من هو فريدريك شيلر؟

هو أديب وكاتب مسرحي ومؤلف روايات وفيلسوف ومؤرخ عظيم من رواد الأدب الكلاسيكي في القرن الثامن عشر الميلادي.


وهو يوهان كريستوف فريدريش شيلر، أديب ألماني الأصل، يُشار إليه بلقب شكسبير الألماني أحيانًا، إذ كان شديد التأثر بأعماله، فخلق بدوره تأثيرًا عظيمًا على الأدب الألماني حتى غدت بعض أفلامه وأعماله المسرحية المميزة من أكثر الأعمال انتشارًا وإنتاجًا على الصعيد العالمي، وقد كان شاعرًا عريقًا قدّم نشيد الفرح الذي كُرّس واستخدم في الترنيمة الأروبية في السيمفونية السابعة لبيتهوفن، ناهيك عن أفكاره الفلسفية الراسخة وأعماله النظرية الأصيلة المرتبطة بالجمال والأخلاق، والسياسة، وعلم الوجود، والميتافيزيقا، وقد شكّل اتحاده الذهبي مع صديقه الأديب غوته وتقديمهما مجلات أدبية ثمينة تأثيرًا كبيرًا ساهم في الارتقاء بالأدب الألماني وبروزه على المستوى الدولي، ومن بين أعماله الدرامية الشهيرة كانت مسرحية اللصوص، وثلاثية فالنشتاين العظيمة وغيرها الكثير.[١][٢]


مولد ونشأة فريدريك شيلر

وُلد فريدريك في مدينة مارباخ في فورتمبيرغ في ألمانيا بتاريخ 10-11-1759م، وكان والده يوهان كاسبار شيلر مُشرفًا على الحدائق في مقر إقامة الدوق كارل يوجين في لودفيغسبورغ وذلك بعد تقاعده من الخدمة العسكرية، أما والدة فريدريك فتدعى دوروثيا.[٣][٤]


ثقافة فريدريك شيلر ومسيرته الأدبية

التحق فريدريك بالأكاديمية العسكرية في مدرسة كارل الثانوية التي يشرف عليه دوق فورتمبيرغ شخصيًا، ولكنه وبأمر الدوق بدأ بدراسة القانون، على الرغم من أن والديه رغبا أن يتدرب نجلهما على الخدمة العسكرية كوالده، وفيما بعد حوّل فريدريك دراسته إلى الطب، وغادر الأكاديمية بعد أعوام من الشعور بالأسر والظلم تحت نظام التعليم الصارم هناك، والذي لم يفارقه وإنما تبعه لاحقًا في حياته، فقبع تحت تأثير الحكم والسلطة الطاغية


فيما بعد، عُيّن شيلر مساعدًا للمسؤول الطبي في وحدة الجيش في شتوتغارت، إلا أنه كان يملك ميولًا للمواضيع الإنسانية والأدبية، وعلى إثر هذا بدأ بتأليف أعمال أدبية، فقدّم مسرحيته الأولى بعنوان "اللصوص" (1782)، والتي ثار فيها على التقاليد والفساد الحكومي للنظام والمسؤولين، وكانت بمثابة لائحة اتهام قاسية لمجتمع قادر على تحويل شخصية نبيلة لمُجرم، وعُرضت مسرحيته في المسرح الوطني في مانهايم مُحدثةً جدلًا واسعًا وكانت نقطة بارزة في تاريخ المسرح الألماني وخصيصًا في فترة حركة "العاصفة والإجهاد" الأدبية الرومانتيكية الألمانية، وكانت سببًا في شهرة شيلر العالمية


