من هو ابن قيم الجوزية؟
هو مُفسر نحوي، وفقيه، ومحدث، وعالم نابغ في أصول الدين الإسلامي والحديث النبوي في عهد المماليك.
وهو أبو عبد الله شمس الدين بن محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حزير الزرعي الدمشقي الحنبلي، ويُشتهر بابن القيم الجوزية، أما عن تسميته بابن قيم الجوزية فذلك تبعًا لوالده الذي لقب بقيم الجوزية نسبةً لمدرسة الجوزية التي كان قيّمًا عليها، والتي كانت من أعظم مدارس الحنابلة في دمشق، والمنسوبة بدورها لواقفها الإمام عبد الرحمن القرشي ابن الجوزي، فتبعت شهرة قيم الجوزية أبناءه وأحفاده من بعده ولازمتهم، ومن جهة أخرى يعد الشيخ ابن قيم الجوزية من أبرز الفقهاء الأصوليين، والمفسرين النحويين والعارفين في مختلف علوم الدين الإسلامي، والقرآن الكريم والسنة والحديث النبوي، واشتهر بتصانيفه ومؤلفاته الغزيرة في مختلف المعارف والفنون.[١][٢]
مولد ابن قيم الجوزية ونشأته
ولد ابن القيم الجوزية في دمشق في تاريخ 7-صفر-691 هـ، والموافق 28-1-1292م، وكان والده قيم الجوزية رجلًا فاضلًا ذا علم ونباهة وشأن رفيع، كما كان آله وأسلافه مثالًا لحُسن الخُلق وعلوّه وكرمه، الأمر الذي أثر على نشأة ابن القيم الذي كان يتنقل في رحاب العلم بين أفراد أسرته العظماء إلى المدرسة الجوزية ومُختلف المدارس والجوامع الأخرى المفتوحة لطلاب العلم في دمشق، فضلًا عن ذكائه النادر وعقله الفطن الذي ميزه الله به، كما كان بدوره طيب السيرة حَسن الخُلق واسع الأفق، مُنكبًا على العلم والمعرفة والصلاح، وكثير العبادة والتهجد لله، وحَسَن القراءة والسلوك، تغلب عليه فطرته السمحة، وأخلاقه الفاضلة، وحبه للخير.[٣]
ثقافة ابن القيم الجوزية وعلمه
لازم ابن القيم الجوزية الشيخ تقي الدين ابن تيمية فتعلم منه مختلف علوم الإسلام، كما تفقه في المذهب الحنبلي، وبرع فيه وأفتى، وعَرف في التفسير ما لم يُجاريه فيه أحد، فتوسع في معرفة معاني القرآن والسنة واستنبط حقائق الإيمان منهما، وتميز في أصول الدين والفقه، وطال فيه فأجاد تقريره وتدريسه، كما برز في اللغة، والنحو، وعلوم الكلام، ناهيك عن تشربه، واطلاعه على علوم السلوك، وكلام أهل التصوف، كما برع في مختلف الفنون، وعُني بالحديث ومُتونه وعَرف بعض رواته، كما كان زاهدًا مُتعبدًا ومُتهجدًا يُطيل الصلاة لينال غايتها القصوى، وكان كثير الذكر شغوفًا بالمحبة والاستغفار والتضرع إلى الله رغم محنته وتعرضه للأذى وسجنه في القلعة.[٤]
فلسفة ابن القيم وتعارضه
جاءت أفكار ابن القيم الفلسفية المعارضة للتصوف في مسائل عدة، أبرزها أن الزهد لا يعني ترك الدنيا بما فيها من يد المرء، وإنما تركها من قلبه ووضعها في يده، أي بما معناه أن كل ما امتُنِع عقليًا وحسيًا يكون مُحرمًا شرعيًا، وأن رفض الأسباب كليًا يعد انسلاخًا من العقل والدين، ومنع الأسباب من أن تكون أسبابًا يقدح العقل والشرع، وبالمقابل فإن القيام بها، وتنزيل منازلها، والنظر في مسببها، وعدم القيام به يجمع بين التوحيد والشرع والقدر.
وهنا كان يقع الالتباس بين القضاء والقدر، وحرية الإرادة، وكيفية التوفيق بينها وبين الوعد والوعيد في الآخرة، فجاءت مبادئ ابن القيم التي تتوافق مع معلمه ابن تيمية وأهل السنة والحنابلة الذين لا يختلفون فيما بينهم حول الشرع، ولخص ابن قيم مسألة القضاء والقدر بأن هناك حكمة ربانية عظيمة في كل ما خلقه الله وأمر به أن يكون، وأن الخير يأتي من عند الله أما الشر فهو من عباده، كما فسر مذهبه المحبة التي تحل جميع المشاكل السابقة، والتي هي الغاية المطلوبة من الخَلق، والقائمة على العبادة، والتي هي كمال محبة الله تعالى، والتي توجب بدورها على العبد حب الله عز وجل
ويزيد في ذلك أن محبة الله أقوى سبب تدفع العبد للصبر وتجنب المعصية، وتقوي قلبه وإرادته وتوصله إلى رضا الله والفوز بالجنة، كما أن المحبة التي لا تصلح إلا لله فهي محبة العبودية وتلزم صاحبها الذل والخضوع الذي لا يليق بشخص ولا يُستحق إلا لله، وهنا يطعن ابن القيم التصوف والمتصوفة المتزمتين ويسفه طريقهم، ويبطل غاياتهم وأقوالهم بالاتحاد، والفناء، من خلال مناقشاته المنطقية لأئمتهم البارزين ورده عليهم في العديد من كتبه ومؤلفاته الغزيرة.[٥]
سجن ابن القيم الجوزية
اعتقل ابن قيم الجوزية برفقة إمامه ومعلمه ابن تيمية والمزيد من أصحابهم، وأطلق سراح بعضهم، وذلك في شعبان عام 726 هـ، وسجن مع معلمه في دمشق في القلعة، وكان ذلك بسبب فتاوي تخص مسألة الطلاق، ونهي السفر في سبيل زيارة قبور النبيين، والتي اعترض عليها الكثيرون وكفرهما البعض منهم لتكبر المسألة ويزداد الجدل فيها، وخلال السجن توفي شيخه العظيم ابن تيمية، وأفرج عنه بعدها، ولم يتأثر عزمه وعلمه بسجنه بل انشغل خلاله بتلاوة القرآن الكريم والتفكر والتدبر، لتنفح علومه وآفاقه المعرفية أكثر، ويغوص في علوم أهل المعارف وغوامضهم وينتفع منه بسبب كثرة كلامه معهم حينها.[٦][٤]
أبرز شيوخ ابن القيم الجوزية
تتلمذ ابن القيم على يد مجموعة من الشيوخ والفقهاء، ومنهم:[١]
- الشهاب النابلسي العابر
- القاضي تقي الدين سليمان المعروف بابن تميمة.
