من هو الإمام الشافعي؟

هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، ومؤسس علم أصول الفقه، وإمام في علم التفسير، وعلم الحديث، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي.


هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وكنيته أبو عبد الله، عربي قرشي، وهو ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام؛ إذ يلتقي معه في جده عبد مناف، وبذلك فهو يجمع ما بين العلم الغزير، والنسب الطاهر، وهو أحد أئمة المذاهب الأربعة، وإمام أهل السنة، وأول من صنف في أصول الفقه، وأحكام القرآن، وقد أخذ عنه الكثير من أكابر العلماء، وأثنوا عليه، وله الكثير من المصنفات الهامة والنادرة، وكان كريمًا، وعابدًا، وورعًا، وتقيًا، لا يخاف في الله لومة لائم، كما كان قوي البيان، وواضح التعبير، وفصيح اللسان، وكان يمتلك صوتًا جميلًا، وعميقًا، خاصة عند قراءة القرآن الكريم.[١][٢]


مولد الإمام الشافعي ونشأته

ولد الإمام الشافعي في مدينة غزة في فلسطين عام 150 هجريًا، وهو نفس العام الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة النعمان، ووالدته هي الشفاء بنت أرقم بن نضلة، وقد توفي والده وهو ما زال طفلًا صغيرًا، فنشأ يتيمًا، وقامت أمه على تربيته على أكمل وجه، ولما بلغ عمر السنتين أخذته أمه من غزة إلى مكة المكرمة؛ ليعيش بين أهله، وينشأ على مبادئهم وأفكارهم، وقد حرصت أمه على تلقيه العلم أشد الحرص، وذلك على الرغم من فقرها، وعدم قدرتها على دفع نفقات تعليمه، فحفظ القرآن الكريم كاملًا وهو في سن 7 سنين، وحفظ كتاب الموطأ للإمام مالك وهو في عمر 10 سنين، كما كان مستقرًا في المسجد الحرام ولا يغادره؛ فيجالس العلماء فيه، ويحفظ الحديث عنهم، ويدونه.[٣]


رحلة الإمام الشافعي في طلب العلم

بدأ الشافعي رحلته في طلب العلم بحفظ القرآن الكريم، ورواية الحديث، ولكنه أبدى اهتمامًا كبيرًا باللغة العربية، والنحو، فرحل إلى البادية ولازم قبيلة هذيل؛ ليتعلم منهم الفصاحة، والبلاغة، فقرأ أشعارهم، وحفظها، وأجاد لغتهم، حتى قيل إن الأصمعي قد تلقى الشعر على يديه.[٤]


ولما عاد الشافعي من البادية إلى مكة المكرمة، بدأ بتعلم الفقه على يد مفتي مكة الشيخ مسلم بن خالد الزنجي، والذي أجاز له الإفتاء وهو ما زال في عمر الخامسة عشر فقط، ثم توجه الشافعي إلى المدينة المنورة للقاء الإمام مالك، وقرأ عليه ما حفظه من كتاب الموطأ، فأعجب الإمام مالك بفصاحته، وقد ظل الشافعي ملازمًا له، ويتلقى العلم منه حتى وفاته، بعد ذلك انتقل الشافعي إلى اليمن، وعمل هناك في القضاء، وكان معروفًا بعدله، وذكائه، وعلمه الغزير، إلى أن ترك القضاء بسبب خلافٍ وقع بينه وبين الخليفة هارون الرشيد، بعدها رحل الشافعي إلى بغداد وذلك في عام 195 هجريًا، وهناك التقى بالإمام أبي حنيفة، فلازمه، وتلقى العلم منه، وخلال هذه الفترة ألف كتابه (الحجة)، ثم انتقل الشافعي إلى مصر عام 199 هجريًا، وبقي فيها حتى وفاته، وهناك عكف على تصنيف الكتب الفقهية، وتأليف الكتب والتي كان أشهرها كتاب (الأم).[٥]


المذهب الشافعي

نشأ المذهب الشافعي بعد مروره بعدة مراحل تطور مختلفة، إلى أن وصل إلينا في شكله الحالي، فالمرحلة الأولى، وهي التي تُسمى بالمذهب القديم، والتي تمثل الفترة التي قضاها الشافعي في مكة والمدينة والعراق، إذ تلقى في هذه الفترة العلم من أكابر علماء وشيوخ المذاهب الأخرى، فجمع الشافعي بذلك بين جميع المدارس الفقهية التي سبقته، أما المرحلة الثانية فهي تمثل الفترة التي قضاها في مصر إلى أن وافته المنية، إذ اطلع هناك على مذهب الإمام الليث بن سعد، وفقه الإمام الأوزاعي، واطلع على أحاديث لم تبلغه من قبل، وقد عمل خلالها على تنقيح أعماله التي كتبها في بغداد، وتصحيح بعض من أقواله واجتهاداته القديمة، وعدل عن بعض فتاويه السابقة، لذلك عُرفت هذه المرحلة باسم المذهب الجديد، والذي اعتمده بعد ذلك كبديل عن مذهبه القديم في العراق، وقد قام الشافعي بنفسه بوضع أصول وطرق الاستدلال والاستنباط الخاصة بمذهبه، عن طريق تأليفه لكتابيه الرسالة الأولى، والرسالة الثانية، بالإضافة إلى مصنفاته الكثيرة في هذا المجال والتي تُعد أمثلة عملية على هذه الأصول والضوابط، وقد ساعده في ذلك عدد من طلاب العلم، الذين كان لهم الدور الأكبر في نشر مذهبه وحفظه، عن طريق نسخ كتبه، ونقلها إلى بلادهم، بالإضافة إلى ذلك فإن الجهد المبذول من قِبل أصحاب الشافعي، وتخصص الكثير من الرجال في المذهب الشافعي، والكتابة عنه، ساهم بشكلٍ كبير في انتشاره في معظم البلاد الإسلامية باستثناء شمال إفريقيا والأندلس.