ثار غضب الدوق لما رآه من تمرّد وشواهد ثورية في المسرحية وفي شيلر نفسه، فحبسه مدّة أسبوعين وحرمه من الكتابة المسرحية، فاضطر شيلر للهرب من شتوتغارت إلى مانهايم راجيًا أن يُساعده مدير المسرح هناك، وقدم له مسرحية درامية جديدة بعنوان "مأساة جمهورية"، لكنها رُفضت وعاش من بعدها كلاجئ في منزل والدة زميله في الدراسة في تورينجيا، وقدّم عمله المأساوي الثالث بعنوان مسرحية "دسيسة وحب" (1784) والتي كانت ناجحة بامتياز، وحصل بعدها على وظيفة كاتب مسرحي مقيم في مسرح مانهايم مدة عام، ولكن لسوء حظه لم يتجدد العقد بعدها، فانتقل إلى لايبزيغ وحصل على دعم من صديقه كريستيان كورنر، فنشر عمله الدرامي "دون كارلوس" الذي دعم مسيرة شيلر ككاتب مسرحي.


قدّم شيلر من بعدها ترنيمة مميزة بعنوان "نشيد الفرح" "An die Freude" وكان من المتفق أن تُستخدم من قبل بيتهوفن، وغادر شيلر من بعدها إلى فايمار المعروفة بأنها عاصمة ألمانيا الأدبية، ونشأ بين الأديب غوته وفريدريك شيلر صداقة قويّة حينها، وشكّلا اتحادًا أدبيًا عظيمًا والذي بدوره شكّل جزءًا من التاريخ الألماني الأدبي الكلاسيكي من خلال رسائلهما، ودعم غوته شيلر فتمكن من تعيينه في منصب أستاذ التاريخ في جامعة جينا، وحصل على مكانة رفيعة كمؤرخ تاريخي، فساعده ذلك على تأليف أعظم أعماله الذي حمل اسم "فالنشتاين"، وتزوج لاحقًا من شارلوت فون لينجفيلد وأنجب منها أربعة أطفال، وانقطع مدّة عن الكتابة بسبب معاناته مع مرض في جهازه الهضمي مما أثر على صحته بشكل كبير، ولكنه في نفسه الوقت لم يثنِ من عزيمته وخاض معركة قويّة ضدّه.


تعمق شيلر في دراسة فلسفة إيمانويل كانط، وأتت دروس الفلسفة التي تلقاها بثمارها بأن قدّم العديد من المقالات الفلسفية خلال المدّة من عام 1793-1801م التي ربط فيها الجمال بالنشاط المجتمعي، ووظّفه بصورة مختلفة وحاول شرح علاقته بالتجارب الأخلاقيّة، كما نشر مقالات عن النعمة الأخلاقية والكرامة، ومقاله الشهير "Über naive und sentimentalische Dichtung" الذي يدور حول التفرقة بين نوعين من الإبداع الشعري، بالإضافة إلى العديد من القصائد الفريدة من نوعها التي تضمنت مكنون شيلر وفلسفته ونقده الجوهري الخاص، والمستوحاة من الأفكار والكلمات الفلسفية النابغة عن التجربة الواقعية وأبرزها كان قصيدة "الحياة والمثل"، و"أغنية الجرس" التي لاقت شهرة واسعة، وقصيدة "قوة أغنية"، وغيرها الكثير.


ولم يقتصر شيلر على الرسائل والقصائد ذات الطابع الفلسفي، بل حارب الوقت والمرض وقدّم العديد من المسرحيات اللامعة التي حمل كل منها ميزات خاصة ضمن مرحلة كلاسيكية من مراحل شيلر، ومنها مسرحية "ماري ستيوارت" التي مثلت دراما نفسية وسخرية مأساوية في نفس الوقت، وتلاها مسرحية "ويليام تل" "Wilhelm Tell" والتي حملت استفهامًا لاذعًا حول إمكانية تبرير العنف في الأعمال السياسية، كما عمل مسرحية "ديميتريوس" التي تحمل قصة جريمة غامضة تستدعي التأمل، لكن قدم أجله قبل ذلك، ومن جهة أخرى، تم تكريم شيلر وجعله من النبلاء، بإضافة كلمة فون "Von" إلى اسمه ليُصبح فون شيلر.[٤][١][٣][٥]


