من هو أبو داوود السجستاني؟

هو إمام وحافظ، ومُحدث البصرة، وعالم في الحديث، ومن أئمة المسلمين في القرن التاسع الميلادي في العهد العباسي.


وهو أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني، من أئمة المسلمين البارعين في علوم الحديث فدرَسه، وعَلِمَه، وعللّه، وغدا مُعلمًا له، فكان قدوة صالحة وإمامًا زاهدًا، وعلى درجة عالية من النسك والصلاح، كما اجتهد في طلب العلم، وطاف البلاد على أوسعها، وسمع الحديث وكتبه من العديد من الشيوخ والأئمة في العراق، والبصرة، وخراسان، وبلاد الشام، ومصر، والجزائر وغيرها، كما كان أحد تلامذة الإمام أحمد بن حنبل، والذي اطلع على كتاب أبي داوود المعروف بالسنن، فاستحسنه.[١][٢]


مولد أبي داوود السجستاني

وُلد أبو داوود السجستاني في مدينة سجستان التي قيل إنها كانت إحدى قرى البصرة حينها في عام 202هـ/817 م، ولم يذكر المؤرخون الكثير عن نشأته إلا أنه ذُكر بأنه كان صاحب أوقاف، وعقود، وأملاك في سجستان، لكنه آثر الارتحال إلى مدينة البصرة في سبيل طلب الحديث، وتعلمه، والاستماع إليه من مصادره الأصيلة.[٣][٤]


علم أبي داوود السجستاني

انتقل أبو داوود من سجستان إلى مدينة بغداد في عام 220 هـ، وكان يبلغ من العمر 18 سنة حينها؛ إذ كان الهدف من رحلته طلب وتحصيل العلم في سنٍ مُبكرة، فأقام في مدينة البصرة وسمع من علماء الحديث وأهله ومشايخه هناك، واستقر مدّة عامين ثم سافر إلى الشام في سنة 222 هـ، وحظي فيها بعلوّ الإسناد، ففاق الإمام مُسلم في علو الإسناد، وشارك الإمام البخاري في جماعة من شيوخه ممن لم يحظَ أحد غيره بشرف الاستماع لهم، وتلقى علوم الحديث من منابعها الأصيلة ونخبة شيوخها البارزين، وأكثر من الاستماع لهم ومجالستهم، وانتقل من بلاد الشام إلى مصر، ومنها إلى العراق، كما زار مكة وجالس شيوخها وعلماءها، وانتقل إلى نيسابور مُصطحبًا ابنه أبا بكر الذي استمع معه إلى الكثير من المشايخ، فأصبح من كبار الحفاظ في بغداد، وعالمًا مُتفقًا عليه، وإمامًا نابغًا كوالده، ثم عاد إلى مسقط رأسه في سجستان فجلس فيها مدّة ولكنه لم يستقر هناك بل عرج إلى البصرة، واستوطنها ما تبقى من حياته، ونشر فيها العلم، وكان يتردد منها إلى بغداد.[٣][٤]


المكانة العلمية لأبي داوود السجستاني

حظي الإمام أبو داوود باحترام وتقدير العلماء، والمُحدثين، والأئمة المعاصرين له، والمتوالين من بعده، فقد كان حافظًا نابغًا مُتفردًا ومُتقنًا لحديث الرسول الكريم، في عِلمه وعِلله وسنده، وكان في غاية العفاف والصلاح والورع والتقوى، فارسًا نبيلًا من فرسان الحديث الطلقاء، فمدحه الكثير من المقدمين والمُترجمين في زمانه، وقيل فيه أنه لم يسبق معرفته في تخريج العلوم، والتبصير بمواضعه أحد من الأئمة الحافظين، فضلًا عن رحلاته المتوالية التي طلب فيها العلم، وسعى للتزود منه على أيدي أئمته وأهله وأصحابه المُتمكنين.[٥]


منهج الإمام أبي داوود في سننه

يتجلى منهج الإمام أبي داوود بوضوح في كتابه المشهور السنن، ومن أبرز الملامح المميزة له ما يأتي:[٦][٧][٨]

  • شروط الأسانيد: اقتصر على اختيار أصح ما عَرف من أحاديث الأحكام على الأغلب، وفي حال اختيار حديث أقل صحة كان يضعه في بابه المُحدد، ويُضع معه ما هو أصح منه، وبالتالي لا يعني ذلك أن جميع الأحاديث صحيحة ومتصلة الإسناد، أما من حيث الرواة فقد كان يُخرّج عن بعض الرواة ممن لم يُجمع النقاد على تركهم، كبعض الضعفاء المجهولين في الشواهد والمُتابعات، وكان أيضًا يُخرّج الأحاديث المشهورة بين الأئمة والرواة وأصحاب الفتاوي.
  • التعليق على الحديث: لم يقتصر أبو داوود على تخريج الحديث الصحيح، وهو ما دفعه للتعليق على الحديث من حيث الصحة، والضعف، والحسن، كما كان يُبيّن الحديث الضعيف والواهن على الأغلب، إضافةً لتوضيح العلل التي تقدح صحة الحديث، وفي حال الاختلاف بين الرفع، والوقف، والإرسال، والوصل، يذكر الأمر المُرجح بينها.
  • ترتيب وتكرار الحديث: اتبع نهج الترتيب بحسب أبواب الفقه، فعُني بالمتون أكثر، كما عُني بالفقه أكثر من الأسانيد، وكان يبدأ بالصحيح من الأسانيد، أما عن ترتيب الأحاديث في الباب فكان يُقدم الإسناد الأعلى وإن كان الأضعف وصاحبه أقوم في الحفظ، ومن حيث التكرار فقد كان يُعيد الحديث إذا ضَمت رواية أخرى معاني زائدة له، ويبين في حال ضمت الرواية الثانية حُكمًا آخر مُختلفًا عن الأولى، أو حتى اختلاف في اللفظ، فكان يذكره ويذكر إسناد الرواية.
  • بيان طرق الأحاديث واختصارها: اتبع أبو داوود العديد من طرق اختصار الحديث، ومنها: جمع الشيوخ بالعطف، وذكر جزءًا من الحديث أو بعض الطرق، ومن ثم أشار إلى الباقي للاختصار، إضافةً لجمع الأسانيد بالتحويل.
  • الجرح والتعديل وتعريف الرواة: ذكر أبو داوود شيئًا حول تعديل بعض الرواة، أو تجريحهم عندما دعته الحاجة لذلك، فيذكر أحيانًا تعريفًا موجزًا لبعض الرواة كبيان أنه صحابي أو تابعي، أو كوفي، أو بصري، وبيان تاريخ ميلاده أو غيره، مما يساعد على توضيح الراوي وتفريقه عن غيره، وبيان اتصال أو انقطاع راوييه.


