جابر بن حيان

من هو جابر بن حيان؟

عالم كيميائي وفيلسوف من العصر العباسي.

وهو أبو موسى جَابر بن حيّان بن عبد الله الكوفي، لُقب بالصوفي، وهو عالم كيميائي مُسلم يرجع له الفضل في توضيح التحايل الذي كان يحاصر علم الكيمياء، فقد كان موضوعًا خاليًا من البحث العلمي وقائمًا على الشعوذة والدجل، فاشتهر جابر عند الإفرنج، تبعًا لما نُقل وأرخ عنه من كتب في بدء يقظتهم العلميّة، ليغدو فيما بعد من أبرز الكيميائيين في العالم، إذ إن له سلسلة من الاكتشافات، ومجموعة كبيرة من المؤلفات يُقال أنها تُقارب الخمسمائة كتاب، لكن فُقد وضاع بعضها وبقي ما ترجم منها إلى اللاتينيّة، مما جعل شخصيته ومؤلفاته الزخمة مصدرًا للجدل.^[١][٢]

مولد جابر بن حيان ونشأته

اختلف المؤرخون حول مكان ولادة جابر بن حيان، فذكر البعض أنه ولد عام 721 م، في طوس وهي إحدى مدن خراسان، وأنه من نسل البرامكة التابعين لمجوس الفرس، وقال آخرون أنه عربي الأصل من قبيلة الأزد من اليمن، إذ عاش والده في مدينة الكوفة في العراق، وكان عطارًا، ثم ذهب إلى مدينة طوس وولد ابنه جابر فيها، ثم عاش واستقر بعدها في الكوفة.^[١][٣]

ثقافة وعلم جابر بن حيان

أبحر جابر بن حيان في مُختلف أنواع البحور والمعارف الموجودة في عهده، فأخذ علومه عن كبار العلماء، بالإضافة لقراءة وتصفح كتب الكيمياء والسيمياء، وبعض كتب اليونان، والهنود، والفرس، والسريان، واليهود، كما امتاز بأنه قوي العقل شديد الذكاء، مما ساعده بالتعرف على الصناعة واستخلاص زبدتها، كما بحث في النجوم، وفي علوم النباتات ومُختلف أنواع العلوم الطبيعيّة الأخرى، وألف عن علومه العديد من الكتب بعضها في أوروبا وبعضها في مكتبة الأستانة، والتي يُقال بأنها تُشبه الألغاز، ولا يُمكن فك شيفرتها وفهمها إلا في حال إحاطة الباحث وعِلمه بجميع ما ورد فيها، ومن جهة أخرى في دراسة المعادن يرى جابر أن للمعدن نفسًا وجسدًا وصفات ظاهرية، وأخرى باطنية، فعلى سبيل المثال في حال علاج الرصاص وزيادة بعض خواصه وإنقاص بعضها الآخر، انقلب الرصاص ذهبًا، كما اشتملت دراساته ورسائله علم ما وراء الطبيعة، وكلامًا على الجسم والنفس، بالإضافة إلى احتواء بعضها على خُلاصة في علم الطب والتشريح، ودراسات عن المخ والرأس والأعصاب والقوة العقلية الحافظة والمفكرة، ليغدو جابر فيما بعد من الأعلام المُسلمين النابغين ممن ذاع سيطهم في العالم الغربي وفي دول أوروبا وأصبحت كتبه ومؤلفاته تحظى باهتمام علماء الإفرنج، فمدحوه وأثنوا عليه وعلى أعماله.^[٤][٥]

أبرز إنجازات جابر بن حيان العلمية

يرجع الفضل لابن حيان في العديد من الإنجازات العلميّة، أبرزها ما يأتي:

