ابن حزم الأندلسي

من هو ابن حزم الأندلسي؟

هو إمام وفقيه، وفيلسوف، وعالم في الحديث النبوي، وأحد أئمة المسلمين في عهد الدولة الأموية في قرطبة.

وهو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي نسبةً إلى مدينة قرطبة الأندلسية، ويُعد من أشهر أئمة الإسلام وأكثرهم معرفة بالمذاهب الدينية والفلسفية ذات الجذور العميقة المتشعبة عند علماء المسلمين، كما أنه من أبرز علماء الأندلس في عصره، ومن أفصح كتاب اللغة العربية في التشريع والفقه، رغم جهل الكثيرين بحياته الخاصة، وقد ألف كتبًا حول الشؤون الوجدانية، فأثارت مؤلفاته المتميزة ضجة في الدول الأوروبية والغربية، وغدت مقصدًا جذب الأدباء والناقدين المُستشرقين المُتعجبين من أن إمامًا مُتدينًا يُحتذى به بأدب النفس، ومتانة الخلق، فقد كتب حول المشاعر والحب الفطري في تفصيل جذاب وشيق ومُهذب في الوقت نفسه، ناهيك عن مؤلفاته المتميزة في مختلف المجالات الأخرى.^[١][٢]

مولد ابن حزم الأندلسي ونشأته

ولد ابن حزم في مدينة قرطبة في الأندلس بتاريخ 7-11-994 م، وترعرع في خلافة الدولة الأموية، وكان ينتمي لأسرة عريقة وبارزة تنحدر من سلالة يزيد بن معاوية الفارسي أو حكّام الأسرة الأموية في سوريا، وكان والده الإمام أحمد رجلًا مُتعلمًا يشغل منصبًا رفيعًا في عهد المنير وخليفته المظفر، مما جعل ابن حزم يحظى بتعليم متميز وحياة كريمة جعلت منه تلميذًا شغوفًا في ظل المحيط العريق الذي ترعرع فيه، لكن اختلفت حياته بعد موت المظفر وحدوث حرب دموية هزت استقرار الخلافة الأموية ووفاة والده ليستمر ابن حزم في دعم الخلفاء الأمويين، فتعرض للأسر والسجن أكثر من مرة لهذا السبب، فكان يُعبر عن آرائه ومُعتقداته من خلال أنشطته الأدبية التي جعلته مُثيرًا للجدل، وعرضته للكثير من الانتقادات، ونُبذ وشَهّر فيه الكثيرون بسبب آرائه السياسية ومعتقداته الدينية، كما أحرقت بعض مؤلفاته في الأماكن العامة، رغم ذلك لم تنطفئ شعلته ولا يزال محطًا للتقدير وعالمًا ومُفكرًا ومؤلفًا للعديد من الأعمال الأدبية المميزة، وأمضى ما تبقى من حياته في مدينة منت ليشم (ولبة الآن) بعد أن قضى وقتًا قصيرًا في جزيرة ميوركا.^[٢]

ثقافة ابن حزم الأندلسي وعلمه

يُصنف ابن حزم كأحد أبرز علماء قرطبة في الأندلس البارعين في علوم الحديث والفقه، فكان يستنبط أحكامه الشرعية بمهارة مُستعينًا بالقرآن والسنة النبوية، وعلى الرغم من أنه في البداية كان ينتمي إلى المذهب الشافعيٍّ، إلا أنه تخلى عنه وسار على المذهب الظاهري، ودرس وتثقف من جملة العلوم المتاحة في الأندلس، فشمل فكره وثقافته؛ الدين، وعلوم الكلام، والتاريخ، والحضارة، والسياسة، والأنساب، والفلسفة، والمنطق، والفقه وأصوله، والحب وغيره، وكان مُجتهدًا في طلب المعرفة حتى زهد عن زخارف الدنيا ومُلهياتها في سبيلها، فرغم أنه حصل على منصب الوزراة إلى أنه تخلى عنها واتجه نحو تأليف الكتب في العديد من المجالات العلمية والدينية؛ كالفقه، والمنطق، والأدب، واللغة، والتاريخ، فبلغ من العلم أشده وتشرب من مُختلف الفنون، وامتاز بغزارة مؤلفاته المتنوعة التي شملت 400 مُجلد، وضمت ما يزيد عن 80000 ورقة بقي منها الكثير، وفقد البعض منها.^[٣][٤]

فلسفة ابن حزم الأندلسي

تأثر ابن حزم بالفكر الفلسفي اليوناني الذي ساد في الأندلس في عصره، فحاول بناء فلسفة دينية وأخلاقية متكاملة اجتاحت الثقافة الغربية، وكان لها أثر بارز فيها، ورسم من خلالها للحب صورة متميزة في ظل الحضارة العربية الإسلامية تختلف عن صورته السائدة في الفكر اليوناني، ليعرض من خلالها نظريته الخاصة حول الحب وأبرز مفاهميها التي تتفق مع النظرية العامة له، كما شرح مفهومه وماهيته وعِلَله، ودرجاته وعلاماته، مُبينًا التغيرات التي تحدث بين طرفيه من المحب والمحبوب، وأثرها في النفس، لكن بإطار يضمن مراعاة الحدود الدينية والأخلاقية المرسومة ضمن الأعراف والنظم الاجتماعية السائدة، دون ترك جانب من جوانبه مُبهمًا بلا شرحه أو توضيحه، وبعيدًا عن الإحراج، وبجرأة معقولة لا تخدش حياء الدين والأخلاق.

