من هو الجاحظ؟

هو أديب من كبار أئمة الأدب العربي في العصر العباسي.

 

وهو أبو عثمان بن عمرو بن بحر الكناني البصري، يعد من أعلام الكُّتاب الذين كان لهم أثر واضح في تطور النثر العربي، إذ اتسع بالموضوعات، وأغناها بروائع الصور، كما كان حريصًا على استقاء معلوماته من مصادر مختلفة وانخراطه مع ثقافات متعددة، بالإضافة إلى جوبه مختلف البلاد للتعرف على طوائف الناس لاستقصاء المعلومات من المصدر الصحيح دون وسائط، إذ كان كل ما ينشده سعة المعرفة وكمالها.[١]


مولد الجاحظ 

ولد الجاحظ عام 150هـ/767م في مدينة البصرة في العراق، وقد أطلق عليه لقب الجاحظ بسبب جحوظ عينيه للخارج وبروزهما، ويقال أيضًا أنه سميّ "بالحَدَقي" وهو أقل ذيوعًا من لقبه الأول.[١]


ثقافة الجاحظ ومعرفته

اشتهر الجاحظ باتساع معارفه ومنهجيته، ولم يقتصر على هذه فقط، بل كان لتكوينه الديني والفكري دورًا كبيرًا في تميز أعماله، وحرص الجاحظ على تواجده في أوساط الأدباء، فكان يلازم كل المجامع، ويحضر جميع الدروس، ويشترك في مناقشات العلماء، إلى جانب سماعه لكلام الأعراب وأحاديثهم، وحديثه مع معاصريه وأساتذته حول مختلف المواضيع، وتلمذته على أيدي العلماء في عصره، وأخيرًا الكتب التي انكب على قراءتها بنهم، فكل ذلك كان له دور كبير في بروز الجاحظ.[٢]


أسلوب الجاحظ الإنشائي

كان للجاحظ أسلوب مميز تحدّوه فيه، إذ جعل الجملة قطعًا كالشعر لكن دون وزن أو قافية، كقوله: "جنّبك الله الشبهة، وعصمك من الحيرة، وجعل بينك وبين المعرفة سببًا، وبين الصدق نسبًا، وحبب إليك التثبيت، وزين في عينك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى، وأشعر قلبك عز الحق... إلخ"، فهذا الأسلوب الإنشائي يُنسب إلى الجاحظ، لذلك اتبعه العديد من المنشئين وأبناء عصره وكان قدوة لهم

كما كان يمتلك أسلوبًا مميزًا، فكان واسع المدى في طرائق تناوله للموضوعات، وفي تركيبه للعبارات، وفي تنويعه واستطراده، وفي انتقائه للألفاظ والمصطلحات، وفي طرائق تعامله مع الناس، فكل ذلك كان ينعكس على أسلوب الجاحظ وكتاباته التي يلاحظ فيها القارئ سعة ثقافة الكاتب ومعرفته، وروحه المرحة ودعابته، وفكره ولغته المميزة.[٣]


أساتذة الجاحظ

تتلمذ الجاحظ على أيدي أساتذة من مختلف المجالات، منهم: [٣]

  • في مجال علوم اللغة والأدب والشعر والرواية: أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي، وأبو زيد بن أوس الانصاري، والأصمعي، ومحمد بن زياد بن الأعرابي، وخلف الأحمر، وأبو الحسن الأخفش، وأبو عمرو الشيباني، وعلي بن محمد المدائني.
  • في مجال علوم الفقه والحديث: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، والسري بن عبدويه، ويزيد بن هارون، والحجّاج بن محمد بن حماد بن سلمة، وثمامة بن الأشرس الذي لازمه الجاحظ إلى بغداد.
  • في الاعتزال والكلام: أبو الهذيل العلّاف، والنَّظَّام، ومويس بن عمران، وضرار بن عمر، والكندي، وبشر بن المعتمر الهلالي، وثمامة بن أشرس النُّمري، وأحمد بن حنبل الشيباني.


