من هو جون لوك؟

من هو جون لوك؟

هو فيلسوف وأستاذ جامعي وطبيب ومُفكر سياسي بارز من رواد النهضة الفكرية والسياسية والتربوية الحديثة خلال القرن السابع عشر.

وهو جون لوك، طبيب ومُفكر وفيلسوف بريطاني الأصل، امتاز بفكره السياسي المنطلق والأصيل، والمبني على مفاهيم الحرية الاجتماعية، كما حرص على الدعوة إلى أهمية التسامح، وفي المسائل الدينية خصوصًا، وقد كانت أفكاره الفلسفية والسياسية الحديثة بمثابة منارة عززت النهضة العلمية الحديثة بشتى مجالاتها الدستورية، والسياسية، والاجتماعية، والتربوية، والثقافية، وغدت مصدر إلهام للشعب والحكام والمفكرين في أوروبا خلال عصر التنوير، خاصةً بعد الثورة المجيدة في إنجلترا، ويُعد جون مؤسس المدرسة الفكرية التجريبية البريطانية، كما قدم مساهمات عدة، أبرزها كان مقالًا حول الفهم الإنساني، ومجموعة رسائل حول التسامح، وغيرها الكثير.^[١][٢][٣]

مولد ونشأة جون لوك

ولد جون لوك في تاريخ 29-8-1632م، في قرية رينغتون، الواقعة في مدينة سومرست في إنجلترا، وكان ينتمي لأسرة ميسورة الحال، حيث أنها متوسطة الطبقة الاجتماعية والاقتصادية، وكان والده يُدعى جون أيضًا، وهو محامٍ، كما أنه عمل تحت سلطة القوات البرلمانية خلال الحرب الأهلية الإنجليزية.^[١]

ثقافة وتعليم جون لوك

بعد الحرب الأهلية الإنجليزية، درس لوك في مدرسة وستمنستر في لندن، والتحق بعدها في جامعة أوكسفورد، وحصل على درجة البكالوريوس منها عام 1656م، وبعدها بعامين حصل منها على درجة الماجستير، وخلال دراسته كان يقرأ أعمال الفلاسفة المعاصرين البارزين، وأصبح بعدئذ أستاذًا جامعيّاً، فقدّم العديد من الدراسات التربوية والسياسية والدستورية التي تدور حول الحكم، ومساهمات أخرى حول علم النفس، ناهيك عن اهتماماته الأخرى بالكيمياء، والعلوم الطبيعية والتجريبية، وعلم الفلك، وغيره، وانتهى به الأمر بأخذ مسار مهني مختلف، فأصبح طبيبًا بارزًا وماهرًا جدًا، جنبًا إلى جنب مع اشتراكه بالأعمال البرلمانية والخطب السياسية بعد انضمامه للورد أنتوني أشلي كوبر.

حصل لوك على عضوية في الجمعية الملكية عام 1668م، واشتهر بأبحاثه الطبية برفقة الطبيب توماس سيدنهام، وفي عام 1675م، غادر لوك موطنه إنجلترا واتجه إلى فرنسا لأسباب سياسية، وكان حينها ينتمي لرتبة النبلاء بعد تعيينه مستشار اللورد، وأقام في فرنسا، في مدينتي باريس ومونبلييه، وفي عام 1683م سافر إلى هولندا، وقدم عمله السياسي البارز، الذي حمل اسم "أطروحتان عن الحكومة"، وعاد بعدها إلى موطنه إنجلترا بعد الثورة المجيدة في عام 1688م، وبقي فيها حتى وفاته.^[٤][٢][١]

