من هو أول من رسم الخريطة؟
هو الشريف الإدريسي، عالم، وجغرافي، ورحالة، وأديب، وشاعر، ومؤرخ بارز من القرن الثاني عشر الميلادي.
وهو محمد بن محمد بن عبد الله بن إِدريس بن يحيى بن عَليّ بن حمود بن مَيْمون بن أحمد بن عليّ بن عبيد الله ابن عمر بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طَالب، والشهير بالشريف أبي عبد الله الإدريسي، وهو أحد أبرز الجغرافيين والرحالة العرب في الأندلس، وقد قضى حياته سائحًا ومتجولًا بين بلدان قارات آسيا، وإفريقيا، وأروبا، وألّف العديد من الكتب الأدبية، والجغرافية، والتاريخية، والعلمية، واستقر في بلاط ملك صقلية روجر الثاني النورماني الذي استضافه وأكرمه، وطلب منه أن يؤلف له الكتاب الجغرافي الشهير الذي تميز به والذي أسماه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق.[١][٢]
مولد الشريف الإدريسي
ولد الشريف الإدريسي في مدينة سبتة في عام 493 هـ/1099م، ولا توجد الكثير من المعلومات المؤرخة والموثوقة حول نشأته وأسرته، لكن نسبه يعود إلى أسرة الأدارسة التي حكمت مدينة مالقة بعد سقوط خلاقة قرطبة في الأندلس في النصف الأول من القرن 11 ميلاديًا، والتي بدورها تُنسب إلى إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الصحابي الجليل.[٣][٤]
ثقافة الشريف الإدريسي ورحلاته
لم يذكر المؤرخون تفاصيل حول تعليم الإدريسي، لكنه ترعرع في مدينة قرطبة، وتثقف ودرس، وتخرج منها، وكان يميل إلى العلم والسفر والترحال منذ صغره، فانطلق في أولى رحلاته وهو في سن 16 عامًا إلى البلدان التي تقع على سواحل البحر الأبيض المتوسط وبالقرب منه، ثم تعمق وارتحل وغاص في شمال إفريقيا فدرس هذه البلاد وحضارتها وشعوبها وعاداتهم، كما سافر إلى أروبا وزار سواحل فرنسا في المحيط الأطلانطي، ومنها ارتحل إلى سواحل إنجلترا التي ذكرها في بعض كتاباته، وفي نهاية رحلاته طلبه الملك روجر الثاني النورماني ملك مدينة صقلية ودعاه للنزول عنده في مدينة بالرم، فأقام في بلاطه وأحسن رعايته وأكرمه كأنه فرد من أفراد حاشيته، وذلك بعد أن سمع الملك عن ثقافة ورحلات ومعالم شخصية الإدريسي، وأراد أن يقوم بعمل تاريخي مهم باسمه اقتداءً بالكثير من أمراء الشرق، فطلب بدوره من الشريف الإدريسي أن يؤلف له كتابًا شاملًا يصف فيه مملكته وباقي البلدان والآفاق المعروفة في عهده، وأن يكون الكتاب في وصف كرة فضية صُنعت من أجله وقد رسم عليها جميع الأقاليم المعروفة في ذلك العصر الذي تفوق فيه العرب والمسلمون في العلوم والجغرافيا والفنون.[٣][٥]
خارطة الشريف الإدريسي
كانت صقلية مُلتقى العقول النيرة والمفكرة عندما قدمها الإدريسي بطلب الملك روجر الثاني، فكان العلماء يحطّون إليها من كل مكان وتسعى لها الأقدام من الشمال والجنوب بلهفة؛ إذ كان الملك روجر حكيمًا مُحبًا للعلم ويُقدر العلماء ويحترمهم بغض النظر عن أجناسهم وأعراقهم ومِلتهم، وكان بلاطه حرمًا مُقدسًا للعلم، يأمن فيه كل من دخله من العلماء، كما كانت صقلية مُلتقى الحضارتين الإسلامية والمسيحية، فتآخت فيها فنون الشرق الإسلامي والغرب المسيحي في سبيل خدمة العلم وصلاح العالم، بالإضافة إلى وفود طائفة من الرجال من دول أوروبا السياسيين والجغرافيين والاجتماعيين أصحاب الشأن في هذه الأحوال المختلفة.
