من هو الإمام البخاري؟

هو إمام، وحافظ، ومُحدث، ومُؤلف، ومُفسر، وعالم بارز في علوم الحديث النبوي، والتراجم، والجرح والتعديل، والتعليل، من أئمة القرن الثالث الهجري.


وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجَعفي البخاري، ويُكنى أبا عبد الله، وهو شيخ الإسلام وإمام الحفاظ، المعروف بتصانيفة العديدة وأبرزها الصحيح، فقد كان الإمام البخاري رأسًا في العلم، متوقد الذهن، حاد الذكاء، مُنكبًا علم المعارف، خاصةً علوم الحديث، فسمع من الكثيرين، وحدّث عنهم، وصنف وألف العديد من الكتب المعروفة حتى أصبح قامة من القامات البارزة في علم الحديث، وواحدًا من أبرز رواته وجامعيه، خاصةً الأحاديث الصحيحة منها.[١]


مولد البخاري ونشأته

وُلد الإمام البخاري في مدينة بخارى (أورزبكستان الآن) في يوم الجمعة بتاريخ 13-شوال-194 هـ، الموافق 20-7-810 م، وكان والده اسماعيل بن المغيرة من تلاميذ الإمام أنس بن مالك، وكانت والدته امرأة صالحة، ويُقال أن البخاري أصابه العمى في صغره، ولكن رد الله له بصره، وكانت كثيرة الدعاء والبكاء عليه حينها، واعتنت به بعد وفاة والده وحرصت على تعليمه، كما أُلهم البخاري حفظ الحديث، وطلب العلم والاجتهاد، والسعي وراءه بكل ما حمله من قوّة.[٢][٣]


علم البخاري

كان الإمام البخاري يُعنى بحفظ الحديث النبوي منذ نعومة أظافره، فارتاد الكتاب في بخارى، وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب قبل أن يُتم 10 سنوات، ثم خرج من الكتاب بعدها، وأخذ يتردد على المشايخ والقراء داخل بخارى وما حولها، وكان حافظًا بارعًا، ألهمه الله ذاكرة قوية نادرة، تحفظ كل ما يسمعه دون أن يكتبه على الورق كباقي زملائه، وظهرت عليه علامات النبوغ المُبكرة، فعندما بلغ 16 عامًا حفظ كتب ابن المبارك ووكيع، وكان يُجادل علماء الحديث إذا سمع خطأً في الرواية، فيردهم إلى الأصل ويمدحونه.


ثم ذهب البخاري إلى مكة المكرمة مع والدته وأخيه عندما كان في سن 17 عامًا لأداء فريضة الحج، وبعد عودته اجتهد في طلب الحديث، وارتحل ساعيًا وراءه، فزار بلاد الأمصار، وخراسان، ومدن العراق والحجاز ومصر وبلاد الشام، وسمع الحديث من نخبة من المشايخ في كل بلد يزورها، ويُقال أن الله من عليه بالحفظ والاطلاع والمعرفة، فلم يتقدمه أحد من معاصريه في الحفظ والتراجم والرواية، حتى قال ابن خزيمة فيه: "ما تحت أدين السماء أعلم بالحديث من البخاري"، وقد امتُحن الإمام الحافظ في مدينة بغداد على يد أصحاب الحديث الذين أرسلوا رجالًا غَيّروا أسانيد الأحاديث إلى أسانيد غيرها، ومتونها إلى متونٍ أخرى؛ ليروا مقدار براعة البخاري وصحة ما قيل فيه، إلا أنه ألقى عليهم الأسانيد والمتون الصحيحة، ورّدّها إلى رواتها واحدًا تلو الآخر، ولم يستطع أحد اتهامه بالعجز أو قلة الفهم أو التقصير، بل أقرَّ له الجالسون بالفضل والحفظ وأذعنوا له ومدحوه.[٤][٣]


منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها

يُستدل مما ذكر سابقًا أن الإمام البخاري كان من أبرز الحفاظ والمُحدثين في عصره، وقد ألف كتابه الصحيح الذي يعده المسلمون وعلماء الحديث المُعاصرون له أصحَّ الكتب، ومن أبرز السمات التي امتاز بها الإمام البخاري في جمعه للأحاديث في كتابه يأتي:[٥]

  • كان الإمام البخاري يرى الانقطاع في الإسناد علّة للحديث، فلا يُخرجه إلا في غير أصل موضوع، مثل: التعليقات والتراجم، إذ إنه مُنقطع وإن احتجَّ به بعض الأشخاص، أما المتصل فيُعتبر أقوى منه إذا اشترك رواتهما بالعدالة والحفظ، وهو ما التزمه البخاري في صحيحه.
  • تميز البخاري بشدة التحري، والدقة، والتقدم في نقض الرجال مقارنة بأهل عصره، وأشاد له الإمام النسائي، والحافظ ابن حجر، ونخبة من علماء الحديث في ذلك، كما اشترط البخاري في الجامع لضمان صحة الأحاديث مع اتصال الإسناد أن يكون راويها مسلمًا وصادقًا وموثوقًا غير مخلّط أو مدلّس، بالإضافة إلى اتصافه بالعدالة، والضبط والتحفظ، وسلامة الذهن، وصحة الاعتقاد وقلة الوهم، كما كان الإمام البخاري أعلم الحفاظ بمقدار الرجال من الرواة ومكانتهم في الفضل.
  • ترك الإمام البخاري التوسع في إخراج الحديث الصحيح بطرق متعددة خشية أن يطول فيها في كتابه، فاكتفى بإيراد مجموعة في كل باب.
  • أورد البخاري الأحاديث المعلقة في صحيحه، والتي يصنفها كغير متصلة، ولم يعتبرها موضوعًا في كتابه، ولكن أرفقها استئناسًا واستشهادًا، وبغية أن يكون الكتاب جامعًا لأكثر الحديث المحتج به.


