من هو جالينوس؟
هو طبيب وفيلسوف، وكاتب من القرن الثاني الميلادي في عهد الإمبراطورية الرومانية في آسيا الصغرى.
وهو كلاوديوس جالين، ويُكنى جالينوس في اللغة اليونانية، أو جالين بيرغام، نسبةً إلى مسقط رأسه مدينة بيرغام، وهو فيلسوف وطبيب يوناني بارز من أشهر الأطباء القدماء ممن ربطوا الفلسفة بالعلوم البيولوجية، وقد اشتهر بمساهماته التشريحية التي غيرت مفهوم الطب وطريقة تعليمه، فدمج الملاحظة والتجريب مع الفلسفة الطبيعية للسابقين، مثل أرسطو وأفلاطون، وكان المرجع الطبي الرائد على مر القرون القديمة.[١][٢][٣]
مولد جالينوس
اختلف المؤرخون حول تاريخ ولادة جالينوس، فقيل إنه ولد في برغاموم عام 131م، أو 129م، وكان والده مهندسًا معماريًا، وقد سار جالينوس على نهجه فأحب العلم والمعرفة، وكانت مدينته مركزًا ثقافيًا مميزًا في ذلك الوقت، مما أتاح له فرصة الاطلاع على الثقافة الفلسفية والطبية السائدة، فاتبع المذاهب الأفلاطونية، والأرسطية، والأبيقورية، والرواقية السائدة، وسافر رحلات علمية متنوعة.[٤][٣]
ثقافة جالينوس وتعليمه
بدأ جالينوس مسيرته العلمية كفيلسوف وأديب، لكن مدينته برغاموم كانت موقعًا لضريح الشفاء المعروف بإله أسكليبوس، ملجأ الأسياد البارزين في الإمبراطورية الرومانية الذين يقصدونه للعلاج، فغير مساره المهني ودرس الطب في بيرغاموم في سميرنا بينما كان عمره 16 عامًا، ثم انتقل إلى مدينة الإسكندرية مركز الطب الأكثر تميزًا في العالم القديم، فأمضى فيها عدة سنوات هناك في الدراسة، واكتسب المعرفة الطبية قبل أن يعود إلى مدينة برغاموم، وشغل هناك منصب كبير الأطباء لدى فرقة المصارعين، ثم سافر إلى روما ليرتقي فيها ويكتسب شهرة واسعة في الطب بسبب تميزه وبروزه في علم التشريح، وتمكنه من علاج العديد من المرضى الأثرياء الذين عجز الأطباء الآخرون عن علاجهم.
وتميز بمهاراته الطبية والخطابية التي أظهرها خلال مناقشاته العامة، فضلًا عن خلفيته الاجتماعية والأسرية المرموقة واتصالاته مع الفيلسوف المعلم أودينوس، فأصبح ذا صيت واسع، ومكانة عالية بصفته الفيلسوف الطبيب، ولكنه عاد إلى مسقط رأسه بيرغاموم بعد أن تعرضت روما لوباء الطاعون، ليتلقى دعوات من الإمبراطوريين؛ لوسيوس فيروس، وماركوس أورليوس لمرافقتهم في حملات عسكرية في مناطق شمال إيطاليا، ولكنه عاد إلى روما بعد وفاة لوسيوس فيروس، وهناك أصبح طبيبًا الإمبراطور ماركوس أوريليوس والأباطرة الآخرين سيبتموس سيفيروس، وكومودوس، وأمضى ما تبقى من مسيرته المهنية في روما.[٣][٢]
فلسفة جالينوس
تتمحور فلسفة جالينوس متعددة المجالات حول ثلاثة أدوار مركزية، مُصنفة كما يأتي:[٥]
- نظرية البرهان: وهي التي تقبع خلفها تفسيرات العالم الطبيعي التي تُمكن الفرد من التمييز بين الحجج الآمنة، والاحتمالية، أو الخاطئة، وتضمن مصداقية الافتراضات التي يتوصل إليها من خلال التطبيق الصحيح.