فلسفة جون لوك السياسيّة

امتاز جون لوك بتأثيره الفلسفي الملموس في العصر الحديث، والذي بني على قيم أساسيّة نادى من خلالها بحرية الرجال الطبيعية، التي توجب بدورها ضرورة تساويهم تحت النظام والقانون وسلطة المَلك، فأشار لوجوب منح الأفراد حرية فكرية وملكية، وحقوق من ضمنها الحق في الحياة، وأن هذه الحقوق يجب أن تكون مستقلة عن قوانين المجتمع التي يخضع لها هؤلاء الأفراد، وبرر نظرته القائمة على الحرية الطبيعية المطلقة على أنها تنطلق من تقبل وفهم الحكومة الشرعية السياسية، والتي تنبع من اتفاق بين الأشخاص وحكومتهم، بحيث ينقلون جزءًا من حقوقهم الشخصية وفق قوانين وشروط تضمن لهم الاستقرار والحرية الملكية والفكرية والاستمتاع بحياتهم على نحو آمن وأفضل.

إذ يكمن دور الحكومة التي تعمل بتأييد الشعب على حماية هذه الحقوق ودعم المصلحة العامة للمجتمع والارتقاء به، وفي حال فشلها في مهمتها يُمكن تغييرها وانتخاب حكومة جديدة عوضًا عنها، أي أن فلسفة لوك تتيح للشعب حرية الثورة، وتدافع عن حق الأغلبية في الحكم واتخاذ القرار، وتنادي بفصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية، وترفض الإكراه في اتخاذ القرار وتحديد المصير بسلطة من الحاكم أو من قبل الكنائس والمنظمات الدينية، وبشكل عام، فقد ساهم لوك بالعديد من الكتب السياسية التي تضمنت مناهجه الفلسفية التي تختص بالسياسة والحرية وغيرها، ومن بينها أطروحاته ورسائله حول التسامح وغيرها.^[٥]

فلسفة جون لوك التربوية والتجريبية

أكد جون لوك وأشاد بدور الحواس البشرية لاكتساب المعرفة، نافيًا أهمية الفهم الفطري والحدس في الوصول لها، وأضاف لوك المذهب التجريبي الذي أسسه فرانسيس بيكون، كطابع ومنهج خاص به، كما عززه بأفكاره في علم النفس التي تتمحور حول حدود المحاكمة العقلية الإنسانية، وذلك في مقالته المعروفة عن الذكاء البشري، أما نظريته التربوية، فربط من خلالها المعرفة بالخبرة، والتي عزز من خلالها دور الملاحظة الفورية في اكتساب العلم، والتي ارتبطت إلى حد بعيد بنظريات الفلاسفة السابقين له خلال القرن السابع عشر.

إذ يُصور لوك عقل الطفل الذي يمتلك قدرات وقوى مميزة بصفحة بيضاء نقية وخالية من المواهب والأفكار المبنية على الفطرة، ولكنه في الوقت نفسه يمتاز بقدرة على التمييز، والمقارنة، والوعي، فتعمل قدراته عندما يكتسب العقل انطباعه من خلال الحواس، والتي اعتبرها المادة الأساسية للمعرفة التي يتم تحصيلها من مكونات العالم الخارجي، وعندها تبدأ القدرات الشخصية بالمقارنة والتمييز والتنقيح، وتصقل الانطباعات المكتسبة، وتحولها إلى معرفة تتراكم ويزداد حجمها وتحفظ في العقل، وتتضخم لتغدو أفكارًا أكثر تعقيدًا، وتتحول لخبرات خلال مراحل نمو الفرد بدءًا من الطفولة وحتى الكبر، وقد استخدمت أفكار لوك في الإصلاح التربوي في أوروبا وأمريكا خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر في المدارس والصروح التعليمية، باستخدام مختلف الأساليب الحديثة كالرحلات والمجسمات والنماذج وغيرها من السبل التي تدعم اكتساب الخبرة، والتعليم المبني على الحس والتشويق والرغبة الذاتية بالحصول على المعلومة.^[٤]

أبرز مؤلفات جون لوك

من أبرز مؤلفات جون لوك ما يأتي:

