من هو عبد الرحمن الأوزاعي؟
هو إمام، ومحدّث، وفقيه، وأحد أبرز أعلام القرن الثاني الهجري.
وهو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، ويُكنى بأبي عمرو، من أبرز الأئمة والفقهاء، وأحد كبار تابعي التابعين، فقد نبغ وبرع في العديد من العلوم الإسلامية كتفسير القرآن، وحفظ الأحاديث، والفقه، والأخبار، والمغازي، وشهد له بذلك كبار علماء عصره، وقد بلغت مكانته العلمية الرفيعة الحد الذي جعلته يجلس للفتوى وهو لا يزال في الخامسة والعشرين من عمره فقط، كما كان إمامًا في علم الحديث رواية وتأويلًا، حيث روى الحديث عنه البخاري ومسلم، ويُعد الأوزاعي كذلك من أوائل العلماء الذين ألفوا الكتب والمصنفات في مجال الفقه، إلى جانب ذلك فقد كان الأوزاعي صاحب مذهب فقهي خاص به والذي كان سائدًا آنذاك في بلاد الشام، والمغرب، والأندلس، إلا أنّ مذهبه هذا قد اندثر وانحسر بسبب انتشار مذهبي المالكي والشافعي، وحلولهما مكانه.[١][٢]
مولد عبد الرحمن الأوزاعي ونشأته
ولد الإمام عبد الرحمن الأوزاعي في مدينة بعلبك في لبنان، في عام 88 هجري، ومن ثم انتقل بعد ولادته إلى قرية الكرك في لبنان حيث نشأ فيها، وقد توفي والده وهو لا يزال طفلًا صغيرًا، فنشأ يتيمًا، فأشرفت والدته على تربيته ورعايته في بادئ الأمر، ومن ثم أوكلت هذه المهمة إلى الشيخ صديق أبيه، فانتقل الأوزاعي للإقامة في منزله، وبقي فيه إلى أن وصل سن البلوغ.[٣]
ثقافة عبد الرحمن الأوزاعي ورحلاته في طلب العلم
بدأ الأوزاعي بتلقي مبادئ العلوم من حديث وفقه وأدب في قرية الكرك التي نشأ فيها، ثم انتقل إلى دمشق وفيها تلقى العلم على يد العلماء "القاضي نمير بن أوس الأشعري، والشيخ مكحول، ومحمد بن عبد الملك بن مروان"، بعد ذلك رحل الأوزاعي إلى اليمامة وفيها سمع الحديث عن المفتي "يحيى بن أبي كثير"، والذي أعجب بذكاء الأوزاعي ونباهته، فنصحه بالذهاب إلى البصرة للالتقاء بابن سيرين والحسن البصري، فدخلها الأوزاعي عام 110 هجري، إلا أنه لم يتمكن من السماع عن ابن سيرين بسبب مرضه الشديد الذي أفضى إلى موته، كما كان الحسن البصري قد توفي قبل وصوله البصرة بوقتٍ قليل، لكنّ الأوزاعي أخذ وسمع عن الإمام "قتادة بن دعامة".
وأثناء تردد الأوزاعي على مكة المكرمة بغية أدائه لفريضة الحج، حرص على الالتقاء بعلمائها أمثال "عطاء بن أبي رباح، وعكرمة بن خالد، ومحمد بن عباد المخزومي"، وفي المدينة المنورة أخذ الأوزاعي عن "الزهري، ومحمد بن علي الباقر، ونافع المدني"، كما رحل الأوزاعي إلى بيت المقدس واليمن، وأخيرًا استقر مع عائلته في مدينة بيروت، والتي بقي فيها إلى أن وافته المنية.
وقد كرس الأوزاعي جل وقته لنشر علمه، فكانت حلقاته العلمية ومجالسه قِبلة لطلاب العلم الذين أتوا من كل مكان ليسمعوا عنه الحديث والفقه، الأمر الذي أكسبه شهرة واسعة، وساعد على نشر فقهه واجتهاداته بين الناس، كما سمع عنه كبار علماء ذلك العصر أمثال "شعبة، والثوري، وابن المبارك، ومالك، ويحيى القطان"، وحدث عنه بعض من شيوخه أمثال "قتادة، وابن شهاب الزهري، ويحيى بن أبي كثير"، ومن جهةٍ أخرى عُرف الأوزاعي بالبلاغة، وفصاحة اللسان، وأسلوبه الأدبي البديع، وروعة التعبير، وقد شهد له بذلك كبار الأدباء في ذلك الوقت.