وقدم بذلك نظرية متكاملة تمزج بين الفلسفة والاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث المأثورة عن الصالحين كدلائل، كما اعتمد على الاستقراء المدعّم بتجاربه الشخصية، فنال لقب فيلسوف الحب عند المسلمين بجدارة، إذ إنه لم يغرق بفلسفة الحب التجريدية، أو يقف على أطلال وحدود النظرة المثالية الأفلاطونية، بل اعتمد على الواقع البحت، والتجربة المنطقية، والحوادث المشهودة، والظواهر السلوكية المُستقرأة ليصل إلى استنتاجاته وأفكاره الفلسفية، فتجاوز الفلاسفة السابقين ممن تحدثوا عن الحب، وامتاز عنهم بدقة منهجه، وتسلسل أفكاره، واحتوائها على ملاحظات نفسية دقيقة وقيمة وخبرات حية مُستمدة من الأمثلة التاريخية الحقيقية، واشتمل كلامه في الحب على الالتزام بأوامر أهل المعروف الناهين عن المنكر، وهو ما يدعو له كل مؤمن يطلب العفة والجمال في حديثه، فكان يعلم ما يحويه الجمال من خير يوجه نحو الفضائل المرتبطة بالدين الذي ارتبط بالحب، مُحاولًا إبراز صورته الإيجابية النقية والخيرة، والتي تقابلها الصورة المنفرة القبيحة؛ ليظهر بذلك الفيلسوف العارف الخبير والمحلل السيكولوجي لنزعات ومدخلات النفس البشرية، وتميزت كتاباته بكونها علمية قائمة على البحث والاستقراء واستنباط الأحكام والقواعد العلمية أكثر من القواعد الأدبية، وأبرز مثال يشرح ويُبرز فلسفته المتميزة كان كتابه طوق الحمامة الذي اعتبر كنزًا ثمينًا ومصدر هامًا ومُلهمًا حول موضوع الحب، وقد تُرجم كتابه إلى عدة لغات عالمية.^[٥][٤]

أبرز أساتذة ابن حزم الأندلسي

تتلمذ ابن حزم على يد نخبة من الأساتذة المتميزين، أبرزهم:^[٦]

• أبي عمر أحمد بن محمد الجسور الذي علمه التاريخ والحديث النبوي.
• علي الفاسي.
• القاضي الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بن الجحاف المعافري الذي درسه الفقه والحديث.
• ابن وجه الجنة.
• ابن الفرضي الذي علمه العربية والحديث.

أبرز مؤلفات ابن حزم الأندلسي

من أبرز مؤلفات ابن حزم الأندلسي ما يأتي:

• الفصل في الملل والأهواء والنحل: يختص هذا الكتاب في دراسة الشرائع والأديان غير الإسلامية التي يُقارن ابن حزم الأندلسي بينها موضحًا الفروقات، ومنها: عبادة الكواكب والشمس، والنصرانية وعبدة حكام الهند وعبادة الأصنام وغيرها، بالإضافة إلى توضيع بعض الآراء للفرق الإسلامية ومذاهبها، ومنها الشيعة، والمعتزلة، والجهمية وغيرها، وامتاز ابن حزم بجرأته في النقد وثقافته الفكرية العالية وأسلوبه الفذ والفريد في المناقشة، واستناده إلى القرآن الكريم والسنة النبوية التي تتعلق موضوعاتها بالبديهيات والعقليات.^[٧]
• كتاب الإحكام في أصول الأحكام: يبحث هذا الكتاب في الأدلة الشرعية في الألفاظ والكلام وفي الأخبار وأحكامها، كما يعرض الأوامر والأمور المنهي عنها في الكتاب والسنة النبوية، ويتحدث في نهايته عن مبحث الإجماع، ومن جهة أخرى يعتبره البعض مرجعًا هامًا، خاصةً أهل السنة والجماعة في أصول الفقه؛ نظرًا لغناه بالأدلة المستمدة من القرآن والسنة النبوية وأخبار السلف الصالح.^[٨]

كتاب طوق الحمامة

يتطرق ابن حزم الأندلسي في كتابه هذا إلى سر عظيم من أسرار الوجود الذي خُلق بالفطرة الإسلامية، وهو الحب، ومن هنا يُبرز ابن حزم أصوله ويشرح أعراضه ونواحيه، ويُبين بعضًا من صفاته المحمودة والمذمومة بالإضافةِ إلى الآفات التي قد تجتاحه وتلازمه، ويُرفق في طيات كتابه بعض تجاربه وقصصه الشخصية التي عاين فيها الحب مُشيرًا إلى أبطاله، ويختم رسالته العظيم والقيمة التي حملها في هذا الكتاب بالحديث عن التعفف وعن قبح المعاصي ليُلم بذلك بمُختلف جوانب الحب، وأنواعه، وأشكاله.^[٩]

أشهر أقوال ابن حزم الأندلسي

من أشهر أقوال ابن حزم الأندلسي ما يأتي:^[١٠]

• لا آفة على العلوم وأهلها أضَرَّ من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويُقدّرون أنهم يصلحون.
• وما هلكت الدول ولا هلكت الممالك ولا سفكت الدماء ظلمًا، لا هتكت الأستار، بغير النمائم والكذب.
• العاقل لا يرى لنفسه ثمنا إلا الجنة.
• المخلص من إذا عمل خيرا لا يهمه أن يحمده الناس.
• وإن الشيء ليتضاعف حسنه في عين مستحسنه.

وفاة ابن حزم الأندلسي

توفي ابن حزم الأندلسي في منت ليشم المعروفة باسم مونتيخار (ولبة) قرب مدينة إشبيلية بتاريخ 15-8-1064 م عن عمرٍ يُناهز 70 عامًا مُخلفًا وراء مؤلفات عظيمة حظيت باحترام واهتمام الكثير من النقاد والأدباء العرب والغربيين من بعده.^[٢]