من هو ابن جني؟

هو أديب، وعالم لغوي ونحوي، وشاعر، وأحد من أئمة علماء اللغة في عهد الخلافة العباسية.


وهو أبو الفتح عثمان بن جِني الموصلي، ويرجع أصله إلى الروم، ومن جهة أخرى يُعد ابن جني من أئمة علماء اللغة ومن أحذق أهل الأدب، وأعلمهم بالنحو والتصريف، كما أنَّ له تصانيف عديدة مشهورة ومتداولة، فلم تقتصر مجالسه على العلم، والتعليم، والتأليف، بل كاد أن يمتلك نواصي اللغة، وجمع إتقان علومها مع الكتابة والشعر، والفقه وأصول الكلام، وقد قدّم الإمام ابن جني تفسيرًا وشرحًا لديوان المُتنبي في كتابين، إضافةً للعديد من المؤلفات التي شكلت النحو، وأصوله، وفقهه، ومنها؛ كتاب الخصائص، والمؤلفات الأخرى التي عنيت بالصرف، والتفسير، وغيرها الكثير.[١]


مولد ابن جني

ولد ابن جني في مدينة الموصل قبل عام 330 هـ، وخلال الفترة من 322-321 هـ كما ذكرت المصادر التاريخية، لكنها لم تُحدد تاريخ ولادته بدقة، كما لم يُحدد له نسب بعد والده جني، ولم ترد الكثير من المعلومات حول مرحلة طفولته.[٢]


تعليم ابن جني

نشأ ابن جني في مدينة الموصل، وقضى فيها طفولته، وتلقّى دروسه الأولى هناك، ومن ثم انتقل إلى بغداد، وظل مُنكبًا فيها على العلم والدراسة ما تبقى من حياته، مُستفيدًا من جملة الأساتذة المبدعين الذي أخذ عنهم وتزود منه، ومن جهة أخرى يُشار إلى أن ابن جني كان أعور العينين، فلا يرى إلا في عينٍ واحدة، إلا أن ذلك لم يُنقص من قدره، أو يَحط من عزمه، أو يُقلل من عِلمه، بل غدا واحدًا من من أبرز علماء الصرف والنحو واللغة من أصحاب الشاعر المُتنبي، والقارئ العالم أبي علي الفارسي، الذي أشار المؤرخون إلى أنه رافقه مدّة طويلة من حياته، وتبعه في أسفاره، ويُشار إلى أن ابن جني كان له 3 أولاد هم؛ علي، وعال، وعلاء، وقد أحسن والدهم تعليمهم وتثقيفهم.[٢][٣]


نهج ابن جني اللغوي الإنشائي ومذاهبة المختلفة

تميّز ابن جني بعقليته العلمية رفيعة المستوى، وببراعته في علوم اللغة، ومُختلف نواحيها من الصرف، والنحو، والفقه، والأصول، والصوتيات، والمناهج، إلى جانب حذاقته في علم الدين وعلم الكلام، مما أثر عليه بشكل كبير وصقل شخصيته العلمية، وبالرجوع لمؤلفاته الغزيرة وكتاباته يُستننج اجتهاد ابن جني اللغوي الذي تجلى بوضوح، واستقلاليته بآرائه وتعليقاته وتأويلاته في مجال اللغة عن مُعلميه المتميزين، وأبرزهم أبو علي الفارسي، الذي توافق معه في الكثير من المسائل والآراء والقضايا، إلا أنه اختلف معه في العديد منها، مما يدل أنه لم يكن تابعًا لأحد، ومن جهة أخرى تظهر في مؤلفاته مظاهر إنشائية مُختلفة، أبرزها؛ المظهر اللغوي، والفقهي، والكلامي، كما نُسب إليه تبنيه لمذهب المعتزلة، ومن هنا أثرت جميع هذه العوامل على نهج ابن جني واهتمامه، فكان له اهتمام كبير بالصطلح اللغوي.


ولم ينقل ابن جني عن شيوخه ما ثقفه وتعلمه منهم حرفيًا رغم تنوع البحور والمعارف التي شرب منها، إذ إنه كان تلميذًا وفيًا للبصريين الذين نقل عنهم المصطلحات المختلفة، ورددها، لكنه في الوقت نفسه كان عالمًا لغويًا مُثابرًا، صاغ وابتكر مُصطلحاته الخاصة، وصرح بها في كتابه الخصائص، أما عن منهجه في البحث والاستنباط، فقد استسقى الكثير من المعلومات من خلال البحث والنظر في جهود علماء اللغة والفقه والكلام والحديث والمنطق، والاستفادة من طرقهم في البحث وتطبيق مُصطلحاتهم ومعارفهم في دروسه اللغوية المتميزة مع الاعتراف بأثرهم الكبير عليه، إذ امتاز ابن جني بأمانته العلمية، فكان يرد لكل صاحب علم ما أخذه منه من خلال نسبه إليه، فلا ينسب لنفسه ما هو ليس له، مما يُشيد بمكانته المرموقة وأمانته العلمية التي ليس لها مثيل. [٤][٥]


