من هو ليوناردو دافنشي؟
هو رسام، وفنان، ونحات، ومهندس معماري، ومُخترع من عصر النهضة في القرنين الخامس والسادس عشر الميلادي.
وهو ليوناردو بييرو دافينشي، فنان ومُخترع إيطالي الأصل، يُعد عبقري عصره، فقد أحاط بجملة العلوم، والتجارب، والفنون، والموسيقى، والمعارف بشتى مجالاتها، وغدا رسامًا خلدت أعماله في أشهر المتاحف العالميّة، ونحاتًا بارعًا صقل بيده أشهر التماثيل، كما كان مُخترعًا لا يكل ولا يمل من التجارب الجديدة، من الطائرات لآلات الحرب العسكرية، إلى علوم الأحياء والطب والتشريح، وإلى الموسيقى، فشخصيته التاريخية تركت أثرها على مر العصور.[١][٢][٣]
مولد ليوناردو دافنشي
ولد ليوناردو دافنشي في مدينة أنشيانو التي تقع في جمهورية فلورنسا (إيطاليا الآن) بالقرب من بلدة فينشي (المنسوبة له)، في تاريخ 15-4-1452م، وكان الطفل غير الشرعي لوالده بييرو دا فينشي كاتب العدل، أما والدته فتُدعى كاترينا.[٢][٤]
ثقافة ليوناردو دافينشي وتعليمه
التحق ليوناردو بالمدرسة الابتدائية، وتلقى التعليم الأساسي كأسلافه، والذي شمل القراءة، والكتابة، والحساب، لكنه لم يدرس اللغة اليونانية بجدية، كما أنه اكتسب المعرفة بالتعليم الذاتي، وكان لا يُكمل دراسته في مجال أو تخصص معين إلا ويتركه، عدا الرسم، فاصطحبه والده ليتدرب على يد الفنان أندريا دل فروكيو الذي كان رسامًا معروفًا، وفي يوم أوكل فروكيو لليوناردو مهمة صورة ليرسمها، فكانت صورته مميزة وأفضل من صورة معلمه فروكيو الذي تعجب من براعته وعبقريته الفذة، وذاعت شهرة دافنشي الذي بقي برفقة معلمه مدة 5 سنوات، قُبل خلالها في نقابة الرسامين في فلورنسا.
وخلال هذه المرحلة أنتج لوحات وأعمال مميزة، شملت الأجهزة الميكيانيكية، والمضخات، والأسلحة العسكرية، وغيرها من الأدوات التي تدل على ثقافة ومعرفة ليوناردو الواسعة، من ثم طلبه الدوق سفورتسا لخدمته في ميلان، فقضى هناك 17 عامًا وأدخل في سجل العائلة الملكية كرسام ومهندس الدوق، وحظي بالكثير من التقدير والاحترام، وعمل كرسام، ونحات، ومصمم لمهرجانات البلاط، وكمستشار تقني في مجالات الهندسة المعمارية، والميكانيكية، والمسائل العسكرية، والحصون، وعمل خلال هذه المدة على أشهر لوحاته، ومنها مذبح الكنيسة، والعشاء الأخير، وأقام ورشة عمل فنية وظف فيها العديد من الطلاب والمتدربين، من ضمنهم أندريا سولاري، وجيوفاني أنطونيو بولترافيو، وغيرهم، وبعد مدّة غادر مدينة ميلان، وانضم إلى ملك فرنسا فرنسيس الذي أحبه وحظي بمكانة خاصة ومميزة لديه، واعتنى به عندما مرض، فكان يحنو عليه حتى توفي ورأسه بين يديه.[٣][١]
