أبو حنيفة للنعمان

هو إمام الأئمة، وإمام أصحاب الرأي، وفقيه أهل العراق.


وهو النعمان بن ثابت بن زوطي، المعروف باسم أبي حنيفة النعمان التيمي الكوفي[١]، مفتي أهل الكوفة، عاش مع صغار الصحابة، وقد رأى أنس بن مالك، وعُني بطلب الآثار وارتحل لهذا الغرض، وقد اهتم بالفقه والتدقيق في الآراء وغوامضها، وروى عن عطاء بن أبي رباح؛ أكبر شيخ له مع الشعبي.[٢]


مولد أبي حنيفة للنعمان ونشأته

ولد أبو حنيفة النعمان عام 80 هجريًا في مدينة الكوفة العراقي، وهو من أصل أفغاني لجده زوطي، الذي أُسِر لبني تيم الله بن ثعلبة لدى فتح مدينة كابول الأفغانية، فجاء والده ثابت على الإسلام، إذ يقال إنه ذهب لعلي بن أبي طالب وهو صغير، فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته، أما أبو حنيفة فقد كان يعمل خزازًا في الكوفة التي اختارها والده لسكن فيها؛ والخز يعني صنع الثياب من الوبر والحرير، من ثم ترك ذلك طالبًا للعلم، من ثم للتدريس والإفتاء[١]، وقد حفظ القرآن من أول حياته، وهو ما حرص على ألا ينساه، فغلبته نزعته العقلية في علمه ودراسته واتجه إليها.[٣]


ثقافة أبي حنيفة للنعمان وعلمه

نشأ أبو حنيفة في عائلة تتخذ من تجارة الحرير رزقًا لها، أما هو، فقد كان يملأ فراغه بالعلم، خاصةً أنه كان في الكوفة التي شهدت آنذاك نشاطًا علميًا كبيرًا، والعراق ككل ذات العلم الوافر والصحابة والتابعين وآثارهم الكبيرة فيه، فأخذ يجادل في العلم المجادلين، وينازل من استطاع منازلته في علمه، وبذلك فقد طلب العلم شابًا، إلى جانب اهتمامه بالتجارة على خطى والده، ولكن ما دفع أبو حنيفة إلى الاتجاه بكامله نحو العلم وطريقه هو الشعبي؛ وهو عالم فقيه ومحدث، وجده النعمان ذو فتنة وذكاءً جعلتاه يتحول ويتجه إلى العلم، إذ يقول أبو حنيفة النعمان عن حوار دار بينه وبين الشعبي؛ "مررت يومًا على الشعبي وهو جالس فدعاني، فقال لي: إلى من تختلف؟ فقلت إلى السوق، فقال: لم أعن الاختلاف إلى السوق، عنيت الاختلاف إلى العلماء، فقلت له: أنا قليل الاختلاف إلى العلماء، فقال لي: لا تفعل وعليك بالنظر في العلم ومجالس العلماء فإني أرى فيك يقظة وحركة، فقال النعمان في ذلك: فوقع في قلبي من قوله، فتركت الاختلاف إلى السوق وأخذت في العلم فنفعني الله بقوله".[٤][٥]


وقد قال السمعاني في الأنساب عن علمه وثقافته؛ "اشتغل أبو حنيفة بطلب العلم، وبالغ فيه، حتى حصل له ما لم يحصل لغيره، ودخل يومًا على المنصور وعنده الوزير عيسى بن موسى، فقال للمنصور: هذا عالم الدنيا اليوم"، وذلك من شهادة الوزير له عند المنصور بعلمه وفقهه، وقد قال يوسف القاضي في ذلك أيضا: "ما رأيت أعلم بتفسير الحديث من أبي حنيفة". [٦]


أساتذة أبي حنيفة للنعمان

طلب أبو حنيفة النعمان العلم في صباه وانقطع عن العمل لأجله، فاتخذ من شيوخ كُثر، نبعًا له ولفضوله ورغبته في العلم، فكان من شيوخه؛ عطاء بن أبي رباح، والحكم بن عتيبة، وأبو محمد الكندي الكوفي، وحماد بن مسلم، وأبو إسماعيل الأشعري الكوفي الفقيه، وأبو عثمان القرشي التيمي المعروف بربيعة الرأي، والحارث بن عبد الرحمن، وجبلة بن سحيم، وعدي بن ثابت، وأبو هند الهمداني الدالاني الكوفي، وغيرهم الكثير[١][٧]