المنهج العلمي عند الجاحظ

تميز الجاحظ بأسلوبه البحثي الدقيق والمضبوط، فكان يبدأ بالشك ليُعرض على النقد، ويمر بالاستقراء للتعميم والشمول، إذ استطاع أن يضفي على بحوثاته صبغة أدبية جمالية ليسيغها إلى الأذهان ويحببها على القلوب، فكان منهجه العلمي يعتمد على:[٣]

الشك

لم يكتفِ الجاحظ بالشك أساسًا من أُسس منهجه العلمي، بل جعل له أهمية من الناحية النظرية في مواضيع كتبه، ومن أهم ما قاله في ذلك: "واعرف مواضع الشك وحالاتها الموجبة لها لتعرف بها مواضيع اليقين والحالات الموجبة له، وتعلَّم الشك في المشكوك فيه تعلُّمًا، فلو لم يكن في ذلك إلا تعرُّف التوقف ثم التَّثبُّت، لقد كان ذلك مما يحتاج إليه، ثم اعلم أن الشك في طبقات عند جميعهم، ولم يُجمعوا على أن اليقين طبقات القوة والضعف"، وهذا يبين أن الجاحظ لم يورد الشك لمحض الشك، ولا يقبل أن يكون الشك كيفما اتفق، بل كان هدف الشك هنا طلب الحقيقة الجلية الواضحة والتي لا تقبل تفاوتًا في الدرجات.


النقد

امتلك الجاحظ عقلية نقدية بارعة، أي أنها نقدية بالمعنى الاصطلاحي المنهجي، وبالمعنى المتعارف عليه للانتقاد، فكان نقده بالمعنى الشائع يتجلى أكثر ما يتجلى في تعليقاته الساخرة أو تهكماته التي لم يسلم منها مخطئ، أما نقده المنهجي فارتكز في كتبه ورسائله، إلى جانب تعاملاته مع مختلف الموضوعات المعرفية العلمية منها والأدبية، إلى جانب نقده لعلماء عصره، والعلماء السابقين. 


التجريب والمعاينة

يعد التجريب نقطة مرتبطة بالنقد ومتلازمة معه خصوصًا في مسائل العلم الطبيعي، فجعل هذه الخطوة من أسس منهجه العلمي، فكان يقوم بالتجريب على خطوتين؛ الأولى هي التجربة والمعاينة الذاتية منه، والثانية هي نقل تجارب أساتذته ومعاصريه، إذ قام الجاحظ بتجارب ومعاينات كثيرة لإثبات صحة المعلومة، أو لنفي خبرٍ تناهى إلى سمعه ولم يستسغه عقله.


أشهر مؤلفات الجاحظ

من أهم مؤلفات الجاحظ:

  • كتاب البيان والتبيين: ويقال (التبين والتبيان) وهو كتاب في الخطابة، والخطباء، والأدب، والإنشاء، وأبحاث في البيان، والشعر، والسجع، والنساك، والزهاد، وأمثلة من خطب النبي والخلفاء، وفي الأحاديث، واللحن، واللحانين، يحتوي الكتاب على مختارات من الأعمال الأدبية وما حوته من رسائل وقصائد، إلى جانب استعراضه لخطابات الفصحاء والأعلام وما فيها من بلاغة، إلى جانب احتواء الكتاب على حس فكاهي للتهوين على القارئ طول الكتاب وصعوبة اللغة.[٤]
  • كتاب الحيوان: يعد أقدم كتاب في علم الحيوان باللغة العربية، ويختلف هذا الكتاب عن باقي كتب الحيوان بأنه يشرح على وصف طبائع الحيوانات من حيث علاقتها من الإنسان، إلى جانب فوائد أدبية واجتماعية وتاريخية، إذ يعد هذا الكتاب أول كتاب يهتم بالحيوانات وغرائزها وأحوالها وعاداتها، فالكتب الأولى من هذا النوع كانت للأصمعي، وابن الكلبي، إذ كانوا يهتمون اهتمامًا لغويًا وليس علميًا كما فعل الجاحظ، كما اشتمل كتاب الحيوان بعض أحوال العرب وعاداتهم، وعلومهم مثل مسائل الفقه.[٤]
  • كتاب المحاسن والأضداد: يركز هذا الكتاب على فضائل الأشياء وعيوبها، فيذكر العادات الاجتماعية، والصفات البشرية، والمشاعر، والصفات والأفعال، كما يحتوي على طرائف خيالية، ومواقف اجتماعية، وغيرها، بالإضافة إلى احتواء الكتاب على إبداع لغوي مميز، ونوادر تاريخية، ومواقف اجتماعية، وطرائف خيالية.[٥]

