من هو بدر الدين الزركشي؟

هو إمام ومفسر ومؤلف وفقيه ومحدث، وعالم في أصول الدين من أئمة المسلمين في القرن الثامن الهجري في عهد الدولة المملوكية.


وهو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، ولقبه بدر الدين، وكنيته أبو عبد الله، وأصله تركي، ومذهبه شافعي، وهو إمام جليل لازم سوق الكتب، وانشغل في التصنيف والتأليف في مختلف العلوم الدينية، فذاع صيته بين الناس وحظي بمكانة عريقة بين أئمة عصره، فاهتم بشكل كبير في علم الأصول والفقه، واتصف بالورع والزهد والتقوى، والانصراف عن ملذات الدنيا، وأغناه علمه ودينه عن السعي وراء كسب المال، وقد تفرغ للتدريس واستحق الجلالة والإمامة، وكثرت مصنفاته ومؤلفاته، فألّف ما يزيد عن ثلاثين كتابًا في مواضيع مختلفة، منها: القواعد، والأصول، والأحكام، والفروع، والعقيدة، والأدب، بالإضافة إلى كتب التفسير والحديث، كما أنه خرّج أحاديث بعض الكتب، كأحاديث الشرح الكبير للرافعي، وعمل على تنقيح ألفاظ الجامع الصحيح، وشرح جمع الجوامع، وأكمل شرح المنهاج للإمام النووي.[١][٢]


مولد بدر الدين الزركشي ونشأته

وُلد الإمام الزركشي في مدينة القاهرة في مصر، في عام 745هـ الموافق 1344م، كما اتفقت كتب التراجم، وقد كانت القاهرة مركزًا عامرًا بالمدارس المزدهرة التي توافد عليها الفضلاء وحملة العلم، وكانت محطة لدور الكتب، العامةِ منها والخاصة، بالإضافةِ إلى حلقات المساجد التعليمية المكتظة بطلاب المعرفة والوافدين من شتى بقاع الأرض، أما عن أبيه فقد كان تركيًا ومملوكًا لبعض الأكابر، فتعلم بدر الدين صنعة الزركش منذ صغره، وتعلق قلبه بعلوم الدين والشريعة، فانكب على طلب العلم والمعرفة.[٣][٢]


علم بدر الدين الزركشي

تفقه الإمام الزركشي بالمذهب الشافعي، وانتظم بحلقات العلم والدروس منذ صباه، فحفظ كتاب المنهاج في الفروع للإمام النووي، وبالاعتماد عليه صار عارفًا بالمنهاج، كما رافق إمام أهل الحديث الشيخ جمال الدين الإسنوي، والذي كان رئيس المدرسة الكاملية، ورئيس الشافعية بالديار المصرية، فلازمه وتعلم منه، ونهل من علمه، وغدا أنجب تلاميذه وأحذقهم، بالإضافة إلى التردد إلى حلقات الكثير من شيوخ مصر البارزين وعلمائها والتزود مما لديهم.


ولم يكتفِ الإمام الزركشي بهذا القدر من المعرفة، بل ارتحل في سبيل طلب العلم من المشايخ المشهورين خارج مصر، فشدّ الرحال وقصد مدينة حلب التي تعلّم فيها الفقه والأصول، ثم انتقل إلى دمشق وتزود بعلم الحديث، ثم عاد إلى القاهرة بعد أن جمع من أشتات العلوم الكثيرة، وأصبح مُحيطًا بالأصول والفروع، فعرف الغريب والنادر، والغامض والواضح، واستقصى الشاذ والمقيس، مُعتمدًا على فطنته وذكائه الفذّ اللذين جعلاه مؤهلًا لمزاولة التدريس، وتولي الإمامة والمقدرة على الجمع والتصنيف، فكتب العديد من المؤلفات، وصنّف ما لم يُصنفه أفذاذ الرجال وصفوة علماء عصره رغم عمره القصير.


وعلى الرغم من أن فضل الزركشي وشهرته ذاعت أكثر بعد وفاته، إلا أنه خلال حياته كان محبوبًا بين الناس، رضيّ الخُلق، عذب الشمائل، متواضعًا، رقيق القلب، محمود الخصال، ويرضى بالقليل من الزاد، فكان طلب العلم شغله الشاغل الذي أغناه عن شؤون الحياة، وعن التنقيب بين كنوز الدنيا.[٣][٤][٢]


أبرز شيوخ بدر الدين الزركشي

تتلمذ الإمام الزركشي على يد نخبة من مشايخ عصره، ومنهم:[١][٢]

  • الشيخ جمال الأسنوي.
  • الشيخ سراج الدين البلقيني.
  • الحافظ ابن كثير.
  • شهاب الدين الأذرعي.
  • الحافظ مغلطاي.
  • الصلاح بن أبي عمر.
  • عمر بن أميلة.


