من هو ابن المُقفع؟

هو أديب ومُترجم من أئمة أدباء المسلمين في عهد الدولتين الأمويّة والعباسيّة.


وهو روزبه بن داذويه، غُير اسمه إلى عبد الله بن المقفَّع بعد إسلامه، وأصبحت كنيته أبا محمد، وهو أديب فارسي الأصل، وأولُ من ترجم كُتب المنطق في الإسلام، واشتهر بأدبه ونثره وحلاوة لفظه وأسلوبه المميز الذي نال إعجاب من حوله، ويرجع السبب وراء تسميته بابن المُقفع إلى أن أباه سرق مبلغًا من المال من خزنة كان مؤتمنًا عليها، فكان عقاب الحجاج بن يوسف له بأن ضربه على يديه حتى تفقعتا من شدة الضرب، لينال ابنه كنيته المشهورة، كما ارتبط اسمه بكتاب كليلة ودمنة الذي ترجمه عن الفيلسوف الهندي بيدبا، بالإضافة إلى مؤلفاته الأخرى المميزة التي تحمل طابعه وأسلوبه المُتفرد.[١]


مولد ابن المُقفّع ونشأته

وُلدَ ابنُ المقفَّعِ عامَ ١٠٦ ﻫ/٧٢٤م، وكان ينتمي إلى أسرة فارسيّة مجوسية قبل اعتناقه لدين الإسلام، وعاشَ في عهدِ الدولتَينِ الأمويةِ والعباسية، وكان والده يعمل كاتبًا في الديوان، وحرص على تعليم ابنه من بحور العلم والمعرفة، بالإضافةِ إلى تحفيزه على الكتابة عندما رأى فيه علامات النبوغ والفطنة، فأولى أهمية كبيرة لتعليمه اللغة العربية التي كانت لغةَ العلمِ والأدبِ في عصره.[١]


المسيرة العملية والأدبية لابن المُقفع

عملَ ابن المُقفع كاتبًا في دواوينِ العديد من الولاةِ، منهم: يزيد بنِ عُمر بن هُبيرة في كرمان، وأخيهِ داود في البصرة، ثم تطلَّعَ ليتعين كاتبًا في ديوان الخليفة، وأسلم على يد عيسى بنِ عليّ عمِّ الخليفةِ العباسيِّ أبي جعفرٍ المنصور، واتصلَ بأخيهِ سليمانَ بنِ عليٍّ أميرِ البصرةِ والبحرين وعُمان، ليتجنب بعدها الاتصالِ بالخُلفاء؛ لما يحيطُ بهم من أخطارٍ ومؤامراتٍ ودسائس خلال انتقال الخلافة من الأمويين إلى العباسيين، وحقق ابن المقفع عند انتقال إلى البصرة أقصى درجات الفائدة عندما تعرف لأهلِ الحديثِ والفِقهِ والشِّعرِ واللغةِ والأدبِ والخَطابة، ليُلم باللغة بالعربيةِ ويَكتشف أسرارَها ويتعرف أساليبَها على الرغم من أن أصلِه فارسي.


ثقافة وعلم ابن المُقفع ومكانته الأدبية

جمع ابن المُقفع بين ثقافة العرب والفرس، إذ تتضمن ثقافة الفرس حكمة الهنود وفلسفة اليونان، واستفاد خلال ترجمته للكتب الفارسية الأدبية منها والفلسفية، مثل كتب المنطق، مما ساعده على إتقان علم المنطق والإبحار فيه، وكان يُصنف كواحد من طليعة البلغاء العشرة في عصره، واجتمعت فيه أدوات النبوغ من سعة العلم، ورجاحة العقل، وحدة الذكاء، واللغة الشريفة، والطباع الفياضة الحسنة، كما كان مُقدمًا في فنون البلاغة التي تشتمل بلاغة اللسان والقلم، وابتداع السير، والترجمة، واختراع المعاني، فكان يُحسن قول الشعر، ويضبط حكايات المقال، يُحسن الحكاية ومدح القوم، لكنه رديء المداخل في موضع الطعن بهم، ويرجع السبب في ذلك إلى أن ابن المُقفّع ليس بعالم مُختص في مُناظرة الناس حول عقائدهم ومذاهبهم، بل هو ناقل ومُترجم، وبالتالي فهو ينقل الفلسفلة لكن يضعها بنفسه، ولا يعني ذلك التقليل من قدره أو أنه عديم الحكمة بل إن له آراء صائبة وسامية في الحياة والأخلاق والدين ولكن في الوقت نفسه هي ليست طريقة المناظرين والمتكلمين، ورغم ذلك شكّلت كتبه المترجمة والمؤلفة بالإضافة إلى رسائل الأمراء ثروة ثمينة وعظيمة للأدب العربي وأمثلة رفيعة على الرغم من أنه لم يعش أكثر من 36 عامًا.[٢]


