دوستويفسكي

من هو دوستويفسكي؟

هو أديب وكاتب وفيلسوف وروائي عظيم من أشهر مؤلفي الإمبراطوريّة الروسيّة حول العالم.

وهو فيوردو ميخائيلوفيتس دستويفسكي، أديب وكاتب للقصص القصيرة والروايات العظيمة والمؤثرة، ومُترجم للكتب أيضًا، كان يستمد إلهامه بالدرجة الاولى من االكُتّاب البارزين والفلاسفة الأروبيين من أمثال أفلاطون، وشكسبير، وأوغسطين، وسولوفيوف، وغيرهم، وقد بدأ شغفه بالأدب من خلال القصص الخياليّة وأساطير الطفولة المُبكرة التي كان يقرأها ويسمعها، رغم أنه تخرج من معهد هندسي، وفي منتصف أربعينيات القرن التاسع عشردخل الوسط الأدبي في سانت بطرسبرغ من خلال روايته الأولى المساكين، وقد تمتع بشهرة عاليّة وذاع صيته بتأثير رواياته العميقة التي ترتبط بالحياة الواقعية، وترجمت أعماله لعدة لغات مُختلفة لتغدو أفكاره جزءًا لا يتجزأ من تراث الروايات الروسية العالميّة.^[١][٢][٣]

مولد دوستويفسكي ونشأته

ولد فيوردو دوستويفسكي في موسكو (روسيا) بتاريخ 11-11-1821م، وكان ترتيبه بين أشقائه الثاني بعد سبعة أبناء، عمل والده كطبيب عسكري يندرج تحت فئة رجال الدين، وبحكم خدمته مُنح لقب رجل نبيل، أما والدته ماريا دوستويفسكي فكانت من التجار، ورغم أنها زرعت في ابنها فيوردو المشاعر والعواطف الدينيّة إلا أنه كان يميل إلى التمرد منذ طفولته وكان ينبهر بالطموحات المثاليّة التي أثرت في حياته جنبًا إلى جنب مع العوامل المُجتمعيّة الأخرى، أما عن والده فكان مريضًا بالصرع وورث عن والده هذا المرض.^[٢]

تعليم دوستويفسكي

التحق دوستويفسكي مع شقيقه في بداية مسيرته التعليميّة بمدرسة الهندسة العسكرية الواقعة في سانت بطرسبرغ ، إلا أن حبه الشديد وتفضيله للأدب والصحافة اشتعل فيه مُبكرًا ليستقيل من مدرسته بعد تأدية خدمة سنة إلزامية بعد التخرج، ويكرس نفسه ساعيًا وراء طموحه الثقافي في بطرسبورغ، حتى أنه عمل مترجمًا في البداية قبل تأليف روايته الأولى المساكين عام 1846 والتي كانت بوابته لدخول الشهرة من أوسع مداخلها وبين ليلة وضحاها، ليصبح محط إعجاب العديد من الكتاب والنقاد المؤثرين من أمثال نيكولاي نيكراسوف وفيساريون بيلينسكي فأشادوا به حينها، ووصفوه بأنه (غوغول روسيا القادم)، ورغم تعرضه للاعتقال والنفي إلا أن شغفه وحبه للكتابة والأدب لم ينطفئ، وذلك بعد أن كان ينتمي لمجموعة فكرية ترتبط بالأعمال الاشتراكية الطوبا، مما أدى لاستجوابه وإدانته وقيادته أمام فرقة إعدام، ولحسن الحظ عفا عنه نيكولاس الأول، لكن نفاه إلى سيبيريا وتم سجنه هناك.

لكن مؤلفاته ورواياته كانت بمثابة مرآة للحقيقة في الفترة التي تعرضت فيها روسيا لتوتر شديد بين طبقاتها، وتزامن ذلك مع تصاعد حركة النهضة الأخلاقيّة والعلميّة وحركة تحرر الشعب ونمو الوعي الجماهيري وتوسيع قاعدة القراء في الحركة الأدبيّة، وهنا ساهمت مؤلفات دوسكتويفسكي وغيره من الروائيين في الكشف عن النضال الاجتماعي، وإبراز صورة الأجيال الواعدة التي جسدت تاريخ روسيا بشكل مثالي وفني، وعكست أعمالهم الأدبيّة أحلام الطبقات البسيطة وعبرت عن آلامهم ووصفت هذه الأعمال بأنها مبنيّة على الفكرة الشعبيّة، رغم أن مؤلفيها من أبناء الطبقات العريقة والنبلاء ومن ضمنهم دوستويفسكي.^[١][٤]