كتاب البخلاء للجاحظ

أكثر ما اشتهر به الجاحظ هو كتاب البخلاء الذي تطرق من خلاله لسلوكيات البخلاء وأنماط تعاملهم وتفكيرهم، وادعاءاتهم، وأساليبهم، وحججهم، إذ كان يقوم بنقدها مرة، وعرضها عرضًا تهكميًا مرةً أخرى، أو يقوم بتصويرها تصويرًا جماليًا مبالغ فيه، تجدر الإشارة إلى أن أغلب مؤلفات الجاحظ كانت تتطرق إلى الأخلاق من مختلف الجوانب،[٣] يحتوي هذا الكتاب على عمق أدبي، سرد خلاله الجاحظ حكايات البخلاء على لسان البخلاء أنفسهم، كما وصف البيئة المحيطة وصفًا دقيقًا، وكان دقيق التصوير الذهني والتشبيهات والاستعارات،[٦] ويعد هذا الكتاب وثيقة اجتماعية تصوّر حياة الناس في العصر العباسي، إلى جانب كونه وثيقة أدبية فريدة لما يحتويه الكتاب من بلاغة في اللغة العربية وصعوبة في لغته الأدبية، كما يحتوي على أسماء أعلام في ذلك العصر إلى جانب ذكر الجاحظ لأسماء بعض الأماكن والبلدان وصفات ساكنيها، يغلب على الكتاب الروح المرحة والفكاهية التي يمتلكها الجاحظ وانعكست في كتابه البخلاء.[٤]


أشهر مقولات الجاحظ

هناك عدّة مقولات مشهورة للجاحظ، منها:[٣][٣]

  • من لم يعلم أنَّ فوقه ناقمًا عليه، وأن له منتقمًا لنفسه من نفسه، أو مقتضيًا منه لغيره، كان ميله وذهابه مع جواذب الطبيعة ودواعي الشهوة طبعًا لا يمتنع معه، وواجبًا لا يستطيع غيره.
  • من قامت أخلاطُه على الاعتدال وتكافأت خواطره في الوزن لم يعرف من الأعمال إلا الاقتصاد، ولم يجد أفعاله أبدًا إلا بين التقصير والإفراط، لأن الموزون لا يولد إلا موزونًا، كما أن المختلف لا يولد مختلفًا.
  • لكلٍّ نصيبٌ من النقص، ومقدارٌ من الذنوب، وإنّما يتفاضل الناس بكثرة المحاسن وقلة المساوئ، فأما الاشتمال على جميع المحاسن، والسلامة من جميع المساوئ ودقيقها وجليلها، وظاهرها وخفيِّها، فهذا لا يُعرف.
  • اعلم أنَّ الله جلَّ ثناؤه خَلقَ خلقَهُ، ثم طبعهم على حبِّ اجترار المنافع، ودفع المضار، وبُغض ما كان بخلاف ذلك، هذا فيهم طبعٌ مركب، وجِبلةٌ مفطورةٌ، لا خلاف بين الخلق فيه، موجودٌ في الإنسان والحيوان، لم يدَّع غيره مدَّع، من الأولين والآخرين.
  • لو كان الأمر على ما يشتهيه الغِرِّير والجاهل بعواقب الأمور، لبطل النَّظر وما يشحذ عليه وما يدعو إليه ولتعطّلت الأرواح من معانيها والعقول من ثمارها، ولعدمت الأشياء حظوظها وحقوقها.


وفاة الجاحظ

بقيَ الجاحظ مُنكبًّا على التأليف والتعمق في العلم إلى أن أدركته الشيخوخة وأصيب بمرض الفالج (الشلل النصفي)، ولما اشتدّ عليه المرض عاد إلى البصرة مسقط رأسه فأقام فيها ما تبقى من أيامه وتوفي عام 255هـ/868م في خلافة المعتز بسبب مرض الفالج، عن عمر يقرب أو يفوق المئة عام مُخلفًا وراءه مئات المؤلفات ومعرفة ضخمة لا تزال خالدة حتى الآن.[٢]

المراجع

  1. ^ أ ب كامل محمد محمد عويضة، الجاحظ الشاعر الأديب الفيلسوف، صفحة 5-6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب إبراهيم الكيلاني، الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء، صفحة 91-92. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح عزت السيد أحمد، فلسفة الأخلاق عند الجاحظ، صفحة 22. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "كتاب البخلاء – الجاحظ"، أخضر، اطّلع عليه بتاريخ 21/4/2021. بتصرّف.
  5. " المحاسن والأضداد"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 21/4/2021. بتصرّف.
  6. "كتاب البخلاء"، مكتبة النور، اطّلع عليه بتاريخ 21/4/2021. بتصرّف.