من هو رفاعة الطهطاوي؟

هو أديب ومُترجم ومؤرخ وكاتب ومُفكر وعلامة بارزة من رواد النهضة العلميّة وقادة الصحوة الأدبية والفكرية في القرن التاسع عشر.


وهو رفاعة رافع الطهطاوي، مُفكر وباحث ومصلح يرجع في أصله إلى بلدة طهطا في صعيد مصر، وقد اشتهر بكونه من مؤسسي النهضة الفكرية المصرية ومن دعاة التحديث الثقافي وحركة الصحوة التي شهدتها مصر في القرن التاسع عشر، والتي شملت مُختلف النواحي والمجالات العلميّة، والتقنية، والأدبيّة، والتعليمية، والعسكرية، والتي دعت لاستخدام الأفكار والابتكارات الغربيّة التي تدعم مصلحة الأمة وتُثري الحضارة العربية المصرية وترتقي بها، ومن جهة أخرى يُعد رفاعة من الباحثين المؤثرين الذين ترسخت أفكارهم المُنيرة الداعية للتطوّر والتحديث، فكان لها أثر كبير على العلماء والمُفكرين من بعده، وكان بدوره من أبرز تلاميذ الشيخ حسن العطار الذي كان قدوته وإمامه وصاحب الفضل والتأثير الأكبر عليه.[١][٢]


مولد ونشأة رفاعة الطهطاوي

ولد رفاعة الطهطاوي في بلدة طهطا في محافظة سوهاج التي تقع في صعيد مصر في تاريخ 15-10-1801م، ونشأ وترعرع فيها، وتلقى فيها تعليمه الابتدائي.[٣][٢][٤]


ثقافة وتعليم رفاعة الطهطاوي

تعلم رفاعة في صغره في مسقط رأسه في بلده طهطا، والتحق في الأزهر بعد انتقاله إلى مدينة القاهرة في عام 1817م، وهناك حصل على شرف صحبة شيخ الأزهر حسن العطار ونال فرصة التعلم منه، وسرعان ما التمس الإمام العطار براعة ونبوغ تلميذه وكان شاهدًا على ذكائه الفذّ وعبقريته، وعندما بلغ الطهطاوي سن 21 عامًا وتخرج من الأزهر سنة 1821م عُين كمُدرس في الأزهر، واستمر في التدريس لمدّة عامين، قبل أن ينتقل إلى الجيش المصري ويُعين إمامًا وواعظًا فيه، وخلال هذه الفترة كان من المُقرر إرسال بعثة علمية مصرية لدراسة مجموعة من العلوم التقنية العصرية في فرنسا من قبل الوالي محمد علي باشا، وبالنظر لنبوغ الطهطاوي، فقد اختاره شيخه العطار ورشّحه لأن يرافق هذه البعثة كواعظ ومُرشد للطلاب في مدينة باريس، وبالفعل تم إرساله للبعثة.


خلال إقامة العلامة الطهطاوي في باريس تعلّم اللغة الفرنسية وأبدع وتفوَّق فيها فأجادها نطقًا وقراءة، كما تثقف وقرأ كتب الأدباء الفرنسين المعروفين، بالإضافة للاطلاع على كتابات رجال القانون ومعلمي الجغرافيا والمؤرخين، وفي عام 1832 عاد إلى موطنه مصر وعُين مُترجمًا في مدرسة الطب، ومن بعدها مُترجمًا للفنون العسكرية والعلوم والهندسة في مدرسة الطوبجيّة (المدفعية)، ولم يقتصر اهتمامه ونشاطه على الترجمة فقط، بل أنشأ أول مُتحف أثري في تاريخ مصر، وعمل مُشرفًا على صحيفة معلمه حسن العطار التي حملت اسم "الوقائع المصرية"، والتي كانت تصدر باللغتين العربيّة والتركية، فأبدع وحسّن من إخراجها، كما أنه وجه اهتماماته إلى تطوير التعليم والتربية، خاصةً لتوليه منصب مفتش للتعليم، فسعى إلى تعزيزه ودعمه وإصلاحه، وذلك من خلال النظر في المناهج التعليمية المصرية المعتمدة للطلاب في المدارس، فدعا إلى تطويرها وتحديثها.


