited.
  7. جورج شحاتة قنواتي، تاريخ الصيدلة والعقاقير: في العهد القديم والعصر الوسيط، صفحة 64-65. بتصرّف.
  8. "Hippocrates Quotes", goodreads, Retrieved 7-7-2021. Edited.