النهج الأدبي والفلسفي لفريدريك شيلر

شكّلت أعمال شيلر المأساوية المبكرة انتقادًا وهجومًا على الطغيان والاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي، فاعتنت بصورة واضحة بالحرية الروحية الداخلية التي ترتقي بالإنسان وتتفوق على ضعفه الجسدي ومعاناته الاجتماعية وظروفه المادية الصعبة، فاجتهد في الحفاظ على سلامة أبطاله المُشتتين والمتبعثرين بين قيم النظام الأخلاقي السامية وبين مطالب العالم الذي يعيشون فيه، وقد حاول في أعماله توضيح دور الفن في مساعدة الإنسان على الوصول للتناغم والاستقرار الداخلي عبر مفهوم التربية الجمالية الذي قدمه، والذي يُساعد في تطوير منظومة اجتماعية أفضل تُسعد الإنسانية أكثر، وربط آماله الكبيرة في الجمال بالتفكير التاريخي والسياسي.


وتجدر الإشارة إلى أن قصائده الأولية كانت تتسم بالتأثر الشديد والمشاعر الفياضة حول مسألتي الموت والفناء، فيما تمحورت القصائد الأخرى حول الإنسانية الجميلة المُتزنة بعد أن التفت للعصر الإغريقي وبعد أن تحلى بالبعد الفلسفي، وما يميز أعماله بشكل عام هو أنها اتسمت بالحداثة وبمواكبتها لمتطلبات الحياة الواقعية، وهذا ما أكسبها أهمية في القرن العشرين، فقد انطلقت من عمق التاريخ وطرحت المسائل الأدبية المعقدة، ومن بينها: صراع الأنظمة السياسية الحاد والعنيف وتأثيرها على الحياة الاقتصادية والثقافية، ناهيك عن توظيف الأدب بدوره الهام في بناء الوعي المجتمعي وتنوير أفراده، فكان أبطال مسرحياته مُتمردين على النظام الاستبدادي يسعون لمجابهة الأنظمة الخانقة بقيم أخلاقية وروح متحررة، فكان المسرح بالنسبة لشيلر القاضي العادل الذي يُقيم حكمه على النظام الفاسد.[٥][٤][١]


أبرز مؤلفات فريدريك شيلر

من أبرز مؤلفات فريدريك ما يأتي:

مسرحية اللصوص

تمتاز هذه المسرحية بقدرتها على نقل المشاهد إلى موقع آخر مختلف تمامًا على سطح هذه الأرض، حيث تكون القلوب فاسدة وضالة، ويكون الشر أمرًا حتميًا لا مفر منه، وتمثل بدورها مغامرة شيقة في عالم يسوده السواد والشر ويطغى عليه، وذلك من خلال صياغة الحيل وصنع المكائد بمهارة، ناهيك عن القيام بعدة جرائم لا أخلاقية، كإضرام الحرائق، والقتل بلا اكتراث، ومن جهة أخرى تعد هذه المسرحية أولى مسرحيات الشاعر والمؤلف الألماني فريدريش شيلر التي عرضت على خشبة المسرح في عام 1782، وكانت بمثابة تحفة فنية دعمته ليبلغ القمة ويبرز في عالم التأليف المسرحي.[٦]


ماري ستيوارت

تُصنف هذه المسرحية الدرامية كواحدة من أفضل المؤلفات التراجيدية في الأدب الألماني، فعلى الرغم من أن شيلر كان مُنساقًا خلال مسيرته بشكل كبير للاستقلال والحريّة التي أسرت كيانه كمؤلف، إلا أنه في هذه المسرحية أظهر موقفه تجاه القيم التي تبنتها الثورة الفرنسية موظفًا شخصيته الرئيسية ماري ستيوارت التي تتمحور حولها الأحداث والتي تنتهي حياتها بصورة مأساوية بسبب عدم قدرتها على منافسة ملكة إنجلترا إليزابيث، وفي نفس الوقت اختار شيلر خياله الحر على الأحداث الحقيقية، من خلال تحقيق فرصة لماري في ساعاتها الأخيرة وإن كانت بسيطة، والتي توقفت فيها عن المواجهة.[٧]