تلامذة أبي حنيفة للنعمان

عمد الإمام أبو حنيفة النعمان إلى التدريس ونشر علمه والنهوض بالطلاب به من كل حدب وصوب، فكان له من التلامذة والطلاب الكثير، منهم؛ حمزة بن حبيب بن عمارة، وأبو عمارة الزيات الكوفي التيمي، والحارث بن نبهان، وداود بن نصير، وأبو الحجاج السرخسي الخراساني، وغيرهم[١]


أسلوب أبي حنيفة للنعمان

جاء أسلوب النعمان في فقهه واستنباطه للأحاديث كما ذكره الإمام الذهبي عنه؛ فقد روى نوح الجامع أنه سمع أبا حنيفة يقول: "ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة اخترنا، وما كان غير ذلك فهم رجال ونحن رجال"، وقد قال أبو محمد بن حزم: "جميع الحنفية مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة أن ضعيف الحديث أولى عنده من القياس والرأي"[٨]


منهج أبي حنيفة للنعمان

يقوم منهج الإمام أبو حنيفة النعمان على الاحتكام للقرآن الكريم؛ كتاب الله عز وجل، وإلى سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان يستدل بنصوص الأحاديث النبوية، ويجتهد عند الحاجة وفي مواطن الاجتهاد، كما يأخذ بفهم السلف الصالح لها ويستعين بهم، ومن هذا قوله نفسه ما جاء براوية عبيد بن أبي قرة حين قال: سمعت يحيى بن ضريس يقول: شهدت سفيان وأتاه رجل، فقال: ما تنقم على أبي حنيفة؟ قال: وما له؟ قال: سمعته يقول: "آخذ بكتاب الله، فما لم أجد، فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم أجد في كتاب الله، ولا سنة رسوله، آخذ بقول أصحابه، وأخذ بقول من شئت منهم، وأدع قول من شئت، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر أو جاء الأمر، إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وسعيد ابن المسيب، وعدد رجالًا فقوم اجتهدوا فأجتهد كما اجتهدوا، قال: فسكت سفيان طويلًا، ثم قال كلمات برأيه، ما بقي أحد في المجلس إلا كتب: نسمع التشديد من الحديث فنخافه، ونسمع اللين فنرجوه، لا نحاسب الأحياء، ولا نقضي على الأموات، نسلم ما سمعنا، ونكل ما لم نعلم إلى عالمه، ونتهم رأينا لرأيهم"[٩]


مؤلفات أبي حنيفة للنعمان

لأبي حنيفة النعمان العديد من الكتب والمؤلفات في الفقه، أما عن المطبوع والمنشور منها فهي كما يلي:[١٠]

  • الفقه الأكبر، وهو كتاب لبيان العقيدة وذلك في عشرة أبواب فيه.[١١]
  • المسند في الحديث، رواية الحسن بن زياد اللؤلؤي.[١٠]
  • الفقه الأبسط، رواية تلميذه أبي المطيع الحكم بن عبد الله البلخي.[١١]
  • الوصية، وهي وصية إلى أصدقائه في أصول الإسلام.[١٠]
  • كتاب العالم والمتعلم في العقائد والنصائح رواية مقاتل.[١٠]
  • القصيدة الكافية النعمانية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.[١٠]


أقوال العلماء عن أبي حنيفة للنعمان

برزت مكانة الإمام أبو حنيفة العلمية في زمانه وأي زمان، مما دفع العديد من العلماء إلى ذكره من مثل الشافعي الذي قال عنه:

  • "الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة"، "كان أبو حنيفة ممن وفق به الفقه"، "ما رأيت أحدًا أفقه من أبي حنيفة".[١٢]
  • أما عن الذهبي فقد قال عنه: "الإمام الفقيه الملة عالم العراق، وعني بطلب الآثار وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك، والإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام وهذا أمر لا شاك فيه"، "يعد في التابعين".[١٢]
  • قال عنه الإمام أحمد بن حنبل:"أن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضرب بالسياط ليلي للمنصور فلم يفعل، فرحمة الله عليه ورضوانه"[١٣]