أنشأ الطهطاوي مجلة تربوية حملت اسم "روضة المدارس"، لكنه لم يهتم كثيرًا بها؛ بسبب انصرافه إلى الترجمة الفرنسية، وعُين من بعدها ناظرًا في مدرسة الألسن التي أنشئت عام 1835م وكان اسمها مدرسة اللغات، وأضاف لها "قلم الترجمة" فغدت من أكثر المدارس تأثيرًا في النهضة الثقافية والفكرية المصرية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وبالنظر لمساهماته لقي الثناء والمديح من والي مصر رضا محمد علي باشا فأكرمه ومنحه الكثير من النقود حتى بات ثريًا، ولكن مسيرته لم تكن بتلك السهولة، إذ أن الوالي عباس باشا الأول نفاه من مصر إلى السودان بسبب تعصبه الناجم عن افتقاره للنهج التربوي والتطلّع للعلم، وعدم امتلاكه حس النهضة والرغبة في النمو والتحديث، ومع ذلك، خلال إقامة الطهطاوي في السودان أنشأ فيها أول مدرسة ابتدائية، وبعد عودته لمصر دعم مدرسة الألسن، وحاول توعية المجتمع أكثر وطالب بتعليم المرأة كونها النصف الآخر للمجتمع، وتبنى جملة من الأفكار التربوية والتعليمية المفيدة التي ساهمت في نهضة المجتمع المصري وعلوّه.[٢][٥][٤]


أبرز مؤلفات رفاعة الطهطاوي

من أبرز مؤلفات رفاعة الطهطاوي ما يأتي:

كتاب مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية

يضم هذا الكتاب جملة من الأفكار الأساسية التي تبناها العلامة النابغ رفاعة الطهطاوي والتي تهدف لإصلاح المجتمع والارتقاء به، ويدعو الكتاب إلى التثقيف والتنوير السياسي، وذلك لإحياء الروح المصرية وشحذ الهمم الوطنية لأفراد المجتمع، انطلاقًا من دور الإصلاح والتحديث والتمدن وتأثيره على المجتمع وتغييره من عاداته للأفضل، كتزكية الأخلاق ونشر الفضائل والدعوة للصلاح بين الأفراد، حيث تصب ثمار هذا التمدن في إطار المصلحة العامة الذي يتمثل من خلال خدمات الدولة لمواطنيها والتي تشمل كافة القطاعات والمجالات التجارية والصناعية والزراعية، والتي يمكن أن يستفيد منها جميع أفراد الشعب المصري دون تمييز بينهم بحسب مضمون التمدن الذي يُشارك فيه الجميع بحسب إمكانياتهم وطاقاتهم، ويلتزمون بمسؤولياتهم وأدورارهم كلٌ حسب مكانته، ونوّه لدور المثقفين والحكّام الذين يُعرفون بنخبة الأمم في تسريع عجلة التمدن ودفعها، وذلك بتشجيع المشاريع العلمية، ودعم الثقافة والمعرفة بصورة معنوية ومادية بكل ما لديهم من قوّة وإمكانية.[٦]


كتاب المرشد الأمين للبنات والبنين

وهو كتاب تربوي قيّم يحمل هدفًا ومقصدًا ساميًا، حيث دعا من خلاله العلامة الطهطاوي إلى ضرورة تعليم البنات وتحسين أوضاع النساء بشكل عام نظرًا لدورها الهام والمفيد في المجتمع.[٧]


تخليص الإبريز في تلخيص باريز

يسرد العلامة رفاعة الطهطاوي في هذا الكتاب الأحداث التي رافقته في مسيرته وتحديدًا خلال البعثة العلميّة التي قدمها له والي مصر محمد بن علي برفقة مجموعة من الطلاب إلى فرنسا، والتي امتدت ما بين 1826-1831م، وبالرجوع إلى أن رفاعة كان من خريجي الأزهر، فكان له دور أساسي كواعظ ومُرشد للطلاب المُقبلين على العلم في هذه البعثة، ولكن نبوغه وحبه للعلم دفعه للتزود وطلب المعرفة جنبًا إلى جنب مع طلابه، فكان له دور بارز في التحديث الذي شهدته الدول الإسلامية خلال مراحل التطور التاريخي والنهضة المعاصرة، والتي تمثلت بعضها للأحكام الشرعية فيما اتجهت أخرى للإيمان بالحركة العلمانيّة التي باتت تُنشر في بلاد المسلمين طواعيةً وإكراهًا.


