من هو ابن سينا؟

هو طبيب رائد، وفيلسوف، وعالم من العصر الذهبي الإسلامي.


وهو الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، ويُكنّى بأبي علي، ولقبه الشهير لدى الغرب "أمير الأطباء"، كما كان تلاميذه وأتباعه يُنادونه باسم "السيد الحكيم"، و"الشيخ الرئيس"، وقد كان طبيبًا بارزًا ومُفكرًا رائدًا أفاد الطب الإسلامي والأوربي بعلمه وعبقريته الفذّة، وكان يوصف بأنه يمتلك عقلًا نبيهًا وفطِنًا كالأديب غوته، ويتسم بعبقرية وإبداع الفنان ليوناردو دافنشي، وساهم بكفاءته وعلمه النابغ في نهضة الحضارة الإسلامية وتقدّمها وارتقائها.[١]


مولد ابن سينا ونشأته

ولد ابن سينا عام 370 هـ/980 م في قرية أفشانه قرب بخارى، والتي كانت عاصمة مملكة السامانية (أوزبكستان)، وقد كان والده حاكمًا محليًا لإحدى قراها، ومنذ صغر ابنه أدرك تميّزه وذكاءه الفذ في زمن التغيير وعدم اليقين، فاستغل فطنته، وحرص على تثقيفه وتعليمه على يد أفضل المعلمين والعباقرة منذ نعومة أظافره.[١][٢]


ثقافة ابن سينا ومعرفته

نضج ابن سينا مُبكرًا قبل أقرانه، فأتقن اللغة العربيّة وتعلم آدابها الكلاسيكيّة، وأتم حفظ القرآن في عمر 10 سنوات، ثم درس الميتافيزيقيا، والمنطق، والرياضيات، وعلوم الشريعة الإسلامية، والعلوم الطبيعيّة، والفلسفة، والمنطق، وأتقنها جميعها قبل السادسة عشرة، كما بدأ بدراسة العلوم الطبية عندما وصل الثالثة عشرة، وغدا طبيبًا بارعًا وذاع صيته في مدينة بخارى وما حولها في سن الثامنة عشرة بعد أن عالج الأمير نوح بن منصور وشفاه عندما عجز أشهر الأطباء عن ذلك، ليحظى بفرصة الدخول إلى المكتبة السامانيّة، ويَظفر بكنوزها المعرفيّة، لتتسع آفاقه العلميّة ويتزود بالثقافة حول الفلاسفة والمفكرين، والعلماء القدماء، ويطلع على كتبهم ويتعلم منهم ذاتيًا، ليغدو طبيبًا مشهورًا وفيلسوفًا ورجلًا ذكيًا ومُمتلئًا بالحياة، كما أنه حاز عدّة مناصب رئاسيّة وسياسيّة، وأصبح الطبيب الخاص لأمير شمس الدولة بعد أن شفاه من مغصٍ حاد، لكن عندما توفي الأمير كتب ابن سينا إلى حاكم أصفهان راغبًا بالانتقال إليها وطالبًا منصبًا في بلاطه، فما كان من أمير همدان إلا أن سجنه بعد أن عرف برسالته، ولم يتوقف ابن سينا عن الكتابة بل ألف العديد من الكتب خلال مكوثه في السجن، وبعد خروجه انتقل إلى أصفهان، واستقر فيها كطبيب للأمير علاء الدولة.[٢]


