من هو الشوكاني؟

هو عالم مسلم يمني، وفقيه، وقاضٍ، وأحد أبرز علماء السنة والجماعة في القرنين الثاني والثالث عشر الهجري.


وهو الإمام محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني الصنعاني، ويُكنى بأبي علي، وشيخ الإسلام، والشيخ العلامة، والفقيه الأصولي، والمحدث، والمفسر، وقاضي القضاة، أمضى حياته في طلب العلم، والدعوة إلى الكتاب والسّنة، وانتهاج منهج السلف الصالح في العبادات والمعاملات، ومن جهةٍ أخرى، فقد حارب وقاوم بكل ما أوتي من قوة التقليد والتعصب للمذاهب، فكان يتبع منهج الاجتهاد، والاعتماد على الدليل في ترجيحاته وآرائه في الفقه أو الأصول، وبذلك يمكن اعتباره امتدادًا للعلماء المجددين، مثل ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم.[١]


مولد الشوكاني ونشأته

ولد الإمام الشوكاني في تاريخ 28 من شهر ذي القعدة، في عام 1173 هجريًا، في قرية اسمها هجرة شوكان، بالقرب من صنعاء، وقد انتقل مع عائلته فيما بعد إلى صنعاء، حيث استقروا فيها، وقد نشأ الشوكاني نشأة دينية في كنف عائلة ميسورة ماديًا، وذات مكانة عالية اجتماعيًا، كما عُرف عنها حب العلم، والمعرفة، والصلاح، فقد كان والده من كبار العلماء، وكان يشغل منصب قاضي صنعاء، مما هيأ للشوكاني بيئة مناسبة ساعدته على التفرغ لطلب العلم والمعرفة.[٢]


ثقافة الشوكاني وتعليمه

بدأ الشوكاني تلقي العلم منذ أن كان طفلًا صغيرًا، فحفظ القرآن الكريم، وجوَّده على أيدي كبار علماء التجويد، وحفظ متن كتاب "الأزهار"، كما تتلمذ على يد كبار العلّامات والشيوخ في صنعاء، فقرأ ودرس في معظم مجالات العلوم المختلفة، مثل الفقه وأصوله، والحديث، والتفسير، واللغة، والأدب، والمنطق، والتاريخ، والسير، والمذاهب، حتى استوفى كل ما عند العلماء من كتب، ونتيجةً لذلك برع الشوكاني وأتقن جميع العلوم العقلية والنقلية، فصار من كبار المحنَّكين والعارفين في علوم الاجتهاد.


والجدير ذكره أن الشوكاني لم يرحل في طلب العلم كما كان متعارفًا عليه في ذلك الوقت، بل اكتفى بتحصيل العلم في صنعاء، وذلك بسبب عدم سماح والديه له بالسفر، كما لم تكن هناك حاجة ملحة لسفره؛ فقد كانت صنعاء مليئة بكبار العلماء والشيوخ في مختلف مجالات العلوم، بحيث استطاع الشوكاني الحصول على كل ما يحتاجه من علم دون تكبد عناء السفر.[٣]


مكانة الشوكاني العلمية

اكتسب الإمام الشوكاني مكانة علمية كبيرة بين أقرانه من العلماء في ذلك الوقت، فقد وهب نفسه للعلم والتعليم، وبدأ بالتدريس في عمرٍ صغير، فكان كلما تعلم أو قرأ أو سمع علمًا من شيوخه، حرص على إلقائه على تلاميذه، وشرحه لهم، وقد كان عدد دروسه اليومية لطلابه يزيد عن عشرة دروس، موزعة على عدة علوم، منها؛ التفسير، والحديث، والأصول، والبيان، والمنطق، كما تسلّم الإمام الشوكاني منصب الإفتاء وهو لا يزال في العشرين من عمره، ومما يدل على سعة علمه في العلوم الشرعية ومكانته الكبيرة، حتى أنه في بعض الأحيان كانت ترِد عليه الفتاوى من خارج صنعاء، وشيوخه ما زالوا على قيد الحياة.[٤]