ومن جهةٍ أخرى، فقد تباينت آراء العلماء ونظرتهم للعلامة رفاعي الطهطاوي ولدوره البارز في الحداثة والتطوير الفكري والثقافي بين مؤيدين ومعارضين، لكن بالرجوع لهذا الكتاب فقد اقتصر على وصف رفاعة لأحوال وحياة المجتمع الفرنسي خلال إقامته في وسطه، وتحدث عن الدستور ونظام الحكم والسلطة، وعن القيم والعادات وأخلاقيات وديانات وسلوكات الشعب الفرنسي جنبًا إلى جنب مع تطرّقه للعلوم والمعارف وفئاتها، وترجمته للقوانين وللدستور الفرنسي، واستشهد بالشعر بصورة كبيرة تجلت في كتابته، فكان بدوره شديد الانبهار والإعجاب بالمجتمع الغربي في ظل الجهل والخمول الفكري والثقافي الذي يُعاني منه المجتمع الشرقي من خلفه، فأثنى على المعارف والعلوم والشعارات العلمية الغربية ونادرًا ما انتقدها.


وكانت صورة رفاعة تظهر من خلال كتابته كشاب شديد القهر على أمته المغلوب على أمرها، ويتطلع بفارغ الصبر لارتقائها لدرجة أن عينيه عميت عن زلات بلاد الغرب وعيوبها، فعلى سبيل المثال لم ينتقد أماكن الغناء والرقص واللهو فيها عندما تحدث عنها ولم يرها بنظرة الاستقباح بل أثنى عليها، كما كانت بعض أفكاره ومواضيعه تغلب عليها السطحية، خاصةً عندما روى أنباء احتلال فرنسا للجزائر والتي عزا أسبابها للمشاكل والنزعات والتفرقة والتكبر والمسائل التجاريّة، وهو ما جعل بعض النقاد والباحثين ينتقدونه بصفته مُثيرًا للجدل، رغم وجود دور ومساهمة له في إحياء النهضة الثقافية والفكرية في مجتمعه. [٨]


مقولات رفاعة الطهطاوي

من أشهر أقوال رفاعة الطهطاوي ما يأتي:[٩]

  • رفاعة يشتكي من عصبة سخرت، لما رأت أبحر العرفان قد زخرت!
  • انقسم سائر الخلق إلى عدة مراتب، المرتبة الأولى: مرتبة المتوحشين، المرتبة الثانية: مرتبة البرابرة الخشنين، المرتبة الثالثة: مرتبة أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن و التمصر المتطرفين.
  • تُبنى الأوطان بالحرية والمصنع.
  • مصر الوطن الذي تولى إمرتها الغربا، عجمًا كانوا أم عرباً.


وفاة رفاعة الطهطاوي

توفي رفاعة الطهطاوي في مصر في تاريخ 27-5-1873م، وكان يبلغ من العمر 72 عامًا.[٢]


ولقراءة معلومات عن غيره من الأدباء والمُترجمين: خليل مطران، ابن المقفع.



المراجع

  1. Ibrahim, Mahmoud , "Al-Tahtawi, Rifa’a (1801–1873.", rem.routledge, Retrieved 12-8-2021. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث "Rifāʿah Rāfiʿ al-Ṭahṭāwī"، britannica، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. Edited.
  3. محمود الربداوي، "رفاعة الطهطاوي"، الموسعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب جمال الدين الشيال، رفاعة الطهطاوي: زعيم النهضة الفكرية في عصر محمد علي، صفحة 11-12. بتصرّف.
  5. محمود الربداوي، "رفاعة الطهطاوي"، الموسعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021.
  6. رفاعة الطهطاوي، "كتاب مناهج الالباب المصرية في مباهج الآداب العصرية"، موسوعة كتاب، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. بتصرّف.
  7. رفاعة طهطاوي، "كتاب المرشد الأمين للبنات والبنين"، مكتبة سينتي مينيت، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. بتصرّف.
  8. رفاعة رافع الطهطاوي، "كتاب تخليص الإبريز في تلخيص باريز "، مكتبة النور، اطّلع عليه بتاريخ 12-8-2021. بتصرّف.
  9. " Rifa'a al-Tahtawi Quotes", goodreads, Retrieved 12-8-2021. Edited.