الفلسفة الإبداعية لليوناردو دافنشي
تُمثل فلسفة ليوناردو دافنشي الطبيعية والفطرية تيارًا من الوعي والإلهام المُستمد من التفكر في العالم والتأمل بالطبيعة مُستخدمًا الحواس، فهو يرى أن هذا المنظر للعالم الطبيعي هو شيء يجب التعلم منه وملاحظته، أما من حيث كيانه ومنهجه الفلسفي فقد تأثر بعمق بالفلسفة الأرسطية التي كانت قوة تدفعه وتشحذ رغبته في الإبداع، فضلًا عن نشأته في وسط ازدهرت فيه النهضة الإيطالية، وفُهمت القدرات البشرية أكثر، وبرز مصطلح الإنسانية، فقدمت له العصور اليونانية القديمة الإلهام بالتزامن مع تقدم الفنون والعلوم في عصر النهضة الحديثة في القرن الخامس عشر، أما فلسفة أرسطو فهي المصدر المباشر الذي ألهم فنونه واختراعاته، ففهم جيدًا آراء أرسطو حول التجريب والملاحظة كإطار لعمله الإبداعي، وكانت الثقة في حواس الإنسان وقوة التأمل أمرًا مهمًا للرجل وعمله بنظره، وعامل يُفسح المجال لآثاره الأبدية التي تظهر على الفنون، ومن جهة أخرى كان ليوناردو يُقارن بين الإنسان القاصر والطبيعة التي تمثل الكمال، فيُكن احترامًا خاصًا للطبيعة، وينتقد بدوره الأشخاص الذين لا يعترفون بأهميتها، ويرونها مجرد وسائل الراحة للبشرية فمثلًا ينظر إلى الأشجار كأعمال فنية تحمل قيمة الجوهرية مُتفردة تزين بها نفسها.[٥]
مساهمات ليوناردو دافينشي العلمية المختلفة
قدّم دافينشي العديد من المساهمات في مجالات علمية مُختلفة، أبرزها ما يأتي:
الرياضيات والهندسة الميكانيكية والحربية
من أبرز مساهمات دافينشي في مجال المعدّات الحربية، والأدوات الميكانيكية، والهندسة، والرياضيات على سبيل الذكر لا الحصر ما يأتي:[٦][٤]
- العربة ذاتية الدفع: رسم ليوناردو نموذجًا لسيارة بدائية تسير بقوة الزنبركات، بحيث يُلف الزنبرك، وتنطلق السيارة التي تعمل بنظام الفرامل، وكانت المادة الأساسية المصنوعة منها في عصره الخشب.
- المدفع الرشاش: وهو قادر على ضرب 12 قذيفة، كما أنه خفيف الوزن، وقابل للدوران في الوقت نفسه، يعمل برص المدافع على شكل مروحي يتيح مجالًا أوسع وأدق للإصابة.
- الفارس الآلي: صمم دافنشي اختراعه هذا عام 1495م، وينظر له المؤلاخون كأول محاكاة بشرية بين الإنسان والآلة، وكان الاختراع على هيئة محارب يرتدي الدروع الإيطالية، وقادر على التلويح بذراعيه، وتحريك رأسه، وفكيه، والجلوس، واحتوى الفارس على نظامي تحكم رباعي وثلاثي للتحكم بهيكل الرجل الآلي.