تولى الإمام الشوكاني منصب قضاء صنعاء وهو لا يزال في السادسة والثلاثين من عمره، وقد استمر في هذا المنصب لمدة إحدى وأربعين سنة، وإلى أن وافته المنية، ويذكر الشوكاني أنه تولى هذا المنصب رغمًا عنه؛ وذلك لرغبته في التفرغ للعلم والتدريس، وقد اعتبره ابتلاء وامتحانا من الله، إلا أنه اضطر إلى قبوله، وذلك لعدة أسباب مهمة منها: خوفه من أن يتولى هذا المنصب أحد الأشخاص غير المؤهلين لذلك، كما رأى في هذا المنصب فرصة كبيرة لنشر السنة، والقضاء على البدعة، والدعوة إلى منهج السلف الصالح، والتقليل من التقليد الأعمى، ونبذ التعصب المذهبي، وقد أظهر الشوكاني كفاءة عالية في منصبه هذا، فكان يحكم بالعدل، ويُعطي كل ذي حقٍ حقه، ويُنصف المظلوم، كما كان شديد الورع والتقوى، فلم يكن يقبل الهدايا أو الرشوة من أحدٍ أيٍّ كان.[٥]


شيوخ الشوكاني وتلاميذه

تلقى الإمام الشوكاني العلم على يد عدد كبير من علماء ومشايخ صنعاء، منهم:[٦]

  • والده علي بن محمد الشوكاني.
  • عبد الرحمن بن قاسم المداني.
  • أحمد بن عامر الحدائي.
  • عبد الله بن إسماعيل النهمي.
  • الحسن بن إسماعيل المغربي.
  • عبد القادر بن أحمد الكوكباني.


ومن أبرز تلاميذه الذين تلقوا العلم على يديه:[٧]

  • محمد بن محمد بن زبارة الحسني اليمني الصنعاني.
  • محمد بن أحمد السودي.
  • أحمد بن عبد الله الضمدي.
  • علي بن أحمد هاجر الصنعاني.
  • القاضي محمد بن حسن الشجني الذماري.


مؤلفات الشوكاني

من أبرز مؤلفات الشوكاني ما يأتي:[٨]

  • نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار.
  • الدراري المضيئة شرح الدرر البهية.
  • إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول.
  • القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد.
  • تحفة الذاكرين بعدّة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين.
  • شرح الصدور في تحريم رفع القبور.
  • البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع.


كتاب فتح القدير

يُعد هذا الكتاب من أهم كتب التفسير، وأعلاها مكانةً، وتنبع أهميته من القيمة العلمية الكبيرة لمؤلفه الشوكاني؛ بسبب سعة علمه، وتمكّنه من جميع أنواع العلوم التي يجب أن تتوفر في المفسر للقرآن الكريم، وهي اللغة، والنحو، والصرف، والبلاغة، وأصول الفقه، والتوحيد، ومعرفة أسباب النزول، والقصص، والناسخ والمنسوخ، وبالإضافة إلى ذلك، فقد جمع هذا الكتاب ما بين نوعين من التفسير المتعارف عليهما هما: التفسير بالرواية، والمقصود به التفسير بالمأثور، أي كل ما جاء في القرآن، أو السنة، أو كلام الصحابة، أما النوع الثاني فهو التفسير بالدراية، والذي يُقصد به التفسير اعتمادًا على الرأي والاجتهاد، وقد اعتمد الشوكاني في تأليفه لهذا الكتاب على العديد من المراجع القيّمة من كتب التفسير المتقدمة لكبار العلماء منهم: النّحاس، وابن عطية، والقرطبي، والسيوطي، ومن جانبٍ آخر، فقد ألّف الشوكاني هذا الكتاب بصورةٍ مختصرة وموجزة وسلسة، فكان مقتصرًا فقط على لبّ الموضوع، بعيدًا عن أسلوب الإطالة، ومستوفيًا حقّ كلا النوعين بكل مهارة.[٩]


وفاة الشوكاني

توفي الإمام الشوكاني في تاريخ 26 من شهر جمادى الآخرة في عام 1250 هجريًا، عن عمرٍ يناهز 77 عامًا، ودفن في صنعاء.[١٠]

المراجع

  1. مفلاح بن عودة، اختيارات الإمام الشوكاني الأصولية في كتابه إرشاد الفحول، صفحة 17 21. بتصرّف.
  2. إبراهيم عبد الرحمن محمد، المسائل التي انفرد بها الإمام الشوكاني في الحدود والجنايات، صفحة 29. بتصرّف.
  3. الشوكاني، فتح القدير، صفحة 7-8. بتصرّف.
  4. الشوكاني، فتح القدير للشوكاني، صفحة 8. بتصرّف.