- عيسى المطعم.
- أبي بكر بن عبد الدايم.
أبرز مؤلفات ابن قيم الجوزية
من أبرز مؤلفات ابن قيم الجوزية ما يأتي:
- كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: يهتم هذا الكتاب بمعالجة قضايا النفس البشرية وأدوارها، ويخط طريق إصلاحها وتزكيتها، مُبينًا بين طياته معنى المعصية وأسبابها وتأثيرها على النفس والمجتمع، وأضرارها في الدنيا والآخرة، واستلهم في توجيهاته من القرآن الكريم والسنة النبوية لإصلاح النفوس والمجتمع بدقة وموضوعية، وبخبرة ومعرفة ابن القيم الذي يعرف مكنونات النفس البشرية وطبائعها وميولاتها، فحدد أسباب الداء الذي أصابها، ووصف لها الدواء الملائم من خلال أحكام الشريعة الإسلامية وفضائها.[٧]
- كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: يعرض ابن قيم في هذا الكتاب أمراض النفس البشرية ويصف علاجها، ويوضح المكائد التي يكيدها الشيطان للإنسان، وهناك عدة أسماء اشتهر بها هذا الكتاب، منها: الإغاثة الكبرى، ومصائد الشيطان، واختصره عبد الرحمن أبو بطين في كتابه مختصر إغاثة اللهفان، وغيره من الاختصارات. [٨]
كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
يصنف هذا الكتاب كواحد من أفضل كتب ابن القيم، نظرًا لمساهمته العظيمة في تهذيب النفوس والأخلاق، والتأدب بآداب المُهتدين والمتقين ممن طابت نفوسهم بتقوى الله، ليتحقق بفضله صفاء الأرواح، وتقوى النفوس وتهذيبها، كما نبه ابن القيم في كتابه إلى أن كمال الإنسان إنما هو بالعلم النافع، والعمل الصالح اللذان يقودانه إلى الهدى ودين الحق بالتزامن مع توصيته باتباع الحق والصبر عليه، والذي يتمثل بالإيمان والعمل، وبالإقبال على القرآن، وتفهمه، وتدبره، واستخراج كنوزه وآثارهن فهو الذي يتكفل بمصالح العباد، ويقودهم إلى سبيل الرشاد.[٩]
أشهر أقوال ابن قيم الجوزية
من أشهر أقوال ابن قيم الجوزية ما يأتي:[١٠]
- إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.
- من عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه، وقره الله في قلوب الخلق أن يُذِلوه.
- المخلوق إذا خفته استوحشت منه وهربت منه، والرب تعالى إذا خفته أنست به وقربت إليه.
وفاة ابن قيم الجوزية
توفي ابن قيم الجوزية في ليلة الخميس 23- رجب- 751 هـ، الموافق 15-9-1350 م، عن عمر يُناهز 58 عامًا، ودفن في مقبرة الباب الصغير في دمشق بعد أن صلي عليه في جامع الجراح وشيعت جنازته التي حظرها ورثاه فيها الكثيرون.[١١]
المراجع
- ^ أ ب ابن رجب، ذيل طبقات الحنابلة، صفحة 445-446. بتصرّف.
- ↑ بكر عبد الله أبو زيد، ابن قيم الجوزية، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ بكر عبد الله أبو زيد، ابن قيم الجوزية، صفحة 25-44. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن رجب، ذيل طبقات الحنابلة، صفحة 446. بتصرّف.
- ↑ عبد الله حسين، التصوف والمتصوِّفة، صفحة 34-35-36-37. بتصرّف.
- ↑ مصطفى عبد الرازق، فيلسوف العرب والمعلم الثاني، صفحة 86. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين ابن قيم الجوزية، "كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"، فولبوك، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2021. بتصرّف.
- ↑ ابن قيم الجوزية، "كتاب إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان"، فولبوك، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2021. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين ابن قيم الجوزية، "كتاب مدارج السالكين "، فولبوك، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2021. بتصرّف.
- ↑ "اقتباسات من كتاب الفوائد لابن قيم"، جودريد، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2021. بتصرّف.
- ↑ ابن رجب، ذيل طبقات الحنابلة، صفحة 448. بتصرّف.