من هو ثابت بن قرة؟

من هو ثابت بن قرة؟

هو عالم رياضيات، وطبيب، وفلكي، ومترجم، وفيلسوف عربي، وأحد رواد القرن الثالث الهجري في العصر العباسي.

وهو ثابت بن قرة بن مروان بن ثابت بن كرايا بن إبراهيم بن كرايا بن مارينوس بن سالامويوس الحراني، ويُكنى بأبي الحسن، وهو عالم عربي برع واشتهر في علوم مختلفة منها: الرياضيات، والفيزياء، والفلك، والطب، والهندسة، والترجمة، وغيرها الكثير، وقد شهد له جميع المصنفين القدامى بسعة علمه، وبراعته، وتفوقه في جميع المجالات التي عمل فيها، كما ألّف العديد من المصنفات والكتب القيمة، والتي كان لها دورٌ كبير في تقدم هذه العلوم وتطورها، ومن جانبٍ آخر فقد ساهم ثابت بن قرة في ترجمة الكثير من الكتب لكبار العلماء القدامى المعروفين، وقد ساعده على ذلك إجادته للعديد من اللغات الأخرى إلى جانب اللغة العربية كالسريانية، واليونانية.^[١]

مولد ثابت بن قرة ونشأته

ولد ثابت بن قرة في عام 221 هجري، الموافق 836م، في مدينة حرّان، الواقعة على نهر البليخ، وهو أحد روافد نهر الفرات، وتقع حرّان حاليًا في جنوب تركيا، وكان والد ثابت بن قرة وأجداده من زعماء الصابئة، وقد كان لهذه الجماعة الكثير من النشاطات في مجال الفلك، والنجوم، والرياضيات، مما ساهم بشكلٍ كبير في تكوين شخصيته العلمية، ودفعه إلى المضي في مجال دراسة هذه الفروع من العلوم.^[٢][٣]

مسيرة ثابت بن قرة العلمية والعملية

عمل ثابت بن قرة في بداية شبابه في مجال الصرافة والتجارة، ولكنه فيما بعد ترك هذا العمل، واتجه إلى طلب العلم، وهو لا يزال في عمر الخامسة عشر، فبدأ في دراسة اللغات كالسريانية، واليونانية، والعبرية، كما تلقى الكثير من الدروس في مجال الفلسفة، والرياضيات، والمنطق، والطب، فعكف على دراسة كتب أرسطو، وأفلاطون، وإقليدس، وجالينوس، وقد ساعد إتقانه للعديد من اللغات على ترجمة هذه الكتب إلى العربية، كما تولى ثابت منصب التدريس في المسجد الجامع الكبير في حرّان، وهو لا يزال في عمر العشرين فقط.

اضطر ثابت بن قرّة إلى مغادرة مسقط رأسه حرّان متجهًا إلى منطقة كفر توثه؛ بسبب خلاف وقع بينه وبين بعض زملائه من الأساتذة، ثم فيما بعد انتقل إلى مدينة الرقة وذلك في عام 234 هجري، وفيها أنشأ مدرسة خاصة لتعليم علوم الفلسفة، والفلك، والطب، وقد تخرج من هذه المدرسة الكثير من طلاب العلم، مما ساهم في اكتسابه شهرة واسعة.^[٤]

وخلال مسيرة ثابت بن قرّة العلمية والعملية، حالفه الحظ في التعرف على أولاد موسى بن شاكر (محمد، وأحمد، والحسن)، وقد كانوا من العلماء المشهورين في بغداد، ومن رواد الحركة العلمية في بيت الحكمة، وقد كان هذا التعارف عظيم الفائدة على حياة ثابت العلمية؛ إذ انتقل معهم إلى مدينة بغداد، حيث استقر فيها، وتم تعيينه كعضو فاعل في اللجنة العلمية، والتي كانت برئاسة أولاد موسى، وفي بغداد بدأ ثابت بممارسة الترجمة، والطب، والفلسفة، والتدقيق، وقد ساهمت براعته وتفوقه في هذه المجالات إلى تقريبه من الخليفة العباسي المعتضد، والذي قام بتعيينه كأحد الفلكيين في بلاطه، وقد اكتسب ثابت احترام وثقة الخليفة، فأصبح من أشد المقربين منه، مما شجع الخليفة على تعيينه كمستشار أول له، وذلك تقديرًا لمكانته العلمية الكبيرة.^[٥]

أبرز إنجازات ثابت بن قرة العلمية

برع ثابت بن قرة في مجالات العلوم المختلفة، فكان له العديد من الإنجازات التي خلدت اسمه، وأبرزها ما يأتي:^[٦]

