من هو ابن حجر العسقلاني؟
هو مُفكر، ومُحدث، وفقيه، وعالم، ومُترجم لعلم الحديث النبوي الشريف في عهد المماليك.
وهو أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن أحمد الكناني العسقلاني النسب، والمصري الأصل، ويُكنى بالحافظ أبي الفضل، ويُلقب بشمس الدين، وشهرته أبي الحَجر، ويُعد من المفكرين والمحدثين المسلمين البارزين في التاريخ، فقد ألّف العديد من الكتب والأطروحات على الرغم من مروره بأحداث ومواقف عصيبة كوفاة والديه وهو صغير، ومعاصرته لأحداث سياسيّة صعبة جدًا في عهد المماليك، إلا أنه كان في الصدارة، وترأس مجلس القضاة الشافعي في مصر ليجد العزاء والحماية في السنة النبوية والحديث، ويستند عليها لتكون بمثابة دليل شخصي وأخلاقي لحياة المسلمين يتجاوز التطبيقات القانونية.[١][٢]
مولد ابن حجر العسقلاني ونشأته
ولد ابن حجر العسقلاني في 22/ شعبان/ 773 هـ في منزله الذي يقع على شاطئ النيل في مصر، ونشأ يتيمًا بعد أن توفي والده عام 777 هـ بعد أدائه فريضة الحج وزيارته بيت المقدس بصحبة ابنه أبي حجر، وقد كان والده مُترجمًا بارعًا من قبله، وانشغل بطلب العلم، وكان له في الفقه واللغة العربية والأدب، كما أجاد نظم الشعر، وكان كثير الحج والمجاورة، يتصف بالعقل والمعرفة، والأمانة، وحسن الخلق الذي ورثه أبو الحجر عنه، أما أمه فماتت قبل والده، ليغدو يتيم الأبوين لكن في غاية العفة وحسن الخلق، وعاش بعدها في كنف أوصيائه، لكنه كان شابًا هادئًا، وعندما دخل الكتّاب في عمر الخمس سنوات ظهرت عليه علامات الذكاء والنبوغ والنجابة، فكان سريع البديهة، قوي الحفظ، مُحبًا للمعرفة والثقافة والحفظ في مختلف الفنون، وقد بدأ حبه وشغفه وميوله لعلم الحديث عندما كان في الثانية عشرة من عمره خلال تأديته فريضة الحج، وذلك عندما سمع الحديث لأول مرة في مكة بصحبة وصيه الخواجا زكي الدين أبي بكر بن نور الدين علي الخروبي.[٣][٤]
ثقافة ابن حجر العسقلاني وعلمه
نشأ ابن حجر يتيمًا لكنه وُفّق في علمه واصطفى الله تعالى له وصيان ساعداه في مسيرته، فدخل الكتّاب بينما كان في الخامسة من عمره، وأتم حفظ القرآن في سن التاسعة، وأدّى فريضة الحج، وزار مكة عندما كان عمره 12 عامًا برفقه وصيه الخروبي، وهناك سمع صحيح البخاري، وأجرى بحوثًا عن بعض الأعلام والشيوخ هناك، خاصةً حول كتاب عمدة الأحكام للمقدسي، وعندما عاد إلى مصر شرع في حفظ بعض كتب العلوم ليعرضها على أستاذته، لكن وفاة وصيه الخروبي جعلته يتباطأ عن طلبه للعلم، لكنه عاد وواصل بحوثه ودروسه عندما أكمل سن السابعة عشر وانتقلت وصايته إلى العلامة شمس الدين ابن قطان، فواظب على حضور دروس الفقه واللغة العربية بما تحمله من فروع النحو والأصل، بالإضافة إلى دراسة الحساب، والتاريخ، وأحوال الرواة، وفنون الأدب، والشعر والنظم، وأقبل على دراسة علم الحديث النبوي بنهم، وغاص في بحوره، واتسعت معارفه، وساعدته الكتب المتوفرة والمصادر الغزيرة المتاحة في زمنه، ولم يكتفِ بذلك، فقد ارتحل طلبًا للمزيد من العلوم والثقافة فاتحًا المجال لطموحه فطاف العديد من البلدان في رحلات علمية، منها ما هو داخل مصر، ومنها ما يضم بلاد الحجاز، واليمن، والشام وغيرها، وهناك التقى العديد من العلامات، والرواة، وحفظ عنهم، وسمع منهم، واستفاد من علومهم.[٥]
المسيرة العملية لابن حجر العسقلاني
كان ابن حجر مُقبلًا على العلم والفقه ومُختلف الفنون فتميز بها، وحظي بمناصب عدّة، منها:[٦]
- تولى مهمة التدريس في أغلبية المدارس العظيمة في عصره، مثل: مدرسة الشيخونية، ومدرسة الجمالية، ومدرسة المؤيدية، ومدرسة الأشرفية، والجامع الطولوني، والجامع الحاكمي، ومدرسة السلطان حسن، وغيرها.