الطب والتشريح
لم يقتصر علم دافينشي وإبداعه على الفنون والاختراعات، بل تطرق إلى الطب وعلم التشريح، وكان تشريحه ورسوماته الأولية لحيوانات؛ كالثيران والطيور وغيرها، إضافة لصور بشرية تمثيلية غير دقيقة، ومن ثم عمل على مشروع لتشريح الجثث الحقيقية بمساعدة صديقه البروفيسور مارك أنتونيو ديلا توري، لكنه توفي بداء الطاعون في عام 1511م، فتخلى دافنشي عن مشروعه العظيم، والذي أراد من خلاله معرفة كيفية بناء الجسم وعمله، وطبيعة الإحساس والمشاعر، وطريقة التعبير عنها، فقدم رسومات دقيقة للعضلات والأعصاب والأوعية، واكتشف بأن الأخلاط لا توجد في ثلاث بطينات دماغية، وأن القلب هو جوهر نظام الدم وليس الكبد، وكان أول من وصف تصلب الشرايين والتليف الكبدي، وصنع نموذجًا للشريان الأورطي الزجاجي لدراسة تدفق الدم عبر الصمام الأبهري، واستخدم الشمع المصهور لتحديد البطينات الدماغية التشريحية واستعان بالماء الذي يحتوي على بذور الحشائش لمراقبة أنماط التدفق، كما قدم تعليقات وشروحات واضحة، لكنه لم يُقدم على نشر أوراقه ورسوماته؛ ربما بسبب استهجان التشريح البشري حينها، والخوف من اعتراض الكنيسة عليه.[٧]
مجال الأدب والفن
قدّم ليوناردو دافينشي العديد من اللوحات المميزة خلال حياته المهنية ومسيرته الفنيّة، ولم يُكمل بعضها، ومن أشهر لوحاته ما يأتي:[٣]
- الموناليزا: وتعرف أيضًا بالجيوكندة، وهي صورة لسيدة رسمها ليوناردو دافينشي وأمضى في رسمها 3 سنوات قبل أن يُتمها؛ إذ كان يكتشف في هذه المرأة كل يوم معنى وسمة مميزة أراد تصويرها في لوحته، وقال المؤرخون أنه أحبها، وقد احتفظ بالصورة حتى مماته، وتوجد هذه التحفة الفنية الآن في متحف لوفر في مدينة باريس.
- إنسان فيتروفيان: صوّر ليونادو في لوحته جسم رجل يقف أولاً في مربع ثم بقدم وأذرع في دائرة، فقدمت اللوحة مثالًا مميزًا للطريقة التي تندمج بها دراسات دافنشي التي ركزت على التناسب بين الأهداف الفنية والعلمية، ومحاولته المستمرة لربط الإنسان بالطبيعة.[٨]
مجال الطيران
كان دافنشي من أشد المهتمين في مجال الطيران، ورسم العديد من المخطوطات عن الطيور، ونماذج وأشكال لعدة وسائل طيران، وهي:[٩][٢]
- طائرة الهليكوبتر: صنعت هذه الطائرات عام 1940 م، لكن دافينشي رسم لها شكل بدائي وضع فيه تعليمات وطرق تشغيل لهذا الاختراع، فكانت طائرته الخاصة مصنوعة من الكتان وأعواد القصب؛ إذ لم يكن المُحرك موجودًا حينها، وعقب على اختراعه أنه في حال صنع هذه الآلة مع مروحة تدور جيدًا فإنها ستنتج دوامة هوائية قادرة على رفعها في الهواء.
- الطائرة المُجنّحة: وضع دافنشي رسومات توضيحية لطريقة عمل الطائرات المُجنّحة الشبيهة بالوطواط، فكان الطيار يجلس في آلته الغريبة على سطح خشبي ويتحكم بالطائرة بدواساتين أسفل قدميه بحركة متناوبة.
- الباراشوت: رسم دافينشي المظلات، وأوضح الطريقة المثالية لاستخدامها في عام 1483م، مُشيرًا في رسوماته إلى أنه في حال تواجد خيمة كتانية يصل طوالها إلى 11 مترًا تقريبًا لكل جانب، ووصل ارتفاعها 11 مترًا، فإنها ستكون قادرة على حمل الشخص من أي ارتفاع دون أن تسبب أذيته، وجاءت المظلة الذي استخدمه سبيستيان ليونورماند في عام 1793م الذي سبقه فيه ليوناردو، ومن ثم استخدمت مظلة دافينشي للطيران في عام 2000 م كما وصفها تمامًا على يد البريطاني أدريان نيكولاس الذي هبط فيها على الأرض بهدوء وسلام.