فكان العصر الذي شرع الإدريسي فيه في رسم خريطته عصرًا ذهبيَا مُتألقًا في ظل حكم النورمانيين سادة جميع أنحاء الجزيرة وأقسام من إيطاليا وشمال إفريقيا، كما تمكن من جمع معارفه الخاصة، وكنوزه، وخبراته، ومُدخراته العلمية والثقافية، وملاحظاته الشخصية التي اكتسبها خلال أسفاره الطويلة ورحلاته الكثيرة المتشعبة الأقطاب مُستغلًا المعلومات الوفيرة التي جمعها الملك روجر حول البلاد المسيحية، إضافةً لما قيّده بنفسه من كلام الحجاج، والتجار، والرحالة الذين يعبرون بالسفن خلال موانئ صقليه، إضافةً للعلماء والجغرافيين الموجودين على مقربة منه وبمساعدة الملك روجر، ومن هنا حصل على قاعدة بيانات جغرافية ثمينة وغزيرة جدًا امتاز بها على سائر الجغرافيين العرب المسلمين والأروبيين، فصنع خارطة عالميّة تتكون من 70 قسمًا، رُسمت من خلال تقسيم الأرض شمال خط الاستواء إلى 7 مناطق مناخية متساوية العرض، ومن ثم قسم كلًا منها إلى 10 أجزاء متساوية بخطوط الطول، كما كان من ضمن إنجازاته العظيمة صُنع كرة فضية رُسمت عليها خريطة العالم، وتأليف كتابه العظيم نزهة المشتاق الذي طلبه من الملك، ومن هنا أصبحت خريطة الإدريسي وكتابه مرجعين أساسيين للمؤلفين الجغرافيين العرب والغرب من بعده.[٦][٧][٥][٨]
مؤلفات الشريف الإدريسي
قدّم الشريف الإدريسي العديد من المؤلفات التي فقد بعضها، والتي ضمت بعضًا من فنونه الأدبية كالشعر،[١] ومن هذه المؤلفات ما يأتي:[٦]
- كتاب الممالك والمسالك: وهو كتاب ألفه الإدريسي في عام 1161 م لنجل الملك رجار الثاني (فلهلم) الذي حكم خلال الأعوام من 1154- 1166م، ولم يصل من هذا الكتاب إلا مقتبسات نادرة اقتبسها أبو الفدا عند كلامه على الجغرافية العربية.
- كتاب روض الفرج: وهو كتاب جغرافي صغير ألفه الشريف الإدريسي ويبحث في وسائل العلاج البسيطة.
كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
يُمثل هذا الكتاب تحفة أثرية ثمينة فهو موسوعة جغرافية للعالم في القرن الثاني عشر، وقد ألفه الشريف محمد الإدريسي للملك روجو الثاني بناءً على طلبٍ منه، وضمّنه جملة المعلومات الجغرافية السليمة التي عرفها الأقدمون والمعاصرون مُضيفَا لها كنوزه العلمية المُدخرة والمعلومات التي اكتسبها ورصدها خلال رحلاته والاستنتاجات التي اكتشفها في اختباراته، فغدا كتابه مرجعًا علميًا قيمًا جدًا استخدمه علماء أوروبا لما يزيد على 300 عام، كما وضع فيه 1070 خريطة.[٩][١٠]
وفاة الشريف الإدريسي
اختلف المؤرخون حول وفاة الشريف الإدريسي، ولكن رُجح أنه توفي في صقلية في أحد العامين عام 559-558 هـ/ 1165-1166 م.[٨][٢]
المراجع
- ^ أ ب الصفدي، كتاب الوافي بالوفيات، صفحة 138. بتصرّف.
- ^ أ ب خير الدين الزركلي، كتاب الأعلام للزركلي، صفحة 24. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد حسن الزيات، كتاب مجلة الرسالة، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ جُرجي زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية، صفحة 875. بتصرّف.
- ^ أ ب زكي محمد حسن، الرحالة المسلمون في العصور الوسطى، صفحة 51-52. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد حسن الزيات، كتاب مجلة الرسالة، صفحة 27. بتصرّف.
- ↑ أحمد حسن الزيات، كتاب مجلة الرسالة، صفحة 26. بتصرّف.
- ^ أ ب Wadie Jwaideh, "Muḥammad al-Idrīsī", britannica, Retrieved 25-6-2021. Edited.
- ↑ محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحمودي الحسيني الشريف الإدريسي، "كتاب نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق"، مكتبة النور، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2021. بتصرّف.
- ↑ محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحمودي الحسيني الشريف الإدريسي، نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق، صفحة 1. بتصرّف.