- الحسابات العلمية والطبية: والتي تقع ضمن نظرية العناصر الفيزيائية أو السببية والتغيير، وتنخرط ضمن النقاشات الفلسفية القائمة في عصره، مثل النقاش بين المنظرين المتصلين والذريين، وبين علماء الغائية والميكانيكيين، كما كان جالينوس يعتمد إلى حد بعيد على الفئات التفسيرية الفلسفية، ومن هنا فإن اللغة التقنية الفلسفية والحجج لديه تقع في مقدمة في المجالات الطبية، فعلى سبيل المثال في نظرية الصحة أو تصنيف أنواع النبض يوجد دافع للتعريف والتوضيح اللغوي، وتوضيح مخططات التقسيم المعقدة جدًا، وضرورة توظيف المفردات الفلسفية، أما عن فلسفته الطبية فهي تعتمد نظرية شاملة لدفع المسببات المرضية له، وبالتالي فإن منهجيته قريبة إلى التجريب النقدي الأرسطي القائم على المراقبة الدقيقة والنظرية المنطقية الشمولية التي تجعل ملاحظاته ذات مغزى.[٥][٢]
- المجالات الفلسفية التي لا ترتبط بالمعرفة العلمية أو الطبية بصورة مباشرة: ولكنها بالمقابل تشكل مجالات فكرية منفصلة رغب جالينوس بتقديم مساهمة فيها، ومنها المواضيع المرتبطة بالأخلاق، كما يقبع مجال علم النفس أو فلسفة العقل في النقطتين السابقتين لدى جالينوس؛ إذ إن مناقشاته للعقل أو الروح ترتبط بعلاقة معقدة مع التقليد الفلسفي، خاصةً التقليد الأفلاطوني ونظرياته الطبية والفسيولوجية.[٥]
مساهمات جالينوس في مجال الطب
من أبرز مساهمات جالينوس في مجال الطب ما يأتي:
نظرية الأخلاط الأربعة والروح الطبيعية
اتبع جالينيوس نهج نظرية أبقراط للأخلاط الأربعة، والتي تضم؛ الدم، والبلغم، والصفراء السوداء، الصفراء، فرأى أن هذه الأخلاط ترتبط بتوازن النقاط الرئيسية الثلاثة للجسم، وهي: الرأس المرتبط بالبلغم، والقلب المرتبط بالدم، والصفراء السوداء التي تتبع الكبد، والصفراء التي تتبع الكبد والمرارة، بالإضافة لارتباط النقاط الثلاثة بالروح الثلاثية الأفلاطونية، فالرأس يرتبط العقل، بينما القلب بالعاطفة أو الروح، أما الكبد فيرتبط بالرغبة، ويتبع جالينوس دفاع أفلاطون عن التوازن العادل للروح، والذي يُعد أساس الصحة الطبيعية؛ إذ إن اعتلال أحد أجزاء الروح يجعل الجسد غير متوازن، وبالتالي يُصاب الفرد بالمرض، لكن رغم استفادة جالينوس من نظام الأخلاط إلا أنه ابتكر نظامًا فسيولوجيًّا معقدًا يقوم على الأرواح وليس الأخلاط، وفي نموذجه يدخل الطعام المعدة، ويتحول إلى كيلوس، ويذهب إلى الكبد عبر الوريد البابي، ويتحول من هنا إلى دم يختلط بالروح الطبيعية، ثم ينتقل بعضه إلى القلب، وينتقل جزء من الدم في القلب إلى الرئتين لتغذيتهما، كما تمر بعضه عبر مسام غير مرئية من البطين الأيمن إلى الأيسر، ويمتزج بالروح المستمدة من الرئتين عبر استنشاق الهواء، ويعود الدم في دورة أخرى أخيرة عبر الشريان الأورطي، والشريان السباتي إلى الدماغ الذي يُنقل منه عبر الأعصاب مؤديًا إلى الحركة والإحساس.[٢][٦]
في مجال علم التشريح
يُعد علم التشريح أساس المعرفة الطبية عند جالينوس، فعمل على تشريح الحيوانات وإجراء التجارب الطبية عليها، مثل؛ الخنازير، والقردة، والأغنام، لكنه كان مُعرضًا للكثير من الأخطاء بسبب المحرمات الاجتماعية التي منعت تشريح الجثث البشرية، والتي تختلف بدورها عن الجثث الحيوانية التي عمل عليها واستنبط منها نتائجه واكتشافاته، لكنه رغم ذلك ساهم بشكل كبير في تحسين المهارات الجراحية وأغراض البحث العلمية، فميّز سبعة أزواج من الأعصاب القحفية، ووصف بدقة صمامات القلب، ولاحظ الاختلافات الهيكلية بين الأوردة والشرايين التي تحمل بدورها الدم وليس الهواء كما كان يُعتقد قبل 400 سنة، وربط قبالة العصب الحنجري، وأوضح أن الدماغ يتحكم في صوت، وأن سلسلة المقاطع العرضية المرتبطة بالجبل الشوكي تتحكم بوظائف الأعصاب في العمود الفقري، كما ربط الحالب بعمل الكلى وشرح وظائف المثانة، وغيرها من الأجهزة التناسلية والأعضاء الجسدية الأخرى.[٧][٣]
أبرز مؤلفات جالينوس
ألّف جالينوس الكثير من الكتب والمقالات خلال حياته في مجال الطب والفلسفة، والتي بلغ عددها 400، إلا أن القليل منها قد وصلنا بينما أحرق الكثير، وأبرز مؤلفاته ما يأتي:[٨]
- كتاب التشريح الكبير: يُعد هذا الكتاب من أهم كتب جالينوس في علم التشريح والمرجع الأساسي في هذا المجال على مر القرون، ويضم الكتاب 15 مقالًا، لكنها لم تترجم جميعها إلى اللغة العربية، بدءًا من الفصل وحتى النهاية، وترجمها ماكس سيمون إلى الألمانية، ونشرها مُضيفًا لها معجمًا عربيًا يونانيًا للمصطلحات الطبية.