مؤلفات خالدة لليوناردو دافينشي
ألّف ليوناردو دافينشي وكتب العديد من المسودات والمذكرات التي جُمعت أعماله بعد وفاته، وأبرزها ما يأتي:
- كتاب الأعمال الأدبية لليوناردو دافنشي: يُعرف أيضًا بمسودات ليوناردو دافنشي، إذ يجمع هذا الكتاب الأعمال الأدبية المتفرقة للأسطورة ليوناردو دافنشي، والتي اشتملت مخطوطاته وملاحظاته ومسوداته الموجودة في دور النشر الإيطالية والعالمية، والتي ترجمت للعربية على يد الشاعر السوري المعروف أم آر جي (رامي يونس) ويُقسم الكتاب بدوره إلى 19 فصلًا متنوعًا، إضافةً لمُحلق يضم لوحات فنية ومخطوطات واختراعات تعود لدافينشي.[١٠]
- كتاب نظرية التصوير: أُلف هذا الكتاب وكانت حروفه مكتوبة باليد اليسرى ومعكوسة لا تُقرأ إلا بالمرآة، ويضم في طياته خصوصية كبيرة ومحاورات شخصية دارت بين ليوناردو ونفسه فطرحت أفكاره وهواجسه الداخلية، وردوده على خصومه، ومهامه وتفاصيله، وتمثل نصوصه وثيقة تاريخية هامة تُشير إلى أهمية الوعي بالتجربة، وعلى الاهتمام الكبير الذي لا بد أن يُحيطه الفنان بكافة جوانب عمله الإبداعي.[١١]
أشهر أقوال ليوناردو دافنشي
من أشهر أقوال دافنشي ما يأتي:[١٢]
- الدراسة بدون رغبة تفسد الذاكرة ولا تحتفظ بأي شيء تأخذه.
- بما أن قضاء يوم جيد يجلب لك نومًا سعيدًا فإن الحياة الجيدة تجلب الموت السعيد.
- الرسم هو الشعر الذي يُنظر إليه بدلاً من أن يشعر به، والشعر هو الرسم الذي يتم الشعور به بدل رؤيته.
- أنبل لذة هي لذة الفهم.
وفاة ليوناردو دافنشي
توفي ليوناردو دافنشي في مدينة لوكس (كلوس لوسي الآن) في فرنسا في تاريخ 2-5-1519م وكان يبلغ من العمر 67 عامًا.[٤]
المراجع
- ^ أ ب "About Leonardo"، khanacademy، اطّلع عليه بتاريخ 7-6-2021. Edited.
- ^ أ ب ت Giorgio Vasari, Da Vinci Education Resources, Page 4-7. Edited.
- ^ أ ب ت سلامة موسى، تاريخ الفنون وأشهر الصور، صفحة 38-39. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "Leonardo da Vinci"، britannica، اطّلع عليه بتاريخ 7-6-2021. Edited.
- ↑ Julia M Swanson , The Creative Philosophies of Leonardo da Vinci: Nature as the P e as the Perfect Creator, Page 3-4-7-9. Edited.
- ↑ ياسر أبو الحسبش، مهندسو الخيال، صفحة 51-52-55. بتصرّف.
- ↑ Br J Gen Pract., "Leonardo da Vinci: anatomist", ncbi.nlm.nih, Retrieved 7-6-2021. Edited.
- ↑ "leonardo's vitruvian man", leonardodavinci.stanford, Retrieved 6-6-2021. Edited.
- ↑ ياسر أبو الحسبش، مهندسو الخيال، صفحة 48-50-54-55. بتصرّف.
- ↑ ليوناردو دافنشي، "الأعمال الأدبية لـ ليوناردو دافنشي"، كتابيديا، اطّلع عليه بتاريخ 7-6-2021. بتصرّف.
- ↑ ليوناردو دافنشي، "كتاب نظرية التصوير"، مجلة الكتب العربية، اطّلع عليه بتاريخ 7-6-2021. بتصرّف.
- ↑ "Leonardo da Vinci Quotes", goodreads, Retrieved 7-6-2021. Edited.