- تولى منصب قاضي القضاة للحنابلة بعد موت البدر البغدادي، وعمل به بعفة ونزاهة وتواضع متميز، فلم يتخذ له نقيبًا ولا حاجبًا، وترك التكلف وأحسن عشرة من حوله، وهي الصفات العريقة التي ما لبثت إلا أن زادته تواضعًا ولينًا.
مناهج ابن حجر العسقلاني في العلوم والآداب والفنون
تعددت العلوم والفنون التي برع فيها ابن حجر، وأبرزها ما يأتي:
في الشعر واللغة والأدب
كان ابن حجر مُقبلًا على الفنون ومولعُا بها، فبرع في الشعر، وفاق فيه العديد من الأدباء والشعراء وطاح بهم، وتميز شعره برقته، كما أن نثره مُطرب، ناهيك عن كونه يستحضر الشعر تبعًا للمواقف التي تمر به؛ نظرًا لغزارة مصادره العلمية وسعة معرفته واطلاعه.[٧]
الترجمة والتأريخ
كان ابن حجر العسقلاني يميل إلى تأريخ الأحداث والوقائع التي تمر به، وقد يكون لترحاله وزيارته للعديد من البلدان الإسلامية ووقوفه وتعايشه مع مُختلف الشعوب والطوائف، والتقائه بالكثير من الشيوخ والأئمة دور في ذلك، ناهيك عن مناصبه ووظائفه المرموقة التي تصدرها في عهد المماليك، ومواكبته للسلاطين، وكبار الرجال في الدولة، وطُلاب العلم، والسياسيين فيها، فتفرد في تأريخ الأحداث وذكر شخصياتها وجوانبهم المختلفة، فغدا من أبرز مؤرخي القرن التاسع عشر، وكانت مؤلفاته التاريخية تتصبغ بالشمولية، خاصةً كتابه إنباء الغمر. [٨]
علوم القرآن وتفسيره
منح ابن حجر القرآن الكريم الأولوية القصوى، فحفظه، وفهمه، وعرف كيفية قراءته، وانشغل بعلومه وتفسيره، كما عرف ناسخه من منسوخه، ومطلقه من مقيده، وعامه من خاصه، وعاشر الأئمة وعلماء الاختصاص، وكان عالمًا دؤوبًا يعي أن القرآن هو عمدة للأحكام، وأساسًا للتشريعات، فكان يجلس في مجالس التفسير، ويحضرها بدقة وعناية، كما قدم العديد من المؤلفات البارزة في هذا المجال، مثل: كتاب الإحكام لبيان ما في القرآن من إبهام، وكتاب الإعجاب ببيان الأسباب، وغيره.[٩]
الحديث والفقه
كان ابن حجر مهتمًا بسماع الحديث وكتابته، ثم انصرف منه إلى الفقه وأصوله، وطلبه من أئمته ولازمهم ليرتوي من علومهم، حتى نبغ وتفوق في هذا المجال وأجاز له الإمام السراج البلقيني في الإفتاء والتدريس، نظرًا لكونه يمتلك طريقة فريدة تجمع علمي الفقه والحديث المفصولين معًا، وهو ما ندر اجتماعه في إمام واحد، إذ كان نابغًا في ميدان علم الحديث، وضم إليه فقهه والقدرة والبراعة في الاستنباط من النص، والتأليف بين النظائر، والجمع بين الأشباه، ليغدو بذلك محدث الفقهاء وفقيه المحدثين البارزين في عصره.[١٠]
أساتذة ابن حجر العسقلاني
تتلمذ الإمام ابن حجر على يد الكثير من الشيوخ والأئمة، منهم:[١١]
- شمس الدين ابن العلاف والي حسبة مصر.
- الفقيه والأديب صدر الدين محمد بن محمد بن عبد الرزاق السفطي.
- ناصر الدين محمد بن شمس الدين ابن القطان.
- الشيخ عفيف الدين عبد الله بن محمد بن محمد النشاوري.
- الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد الدمشقي الحريري المعروف بالسلاوي.
- الشيخ نجم الدين المرجاني.
- الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد الأميوطي.