- كتاب فرق الطب: يصف جالينوس ما يقوله فريق من أصحاب التجربة في الطب، وفريق من أصحاب القياس، وفريق آخر من أصحاب الحيل محاولين تثبيت ما يدعونه، مضيفًا الاحتجاج لكل فريق، ورده على من خالفه، وكيفية الحكم على الحق والباطل بينهم.[٩]
كتاب النبض للمتعلمين
أهدى جالينوس هذا الكتاب إلى صديقه طوسون، وهو ثالث كتب الطب التي توجب على الطالب الإلمام بها قبل مزاولة مهنة الطب، ويُمثل الكتاب كتيبًا صغيرًا يضم 12 فصلًا قصيرًا عدا الفصل الأخير، شرح فيه جالينوس أساسيات علم النبض، أما كتاب النبض الكبير فقسمه إلى 4 فصول، يوضّح القسم الأول أصناف النبض، ويشرح الثاني كيفية معرفة هذه الأصناف، والثالث يُبين أقسامها، وفي الختام يستذكر المعرفة التي تتكون منها تلك الأصناف، أما في كتاب النبض الصغير فذكر فيه جالينوس حقيقة هامة تفيد أن العروق والقلب تنبض كلها على مثال واحد، ولكن هناك عروقًا يسهل جس نبضها، ومن جهة أخرى لا تزال طريقة جس عروق الرسغ هي الطريقة المفضلة لبعض الأطباء حتى اليوم. [١٠]
أشهر أقوال جالينوس
من أشهر أقوال جالينوس الآتية:[١١]
- العمل هو طبيب الطبيعة، وهو ضروري لسعادة الإنسان.
- أفضل طبيب هو أيضًا فيلسوف.
- انظر إلى الجهاز العصبي باعتباره مفتاح الصحة القصوى.
وفاة جالينوس
توفي جالينوس في روما خلال عمله كطبيب للإمبراطور مرقص أوريليوس في عام 201م.[٨]
المراجع
- ↑ صابر جبرة، تاريخ الصيدلة، صفحة 63. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "Galen "، iep.utm، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2021. Edited.
- ^ أ ب ت ث Vivian Nutton، "Galen"، britannica، اطّلع عليه بتاريخ 10-6-2021. Edited.
- ↑ جورج شحاتة قنواتي، تاريخ الصيدلة والعقاقير: في العهد القديم والعصر الوسيط، صفحة 103. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "Galen", plato.stanford, Retrieved 18-3-2016. Edited.
- ↑ ويليام باينَم، تاريخ الطب، صفحة 24-26-27. بتصرّف.
- ↑ Affiliations expand, "Galen, father of systematic medicine. An essay on the evolution of modern medicine and cardiology", pubmed.ncbi.nlm.nih, Retrieved 10-6-2021. Edited.
- ^ أ ب جورج شحاتة قنواتي، تاريخ الصيدلة والعقاقير، صفحة 104-405. بتصرّف.
- ↑ جالينوس، "كتاب فرق الطب"، منظمة ارشيف، اطّلع عليه بتاريخ 10-6-2021. بتصرّف.
- ↑ جالينوس، "كتاب نبض المتعلمين"، منظمة أرشيف، اطّلع عليه بتاريخ 10-6-2021. بتصرّف.
- ↑ "Galen Quotes", goodreads, Retrieved 10-6-2021. Edited.