أشهر أقوال أبي حنيفة للنعمان

للإمام أبي حنيفة النعمان من الأقوال المهمة والمشهورة المثير، بالأخص ما جاء فيها بالعلم، وما جاء بالرئاسة وغيره، ومن ذلك الآتي:

  • روى زفر بن الهذيل أن الإمام رحمه الله تعالى قال: من لم يمنعه العلم عن محارم الله تعالى، ولم يحجزه عن معاصي الله تعالى، فهو من الخاسرين.[١٤]
  • ومن أقواله في الرئاسة وحبها؛ ما روى ابن المبارك عنه أنه قال: من طلب الرياسة في غير حينه، لم يزل ف ذل ما بقي.[١٥]
  • وقوله في العلماء والأولياء، ما روى الفضل بن دكين عنه أنه قال: إن لم يكن أولياء الله في الدنيا والآخرة الفقهاء والعلماء، فليس لله ولي.[١٦]
  • وقد قال في فضل الجهاد؛ روى إبراهيم بن سويد عنه أنه قال: غزوة بعد حجة الإسلام، أفضل من خمسين حجة.[١٦]


وفاة أبي حنيفة للنعمان

توفي الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان عام 150 هجريًا في بغداد، إذ تمت صلاة الجنازة ٦ ليه ست مرات من كثرة الزحام والناس، آخرهم كان ابنه حماد، وقد غسله الحسن بن عمارة مع رجل آخر، وقد دفن في مقابر الخيزران، وقد قال بشر بن الوليد في وفاة الإمام: "مات أبو حنيفة بالسجن ببغداد، ودفن في مقابر الخيزران".[١٧][١٨]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث أبي حنيفة النعمان/ رواية أبي محمد عبدالله بن محمد بن يعقوب، مسند أبي حنيفة، صفحة 5. بتصرّف.
  2. الإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، محمود الكلام في سيرة الإمام أبي حنيفة النعمان للإمام الذهبي، صفحة 19-21. بتصرّف.
  3. د طارق السويدان، الإمام أبو حنيفة النعمان، صفحة 19. بتصرّف.
  4. د طارق السويدان، الإمام أبو حنيفة النعمان، صفحة 26 21. بتصرّف.
  5. د أسعد عبد العليم السعدي، أبو حنيفة واستدلاله النحوي واللغوي على المسائل الفقهية خلاصة البحث، صفحة 6. بتصرّف.
  6. د طارق السويدان، الإمام أبو حنيفة النعمان، صفحة 249. بتصرّف.
  7. الإمام الذهبي، محمود الكلام في سيرة الامام أبي حنيفة النعمان، صفحة 21. بتصرّف.
  8. الإمام الذهبي، محمود الكلام في سيرة الإمام أبي حنيفة النعمان، صفحة 71. بتصرّف.
  9. عمرو عبدالمنعم سليم، الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت ونسبته إلى القول بخلق الكتاب وكتاب الحيل المنسوب أليه، صفحة 9-10. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت ث ج أبي حنيفة النعمان/ رواية أبي محمد عبدالله بن محمد بن يعقوب، مسند أبي حنيفة، صفحة 7. بتصرّف.
  11. ^ أ ب د اسعد عبد العليم السعدي، أبو حنيفة واستدلاله النحوي واللغوي على المسائل الفقهية خلاصة البحث، صفحة 9. بتصرّف.
  12. ^ أ ب أبي حنيفة النعمان/ رواية أبي محمد عبدالله بن محمد بن يعقوب، مسند أبي حنيفة، صفحة 6. بتصرّف.
  13. وهبي سليمان غاوجي، أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء، صفحة 5. بتصرّف.
  14. وهبي سليمان غاوجي، ابو حنيفة النعمان إمام الأمة الفقهاء، صفحة 371-372. بتصرّف.
  15. د طارق السويدان، الإمام أبو حنيفة النعمان، صفحة 247. بتصرّف.
  16. ^ أ ب د طارق السويدان، الإمام أبو حنيفة النعمان، صفحة 246. بتصرّف.
  17. أبي حنيفة النعمان/ رواية أبي محمد عبدالله بن محمد بن يعقوب، مسند أبي حنيفة، صفحة 8. بتصرّف.
  18. الإمام الذهبي، محمود الكلام في سيرة الإمام أبي حنيفة النعمان، صفحة 62. بتصرّف.