أشهر مؤلفات ابن المُقفع

من أشهر مؤلفات ابن المُقفع ما يأتي:

  • كتاب الأدب الكبير: روى ابن المُقفع في كتابه هذا مجموعة من الحِكَم الفارسية، المنقولة بروح الأدب العربي، نظرًا لدرايته بمكنون العقل العربي، وما تحتاجه نفوس الشعوب العربية، فقد ألف الكتاب في العصر العباسي الذي ازدهرت فيه الكتابة النثرية، وكان عصرَ التطوُّر الحقيقي للنثر العربي.[٣]
  • كتاب الدرة اليتيمة: ترك ابن المُقفع في كتابه الدرة الثمينة تُراثًا نثريًّا مُعتبَرًا ومُترجَمًا من اللغة الفارسيةِ، ويمتاز هذا الكتاب كسائر مؤلفات ابن المُقفع بكونه واحدًا من أعظمَ الرسائلِ البليغةِ التي حوَتْ نصائحَ وآدابًا للدُّنيا والدِّين، وقد لاقَتِ احتفاءً عظيمًا من جانبِ الأدباءِ عندَ ظهورِها، نظرًا لامتلاكه آدابًا وحكمةً سامية، ومحتوىً غنيًا بات يُدرّس من قبل طلابُ اللغة العربيةِ كنصٍّ أدبيٍّ مُتميِّز.[٤]
  • آثار ابن المُقفع: يسرد هذا الكتاب مجموعة قيمة من النصائح التي تساعد المرء على رفع خلقه، وبلوغ الحكمة وإحسان التصرف في العديد من المواقف التي يتعرض لها مرارًا وتكرًارًا خلال حياته، كما يحتوي على مجموعة رسائل أرسلها ابن المُقفع إلى أصحابه في مناسبات عديدة، والتي بدورها تبرز مدى قدرة ودراية ابن المقفع على الكتابة في مُختلف المجالات.[٥]


كتاب كليلة ودمنة

يُعد هذا الكتاب واحدًا من أفضل كتب الأدب التي تخطَّت حدود الزمان وأطُر المكان، ومكثت بقوة لتعيش حتى يومنا هذا، فهو يُمثل دُرَّة في التراث العالميِّ، ويحمل في طياته أبعادًا سياسية واجتماعية جعلته حتى اليوم مادةً للبحث والاستقصاء، وهو مصدر للإمتاع الأدبيِّ المفضَّل لدى الكبار والصغار، فيستمتع الصغار بحكاياته، ويستنبط الكبار منه المعاني العميقة والمُختلفة، ومن جهة أخرى يُمثل كتاب كليلة ودمنة نتيجةً لتلاقي ثلاث حضارات عظيمة، وهي: الفارسية، والهندية، والعربية، ويعود أصله للحكيم الهندي بيدبا الذي كتبه لينصح به الملك دبشليم، وانتهى به الأمر بوصوله إلى الأدب العربيِّ وترجمة ابن المُقفّع له.[٦]


وفاة ابن المُقفّع

قُتلَ ابن المُقفع بينما كان في الثلاثيناتِ من عُمرِه على يد والي البصرة الجديد سفيانُ بنُ معاويةَ المهلَّبيُّ، والذي تولَّاها بعدَ عزلِ الخليفةِ أبي جعفرٍ لعمِّه سليمان بن عليّ من ولايتِه، عن عمر يُناهز 36 عامًا بتاريخ 759 هـ/ 142 م.[١][٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت "عبد الله بن المُقفع"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2021. بتصرّف.
  2. خليل مردم، ابن المُقفع، صفحة 31-32. بتصرّف.
  3. عبد الله بن المقفع، الأدرب الكبير، صفحة 1. بتصرّف.
  4. عبد الله بن المقفع، الدرة اليتيمة، صفحة 1. بتصرّف.
  5. ابن المقفع، "آثار ابن المقفع"، فول بوك، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-221. بتصرّف.
  6. عبد الله ابن المُقفع، كليلة ودمنة، صفحة 1. بتصرّف.
  7. عبد الله بن المُقفع، الدرة اليتيمة، صفحة 12. بتصرّف.