• مجال الهندسة: يُعد ثابت بن قرة من أوائل العلماء الذين تصدوا لبرهنة "المسلمة الخامسة لإقليدس"، وحاول تحويلها إلى نظرية الخطين المتوازيين، وكان لعمله هذا دورٌ مهم في تطوير علم الهندسة، وتأسيس علم هندسي جديد أطلق عليه إسم "الهندسات اللا إقليديسية"، كما قام ثابت بترجمة الكتب السبعة من أجزاء المخروطات للكاتب "أبولونيوس" من اللغة اليونانية إلى العربية، فكان له الفضل الكبير في الحفاظ على هذا العلم من الضياع، وذلك بعد فقدان الأصول اليونانية لهذه الكتب، فاستحق بذلك لقب أعظم هندسي عربي.
• مجال الرياضيات: أطلق على ثابت بن قرة لقب "الحاسب"؛ وذلك بسبب براعته ونبوغه الشديدين في علم الرياضيات، ومن أهم إنجازاته في هذا المجال: دراسته للأشكال الشلجمية، وهي عبارة عن أشكال القطع المكافئ المخروطي، ومساهمته في تعميم نظرية فيثاغورس، وابتكاره قانونين أحدهما لإيجاد الأعداد المتحابة، والآخر للمربعات السحرية، ووضع نظريات عديدة في المعادلات التكعيبية، والحساب الهوائي، كما كان لثابت العديد من الإنجازات الهامة في مجال الهندسة التحليلية، وحساب التفاضل والتكامل، وعلم المثلثات، بالإضافة إلى ذلك كله فهو يُعد من أهم العلماء المسلمين في مجال الميكانيكا.
• مجال الفلك: اكتشف ثابت بن قرة الظاهرة الفلكية "هزة الاعتدالين"، واستطاع تقديم تفسير علمي واضح لها، والذي ينص على أن ترنح محور الأرض له دورة كاملة تستغرق ما يقارب 2600 سنة، أي أن المحور لا يشير دائمًا إلى النجم القطبي، وقد تم إثبات نظريته هذه والتأكد من صحتها من قِبل الفلكيين في العصر الحديث، ومن إنجازاته أيضًا توصله إلى معرفة خطوط العرض ليلًا، وذلك عن طريق قياس النجم القطبي، كما درس حركة الشمس حول الأرض على مدار الفصول، واستطاع حساب طول السنة الشمسية، بنسبة خطأ نصف ثانية أكثر من السنة الشمسية الحقيقية، وتوصل إلى حساب ميل دائرة البروج، كما ألف كتابًا يتحدث عن المزولة الشمسية، والتي يتم استخدامها لقياس الزمن من أجل تحديد أوقات الصلاة، وقد أصبحت إنجازاته ومؤلفاته في مجال الفلك مرجعًا موثوقًا للعلماء الأوروبيين حتى أواخر العصور الحديثة.
• مجال الترجمة: ساهم ثابت بن قرة في ترجمة الكثير من الكتب القيمة لكبار العلماء والمفكرين القدامى إلى اللغة العربية، فترجم كتبًا عديدة لأبلونيوس منها: "رسالة في المخروطات"، و"رسالة في الدوائر المتماسة"، و"رسالة في قطع الخطوط"، كما ترجم كتبًا لإقليدوس، وأرخميدس، وأوطوقيوس، وتيوذوسيوس، وغيرهم الكثير، وقد ساهم ثابت بترجمته لهذه الكتب في حفظها من الضياع؛ إذ إن النسخ الوحيدة المتوفرة منها حاليًا هي تلك التي باللغة العربية فقط، وذلك بسبب ضياع النسخ الأصلية منها، ومن جهةٍ أخرى، قام ثابت بتدقيق وتنقيح العديد من الكتب المترجمة، مثل كتاب "الأصول" لإقليدس، وكتاب "علم النبات" لأرسطو، واللذان قام بترجمتهما حنين ابن إسحاق.^[١]
• مجال الطب: كان لثابت بن قرة بعض الاهتمامات في مجال الطب أيضًا، إذ تحدث في علم الأمراض الجلدية، والنحافة، والسمنة، وعلم التوليد، وشرح عن الولادة المتعسرة، ووصف بعض من الأمراض النفسية، بالإضافة إلى ذلك فقد برز وتفوق في مجال طب العيون، إذ شرح داء المياه البيضاء والزرقاء، وتحدث عن ضعف البصر وأسبابه، ولثابت العديد من المؤلفات الطبية منها: كتاب الذخيرة في علم الطب، وكتاب في علم العين وعللها ومداواتها، وكتاب في الجدري والحصبة، وكتاب الروضة في الطب.^[٧]

مؤلفات ثابت بن قرّة

ألف ثابت بن قرة الكثير من المؤلفات والمصنفات، في معظم مجالات العلوم المختلفة، منها على سبيل الذكر لا الحصر:^[٨]

• كتاب في المخروط المكافئ.
• كتاب في مساحة الأشكال.
• كتاب في المسائل الهندسية.
• كتاب في المربع وقطره.
• كتاب في إبطاء الحركة في فلك البروج.
• كتاب في تركيب الأفلاك.
• كتاب في علة الكسوف.

وفاة ثابت بن قرة

توفي ثابت بن قرة في تاريخ 26 من شهر صفر، في عام 288 هجري، في بغداد، عن عمرٍ يناهز 67 عامًا.^[١]