أشهر مؤلفات بدر الدين الزركشي

من أبرز مؤلفات الإمام الزركشي ما يأتي:

  • كتاب الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة: جمَع الإمام الزركشي في هذا الكتاب على ما تفردت به أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها، أو خالفت فيه غيرها من الآراء أو السنن والبينات، أو العلوم المتقنة، بالإضافة إلى ما استنكرته من علماء زمانها، أو رجع إليها في أعيان عصرها، وجملة الفتاوي التي حررتها، والآراء المُرجحة لديها مما اجتهدت فيه، موردًا اختياراتها، والأخبار التي وصلت إلى الزركشي من رواياتها وأقوالها أيضًا.[٥][٦]
  • كتاب التذكرة في الأحاديث المشتهرة: ويُعرف ايضًا باسم "اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة"، ويُعد هذا الكتاب هو أوَّل كتاب مؤلَّف في هذا الفنّ من فنون الحديث، وقد افتتحه الزركشي بمقدمة نفيسة، أوضح فيها أن تبيين الأحاديث المشتهرَة على ألسنة العامة هو أمر في غاية الأهمية؛ إذ إن هنالك الكثير من الأحاديث المكذوبة والمختلقة التي لا أصل لها، ومن هنا تميّز الكتاب بالدقة الشديدة، ورجوع الزركشي واعتماده على كتب اللغة والغريب منها، ناهيك عن سعة معرفته واضطلاعه الذي يتجلى بوضوح في كتابه.[٧]


كتاب البرهان في علوم القرآن

جمع الإمام الزركشي في هذا الكتاب علوم القرآن المُتفرقة والموجودة في عدّة مصنفات مستقلة، وبالتالي فهو يُعد من أجمع الكتب التي صُنفت في علوم القرآن وأكثرها فائدة، والتي ورد فيها مُناسبة الآيات، وأسباب النزول، وأسرار فواتح السور وخواتمها، وعلم القراءات، وعلم المشتبه، وعلم المُبهمات، والناسخ والمنسوخ، وإعجاز القرآن وإعرابه، وأنواع السور المكية والمدنية، وغيرها.


كما عمل الإمام الزركشي بجهدٍ على استيفاء كل علم من علوم القرآن بصورة مُنفردة ومُختصرة، مؤرخًا له، ومُحصيًا أسماء الكتب المؤلَّفة حوله، ومُشيرًا للعلماء والأئمة الذين درّسوه، كما أورد وذكر مسائل وأقوال وآراء العلماء، بالإضافة لأحكام المفسرين، والفقهاء الأصوليين، والمُحدثين، والمُجادلين، وعلماء اللغة العربية، وقد قسّمه المؤلف إلى 47 جزءًا، ذكر في كلّ منها عدّة فصول ضمت تنبيهات وفوائد عظيمة.[٨]


منهج الإمام الزركشي في كتابه البرهان

تميّز الإمام الزركشي بعباراته الواضحة، وحسن الانتقاء للعبارات المنقولة، ومراعاته الدقة في الاستشهاد، واستخدام الأسلوب الرصين المُتقن، والتزام الأمانة والدقة في النقل، وهو ما ظهر بوضوح في مُعظم مُصنفاته ومؤلفاته، أما عن منهجه في التأليف، فيُمكن استسقاء جزء منه من كتابه البرهان، فقد استخدم بشكل واضح علم المبهمات، وكان يُعقب على أسباب الإبهام من خلال بعض التنبيهات والتوضيحات التي استدلّ عليها من القرآن الكريم، بالإضافة إلى الاستشهاد في أقوال العلماء الذين صنفوا وألّفوا حول الموضوع في مواطن كثيرة، فينقل أقوالهم وكلامهم، وفي بعض الأحيان يُناقش هذه الأقوال مُوضحًا موقفه منها، سواء كان مؤيداً لها، أو معارضًا، أو مرجحًا لبعضها.[١][٩]


وفاة بدر الدين الزركشي

توفي الإمام الزركشي في مدينة القاهرة في سنة 794 هـ/ 1391 م، وكان يبلغ من العمر قرابة 49 عامًا. [١]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث محمد فاروق النبهان، كتاب المدخل إلى علوم القرآن الكريم، صفحة 58. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث بدر الدين الزركشي، خبايا الزوايا، صفحة 7-8-9-10. بتصرّف.
  3. ^ أ ب بدر الدين الزركشي، كتاب البرهان في علوم القرآن، صفحة 3. بتصرّف.
  4. بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن، صفحة 4. بتصرّف.
  5. بدر الدين الزركشي، كتاب الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، صفحة 3. بتصرّف.
  6. بدر الدين الزركشي،، كتاب الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، صفحة 1. بتصرّف.
  7. بدر الدين الزركشي، كتاب التذكرة في الأحاديث المشتهرة. بتصرّف.
  8. در الدين محمد بن عبد االله بن هبادر الزر كشي، كتاب البرهان في علوم القر آن، صفحة 1. بتصرّف.
  9. محمد فاروق النبهان، كتاب المدخل إلى علوم القرآن الكريم، صفحة 59. بتصرّف.