الأسلوب الإنشائي والروائي لدوستويفسكي

كان دوستويفسكي كاتبًا عريقًا، ومرتجلًا موهوبًا، ومتحدثًا مُثقفًا وملهمًا، استمر بتأليف ونشر الأدب والصحافة بغزارة طوال حياته، وكانت أعماله محطًا للإعجاب ونُشرت بشكل مُتسلسل في العديد من المجالات، إذ إنها كانت تُطلب بصورة مُلحة، واتسمت مؤلفاته بالعمق النفسي كما أن رواياته سادت عليها البنيّة الدراميّة، الأمر الذي جعلها تحظى بشهرة واسعة من قبل الجمهور، وشرحت رواياته أفكارًا وأحداثًا بدت كما لو أنه يُقلد فيها الغرب ويقتبس منهم، كما شرح بعضها خيوط الفكر الاشتراكي، والطوباوي، والراديكالي الذي كان قائمًا في روسيا حينها، وقد تسبب نفيه إلى سيبيريا وسجنه مع الأشغال مدّة أربع سنوات، ويُضاف لها خمس سنوات خدمة عسكرية ساهمت في تغيير فكره ونظرته للكتابة.

فأصبح حريصًا على الانغماس في الجدل العام في عصر الإصلاح، مما دفعه وشقيقه الأكبر لتأسيس مجلتين عرفتا بمجلة العصر، ومجلة الوقت، طرحا من خلالهما المذهب الذي انساق خلفه دوستويفسكي وتأثر به بشدة خلال فترة نفيه وسجنه، وهو ما يُعرف بالعودة للتربة الأصليّة (pochvennichestvo) وذلك نتيجة تعرضه للكراهية والحقد الطبقي خلال عشر سنوات اعتقاله كونه من الطبقة النبيلة، وتجدر الإشارة إلى أن هذا المذهب يحث الروس في الغرب إلى العودة إلى أرضهم الأم، والتمسك بثقافتهم الروسية الأصيلة التي احتفظت بها الجماهير، ومن شدة تأثره بتلك الفترة في حياته كتب رواية على شكل سيرة ذاتيّة تُشبه تجربته في المنفى والسجن أسماها ملاحظات من بيت الموتى.^[١]

المنهج العلمي والفلسفي لدوستويفسكي

تميّز دوستويفسكي بمزج رواياته ومؤلفاته ببصمة الواقع المُعاصر، وطغى عليها نمطه في التفكير، وشكه العميق تجاه المُثل الثورية الليبراليّة والاشتراكيّة السائدة في بلده، فكان يتأرجح بين الاتجاهات الفوضويّة المدمرة، ومن هنا أعطيت رواياته قيمة عاليّة وباتت مهمة ومُرتبطة بتطور الحركة الثوريّة في روسيا، إذ وصفها الباحثون والناقدون أنها تحمل في طياتها حلمًا بالتغيير، وأملًا بمستقبل مُشرق للوطن، وتُشكّل نموذجًا مُشرفًا للرواية الاجتماعيّة النفسيّة، وتمتاز بالديالوج الحار (الحوار الخارجي)، وباحتوائها على عنصر الإثارة والتشويق المهم والذي يحد من اصطدام شخصيات الرواية، واعتبر بدوره أحد أئمة وعظماء الروايات الروسية، لأن رواياته الهادفة تُعالج بأفكارها مشاكل المُجتمع الروسي في فترة ستينات وسبعينات القرن الماضي.^[٥]

أشهر مؤلفات دوستويفسكي

من أبرز مؤلفات دستويفسكي:

