من هو الإمام أحمد بن حنبل؟

هو إمام، وفقيه، وعالم مسلم، وصاحب المذهب الحنبلي، اشتهر بفقهه وعلمه الواسع وجمعه للأحاديث.


واسمه أحمد بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني وكُنيته أبو عبد الله، وُلد في بغداد ونشأ في قبيلة شيبان التي ظهر منها الكثير من القادرة والعلماء والأدباء والشعراء، وهذه القبيلة التي ينتمي لها قبيلة ربعية عدنانية أي أنه عربي وأصيل، عُرف الإمام أحمد رحمه الله بالطول والنحافة، كما أنه أسمر اللون وأخلاقه رفيعة شديد التواضع.[١]


مولد الإمام أحمد بن حنبل

وُلد الإمام أحمد بن حنبل في ربيع الأول في بغداد عام 164 هجريًا الموافق لعام 780 ميلاديًا، وقد عاش يتيمًا نظرًا لأن والده توفي وهو في سن صغيرة، إذ توفي وهو في سن الثلاثين، تربّى وترعرع على يد والدته.[١]


رحلة الإمام أحمد بن حنبل في طلب العلم والحديث

بدأ الإمام أحمد رحمه الله في طلب الحديث عام 179 هجريًا وهو العام ذاته الذي توفي فيه الإمام مالك بن أنس والإمام حماد بن زيد، استمع بدايةً إلى أستاذه هشيم بن بشير الواسطي عام 179 هجريًا إلى أن توفى عم 183 هجريًا، ثم بدأ في التنقّل لطلب العلم، إذ ذهب في رحلة إلى الكوفة، واستمع للشيوخ فيها، إلا أنه عاش وقتًا مريرًا ولم يتناول إلا اللبن من قلة حيلته، ثم أصابته حُمّى ورجع إلى بغداد موطن والدته، ثم بدأ في الترحال إلى البصرة عدة مرات واستمع فيها لعدد من الشيوخ منهك: ابن علية، ابن مهدي، وابن القطان، ثم رحل إلى واسط وتعلّم فيها على يد يزيد بن هارون.


ثم رحل إلى طرطوس سيرًا على الأقدام، وحجّ خمس مرات ثلاثة منها سيرًا على الأقدام ومرّتين راكبًا، فأول حجّة كانت عام 187 هجريًا، واستمع فيها للإمامين: ابن عيينة والشافعي، وتلاها بأربعة حجّات تطوعًا، ثم سار على قدميه إلى صنعاء عاصمة اليمن عام 1988 هجريًا، وفيها قطن عند الإمام عبد الرازق بن همام مُحدّث اليمن لعامين، وقد استغل هذه الفترة في التعلّم على يد الكثير من العلماء، منهم؛ إبراهيم بن عقيل، وليتمكن من العيش فقد عمل في صُنع التكك أحد أنواع الملابس، ثم يبيعها ويقتات منها، وبعد صنعاء انتقل إلى الشام.


ومنذ أن بدأ رحلاته في طلب الحديث في الثانية والعشرين من عمره فقد زار البصرة، الكوفة، الرقة، اليمن، الحجاز والتقى فيها العديد من علماء وفقهاء الأمة الكبار، من بينهم: يحيى بن سعيد القطان، أبي داوود الطيالسي، وكيع بن الجراح، أبو معاوية الضرير، سفيان بن عيينة، والإمام الشافعي الذي رافقه الإمام أحمد بن حنبل وتعلّم منه الفقه والأصول في الدين، وقد اشتهر الإمام أحمد بشغفه للحديث والذي جعله يستسهل كل صعب، ولم تمنعه المشقّات التي واجهته في الاستمرار في طلب العلم، كما أنه كان شديد التواضع لا يهاب الجلوس مجلس التلميذ بالرغم من حفظه وإتقانه الذي شهد له فيه أساتذته.


وبدأ في تدريس الفقه للفتيان في عام 204 هجري/ 819 ميلادي حيث كان خلفًا للإمام الشافعي بعد وفاته، إذ كان يعقد الحلقات التدريسية في بيته للتلاميذ النابهين، وحلقة عامة في المسجد بعد صلاة العصر يشهدها مئات من طلاب العلم وعامة الناس، اشتهر خلال حلقاته بأنه مُبالغ في دقّته في نقل الأحاديث وحريص على نقلها بأمانة وإخلاق بالرغم من حفظه القوي وذاكرته الواعية إلا أنه لا يقرأ الحديث إلا من كتاب بين يديه خشية النقل الخاطئ، رافقه عددًا من تلاميذه النابهين وتعلّموا علمه ونشروه من بينهم: أبو بكر الأثرم، إسحاق بن منصور التميمي، إبراهيم بن إسحاق الحربي، الإمام البخاري، الإمام مسلم، أبو داوود، بقي بن مخلد، وأبو بكر المروزي الذي كان مُقرّبًا للإمام أحمد نظرًا لعلمه وفضله وصدقه وأمانته. [٢]


مذهب الإمام أحمد بن حنبل

وقد عُرف أيضًا باسم مذهب السلف نظرًا لأنه مذهب سلف الأمة، فالإمام أحمد هو قدوة وصاحب أثر أخذ عقيدته من المأثور في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وما ثبت وصحّ عن أهل السلف الصالح من الصحابة والتابعين الكرام، أي أن مذهب الإمام أحمد بن حنبل أثري ومنسوب إلى عقيدة أثرية أصيلة، ففي مذهبه انتصر للحق ونصره، ومحق البدع أهلها وبيّن الصحيح من الخاطئ، والحق من الباطل، والصدق من الكذب، ولم يُدوّن الإمام أحمد بن حنبل مذهبه الفقهي لأنه كان لا يُحبّ أن يُكتب شيء من آرائه وفتاواه.[٣]