مسرحية فالنشتاين

وهي ثلاثية مسرحية عظيمة ولامعة لشيلر صور فيها مرحلة انهيار البطل فالنشتاين خلال 4 أيام، وهو ضابط عسكري اسمه ألبرت فون فالنشتاين تتمحور حوله أحداث المسرحية، كان يخدم ملك الإمبراطورية الرومانية المقدسة فرديناند الثاني في القرن السابع عشر خلال حرب الثلاثين عامًا، وهو القائد العام للقوات المسلحة الذي يتحلى بشخصية قويّة جدًا تُثير الجدل والإعجاب في نفس الوقت، فهي تتفوق على كل من الخير والشر، إلا أنه تقمص دور الشرير أخيرًا، وسار نحو خيانة عظيمة يُخفيها في أعماقه، يدمج من خلالها قواته مع العدو طمعًا في حكم الإمبراطورية، ومن هنا يُصور شيلر خطورة السلطة وكيف يُمكنها إغراء المرء ويطرح الفكرة على شكل دراسة عميقة إلا أنه لا يغفل عن إكساب البطل بعض التعاطف بشكل متنافر.


ومن جهة أخرى فقد قسمت المسرحية إلى قصيدة تمهيدية يليها مقدمة درامية طويلة تدور حول معسكر فالنشتاين وحول البيكولومينيين، أما الجزء الأخير من المسرحية فتحدث فيه عن موت فالنشتاين، وقد أنهى شيلر ثلاثيته الأسطورية بجميع أجزائها في عام 1799.[٨][٣]


مقولات فريدريك شيلر

من أشهر أقوال فريدريك شيلر ما يأتي:[٩]

  • هل تعتقد أن الأسد كان نائمًا لأنه لم يزأر؟
  • النكتة تفقد كل شيء عندما يضحك الجوكر على نفسه.
  • كل عبقري حقيقي ملزم بأن يكون ساذج.
  • فقط أولئك الذين لديهم الصبر للقيام بأشياء بسيطة بشكل مثالي سيكتسبون المهارة للقيام بالأشياء الصعبة بسهولة.
  • خيبات الأمل بالنسبة للروح مثل عاصفة رعدية في الهواء.


وفاة فريدريك شيلر

توفي فريدريك شيلر في مدينة فايمار في ألمانيا في تاريخ 9-5-1805، وكان يبلغ من العمر 45 عامًا.[٣][٥]


ولقراءة معلومات عن غيره من الأدباء الألمانيين: يوهان غوته، توماس مان.



المراجع

  1. ^ أ ب ت "Friedrich Schiller", plato.stanford, Retrieved 4-8-2021. Edited.
  2. "Friedrich Schiller", oxfordreference, Retrieved 4-8-2021. Edited.
  3. ^ أ ب ت ث William Witte، "Friedrich Schiller"، britannica، اطّلع عليه بتاريخ 4-8-2021. Edited.
  4. ^ أ ب ت "Johann Christoph Friedrich von Schiller"، biography.yourdictionary، اطّلع عليه بتاريخ 4-8-2021. Edited.
  5. ^ أ ب ت نبيل الحفار، "فريدريش شيلر"، الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 4-8-2021. بتصرّف.
  6. فريردريك شيلر، "اللصوص"، مكتبة طليلطلة، اطّلع عليه بتاريخ 4-8-2021. بتصرّف.
  7. فريدريك شيلر، "ماري ستيوارت"، مكتبة النور ، اطّلع عليه بتاريخ 4-8-2021. بتصرّف.
  8. فريدريك شيلر، "فالنشتاين"، أرابيكا الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 4-8-2021. بتصرّف.
  9. "Friedrich Schiller Quotes", goodreads, Retrieved 4-8-2021. Edited.