أشهر مؤلفات ابن حجر العسقلاني
من أبرز مؤلفات ابن حجر العسقلاني ما يأتي:
- كتاب التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز: يُعد هذا الكتاب من الكتب القيمة جدًا لدى الباحثين والأساتذة في فروع علم الحديث الشريف؛ إذ يندرج ضمن نطاق علوم الحديث الشريف والفروع قريبة الصلة من علوم الفقهية، والسيرة النبوية، وغيرها من فروع الهداية والسنة النبوية.[١٢]
- كتاب تقريب التهذيب: يمتلك كتاب تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني أهمية خاصة لدى باحثي التراجم والشخصيات والأعلام؛ فهو يندرج ضمن نطاق مؤلفات التراجم وما يرتبط بها من فروع الفكر الاجتماعي والثقافة.[١٣]
- كتاب الإصابة في تمييز الصحابة: يُصنف هذا الكتاب كأحد أوسع المؤلفات في تاريخ الإسلام، وينطوي حول التمييز بين الصحابة، ومن منهم صحت صحبته ومن لم تصح، ومن كان موجودًا حقًا ومن لم يكن، ويصل مجموع تراجمه إلى 12446 ترجمة، أما عن سبب تأليف ابن حجر له فهو كثرة الخطأ في تتبع وتصنيف أسماء الصحابة التي صنفها أئمة علم الصحابة السابقين له في كتبهم العديدة، وقد اجتهد العسقلاني فيه كثيرًا فاستغرق في تأليفه أربعين عامًا.[١٤]
كتاب فتح الباري في شرح ابن البخاري
جاء هذا الكتاب اعتمادًا على كتاب الجامع الصحيح للبخاري، والمُتفق عليه باعتباره أصح كتاب للحديث النبوي بعد القرآن الكريم، ويُصنف كتاب فتح الباري كأحد دواوين الإسلام المعتبرة، وبمثابة سفر ضحم ومصدر علمي مهم لمُعظم الفقهاء وطلاب العلم، والمُجتهدين والمفتين، وقد استغرق ابن حجر في جمعه وتأليفه وإملائه وتنقيحه مدة تزيد على 25 سنة، ليجمع فيه شروح الأئمة السابقين حول كتاب صحيح البخاري، ويُبسطه ويُوضحه ويُبين مشكلاته، ومسائل الإجماع، كما بسط فيه الخلاف في الفقه، والتصحيح، والتضعيف، واللغة، والقراءات، واعتنى أيضًا بضبط الصحيح ورواياته وتوضيح الفروق فيها، ناهيك عن الفوائد، والفرائد النادرة، والاستطرادات الأخرى القيمة والنافعة، بحيث زادت موارد العسقلاني التي استعان بها عن 1200 كتاب من مؤلفات الأئمة السابقين له.[١٥]
أشهر أقوال ابن حجر العسقلاني
من أشهر أقوال ابن حجر العسقلاني ما يأتي:[١٦]
- ولو فتحتُ بابَ ثناء الأئمَّة عليه - يعني البخاري - ممَّن تأخَّر عن عصره، لفني القِرطاس، ونفذت الأنفاس؛ فذاك بحرٌ لا ساحل له.
- سئل ابن حجر: أي الناس أحسن قراءة؟ قال: الذي إذا سمعت قراءته رأيت أنه يخشى الله.
- لما حضر أبا عطية الموتُ جزع أبي حجر منه فقيل له أتجزع من الموت؟ فقال: وما لي لا أجزع! وإنما هي ساعة ثم لا أدري أين يسلك بي.
- رحلتُ وخلَّفتُ الحبيبَ بدارِهِ، برغمي ولم أَجْنَح إلى غيره مَيْلَا.
- أُشاغل نفسي بالحديثِ تعلُّلاً نهارِي، وفي ليلى أحِنُّ إلى لَيْلى.
وفاة ابن حجر العسقلاني
توفي ابن حجر العسقلاني بعد حياة حافلة بالعمل والعلم والإنجاز والدراسة، والمداومة على الخيرات وعمل الصالحات، وذلك في تاريخ 18/ ذي الحجة/ 852 هـ، بعد إصابته بمرض شديد استمر بملازمته أكثر من شهر، وأُقيمت له جنازة كبيرة لم يكن لها مثيل حينها.[١٧]
المراجع
- ↑ محمد اسحاق كندو، منهج الحافظ بن حجر العسقلاني في العقيدة، صفحة 10-41-27. بتصرّف.
- ↑ R Kevin Jaques, "Ibn Hajar", oxcis.ac, Retrieved 15-5-2021. Edited.
- ↑ شمس الدين السخاوي، الجواهر والدرر في ترجمو شيخ الإسلام ابن حجر، صفحة 107-121-122. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، الحافظ ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث، صفحة 37-38. بتصرّف.
- ↑ محمد اسحاق كندو، منهج الحافظ بن حجر العسقلاني في العقيدة، صفحة 55-56-57. بتصرّف.
- ↑ السيوطي، نظم العقيان في أعيان الأعيان، صفحة 13. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، الحافظ ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث، صفحة 150. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، الحافظ ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث، صفحة 174. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، الحافظ ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث، صفحة 193. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، الحافظ ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث، صفحة 209. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين السخاوي، الجواهر والدرر في ترجمو شيخ الإسلام ابن حجر، صفحة 121-122-123. بتصرّف.
- ↑ ابت حجر العسقلاني، "كتاب التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز المشهور بـ التلخيص الحبير"، مكتبة عين الجامعة، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2021. بتصرّف.
- ↑ ابن حجر العسقلاني، "كتاب تقريب التهذيب"، مكتبة عين الجامعة، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2021. بتصرّف.
- ↑ ابن حجر العسقلاني، "كتاب الإصابة في تمييز الصحابة"، مكتبة عين الجامعة، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2021. بتصرّف.
- ↑ ابن حجر العسقلاني، "كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري"، مكتبة الكتب، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2021. بتصرّف.
- ↑ "ابن حجر العسقلاني "، جود ريد، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2021. بتصرّف.
- ↑ ابن حجر العسقلاني، كتاب التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز المشهور بـ التلخيص الحبير، صفحة 23. بتصرّف.