نهج ابن سينا الفلسفي والمنطقي

تقوم فلسفة ابن سينا ​​على الاجتهاد في سبيل بناء نظام يتصف بالشمول، والتماسك، ويتوافق في الوقت نفسه مع المعايير والمُتطلبات الدينيّة للثقافة الإسلامية، إذ يعد الله الأساس الذي تتمحور حوله نظريات الروح، والكون، والعقل، وبالتالي يقوم مشروعه الفلسفي المتطور على محاولة فهم العقائد الدينيّة الرئيسية الفلسفيّة التي تضم الفلسفة الأرسطيّة والأفلاطونيّة الحديثة، وتحليل القرآن وتفسيره، لكنه في الوقت نفسه ورغم تقبله بعض أساسيات تلك العقائد، مثل: علم الكونيات، والانبثاق إلا أنه يرفض ويُعارض نظرية المعرفة الأفلاطونية الحديثة ونظرية الروح الموجودة مسبقًا، وقد أوضح مُعارضته لبعض دراسات القرنين العشرين والحادي والعشرين من خلال رموز أدبيّة، وسلسلة تعليقات قصيرة، وآيات قرآنية تكشف منهجه وتوضح قيمه الفلسفيّة المنطقية حول تلك الدراسات.[٣]


كما امتاز ابن سينا بمنطقيته التي كانت بمثابة آلة تُجنبه الخطأ، وكانت مصباحه المُنير في المسائل الذهنيّة والروحيّة، وميزانه الذي يُجنبه الشك والزلة، ويُساعده على إدراك الحقيقة بنور البصيرة والحكمة،[٤] كما أنه اتبع المنهج الدراسي، والتجريبي، والتحليلي العميق، والبحت للتحقق من المعرفة والاعتراف بها، وذلك لإيجاد البيان القاطع وقياسه منطقيًا،[٥] أما عن أهدافه الفلسفيّة فأبرزها ما يأتي:[٦]

  • فهم بنية المعرفة الفلسفية الفكرية ككل موحد، رغم أن هذه النظرية بدت غير قابلة للتحقيق تاريخيًا إلا أن لابن سينا تصور يوحد كل الفلسفة، وسيطر نظامه الفلسفي على التاريخ الفكري للعديد من الديانات وأثار ردود فعل متنوعة، وتمكن من تفسير التطورات ليس فقط في الفلسفة ولكن أيضًا في علم اللاهوت، والتصوف، الأمر الذي ولّد عدة مجالات لما يُعرف بفلسفة الفلسفة.
  • تقييم العلوم والفلسفة الماضية بطريقة نقديّة، وذلك من خلال تقييم إنجازات وأوجه القصور لنظريات وأطروحات الفلاسفة السابقين بعد قراءته لكتبهم في مكتبة السامانيين، مما جعله يُدرك ضرورة تحديث الفلسفة القديمة.
  • التركيز على كون الإنسان متغيرًا ذاتيًا قادرًا على اكتساب أعلى معرفة عقلانية بنفسه، من خلال إجرائه دراسة شاملة لجميع وظائف الروح العقلانية وكيفية اكتساب المعرفة من خلال (نظرية المعرفة) ومن ثم تحقيقها.


المنهج الطبي لابن سينا

يُشير ابن سينا إلى أن علم الطب لم يكن من العلوم الصعبة، بل يرى أن الفلسفة والرياضيات تقع في المرتبة الأولى عنده وتتقدم على الطب والعلوم الطبيعية؛ لأنه يستثمر أثناء دراستها كل جهده وقواه، ويتلذذ في ممارسة الرياضة الذهنيّة والتفكير العميق والتحليل، أما الطب فلم يصب جهده كله فيه رغم إتقانه له وبراعته فيه، وكان يستعين أثناء مداواة المرضى بذاكرته وبدقة ملاحظته وبما تعلّمه أكثر من حاجته للتفكير، فيرى الطب سهلًا وهو ليس بسهل على غيره،[٧] كما أنه فصل بجدارة بين فلسفته الشخصيّة وعلومه الطبيّة فصلًا دقيقًا؛ إذ إن الطب في ذلك الوقت كان مشوبًا بالكهنة والسِحر والشعوذة، إضافةً للعلاج بالتعاويذ والأبخرة المرتبطة بالأدوية والعقاقير الطبيّة، وبالتالي لم يُنكر تأثر الأرواح بالجسم الحيّ ولكنه أقر بأن المرض لا يُحدد إلا من خلال عوارضه الجسميّة، أما عن الأمراض التي تتعلق بالحالات النفسيّة التي تتسبب بتأثيرات جسديّة فقد كان يستخدم الحيلة والعلاج النفسي أحيانًا لإقناع المرضى بأمراضهم ومن ثم يصف لهم العلاج المناسب، كما كان ممن يقيسون النبض أثناء فحوصاته السريريّة التقليديّة وهي طريقة تشخيصيّة لا تزال معيارًا هامًا للصحة حتى زمننا الحاليّ، وقد انتقلت مؤلفاته الطبيّة إلى الغرب ليغدو طبيب العالم على مر أربعة قرون، خاصةً بعد تأليفه كتاب (القانون) الطبي الذي تُرجم إلى اللغة اللاتينيّة، وغدا مرجعًا للدراسات في الجامعات الأوروبية، ونال مكانة رفيعة كأحد المراجع العالميّة الوافية للطب القديم.[٨][٩][٢]


