من هو ابن الجزري؟

هو إمام مسلم، وفقيه، ومن أبرز علماء القراءات، والتجويد في القرنين الثامن والتاسع الهجري.


وهو أبو الخير، محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف العمري الدمشقي الشيرازي الشافعي، واشتهر بلقب ابن الجزري نسبةً إلى جزيرة ابن عمر ببلاد الشرق في تركستان، وله الكثير من الألقاب، منها: الحافظ، والحجة، والثبت، والمدقق، وإمام الأئمة، وقاضي القضاة، وسند المقرئين، وغيرها الكثير، وقد برع في الكثير من العلوم الإسلامية؛ كالتفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والتوحيد، والبلاغة، والنحو، والصرف، واللغة، وغيرها الكثير، إلا أنه برز بشكلٍ كبير وتفوق في علم التجويد، وعلم القراءات، حتى أصبح شيخ القراء والمحدثين في عصره، وقد نذر نفسه في سبيل العلم والتعليم، والتأليف، إذ لا تزال مؤلفاته حتى الآن مرجعًا موثوقًا للدارسين والباحثين، كما ساهم في نشر القراءات والحديث في كل بلٍد رحل إليها.[١][٢]


مولد ابن الجزري

ولد ابن الجزري ليلة السبت بعد صلاة التراويح، في تاريخ 25 من رمضان، في عام 751 هجريًا، في داخل خط القصاعين بين السورَيْن في مدينة دمشق، وكان والده يعمل بالتجارة، وقد حج سنة 750 هجريًا، ثم رزقه الله عز وجل بابنه محمد، وقد نشأ ابن الجزري في دمشق، وقد ترعرع في بيت علمٍ وصلاح، فحفظ القرآن الكريم وهو ما زال في الثالثة عشر من عمره، وصلى به في عمر الرابعة عشر عامًا.[٣]


رحلات ابن الجزري في طلب العلم

بدأ ابن الجزري سماع الحديث من كبار علماء دمشق منهم أصحاب الفخر ابن البخاري، وخال جده محمد بن إسماعيل الخباز، ثم رغب في التخصص في دراسة علم القراءات، فتلقاه على يد علماء بلده ومنهم: الشيخ عبد الوهاب بن السلار، وأبو المعالي بن اللبان، وفي عام 768 هجريًا، رحل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وتلقى قراءات عن خطيب وإمام المدينة المنورة الشيخ أبي عبد الله محمد بن صالح، وفي السنة التي تليها، رحل ابن الجزري إلى القاهرة، وفيها أخذ العلم عن محمد بن الصايغ، وعبد الرحمن بن البغدادي، وأبي بكر بن الجندي، وفي نفس المدينة سمع الحديث عن أصحاب الدمياطي، والأبرقوهي، ودرس الفقه الشافعي على يد الشيخ عبد الرحيم الإسنوي وغيره.


رجع الإمام ابن الجزري إلى دمشق، وفيها جمع القراءات السبع في ختمة على القاضي أبو يوسف أحمد بن الحسين الكفري الحنفي، وهو ما زال في العشرين من عمره، بعد ذلك وفي عام 778 هجريًا، رحل مرةً أخرى إلى القاهرة، وقرأ فيها الأصول، والمعاني، والبيان على يد الضياء القزويني وغيره، ثم غادر إلى الإسكندرية حيث تلقى القراءات عن الشيخ عبد الوهاب القروي الإسكندري، وبعد مدة عاد إلى دمشق وقد ذاع صيته فيها، فجلس للإفتاء في عام 774 هجريًا، كما تولى الكثير من المناصب المهمة فيها.


رحل ابن الجزري في عام 798 هجريًا إلى بلاد الروم، إذ أقام فيها لمدة سبع سنوات، قضاها في تعليم القراءات، وعلوم القرآن والحديث، وأصبح له الكثير من التلاميذ، وفي عام 805 هجريًا، توجه ابن الجزري مع تيمورلنك إلى مدينة كش، ثم إلى سمرقند، والتي غادرها في عام 807 هجري متجهًا إلى خراسان، ومن ثم هراة، ثم أصفهان، ثم شيراز، وهناك تولى القضاء بأمر من حاكمها، وبقي فيها لمدة أربعة عشر عامًا، وقد بنى فيها دارًا للقرآن، وأصبح له الكثير من التلاميذ.