اكتشافات جديدة في مجال الكيمياء

لخص جابر ابن حيان مُعظم ما وصل له من اكتشافات وإنجازات أسست لعلم الكيمياء وخدمته وساهمت في بنائه على مر العصور من خلال موسوعة علميّة من تأليفه تضم خلاصة ما وصل له علم الكيمياء عند العرب وقتها، وأدرج في كتبه المركبات الكيميائيّة التي كانت مجهولة قبله، كما أنه أول من استخرج حمض الكبريتيك وأسماه زيت الزاج، وأول من استحضر ماء الذهب عبر تطوير الأكوا ريجيا لإذابة الذهب، واكتشف الصودا الكاوية، والعديد من المركبات الأخرى، مثل: كربونات البوتاسيوم، وكربونات الصوديوم، ودرس خصائص مركبات الزئبق واستحضارها، وكان أول من وصف أعمال التقطير، والتبلور، والتذويب، والتحويل، والتكلس، والتسامي، والتبخر، وتخليص الأحماض مثل: أحماض الهيدروكلوريك، والخل، والسيتريك، والطرطريك، بالإضافة لتحضير معادن مختلفة، وتطوير الصلب، ودباغة الجلود، وصبغ القماش، وطلاء القماش المقاوم للماء، وصناعة الزجاج باستخدام ثاني أكسيد المنغنيز، وتحديد الدهانات والشحوم، ومنع الصدأ، وغيرها من التجارب الكيميائيّة التي لم يسبق أن قام بها أحد من قبله، واقترح لاحقًا تصنيفًا بضم ثلاث فئات للعناصر الطبيعية، وهي: العناصر التي تتبخر عند التسخين، والمعادن مثل: الفضة، والذهب، والحديد، والنحاس، والرصاص، والأحجار الممكن تحويلها إلى مسحوق، فكانت تسمياته بوابةً انطلقت منها تصنيفات أكثر حداثة للعناصر الكيميائيّة.^[٣][٦]

قدم تصنيف مُختلف للعلوم

قسّم ابن حيان العلوم على خلاف تقسيم الفيلسوف أرسطو لها إلى علوم دينيّة وعلوم دنيوية، إذ قسم العلوم الدينية إلى علم شرعي له قسمان: العلم الظاهر والعلم الباطن، وعلم عقلي ينقسم إلى علم المعاني وعلم الحروف الذي يتجزأ إلى طبيعي وروحاني، بينما علم المعاني ينقسم إلى العلم الإلهي والعلم الفلسفي ويضم بدوره علوم الطبيعة، والنجوم والهندسة، والحساب والهندسة، بينما عِلْم الباطن الروحاني (الإلهي) يقسم إلى عِلْم نوراني وعلم ظُلْمَانِي، أما عن العلوم الدنيوية التي يُعنى بها الكيميائيون والباحثون فقُسم إلى علم وضيع وعلم شريف وهو الذي يُعبر عن علم الصنعة؛ أي الكيمياء بفروعه المختلفة، بينما العلم الوضيع فيُعبر عن أقسام العلوم أو الصنائع الأخرى الكثيرة التي تخدم بدورها الكيمياء.^[٧]

الفلسفة الكونية والكيميائيّة

تبنى جابر العديد من الأفكار التي تدور حول الفلسفية الكونية، ومنها ما يأتي:

• قسّم العناصر الكونية الأولية إلى أربعة، وهي: الحرارة، والبرودة، واليبوسة، والرطوبة، والتي طرأت عليها حركة وسكون مما أحدث تركيبات متنوعة منها، بالتزامن مع مبدأ الكميّة الذي دخل في عملية امتزاحها، كزيادة اليبوسة وقلة الحرارة وبهذا تكون مراجل الوجود هي الكيفيات، ثم الحركة، ويليها السكون وأخيرًا الكميات.^[٨]
• اتحاد العناصر الأولية أوجد تقسيمة رباعية جديدة، إذ إن اتحاد الحرارة مع اليبوسة أوجد النار، واتحاد الرطوبة مع الحرارة أوجد الهواء، بينما نتج عن اتحاد الرطوبة والبرودة الماء، وعن اتحاد اليبوسة والحرارة تشكلت الأرض، ورتب العناصر الجديدة تنازليًا بدءًا من النار التي يقابلها فصل الصيف، ثم الهواء الذي يمثل الربيع، والماء يعبر عن الشتاء، وأخيرا الأرض تدل على الخريف، كما ربط تلك العناصر بتقسيم جسم الإنسان والأمراض التي قد تصيبه وعلاجها وغيرها من التقسيمات الأخرى التي يرجع أصلها للعناصر الأولية وما اشتق عنها.^[٩]
• يُمثل الفلك في وجهة نظر ابن حيان الإطار الخارجي للكون، وجُرمه هو ما يملأ هذا الإطار، وهنا يزعم أن الإطار الخارجي للكون يتألف من العناصر الأولية السابقة وهي اليبوسة والحرارة والبرودة والرطوبة، والتي تتركب الأشياء الأخرى بشتى أنواعها بالاعتماد عليها.^[١٠]