أساتذة ابن سينا

تتلمذ ابن سينا على يد نخبة من العلّامات والفقهاء الذين تجلى فضلهم في مسيرته الثقافيّة والطبيّة، ومنهم:[١٠]

  • أبو نصر الفارابي، وكان فيلسوفًا نابغًا امتاز بعقله المنطقي واستعيابه السريع وجدّيته، ولم يكن مجرد معلم فلسفة لابن سينا، وإنما شكلًا ثنائيًا عظيمًا، وأثر عليه كثيرًا فعمق قدرته على إتقان وتمثيل الحقائق التربوية والعلمية وفهمها بسرعة.
  • عبد الله الناتلي: أطلق على ابن سينا صفة المتفلسف، وهو ثاني معلميه للفلسفة.
  • محمد إسماعيل الزاهد: وقد علم ابن سينا علم الفقه.
  • البغال: كان أول مُعلمي ابن سينا، وعلمه حساب الهند.
  • منصور الحسن بـن نوح القمري، وأبي سهل عيسى ابن يحيى: وقد تعلم ابن سينا منهما العلوم الطبيّة.
  • أبو بكر أحمد بن محمد البرقي الخوارزمي: وقد علم ابن سينا اللغة.[١١]


أشهر مؤلفات ابن سينا

ألف ابن سينا كتب متنوعة في مجالات الطب، والفلسفة، والعلوم الطبيعية، والنظرية الموسيقية، والرياضيات، والعلوم الإسلامية،[٣] ومن أشهر مؤلفاته:[١٢]

  • موسوعة الشفاء: وتجمع بين أقسام العلم الأربعة وهي: الرياضيات، والمنطق، والطبيعيات وما بعد الطبيعة.
  • كتاب الإنصاف: والذي يشرح جميع كتب أرسطو، كما يُنصف المشرقيين والمغربيين، لكن للأسف ضاع هذا الكتاب أثناء غارة السلطان مسعود، لكن أشير له في سيرة ابن سينا الذاتيّة التي كتبها تلميذه الجوزجاني.
  • رسالة الحكمة العلائية الفلسفيّة: وقد ألَّفها للأمير علاء الدولة الذي كان يُعد حاميه.
  • كتاب النجاة: وهو كتاب في الحكمة، يتميز بمنطقيته وبإيجازه.
  • كتاب الموجز الكبير في المنطق، وكتاب الموجز المتوسط، وكتاب الموجز الأصغر: وجميعها كتب مهمة امتازت بمنطقية ابن سينا التي كانت تشغله وتُسيطر عليه.
  • رسالة حي بن يقظان: وهي رسالة صوفيّة ألِّفها في قلعة فردجان، واشتهرت كثيرًا في القرون الوسطى، وقد قلَّدَها ابن عَزْرا.