الأصول التي اعتمدها ابن جني في دروسه اللغوية

اعتمد ابن جني في دروسه اللغوية الأصول الأساسية الآتية:[٦]

  • السماع: والذي يُعد الأصل الأول من أصول النحو العربي وأقوى أدلته.
  • القياس: ويُعد الدليل الثاني من حيث قوة الاحتجاج به.
  • الإجماع: والذي يُمثل اتفاق علماء النحو والصرف من أئمة البلدين اللذين نشأ بهما ابن جني، وهما: البصرة والكوفة على مسألة أو حكم معين.
  • الاستصحاب: ويُراد به استمرار الحكم، وبقاء ما كان على ما كان، ويُعد من الأدلة المعتبرة، لكنه أضعفها، ولا يجوز التمسك به في حال إيجاد الدليل.
  • التعليل وبيان العلة: ويُمثل تبيانًا لعلة الحكم؛ للاستلدال بوجودها على وجوده أو عدم وجودها على عدم وجوده.
  • الاستحسان: ويعني ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس، لكن دلالته ضعيفة وغير مستحكمة.
  • قول المخالف: ويُعتبر صحيحًا ومستقيمًا.
  • عدم النظير: أي النفي لعدم وجود دليل على الإثبات.
  • إسقاط الدليل: أي نفي الدليل بسبب عدم وجوده؛ إذ يُلزَم من فقد العلة فقد المعلول، ومن ضمن هذه الأدلة تلك المضبوطة بضابط والأخرى التي لا ضبط لها، وبالتالي تكون الأدلة المنضـبطة هي السماع، والقياس، والإجماع، والاستصحاب وغير ذلك، فلا ضابط لها.


رؤية ابن جني للشعر

يُشير ابن جني إلى أن هناك عنصرين أساسيين في الشعر، وهما الصوت ووظيفته التواصلية، ويبين بأن الصوت يخرج من مستطيل ليدخل في الحلق والفم، وفي حال اختلال أحد هذه الأعضاء ينعدم الصفاء الذي يُميز الصوت، فكان اعتقاده أن اللغة هي عبارة عن أصوات هو دليل على مراعاته للمنطوق الشفاهي دون المكتوب، إذ إن عالم اللغة العربية لا يتناول اللغة في صفتها المكتوبة، بل في الصفة المنطوقة المستخدمة في الحوار والكلام، خاصةً أن العصر الذي نشأ به ابن جني وهو العصر العباسي، كان عصر تمدن وحضارة، رُكّز فيه على الخطاب الشعري، والذي تلعب فيه الأصوات والإيقاع دورًا هامًا، بالإضافة إلى ضرورة احتجاج هذا الخطاب الشعري المشمول بالإيقاع والوزن والقافية بموضوعات خاصة تمنح الشاعر إحساسًا مميزًا وغير عادي، كاحتجاجه بكلام العرب الذي أصبح مادة لغوية مشروطة بحرصها على القواعد وسلامتها، مضافًا إليها القضايا النحوية التي تُبرز خلالها، أي أن ابن جني يهتم جدًا بالبحث عن اللغة المثالية التي ينجح فيها التخاطب، والتي تراعي اللغة وسلامتها.[٧]


أشهر أساتذة ابن جني

تتلمذ ابن جني على يد نخبة من علماء اللغة، وأبرزهم:[٨]

  • أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم النحوي العطار.
  • ثعلب أبي العباس أحمد بن يحيى.
  • أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني
  • أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي.
  • أبو بكر محمد بن السري بن سهل بن سراج.
  • أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج النحوي.


أشهر مؤلفات ابن جني

من أبرز مؤلفات ابن جني ما يأتي:

  • كتاب الخصائص: وهو كتاب في أصول النحو مؤلف على المذهب الحنفي في أصول الكلام والفقه، والذي احتذى ابن جني فيه وسار بنهجه في تأليف كتابه، ومن جهة أخرى يضم الكتاب 162 بابًا مُختلفًا، تبدأ بباب القول على الفصل بين الكلام والقول، وتنتهي بباب في المستحيل وصحة قياس الفروع على فساد الأصول، وتجدر الإشارة إلى أن ابن جني أهدى هذا الكتاب إلى بهاء الدولة البويهي بعد وفاة معلمه الكبير أبي علي الفارسي.[٩]
  • كتاب سر الصناعة: والمشهور باسم سر صناعة الإعراب، ويبحث ابن جني في هذا الكتاب حول خصائص الأصوات وصفاتها في اللغة العربية، وقد صدر هذا الكتاب في مجلدين بتحقيق الدكتور حسن هنداوي عن دار القلم بدمشق عام 1984م.[١٠]
  • كتاب التنبيه على شرح مشكلات الحماسة: وهو كتاب يقع ضمن نطاق تخصص علوم اللغة، وهو وثيق الصلة بالفروع الأخرى، مثل: الشعر، والقواعد النحوية، والصرف، والأدب، والبلاغة، والآداب العربية، واتجه ابن جني ولجأ من خلاله لتفسير إشكاليات الدلالات الشعرية بالاستناد للقضايا النحوية واختلافها، ولم يكتفِ فيه بشرح الأبيات وتفسيرها، بل تطرق إلى ما يخص الجوانب الإعرابية والتركيبات النحوية.[١١]