• كتاب في الحكم المدني: يُمثل هذا الكتاب بحث فلسفي يُدافع فيه لوك عن قيم ومبادئ ثورة إنجلترا التي حدثت عام 1688م، والتي نتج عنها قانون الحقوق الإنسانية الأساسية، والتي نادى فيه جماعة من الأفراد المؤمنين بالملكية الشخصية، وليس بمبدأ الحق الإلهي، والمعارضين الداعين للقيم الإنسانية التي تدعو للنظام الجمهوري وللمساواة بين أفراد الشعب، وعبّر جون لوك في كتابه عن رأيه السياسي الذي يؤكد من خلاله بمسؤولية الحكومة والملك أمام الشعب، مُشيرًا لأهمية وجود الحكومات، وفي نفس الوقت داعيًا لضرورة التزام هذه الحكومات بالقوانين الدستورية والقواعد الأخلاقية التي تحفظ حقوق الشعب.^[٦]
• كتاب في الحكم المدني.^[٤]
• مقالة عن الذكاء البشري.^[٤]
• كتاب بعض الأفكار المتعلقة بالتربية.^[٤]

كتاب رسالة في التسامح

يتناول جون لوك في هذا الكتاب مفهوم التسامح بشكل محايد بعيدًا عن التعصب والتحيز، محاولًا توضيح الفكر الديني المسيحي، ومُشتملًا على البعد الأيدولوجي والبعد التاريخي، وساعيًا من خلاله لحل المشاكل والنزعات بين الكاثوليكية والمتمردين على قيم وقوانين الكنيسة، التي كانت تسيطر على الحياة الفكرية والثقافية خلال العصور الوسطى ولحين حلول القرن الخامس عشر تقريبًا، فكانت مبادئ التسامح بمثابة حلول تهدف لإنهاء الخلافات، مُتضمنة حوار سياسي وثقافي عصري أساسه التطور الذي شهدته دول أوروبا الغربية، وقد تسربت إلى هذه الدول بعض الأفكار الفلسفية الأرسطية من التراجم العربية لبعض فلاسفة المسلمين، وبدورها غيرت الفكر الأوروبي بصورة عقلانية منطقية.

ومن جهةٍ أخرى، يُبرز لوك مبدأ التسامح الذي شاع كآلية وتقنية اجتماعية وثقافية أساسيّة تعزز بقاء المجتمعات الأوروبية، وتدعم تطورها، بدايةً من العصور الوسطى ولحين عصر النهضة، فيرى بأن نقد التسامح يكشف عن أوهام الأنظمة والقوانين السياسية غير الواقعية، التي تزعم وتدعي مبادئ التسامح فقط، لكن الحقيقة أنها غير معنية به إطلاقًا، وأنه في حين التزام كل من الدولة والكنيسة بحدودهما، لا يُمكن أن يحدث أي نزاع وخلاف بينهما، وبذلك تتحقق أعلى مستويات التسامح الممكنة في المجتمع، من خلال توجيه الكنيسة نحو صفاء النفوس، والتزام الدولة برعاية الرفاهية الدنيوية للأفراد، وعدم تعدي أي منهما على وظائف وحدود الآخر. ^[٧]

مقولات جون لوك

من أشهر أقوال جون لوك ما يأتي:^[٨]

• حب الحق من أجل الحقيقة هو الجزء الرئيسي من الكمال البشري في هذا العالم، وحبكة البذور لجميع الفضائل الأخرى.
• لا يمكن لمعرفة أي إنسان هنا أن تتجاوز خبرته.
• الآراء الجديدة دائمًا ما يتم الاشتباه بها، وعادة ما يتم معارضتها دون أي سبب آخر؛ وذلك لأنها غير شائعة.

وفاة جون لوك

توفي جون لوك في إنجلترا في تاريخ 28-10-1704م، وكان يبلغ من العمر 72 عامًا.^[٢]

يمكنك القراءة عن المزيد من الفلاسفة الاجتماعيين، مثل: إميل سيوران، وتوماس هوبز.