وفي عام 821 هجريًا، غادر ابن الجزري شيراز متوجهًا إلى البصرة؛ للإقراء والتعليم، وبعد عدة رحلات، رحل إلى القاهرة واجتمع فيها بسلطانها الأشرف، وتصدى فيها للإقراء والتحديث، ثم رحل إلى اليمن، إذ أقام فيها مدة قضاها بتدريس الحديث، وأخيرًا عاد إلى مدينة شيراز؛ ليتابع فيها التعليم والإقراء، وقد انتهت إليه رئاسة علم القراءات، وبقي فيها إلى أن وافته المنية.[٤][٥]


مناصب شغلها الإمام ابن الجزري

تولى الإمام ابن الجزري العديد من المناصب الكبيرة؛ وذلك تقديرًا لعلمه الغزير، ومكانته المرموقة، ومنها ما يأتي:[٦]

  • تدريس القرآن الكريم في الجامع الأموي، بعد أن أذن له شيخيه ابن اللبان وابن السلار بذلك.
  • مشيخة الإقراء الكبرى بتربة أم الصالح في دمشق، وذلك بعد وفاة شيخه ابن السلار.
  • مشيخة الإقراء في المدرسة العادلية.
  • مشيخة دار القرآن الجزرية في دمشق، والتي أنشأها هو بنفسه.
  • التدريس في المدرسة الصلاحية القدسية.
  • كاتب الملك المؤيد في مصر.
  • قضاء شيراز.
  • مشيخة دار القرآن الجزرية في شيراز، والتي بناها بنفسه، ودفن بداخلها بعد وفاته.
  • مشيخة الإقراء في دار الحديث الأشرفية.
  • التدريس في المدرسة الأتابكية في الصالحية.
  • خطابة جامع التوبة في دمشق.
  • قضاء الشام في عام 793 هجريًا.


أشهر مؤلفات ابن الجزري

كان ابن الجزري من العلماء غزيري الإنتاج في ميدان التأليف؛ إذ ألّف ما يزيد عن 80 كتابًا ومصنفًا، وفي أكثر من علم من العلوم الإسلامية، إلا أنّ أشهر كتبه تلك المتخصصة في علم القراءات، وعلم التجويد، ومن هذه الكتب ما يأتي:

  • منظومة المقدمة في ما على قارئ القرآن أن يعلمه: وهي تُعد من أنفع، وأفضل ما كُتب في علم التجويد، وقد نالت اهتمامًا خاصًا من كل من طلبة التجويد، والعلماء، كما أصبحت في ذلك الوقت مقررًا دراسيًا في معاهد الإقراء، وحلقات تعليم القرآن، وتتألف المقدمة من 107 أبيات، وقد استوفت جميع موضوعات علم التجويد الأساسية، إذ تبدأ أولًا بمقدمات التجويد، ثم المخارج والصفات، ثم الأحكام الناشئة عن التركيب، وأخيرًا مكملات علم التجويد.[٧]
  • كتاب النشر في القراءات العشر: يُعد من أهم كتب القراءات التي امتازت بالتحقيق، والتحرير، والضبط، والإتقان، واشتمل هذا الكتاب على عدة مواضيع، هي: أسانيد وطرق الروايات، والقراءات العشر القرآنية، ثم بيان القراءات العشر القرآنية المتواترة، وقد قام ابن الجزري بكتابته في عام 799 هجري، فجمع فيه جميع مصنفات السابقين، حتى بلغت أصول كتابه ما يقارب 69 كتابًا.[٨]


شيوخ ابن الجزري وتلاميذه

تلقى ابن الجزري علم القراءات على يد أكابر الشيوخ في عصره، ومنهم:[٩]

  • إبراهيم بن عبدالله الحموي المؤدب أبو إسحاق.
  • أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة بن بدر بن محمد بن يوسف، أبو العباس الكفري الحنفي.
  • أبو بكر بن أيدغدي بن عبدالله الشمسي المعروف بابن الجندي.
  • محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن.


أما تلاميذه الذين تلقوا علم القراءات على يديه فمن أشهرهم:[٩]

  • إبنه أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الشهاب، أبو بكر.
  • محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد، والمعروف باسم أبو القاسم النويري.
  • إبراهيم بن عمر بن الرباط برهان الدين، أبو الحسن البقاعي.
  • علي بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الوهاب بن أبي بكر بن يفتح الله، والمعروف باسم ابن يفتح الله.


وفاة ابن الجزري

توفي الإمام ابن الجزري صباح يوم الجمعة، في الخامس من ربيع الأول من عام 833 هجريًا، في مدينة شيراز، وقد دفن في دار القرآن التي أنشأها هناك.[١٠]

المراجع

  1. ملتقى أهل الحديث، أرشيف ملتقى أهل الحديث، صفحة 391. بتصرّف.
  2. محمد مطيع الحافظ، شيخ القراء الإمام ابن الجزري، صفحة 5-7. بتصرّف.
  3. أيمن رشدي سويد، منظومة المقدمة فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه، صفحة 7. بتصرّف.
  4. كریمة صحراوي ، المقدمة الجزریة وجهود العلماء في خدمتها جمعاً ودراسةً، صفحة 15-17. بتصرّف.
  5. غانم قدوري الحمد، - PRF. DR. ĞANİM KADDURİ HAMAD.pdf جهود الإمام ابن الجزري في علم التجويد وأثرها في مسيرة هذا العلم، صفحة 10-11. بتصرّف.
  6. أحمد عدنان الزعبي، منهج ابن الجزري في اختيار الطرق المروية في كتابه النشر في القراءات العشر، صفحة 390. بتصرّف.
  7. ^ أ ب محمود محمد محمود حليمة، منهج الإمام ابن الجزري في عرض القراءات من خلال طيبة النشر، صفحة 266. بتصرّف.