ومن الواضح أيضًا تأثر الشافعي بأستاذه الإمام مالك؛ فقد بقي متبعًا لمذهبه إلى أن رحل إلى بغداد، وأسس مذهبه الخاص هناك، بالإضافة إلى تأثره الكبير بالمذهب الحنفي، وذلك نتيجةً لاتصاله بعلماء الحنفية الكبار، وقراءة كتبهم، وقد اقتبس منهم بعض من طريقتهم ومنهجهم، مثل؛ القياس، ورفض البعض، ومن أكثر ما يميز المذهب الشافعي توسعه في استعمال الحديث والاستدلال به، والحد من استخدام الرأي والقياس، على الرغم من عدم إنكاره للقياس بشكلٍ كامل، بل ضيّق من سلطته، فكان بذلك أول من أعطى الحديث مكانته الأولى في الفقه، الأمر الذي أيده علماء كبار كثر، مثل: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه.


شيوخ الإمام الشافعي وتلاميذه

أخذ الإمام الشافعي العلم عن كثير من العلماء والأئمة، منهم على سبيل الذكر لا الحصر:[٦]

  • مالك بن أنس.
  • عبدالله بن المبارك المرزوي.
  • محمد بن الحسن الشيباني.
  • مسلم بن خالد الزنجي.
  • وكيع بن الجراح.
  • محمد بن عمرو الواقدي.
  • يوسف بن يعقوب بن الماجشون الكوفي.


ومن أشهر تلاميذ الإمام الشافعي على سبيل الذكر لا الحصر:[٧]

  • أحمد بن حنبل.
  • قتيبة بن سعيد.
  • إسماعيل بن يحيى المزني.
  • حرملة بن يحيى.
  • الربيع الجيزي.
  • يوسف بن يحي البوطي.
  • محمد بن جرير الطبري.


مصنفات الإمام الشافعي

ألف الإمام الشافعي الكثير من المصنفات والكتب، منها على سبيل الذكر لا الحصر:[٦]

  • الأم.
  • المسند في الحديث.
  • أحكام القرآن الكريم.
  • السنن.
  • الرسالة.
  • فضائل قريش.
  • المواريث.
  • إثبات النبوة.
  • ديوان الإمام الشافعي.


ثناء العلماء على الإمام الشافعي

بلغ الإمام الشافعي منزلة كبيرة، ومكانة عالية بين علماء عصره، مما جعل كبار العلماء يثنون عليه، ومن أقوال العلماء عنه:[٨]

  • قال الإمام الحافظ عبد الرحمن بن مهدي: " لما نظرت الرسالة للشافعي أذهلتني، لأنني رأيت كلام رجل عاقل، فصيح ناصح، فإني لأكثر الدعاء له، وما ظننت أن الله خلق مثل هذا الرجل".
  • قال الإمام الحافظ أبو زرعة الرازي: "ما أعلم أحدًا أعظم منة على أهل الإسلام من الشافعي".
  • قال بشر المريسي: "مع الشافعي نصف عقل أهل الدنيا".
  • قال الإمام أحمد بن حنبل: "ما أحد مس بيده محبرة ولا قلمًا، إلا وللشافعي في رقبته منة، ولولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث، وكان الفقه قفلًا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي".


وفاة الإمام الشافعي

توفي الإمام الشافعي ليلة الجمعة بعد صلاة العشاء، في آخر يوم من رجب، عام 204 هجري، وقد دفن في مقبرة المقطم بمصر، وقيل إن سبب موته هو إصابته بمرض البواسير، والذي اشتد عليه في أواخر أيامه.[٩]

المراجع

  1. أحمد فريد، من أعلام السلف، صفحة 1-9. بتصرّف.
  2. طارق سويدان، الإمام الشافعي، صفحة 5. بتصرّف.
  3. نجاح شاهر سعد الغضباني، منهج الإمام الشافعي في كتابه الأم، صفحة 4-5. بتصرّف.
  4. بكر محمد إبراهيم، الإمام الشافعي حياته وفقهه، صفحة 24-35. بتصرّف.
  5. مهند فؤاد استيتي، الشافعية.pdf كتب فقه الشافعيــة، صفحة 115-117. بتصرّف.
  6. ^ أ ب محمد حافظ الشريدة، الإمام الشافعي شاعرًا، صفحة 959-961. بتصرّف.
  7. عبدالغني الدقر، الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر، صفحة 5. بتصرّف.
  8. نجاح شاهر سعد الغضباني، منهج الإمام الشافعي في كتابه الأم، صفحة 11. بتصرّف.