وقد أخذ الإمام أحمد عن الشافعي وروى الشافعي عن مالك، ثم أنشأ كل منهم مذهبًا لم ينحاز به عن الآخر بل كانوا جميعًا على سنة الهدى إذ أخذوا العلم ونشروه واستنبطوا مآخذه وتتبعوا أصوله، ومن أهمها كتاب المسند للإمام أحمد بن حنبل بالإضافة للعديد من الكتب وكتب المسائل التي بلغت 200 كتابًا لوحدها، وقد نقلوا تلاميذه وأحفاده المذهب الحنبلي، إذ جمعوا المسائل ورتّبوها ودققوها وجمعوها في كتب انتشرت بين الناس، ومن أهمها كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد والذي كتبه أحمد بن محمد بن خلال عام 311 هجري في بغداد.[٤]


أسلوب الإمام أحمد بن حنبل

عُرف الإمام أحمد بن حنبل بأنه مُحدّث أكثر من أنه فقيه، لم يكتب إلا القرآن والحديث حتى عُرف بأنه الفقه المأثور، لم يفت بمسألة من ذاته بل تناقل الفتاوى من الصحابة أو التابعين أو الأئمة الذين علّموه، وكان عندما يجد رأيان لفتوى واحدة فإنه يأخذ واحدًا منها أو يقول الرأيان، كما أنه لا يخرج عن الأثر ففي الصلاة كان قوله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أُصلي).


واشتهر بانه شديد الورع وتحديدًا بالعبادات إذ كان يعتبرها حق لله على عباده لا يجوز التساهل أو التهاون فيها، أما المعاملات فقد تميّزت في فقهه بالسهولة والمرونة مع التمسك بنصوص الشرع، فقد اعتمد على الإباحة بشرط عدم وجود نص يمنعها أو يعارضها، وقد قال عنه إبراهيم الحربي: "رأيت أحمد بن حنبل كأن الله قد جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف، يقول ما شاء ويمسك ما شاء"، كما قال عنه أحمد بن سنان: "ما رأيت يزيد بن هارون لأحد أشد تعظيمًا منه لأحمد بن حنبل، ولا رأيته أكرم أحدًا كرامته لأحمد بن حنبل، وكان يقعد إلى جنبه إذا حدثنا، وكان يوقره ولا يمازحه، ومرض أحمد فركب إليه فعاده".[١]


أساتذة الإمام أحمد بن حنبل

تعلّم الإمام أحمد بن حنبل على يد الكثير من الشيوخ وفقهاء الأمة وعلماء المسلمين يزيد عددهم عن 280 شيخًا، فقد جاب البلاد ليأخذ العلم من أصحابه، من بينهم هشيم بن بشير، عباد بن عباد المهلبي، معتمر بن سليمان التيمي، محمد بن إدريس الشافعي، حفص بن غياث، حسين بن علي الجعفي، يحيى بن آدم، يعقوب بن ابراهيم بن سعد، قتيبه بن سعيد، علي بن المديني، وغيرهم الكثير من الشوخ الذين روى عنهم وتعلّم منهم.[١]


أشهر مؤلفات الإمام أحمد بن حنبل

ترك الإمام أحمد بن حنبل العديد من المؤلفات أولها المسند وهو أكبر دواوين السنة الذي يحتوي على 40 ألف حديث، وقد جمعها واستخلصها من أصل 750 ألف حديث، وكان عمره في ذلك الوقت 36 عامًا، وقد بلغت مؤلفاته نحو 30 كتابًا، أما كتب المسائل فقد قاربت 200 كتاب، وفي ما يلي بعض المؤلفات الأخرى والكتب المطبوعة والمتداولة بين الناس:[٥]

  • سؤالات أبي داوود.
  • العقيدة، برواية أبي بكر الخلال.
  • الزهد.
  • فضائل الصحابة.
  • أصول السنة.
  • الورع، برواية المروزي.
  • الأشربة.
  • العلل ومعرفة الرجال، برواية المروذي وغيره.
  • أحكام النساء.
  • الأسامي والكنى.
  • الرد على الجهمية والزنادقة.
  • مسائل الإمام أحمد، برواية ابنه عبد الله، وآخر برواية ابنه أبي الفضل صالح، وآخر برواية أبي داود السجستاني.
  • سؤالات الأثرم لأحمد بن حنبل.


وفاة الإمام أحمد بن حنبل

توفي الإمام أحمد بن حنبل يوم الجمعة بتاريخ 12 ربيع الأول 241 هجري، وكان عمره 77 عامًا، وسار في جنازته عددًا كبيرًا من أهل السنّة وهذا ما خفف على المسلمين مصيبتهم، رحم الله الإمام أحمد بن حنبل.[٢]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث محمد مبروك، الإمام أحمد بن حنبل وكتابه المسند، صفحة 1. بتصرّف.
  2. ^ أ ب محمد نصر الدين محمد عويضة، كتاب فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 105. بتصرّف.
  3. الشيخ العلامة عبد القار بن بدران الدمشقي، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، صفحة 49-51. بتصرّف.
  4. بكر أبو زيد، كتاب المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد، صفحة 131-134. بتصرّف.
  5. "الامام احمد ابن حنبل"، مكتبة الكتب، اطّلع عليه بتاريخ 21/6/2021. بتصرّف.