أسس الأوزاعي مذهبه الفقهي الخاص به، والذي اعتمد فيه منهجًا قائمًا على استخدام النصوص وما نقل عن الصحابة، كما كان يسند فتاويه وأقواله إلى الأحاديث التي يرويها، وعلى الرغم من ضياع مذهبه واندثاره في أواخر القرن الرابع الهجري، وذلك نتيجة إهمال تلاميذه، وعدم قيامهم بتدوينه وتطويره، إلا أنه قد تم حفظه في كتب الفقه المقارن، ككتاب الشافعي "سير الأوزاعي"، ومما يجدر ذكره أيضًا أنّ الأوزاعي كان في شبابه من المجاهدين الذين رابطوا في بيروت لصد غارات السفن الرومية عليها، كما عُرف عنه جرأته في الحق، ووقوفه أمام الحكام المستبدين، وعدم خشيته منهم، ودفاعه عن المظلومين، ومحاولته صد الظلم عنهم، حتى وإن كان المظلوم من ديانة أخرى غير الإسلام.[٤][٥][١]
شيوخ عبد الرحمن الأوزاعي وتلاميذه
تتلمذ الأوزاعي على يد كبار العلماء والتابعين الذين على كثرتهم يصعب حصرهم كلهم، ونذكر منهم ما يأتي:[٦]
- إبراهيم بن محمد بن الحارث.
- حسان بن عطية الدمشقي.
- ربيعة بن أبي عبد الرحمن.
- عبد الرحمن بن القاسم بن محمد.
- القاسم بن مخيمرة.
كما درّس على يديه الكثير من طلاب العلم، وكتبوا له، ورووا عنه، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر:[٧]
- إسماعيل بن عبدالله بن سماعة الدمشقي.
- سعيد بن عبد العزيز أبو محمد التوخي الدمشقي.
- سلمة بن كلثوم.
- صدقة بن عبدالله بن السمين.
- صعصعة بن سلام الدمشقي الأندلسي.
أبرز مؤلفات عبد الرحمن الأوزاعي
يُعد الأوزاعي من أوائل العلماء المصنفين في الشام، حيث ألّف الكثير من الكتب والمؤلفات في مجالات الحديث والفقه والتفسير، إلا أنّ جميع كتبه قد تعرضت للاحتراق في زمن الرجفة، ومن أبرز مؤلفاته ما يأتي:[٨]
- مسند الأوزاعي.
- السنن في الفقه.
- المسائل في الفقه الأوزاعي.
- سير الأوزاعي.
أشهر حكم عبد الرحمن الأوزاعي وأقواله
من أبرز حكم وأقوال الإمام الأوزاعي ما يأتي:[٩]
- من أكثر ذِكر الموت كفاه اليسير، ومن علِم أن منطقه من عمله قلَّ كلامه.
- إنّ المؤمن يقول قليلًا ويعمل كثيرًا، وإنّ المنافق يقول كثيرًا ويعمل قليلًا.
- إذا أراد الله بقوم شرًا فتح عليهم الجدل ومنعهم العمل.
- إذا أراد الله أن يحرم عبده بركة العلم، ألقى على لسانه الأغاليط.
- العافية عشرة أجزاء، تسعة منها صمت، وجزءٌ منها الهرب من الناس.
وفاة عبد الرحمن الأوزاعي
توفي عبد الرحمن الأوزاعي في مدينة بيروت، في يوم الأحد من شهر صفر عام 157 هجري، عن عمرٍ ناهز 69 عامًا، وقد اتفق معظم المؤرخين أنّ وفاته كانت بسبب اختناقه من الفحم أثناء وجوده داخل الحمام، إلا أنهم اختلفوا إن كانت الوفاة قد حصلت له في الحمام العام، أو في حمام البيت، وقد دفن الإمام الأوزاعي في قرية "حنتوش" الواقعة بالقرب من بيروت.[١٠]
المراجع
- ^ أ ب سعدي أبو جيب، الرحمن "عبد الرحمن الأوزاعي"، الموسوعة العربية، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2021. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 329. بتصرّف.
- ↑ ماهر حامد الحولي، تيسير كامل إبراهيم، منهج الإمام الأوزاعي الاجتهادي في الإجماع، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن بن إبراهيم بن جارالله الغفيص، كتاب الإمام الأوزاعي ومنهجه في الدعوة، صفحة 33-37. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، الإمام الأوزاعي شيخ الإسلام وعالم أهل الشام، صفحة 124 327. بتصرّف.
- ↑ ماهر حامد الحولي، تيسير كامل إبراهيم، منهج الإمام الأوزاعي الاجتهادي في الإجماع، صفحة 10-11. بتصرّف.
- ↑ ماهر حامد الحولي، تيسير كامل إبراهيم، منهج الإمام الأوزاعي الاجتهادي في الإجماع، صفحة 11-12. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن بن إبراهيم بن جارالله الغفيص، كتاب الإمام الأوزاعي ومنهجه في الدعوة، صفحة 54-55. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، الإمام الأوزاعي شيخ الإسلام وعالم أهل الشام، صفحة 128-129. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن بن إبراهيم بن جارالله الغفيص، كتاب الإمام الأوزاعي ومنهجه في الدعوة، صفحة 15-16. بتصرّف.