كتاب الفسر شرح ديوان المتنبي لابن جني

يُمثل هذا الشرح ذخيرة أدبية ووثيقة تراثية تُبرز الشعر النفيس الذي خلفه بلبل الشعر العربي الفصيح الشاعر العريق المتنبي، ويُمثل شرحًا وافيًا أورد فيه ابن جني جميع تفاسير الشُرَّاح القدماء والمعاصرين، بالإضافة إلى أقوال النقاد المتعصبين للمتنبي، والآخرين المتعصبين ضده، فجاء مُفصلًا لكل ما قاله المتنبي في قصائده من أبيات شعرية بعد مرورها بالكثير من التهذيبِ والتنقيح، ناهيك عن اعتماد الشواهد، والأشباه التي تُفيد بقامةِ وقيمة الشاعر المتنبي، وأرفق فيه العديد من الأمثال والحكم التي قالها المتنبي شخصيًا لزيادة قيمة الكتاب.[١٢]


من أشهر أبيات ابن جني

لم يقتصر إبداع ابن جني على اللغة والنحو الصرف، وإنما برع في الشعر، ومن أبياته الشعرية المميزة ما يأتي:

  • نظَّم الأبيات الآتية بالنظر إلى ضعفِ نسبه قائلًا فيها:[١٣]


فـإن أُصبِح بلا نسـبٍ فعلمي في الورى نسـبي على أني أؤول إلى قـوم سـادة نجـب قیاصـرة إذا نطقـوا أرام ّ الدهر ذو الخطب أُولاك دَعا النبـي لهم كفـى شرفا دُعا النبي



  • ومن أبياته وهو يُشير إلى أنه أعورٌ في إحدى عينيه، وهو يُمازح صديقًا له قائلًا:[١٤]


صُدوُك عني ولا ذنب لي دليلٌ على نيةٍ فاسدة. فقد وحياتك مما بكيتُ خشيت على عيني الواحدة ولولا مخافةُ ألا أراكَ لما كان في تركها فائدة



وفاة ابن جني

توفي ابن جني في مدينة بغداد في عام 392 هـ، وكان في السبعينات من عمره.[١٢]

المراجع

  1. ھيثم الثوابية، مسائل خلافية بين الفارسي وابن جني، صفحة 2. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عبد الرحمن البرقوقي، شرح ديوان المتنبي، صفحة 77-78. بتصرّف.
  3. خالـد حسين مصطفى النصيح، جني وكتابه (سر صناعة الإعراب.pdf?sequence=1&isAllowed=y ابن جني وكتابه سر صناعة الإعراب، صفحة 12. بتصرّف.
  4. راحت رؤوف، الاسنباطات والاجتهادات الغوة لابن جني في ضوء كتابه الخصائص، صفحة 2. بتصرّف.
  5. خالـد حسين مصطفى النصيح، جني وكتابه (سر صناعة الإعراب.pdf?sequence=1&isAllowed=y بن جني وكتابه سر صناعة الإعراب، صفحة 16-17-19. بتصرّف.
  6. سليمان سالم علي باقشع الرقم، ابن جني وجهوده اللغوية والنحوية، صفحة 35-36. بتصرّف.
  7. زورقي وردية، رؤية ابن جني للشعر، صفحة 51-52-65. بتصرّف.
  8. دينا داود عبد الله حسين، رد أقوال ابن جني إليه في كتاب المخصص لان سيده، صفحة 19-20. بتصرّف.
  9. ابن الجني، الخصائص، صفحة 1. بتصرّف.
  10. ابن الجني، سر صناعة الإعراب، صفحة 1. بتصرّف.
  11. ابن جني، كتاب التنبيه على شرح مشكلات الحماسة، صفحة 1. بتصرّف.
  12. ^ أ ب ابن جني، كتاب الفسر شرح ديوان المتنبي لابن جني، صفحة 1. بتصرّف.
  13. منال محمد مُصطفى احمد، الشواهد النحوية في الخصائص لابن جني، صفحة 22-23. بتصرّف.
  14. عبد الرحمن البرقوقي، شرح ديوان المتنبي، صفحة 78. بتصرّف.