كتاب القانون في الطب لابن سينا

يُعرف هذا الكتاب لدى الغرب باسم (كانون)، وهو من أكثر الكتب الطبيّة تأثيرًا على العالم بأسره رغم أنه كتب على يد طبيب مُسلم، وهو موسوعة طبية تضم مليون كلمة تُلخص الطب العربي بجذوره اليونانية، كما أنه يحتوي ملاحظات شخصية لابن سينا، وقد تُرجم الكتاب إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر، وغدا الكتاب التعليمي الطبي الأساسي في أوروبا خلال فترة امتدت من القرن الثاني عشر إلى القرن السابع عشر، ويُقسم كتاب القانون إلى خمسة كتب تشمل العلاجات الطبية، وتحتوي على 760 نوع دواء،[٢] ولا يقتصر الكتاب على محتواه الطبي من المعلومات، بل إنه يحتوي دراسات نفسيّة سابقة للعلوم المُختلفة، مثل: علم نفس النمو، وعلم النفس الفسيولوجي، وكان بمثابة مفتاح لباب الطب النفسي الجسدي استخدمه العلماء من بعده.[١٣]


أشهر مقولات ابن سينا

هناك عدّة مقولات مشهورة لابن سينا، منها:

  • الطب ليس علمًا صعبًا وشائكًا مثل الرياضيات والميتافيزيقيا، لذلك سرعان ما أحرزت تقدمًا كبيرًا فيه، وقد أصبحت طبيبًا ممتازًا وبدأت في علاج المرضى باستخدام العلاجات المعتمدة.[١]
  • كنت يومذاك للعلم أحفظ، ولكنه اليوم معي أنضج، وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي بعده شيء.[١٤]


وفاة ابن سينا

أصيب ابن سينا بمرض القولنج وبحكم براعته بالطب استمر في معالجة نفسه وأظهر رغبته الشديدة بالشفاء، فبالغ في أخذ الحقن والأدوية التي سببت تقرّح أمعائه، وإصابته بالضعف واستنزفت قواه وأعجزته عن النهوض، ورغم ذلك لم يستسلم وداوى نفسه ليسير مُجددًا، إلا أنه لم يحافظ على صحته كما يجب فانتكس مرة أخرى، وأثناء عودته إلى همذان أصابه القولنج في طريقه وأدرك انه لا سبيل من النجاة فصرف الأطباء، واغتسل وتاب لربه، وأكثر من الصدقات وقراءة القرآن وعَتق العبيد، ومات عام 452، عن عمر يُناهز 58 سنة.[١٥]

المراجع

  1. ^ أ ب ت Samir S Amr ,Abdelghani Tbakhi (27-4-2007), "Ibn Sina (Avicenna) : The prince of physicians", researchgate, Retrieved 15-4-2021. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث Rachel Hajar, M.D. (14-12-2013), "The Air of History (Part V) Ibn Sina (Avicenna): The Great Physician and Philosopher", ncbi, Retrieved 15-4-2021. Edited.
  3. ^ أ ب "Avicenna (Ibn Sina) (c. 980—1037)", iep, Retrieved 15-4-2021. Edited.
  4. عباس محمود العقاد، ابن سينا، صفحة 61. بتصرّف.
  5. "Ibn Sina [Avicenna"], plato.stanford, 15-9-2016, Retrieved 16-4-2021. Edited.
  6. "Ibn Sina [Avicenna"], plato.stanford, 15-9-2016, Retrieved 15-4-2021. Edited.
  7. عباس محمود العقاد، ابن سينا، صفحة 61. بتصرّف.
  8. عباس محمود العقاد، ابن سينا، صفحة 62. بتصرّف.
  9. عباس محمود العقاد، ابن سينا، صفحة 63. بتصرّف.
  10. د محمود عبد اللطيف، الفـكـر التـربـوي عنـد ابـن سـينا، صفحة 16. بتصرّف.
  11. عباس محمود العقاد، ابن سينا، صفحة 11. بتصرّف.
  12. برنارد كارا دو فو، ابن سينا، صفحة 87. بتصرّف.
  13. د محمود عبد اللطيف، الفكر التربوي لإبن سينا، صفحة 35. بتصرّف.
  14. عباس محمود العقاد، ابن سينا، صفحة 12. بتصرّف.
  15. برنارد كارا دو فو، ابن سينا، صفحة 93-94. بتصرّف.