إدخال المنهج التجريبي لعلوم الكيمياء

كان ابن حيان يتحيّز بشدة ويحذو حذو المنهج التجريبي القائم على البحث والاستقراء والتجربة كما تبناها البحث العلمي الحديث، وأوضح ذلك في العديد من كتبه مُشيرًا لضرورة استنباط العلوم والمعارف ثم شرحها بعد أداء التجربة ورؤية النتائج المُطلقة بعين الباحث، لا بالاعتماد على الأقاويل التي سمعها أو ما قرأه في صحائف القدماء، ويتجلى منهجه في معمله الذي عُثر عليه بالكوفة في ناحية بوابة دمشق، والذي استخدم فيه المنهج التجريبي خلال دراسته وبحثه وأدخله في علم الكيمياء.^[١١][١٢]

أشهر أساتذة جابر بن حيان

من أشهر معلمي وأساتذة جابر بن حيان الإمام جعفر الصادق،^[١] كما أنه تتلمذ في اليمن تحت وصاية العلامة الحربي الحميري.^[٣]

أشهر مؤلفات جابر بن حيان

من أشهر مؤلفات جابر بن حيان ما يأتي:^[٣]

• كتاب الزهرة: ويتحدث فيه ابن حيان عن فن الخيمياء النبيل (الكيمياء)، وأهدى هذا الكتاب إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد.
• كتاب الأحجار: كتب جابر بن حيان هذا الكتاب بشيفرة غامضة وغير مفهومة بوضوح، إذ لا يفهمها إلا أولئك الذين بدأوا في مدرسته للكيمياء.
• كتاب الكيمياء.
• كتاب السبعين كتابًا.
• كتاب الرحمة الكبير.
• كتب المائة واثنا عشر كتابًا.
• كتب الموازين.
• كتاب الخمسمائة كتاب.

كتاب الخواص الكبير

وهو عبارة عن مخطوطة ذكر فيها ابن حيان مجموعة من شروحات ومفردات علم الخواص للعناصر والمعادن، ويُراد بكلمة خاصية جميع ما يُميّز ويشمل الأشياء وانقساماتها، وظواهرها، المسموع منها، والذي يمكن شمه أو تذوقه، أو رؤيته أو غيره، وتوجد هذه المخطوطة الأثرية في متحف في بريطانيا.^[١٣]

أشهر أقوال جابر بن حيان

من أشهر أقوال جابر بن حيان ما يأتي:^[١٢]

• فمن كان دربًا كان عالمًا ومن لم يكن دربًا لم يكن عالمًا، وحسبك بالدربة في جميع الصنائع أن الصانع حق الدرب يَحِذق، وغير الدرب يَُعطل. (والمراد بالدرب هو التجربة).
• التجربة محك مُعتمد، لكنها وحدها لا تكفي، إنما تأتي صنعة الكيمياء بالعوامل الثلاث معًا: العلم، والعمل، والتجربة.
• لا عمل إلا بعِلم قبله يتقدمه، فاعرف ذلك واعمل عليه وإياك وإهماله، فليس كل يمكن العمل والتجربة لترى الرد فيما نقوله لك، ولكن اتعب أولًا تعبًا واحدًا واجمع وانظر واعلم ثم اعمل.

وفاة جابر بن حيان

عانى جابر بن حيان كباقي الكيميائييين العاملين بهذا العلم في عصره من الاضطهاد والمصاعب، وذكر أنه نجا من الموت عدة مرّات، وقاسى من نَقم وحسد الكثيرين له على علمه ومعرفته، ومن انتهاك الجهلاء لحرمته ومكانته، كما أنه اضطر إلى الإفضاء ببعض أسرار الصناعة إلى هارون الرشيد وإلى يحيى البرمكي وابنيه الفضل وجعفر مما ساهم في غناهم وثروتهم، واضطر جابر بن حيان أن يهرب إلى الكوفة خوفًا على حياته، ويُشار إلى أن وفاته مشكوك فيها وقيل إنه توفي سنة ١٦٠ ﻫ/٧٧٦-٧٧٧ م، لكن يُحتمل أنه عاش بعدها مدة أطول.^[١٤][١٥]