من أبرز شيوخ البخاري

تتلمذ الإمام البخاري على يد نخبة من المشايخ، أبرزهم:[٢]

  • عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان الجعفي المسندي.
  • محمد بن سلم البيكندي.
  • مكي بن إبراهيم.
  • إبراهيم بن موسى.
  • حي بن يحي.
  • محمد بن عيسى الطباع.
  • سريج بن النعمان.
  • محمد بن سابق.
  • أبو عاصم النبيل.
  • محمد بن عرعرة.
  • عبد العزيز الوسي.
  • إسماعيل بن أبي أويس.
  • محمد بن يوسف الفرياني.
  • عبد العزيز بن يوسف.


أشهر مؤلفات الإمام البخاري

ألف الإمام البخاري العديد من المصنفات، أبرزها ما يأتي:

  • كتاب الأدب المفرد: وهو كتاب يتمحور حول الآداب الإسلامية المفردة التي وردت في السنة النبوية، والتي طرحها الإمام البخاري وضم إليها بعض أقوال الصحابة والتابعين، ومن جهة أخرى يتضمن الكتاب 1322 حديثًا، يغلب عليها الصحة إلا أنها ليست جميعًا صحيحة، وهي مطروحة داخل 644 بابًا، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الإمام البخاري لم يلتزم في هذا الكتاب شروطه في كتاب الصحيح؛ لأن الأحاديث الواردة فيه تُمثل آدابًا وليس أحكامًا. [٦]
  • كتاب التاريخ الكبير: يُعد هذا الكتاب من أبرز كتب التراجم لرواة الأخبار، أي أنه بمثابة موسوعة كبرى في التراجم، وإثبات الاتصال من عدمه تعويلًا على ما ورد بالأسانيد الصحيحة، واقترب فيه من استيعاب أسماء من روي عنه الحديث من الصحابة والتابعين لهم واللاحقين حتى زمانه، أما عن نهجه في ترتيب الكتاب، فقد رتب أسماء رواة الحديث على حروف المعجم مع تقديم المحمدين، وافتتح الكتاب بمقدمة ذكر فيها شيئًا من سيرة النبي الكريم، واسمه، ونسبه.[٧]


كتاب صحيح البخاري

واسمه الكامل هو الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه، ويُعرف بصحيح البخاري نسبةً للإمام البخاري، ويُعد هذا الكتاب مرجعًا من أشهر كتب الحديث النبوي عند أهل السنة والجماعة؛ إذ يُعد الأصح بعد القرآن الكريم، وهو بمثابة جامع كبير، إذ اصطفاه الإمام البخاري وانتقى أحاديثه من بين ستمائة ألف حديث، واستغرق في تحريره 16 عامًا، ويُروى أنه سمعه من بين 70 ألف راوٍ، كما أن له مكانة هامة لدى أهل السنة، ويُصنف من بين الكتب الستة المتون التي هي مصادر الحديث النبوي للأمة الإسلامية، ومن جهة أخرى فهذا الكتاب يُعد الأول من بينها من حيث تجريده من الأحاديث المعلولة، واقتصاره على الصحيح منها، كما يحتوي على جميع أبواب الحديث من التفسير، والعقائد، والأحكام، والتاريخ، والزهد، والآداب، وغيرها، وهو ما جعله محورًا هامًا، وعمادًا رئيسيًا من أعمدة علم الحديث، فاهتم به العلماء، وقدموا له العديد من الشروحات، والتعليقات، والاختصارات، والمُستخرجات، والمُستدركات، وغيرها، ويبلغ عدد شروحاته أكثر من 82 كتابًا؛ مما يدل على أهمية هذا الكتاب.[٨][٣]


وفاة الإمام البخاري

توفي الإمام البخاري في مدينة سمرقند في تاريخ 1- شوال -256 هـ، والموافق 20-7-870 م، وكان يبلغ من العمر ما يُقارب 63 سنة.[٩][٣]

المراجع

  1. البخاري، الجامع الصحيح للبخاري، صفحة 8. بتصرّف.
  2. ^ أ ب أبو بكر كافي، ƒΘ¥ΩƒΩ ƒΘ᪃⌐∩.pdf منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال الجامع الصحيح، صفحة 38-39-40-41. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث حمدي شفيق، الإمام البخاري، صفحة 17-2-3-5. بتصرّف.
  4. سالم جمال هنداوي، ترجمة الإمام البخاري، صفحة 4-6-7-9. بتصرّف.
  5. محمد جمال الدين القاسمي، حياة البخاري، صفحة 28-30-31-32. بتصرّف.
  6. البخاري، الأدب المفرد، صفحة 1. بتصرّف.
  7. البخاري، التاريخ الكبير، صفحة 1. بتصرّف.
  8. البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه، صفحة 1. بتصرّف.
  9. سالم جمال الهنداوي، ترجمة الإمام البخاري، صفحة 11. بتصرّف.