أشهر شيوخ أبي داوود السجستاني

تتلمذ الإمام أبو داوود على يد نخبة من المشايخ في مُختلف البلدان التي طافها، وأبرزهم:[٩][١٠]

  • سليمان بن حرب.
  • الإمام أحمد بن حنبل.
  • علي بن المديني.
  • يحيف بن معين.
  • إسحاق بن راهويه.
  • قتيبة بن سعيد.
  • محمد بدن بشدار.
  • مسلم بن إبراهيم.
  • عبد الله بن رجدام.
  • أبو الوليد الطيالسي.
  • موسى بن إسماعيل.


أشهر مؤلفات أبي داوود السجستاني

ألّف الإمام أبو داوود العديد من الكتب في مواضيع متنوعّة، ومنها الآتية:

  • كتاب الزهد: وهو من أبرز كتب الإمام أبي داوود السجستاني، ويندرج ضمن نطاق كتب علوم الزهد، والفروع وثيقة الصلة به، والمتمثلة في العقيدة، وأصول الفقه والحديث، وغيرها من العلوم الإسلامية. [١١]
  • كتاب المراسيل: وهو كتاب يضم جملة من الأحاديث النبوية المُلحقة بكتب السنن، والتي حققها عدد كبير من المؤلفين، منهم: عبد العزيز عز الدين السيروان، وشعيب الأرناؤوط، وهذا الكتاب له مخطوطات أصلية محفوظة في تركيا ومصر، وطبع لأول مرة في مدينة القاهرة.[١٢]


كتاب سنن أبي داوود

وهو من أبرز كتب الحديث الستة الأصول، ومن بين السنن الأربع التي تحظى بمكانة مميزة لدى أهل السنة؛ فهي مصدر أساسي للحديث النبوي عندهم، ويأتي كتاب سنن أبي داوود في المنزلة الثالثة بعد صحيحي البخاري ومسلم، فكانت هذه الكتب مركزًا يحوي أدلة الفقه والأحكام التي ندر ما يفوتها حديث صحيح، وتتهافت الأدلة عليها، وهو ما دفع العلماء للعناية بها والتعليق عليها وشرحها، ومن جهة أخرى جمع أبو داوود في كتابه السنن مجموعة كبيرة من الأحاديث النبوية التي دارت بين الفقهاء واستدلوا بها، وبنى عليها الأحكام علماء الأمصار، ووصل عدد الأحاديث في الكتاب إلى 5274 حديثًا، انتقاها أبو داوود من بين 500 ألف حديث نبوي، وسميت أحاديثه بالأحكام، وهي أحاديث تدور حول الزهد والفضائل، كما تحدث عن منهجه في تأليف كتابه وترتيبه من مُختلف النواحي ضمن رسالته لأهل مكة، ويضم فيه 35 كتابًا، وعدد أبوابه 1871 بابًا تشمل أحاديث مرفوعة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأخرى موقوفة على الصحابة، وآثار أخرى منسوبة للتابعين.[١٣]


وفاة أبي داوود السجستاني

توفي الإمام أبو دواود السجستاني في مدينة البصرة في يوم الجمعة الموافق 16-شوال-275 هـ، وكان يبلغ من العمر 73 سنة.[٤]

المراجع

  1. ابن خلكان، كتاب وفيات الأعيان، صفحة 404. بتصرّف.
  2. فهد بن عبد الرحمن العثمان، كتاب الفوائد الذهبية من سير أعلام النبلاء، صفحة 81. بتصرّف.
  3. ^ أ ب أبو داوود السجستاني، منهج اإلمام أبي داود في سننه، صفحة 1-2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ابن خلكان، كتاب وفيات الأعيان، صفحة 405. بتصرّف.
  5. شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 211. بتصرّف.
  6. أ م د محمود حسين عطية ، منهج اإلمام ابي داوود في سننه، صفحة 4-5-6-7. بتصرّف.
  7. د محمد خلف عبد الفهداوي، منهج االمام أبو داود، صفحة 6-7-8-9. بتصرّف.
  8. أبو داوود السجستاني، منهج الامام ابو داود، صفحة 6-7-8. بتصرّف.
  9. أبو داوود السجستاني، منهج الإمام أبي داود في سننه، صفحة 1. بتصرّف.
  10. شمس الدين الذهبي، كتاب سير أعلام النبلاء، صفحة 205. بتصرّف.
  11. أبو داوود السجستاتي، كتاب الزهد، صفحة 1. بتصرّف.
  12. أبو داوود السجستاني، المراسيل، صفحة 1. بتصرّف.
  13. أبو داوود السجستوني، كتاب سنن أبو داوود، صفحة 1. بتصرّف.