• رواية المقامر: يروي دوستويفسكي في هذه الرواية القصيرة قصة مُعلم شاب يُدعى أليكسي إيفانوفيتش كان يعمل في منزل جنرال روسي متغطرس، وفي محاولة الشاب لاختراق جدار النظام القائم في روسيا، ليغدو مُقامرًا غارقًا في دوامة عميقة تكاد ألا تنتهي وتقوم على الرهان والخسارة. ^[٦]
• رواية الإخوة كارامازوف: تطرح هذه الرواية لغزًا يدور حول جريمة قتل ودراما قائمة في قاعة المحكمة، وتستكشف التنافس في مجموعة من العلاقات العاطفيّة التي يقع فيها مُثلث حب، وتضم الرواية "الشرير والعاطفي" فيودور بافلوفيتش كارامازوف وأبناؤه الثلاثة إيفان الذي وصفه بالعقلاني البارد، ودميتري المندفع والحسي، وشقيقتهما الشابة المبتدئة ذات الخدود حمراء أليوشا. ^[٧]
• رواية مُلاحظات من تحت الأرض: يُمثل الرواي الذي لم يذكر اسمه أحد أكثر الشخصيات بروزًا في الأدب مسؤولًا سابقًا انسحب بتحدٍّ من المُجتمع إلى وجود تحت الأرض، وتُمثل هذه الرواية الثورية الخط الفاصل بين روايات القرنين التاسع عشر والعشرين، وبين رؤى الذات التي يجسدها كل قرن.^[٨]

رواية الجريمة والعقاب

وهي رواية نشرت عام 1866 سرد فيها دوستويفسكي حال طالب فقير وبائس اسمه راسكولينكوف، وفي أحد الأيام بينما كان يتجول في الأحياء الفقيرة في مدينة سان بطرسبرج ارتكب جريمة قتل عشوائية، لكنه لم يشعر بالندم أو الحزن، بل تخيل نفسه رجلًا جبارًا مثل نابليون، لأنه يعمل لغرض سامي يتجاوز القانون الأخلاقي التقليدي السائد، كما أن البطل لا يحمل الصفات المُعتادة المتوقعة من الأبطال، فالضمير يُمثل له قيد غير ضروري على اختيارات الإنسان وأفعاله، وقد أظهر دوستويفسكي في بقية أحداث الرواية خطأ راسكولنيكوف وإثبات وجود الحواجز، لكن دون ترك هذه الحواجز عديمة التحديات، فتدرس الرواية الشرعية المختلطة والمنقوصة للقيود التي يفرضها المرء على نفسه، ويعترف بالضمير وأي صوت من القلق المصحوب بالشك بوصفه من ضمن الحواجز، وبشكل دائم تتعرض دوافع سلطة هذا الضمير إلى اختبار شديد التشكك.^[٩][١٠]

أشهر مقولات دوستويفسكي

هناك عدّة مقولات مشهورة لدوستويفسكي، مُعظمها مُستمدة من مؤلفاته وروايته، ومنها:^[١١]

• قبل كل شيء، لا تكذب على نفسك، الرجل الذي يكذب على نفسه ويستمع إلى كذبه يصل إلى نقطة أنه لا يستطيع تمييز الحقيقة داخله أو حوله، وبالتالي يفقد كل احترام لنفسه وللآخرين ولا يحترمه يكف عن الحب (من رواية الإخوان كارامازوف).
• الألم والمعاناة أمران دائمًا لا مفر منهما لذكاء كبير وقلب عميق. أعتقد أن الرجال العظماء حقًا يجب أن يكون لديهم حزن كبير على الأرض (من رواية الجريمة والعقاب).
• الرجل يحب فقط حساب مشاكله، لا يحسب سعادته.
• أن تخطئ في طريقك أفضل من أن تسير بشكل صحيح في طريق شخص آخر (من رواية الجريمة والعقاب).

وفاة دوستويفسكي

كان الأديب دوستويفسكي يعاني من الصرع، وهو المرض الذي ورثه من والده ميخائيلوفيتش، وكان قد ناقش بالفعل حقيقة مرضه في العديد من السير الذاتيّة والمقالات الطبيّة، وتُشير الدراسات والمعلومات التاريخيّة التي تم دمجها بالاستعانة بالتفاصيل الطبية لمرضه وبناءً على شدّة وتكرار النوبات التي كانت تنتابه، والعلاج الذي كان يخضع له، والتاريخ العائلي للمرض، حاول الأطباء تشخيص نوع الصرع الذي كان مُصابًا به وأفادوا بأنه من المُحتمل أن يكون قد عانى من صرع جزئي معقد مع نوبات ليلية معممة بشكل ثانوي بدلًا من الصرع الأولي المعمم، وكان السبب في وفاته بتاريخ 27-1-1881 عن عمر يُناهز 40 عامًا.^[١٢][٢]