من هو النابغة الذبياني؟

وهو شاعر عربي مُخضرم من فحول الشعراء الجاهليين في القرن الخامس الميلادي.


وهو زياد بن معاوية بن ضباب بن جناب بن يربوع بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن ريث بن غطفان بن قيس عيلان بن مضر، المُلقب بالنابغة، وكنيته أبو أمامة، أو أبو تُمامة وكليهما ابنتيه، أما عن سبب تسميته بالنابغة فقيل لأنه قال الشعر على كِبر ونبغ فيه بشكل مُفاجئ، وقيل أن لقبه مُشتق من نبوغ الحمامة في مغناها، وأن نبوغ الأبيات الشعرية يتدفق من فمه كنبوغ جزيئات الماء العذبة، وقيل بسبب بيتٍ أنشده، ومن جهة أخرى يُصنّف الذيباني كواحد من أعظم فحول شعراء الطبقة الأولى، كما وُصفَ بشاعر الحَضر في عصر الجاهليّة؛ بسبب اتصاله الوثيق بالحكّام وملوك القبائل ونشأته وسطهم يُنشد أبيات المديح والطرب العذب والبديع، وعدّه الكثيرون من أشعر شعراء الجاهلية، ومن أصحاب المُعلقات، وكانت تقام له قبة جلديّة حمراء في سوق عكاظ، ويقصده الشعراء يُنشدون أبياتهم سائلين حُكمه وتقييمه لها، ومن بينهم الخنساء، والأعشى، وحسان بن ثابت وغيرهم من الشعراء المرموقين من أهل زمانه.[١][٢]


مولد ونشأة النابغة الذبياني

لم يُحدد المترجمون والمؤرخون تاريخ ولادة النابغة الذيباني بدقة، لكن قيل أنه وُلد في قبيلة ذيبان ووكان من سادتها وأشرافها، وأن والديه ينتسبان لها، ونشأ بين ديار غطفان، يُدافع عنهم بأشعاره قبل أن يتصل بباقي الملوك ويرتحل إلى بلادهم، ولم يكن الذيباني شاعرًا في مطلع حياته بالتالي لا توجد الكثير من الأخبار حول نشأته الأولية، وقيل أن أول ما أنشده من القصيد كان في سن متأخر بينما كان حاضرا برفقة عمه، فأعجب الناس بشعره واستحسنوه وتوالت من بعدها قصائده وأبياته العذبة.[٢][٣][٤]


منزلة النابغة الذبياني ومسيرته الشعرية

كان الذيباني مضربًا للمثل بين شعراء عصره، وقيل أنه قدم إلى ملوك الحيرة المناذرة وأقام في رعايتهم مدّة من الزمن، فغدى جليس الملوك وشاعرهم المُفضل، ومن بين أبرزهم النعمان بن المنذر الذي كان للنابغة مكان خاص بين حاشيته وكان يُجلسه في مجالسه ويفر منه ويُكرمه بجملة من الهدايا والمكافآت، الأمر الذي أشعل النار في قلوب حاسديه من الشعراء والعامة، فحاولوا مرارًا الغدر به، وبالفعل وصلوا إلى مُرادهم، فروي أن زوجة النعمان التي عرفت بلقب المتجردة كَتب فيها النابغة الذيباني قصيدة وصفيّة مميزة بطلبٍ من النعمان نفسه، لكن الماكرين والحساد اتهموا الذيباني بخيانة الملك مع زوجته، وأنه قد هجاه في أشعاره، فاشتعلت براكين الغضب في نفس الحاكم وأراد الانتقام من شاعره الميمون، فهرب الذيباني إلى ديار حكام الغساسنة لواقعة في حوران من بلاد الشام، وقد كانو مُعادين للمناذرة حينها، فازداد حقد النعمان عليه، وخلال إقامة الذيباني بين حاشية الغساسنة مدح ملوكها أيضًا وأشرافها بقصائد وأبيات عريقة ومميزة وعلى رأسهم عمرو بن الحارث، ولكنه في نفس الوقت كان يميل إلى مليكه النعمان بن مُنذر الذي نجح الوشاة بالإيقاع به في نظره، وأنشد سلسلة من القصائد التي اعتذر فيها عن الإساءة للنعمان وبرأ نفسه مما نسب إليه، وسميت قصائده بالاعتذاريات تبعًا لمضمونها وغايتها الشعرية، وبالفعل نجح النابغة في كسب رضا ملك المناذرة النعمان واستماله إلى جانبه من جديد ليعفو الآخر عنه ويُعيده إلى بلاطه مُعززًا مُكرمًا وهو ما يدحض الشائعات التي رويت عنه بأنه أصيب بالخرف وجاب أراضي اليمن في آخر حياته.[١][٥][٤]


السمات الشعرية في أبيات النابغة الذبياني

اتصفت أشعار الذيباني بحسن السرد وبامتلاكها رونقًا وحسًا فنيًا مميزًا، بالإضافة إلى جزالة المعنى ووضوحه، وخفة وسهولة اللفظ، والبعد عن التكلّف وجودة النظم، واعتبره الكثير من النقاد والمرققين من أشعر شعراء العصر الجاهلية ومن أصحاب المعلقات، ومن جهة أخرى فقد تعددت الأغراض الشعرية التي أنشد فيها الذيباني قصائده العذبة، وأبرزها:[٥][٦]

  • المديح: حيث تفنن في مديح ملوك وأشراف القبائل التي كان يفدها، ومن أبرزهم النعمان صاحب الحيرة الذي كان الشاعر المُفضل بالنسبة إليه فكان الذيباني يُهب في مدحه وشكره والآخر يُجزيه العطاء فاكتنز من وراءه ثروة عظيمة حتى غدا يشرب وأكل في أواني ذهبية وفضيّة، بالإضافة إلى مدحه ملوك الغساسنة عمرو بن الحارث الأصغر، ومن بعده أخاه النعمان، وغيرهم الكثيرون، وقل الوصف في شعر المديح عنده عدا قصيدته الشهيرة التي وصف فيها المتجردة زوجة النعمان والتي كانت سبب وشاية الحاسدين بينه وبين النعمان.
  • الاعتذارات: اكتسح النابغة اذيباني الزعامة بجدارة في أشعار الاعتذار التي قيلت في العصر الجاهلي، وكان أجود الشعراء في هذا الفن خاصةً في قصيدة الاعتذار التي قدمها للنعمان بن منذر ملك للحيرة والتي طلب فيها العفو إذا ما أساء له بقوله أو فعله، فتأثر الملك بشدة من لطف اعتذار الذيباني، وأغراه إلحاحه وطلبه الرضا، وكان شعره حكيمًا بليغًا شديد الأدب.
  • مقاصد الشعرية أخرى من بينها الهجاء، فقد هجا النابغة ابن زرعة، بالإضافة إلى المُفاخرة، والرثاء والعتاب، ومثال ذلك قصائد أنشدها في قبيلته بني ذيبان الذين جارو عليه رغم اعتزازه بهم.


ديوان النابغة الذبياني

جُمعت أبيات وقصائد وأقوال النابغة الذيباني في ديوان شعري ضم القصيد الذي أنشده في سياسة قبيلته، واعتذاره إلى النعمان بن مُنذر، ووصفه للمتجردة، ومديحه للغساسنة، بالإضافة إلى المعلقة الشهيرة، وقد لقي ديوانه اهتمامًا كبيرًا فشرحه أبو بكر البَطليُوسي، كما اعتبره أبو زيد القرشي، والمفضَّل الضَّبِّي، وأبو عبيدة، من أصحاب المعلقات، وتجدر الإشارة إلى أن هناك نثرًا مسجعاً ورد في ديوان الذبياني يمدح به عمرو بن الحارث لكنه مشكوك في صحته وصدق نسبه إلى النابغة. [٢][٣]


أبيات من شعر النابغة الذبياني

من أبيات المعلقة الشعرية المميزة التي أنشدها النابغة الذبياني والتي ضمت للعشر المعلقات ما يأتي:[٧]


يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَنَدِ أَقوَت وَطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ. وَقَفتُ فيها أُصَيلاناً أُسائِلُها عَيَّت جَواباً وَما بِالرَبعِ مِن أَحَدِ. إِلّا الأَوارِيَّ لَأياً ما أُبَيِّنُها وَالنُؤيَ كَالحَوضِ بِالمَظلومَةِ الجَلَدِ. رَدَّت عَلَيهِ أَقاصيهِ وَلَبَّدَهُ ضَربُ الوَليدَةِ بِالمِسحاةِ في الثَأَدِ. خَلَّت سَبيلَ أَتِيٍّ كانَ يَحبِسُهُ وَرَفَّعَتهُ إِلى السَجفَينِ فَالنَضَدِ.



وفاة النابغة الذبياني

اختلف المؤرخون حول وفاة النابغة لكن المُرجح أنه عاش وشهد مقتل النعمان بن المنذر عند كسرى في عام 602م، إذ أنشد فيه الشعر بعد موته، كما حضر حرب داحس والغبراء والصلح أيضًا، وقيل أنه توفي عام 604م.[٥][٨]

المراجع

  1. ^ أ ب علي أبوزيد، "النابغة الذيباني"، الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 20-8-2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت بطرس البستاني، أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، صفحة 179-194-174. بتصرّف.
  3. ^ أ ب النابغة الذيباني، ديوان النابغة الذيباني، صفحة 3-4-5. بتصرّف.
  4. ^ أ ب أحمد بن الأمين الشنقيطي، المعلقات العشر وأخبار شعرائها، صفحة 62-64-66-61. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت جُرجي زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية، صفحة 126-128-129. بتصرّف.
  6. نور حكمة، Hikmah.pdf النابغة الذبيانى و خصائص شعره، صفحة 41-44-45-46. بتصرّف.
  7. النابغة الذيباني، "يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَنَدِ"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20-8-2021. بتصرّف.
  8. بطرس البستاني، أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، صفحة 178. بتصرّف.