من هو الإمام عبد الله بن المبارك؟
هو إمام، وعالم، وفقيه، ومحدث، وأحد أعلام القرن الثاني الهجري.
وهو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي، ويُكنى بأبي عبد الرحمن المروزي، مولى بني حنظلة، ويُعد من تابعي التابعين، وشيخ الإسلام، وعالم زمانه، شهد له الكثير من العلماء بسعة علمه، ومنزلته العالية، وإلمامه بأنواع العلوم والمعارف المختلفة، الأمر الذي جعل طلاب العلم يفدون إليه من كل مكان لينهلوا من علمه، حتى عُدّ آنذاك واحدًا من أعظم ثلاثة أئمة في خراسان، وهم "ابن المبارك، والنضر بن شميل، ويحيى بن يحيى"، وهو إلى جانب ذلك كان يُعرف بالتقوى، والورع، والزهد، والتواضع، والكرم، وغيرها من الصفات الحسنة والأخلاق الحميدة، وقد أطلقت عليه بعض كتب التراجم لقب "الشاهنشاه" أي ملك الملوك، نظرًا لمكانته المرموقة، وتعظيمًا وتقديرًا لعلمه.[١]
مولد الإمام عبد الله بن المبارك ونشأته
ولد الإمام عبد الله عام 118 هجري الموافق 732م، في مدينة مرو في خراسان (جمهورية تركمنستان حاليًا)، في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وتعود أصوله إلى تركيا من ناحية الأب، وخوارزم من ناحية الأم، وقد كانت نشأته في كنف عائلة بسيطة ومتواضعة، إذ كان والده يعمل حارسًا بسيطًا في أحد البساتين، وقد اشتهر والده بالتقوى والأمانة، وتحريه الحلال، وتجنبه الحرام، الأمر الذي دفع صاحب البستان بأن يزوجه ابنته، لتنجب له الإمام عبد الله.[٢][٣]
ثقافة الإمام عبد الله بن المبارك ورحلاته في طلب العلم
بدأ عبد الله طلب العلم في عمرٍ مبكر، فحفظ القرآن الكريم، ودرس العلوم المختلفة في الكتّاب، وقد تميز عن أقرانه بالذكاء الحاد، وقوة الحفظ، إذ يروى عنه أنه استمع في إحدى المرات لرجلٍ يخطب خطبة طويلة، فلما انتهى الرجل، كان ابن المبارك قد حفظها فأعادها كاملة على صاحبه، وببلوغه العشرين سنة بدأ ابن المبارك رحلته في طلب العلم، فذهب بادئ ذي بدء إلى العراق وذلك في عام 141 هجري، ومن بعدها تابع رحلاته العلمية إلى جميع الأقطار التي كانت معروفة آنذاك بالنشاط العلمي، فزار الحجاز، والشام، والبصرة، والكوفة، ومصر، واليمن، وقد حرص خلال رحلاته هذه على لقاء كبار العلماء، وحضور حلقاتهم العلمية، وتدوين كل ما يسمعه عنهم، إلا أنّ اهتمامه الأكبر كان بعلم الحديث، فقد سمع عن أربعة آلاف شيخ، وروى عن ألف شيخ، فأصبح بذلك ملمًا بمعظم علوم ومعارف عصره من فقه، وحديث، وشعر، وغيره، حتى ذاع صيته، واكتسب شهرة كبيرة، وقد أجمع معظم علماء الأمة على همته الكبيرة في طلب العلم، حيث قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: "لم يكن أحد في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه"، وقد بقي على هذه الحال إلى أن وافته المنية.
ومن جهةٍ أخرى فقد عُرف ابن المبارك أيضًا بالفصاحة والشاعرية، حيث كان والده يحثه على حفظ الشعر منذ أن كان طفلًا صغيرًا، الأمر الذي مكنه من نظم أحسن القصائد الشعرية، وقد عده بعض العلماء من شعراء الفقهاء البارزين، وأحد شعراء الأمة المميزين، علمًا أنّ معظم أغراضه الشعرية قد تمحورت حول غرضي الزهد والجهاد في سبيل الله، كما تم جمع قصائده في ديوان شعري، إلا أنّ هذا الديوان قد تعرض للضياع، ولم يتبق من قصائده إلا بعض الأبيات المتفرقة والمذكورة في كتب التراجم والتاريخ، وبذلك يكون ابن المبارك قد جمع إلى جانب العلم والفقه، الأدب، والنحو، واللغة، والشعر، والفصاحة، وهو الأمر الذي لم يصل إليه أحدٌ من قبل.
وقد اشتهر ابن المبارك أيضا بأدبه وأخلاقه، وتقواه، وصلاحه، وورعه، فكان كثير القيام والصيام، كما كان معروفًا بالزهد وذلك على الرغم من غناه الشديد نظرًا لعمله في التجارة، إلا أنّ زهده هذا لم يمنعه من أن يكون شديد الكرم والسخاء، فكان لا يتوانى عن مساعدة الآخرين، والتصدق على المحتاجين، وقضاء دين المدينين، وإخراج زكاة أمواله للفقراء، ومن جهةٍ أخرى عُرف ابن المبارك بشجاعته وإقدامه، حيث لم يكن يتوانى عن الخروج إلى الغزو، فكان طلاب العلم في كثير من الأحيان يأتون لملاقاته فلا يجدونه بسبب خروجه إلى الثغور.[٤][٥][٦]
أبرز شيوخ وتلامذة الإمام عبد الله بن المبارك
تلقى الإمام عبد الله بن المبارك العلم على يد العديد من العلماء، نذكر منهم ما يأتي:[٧]
- مالك بن أنس.
- حماد بن زيد بن درهم الأسدي.
- عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.
- الليث بن سعد.
- سليمان بن مهران.
كما تتلمذ على يديه العديد من طلاب العلم، ومنهم ما يأتي:[٨]
- يحيى بن معين.
- الفضيل بن عياض.
- داود بن عبد الرحمن العطّار.
- سفيان بن عيينة.
- أبو إسحاق الفزاري.
أشهر مؤلفات الإمام عبد الله بن المبارك
من أبرز مؤلفات الإمام عبد الله بن المبارك ما يأتي:[٩]
- كتاب الزهد والرقائق: ويتكون هذا الكتاب من ستة عشر جزءًا، مقسمة إلى الكثير من الأبواب، وتتضمن أحاديث مرفوعة، وآثار موقوفة ومقطوعة، ولعل أبرز ما تناوله الكتاب من مواضيع هي الدعوة إلى طاعة الله تعالى، وعبادته، وإخلاص النية له، والتوكل عليه، وترك معصيته، والحث على الأخلاق الحميدة كالاستقامة، والتواضع، والقناعة، وغيرها الكثير.
- كتاب الجهاد: ويُعد من أوائل الكتب التي تناولت موضوع الجهاد، حيث جمع فيه الإمام عبد الله بن المبارك جميع أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام التي تحدثت عن فريضة الجهاد، وبينت فضله، وأجره العظيم، ومكانته في الإسلام، وقد اعتمد المؤلف في المجمل على ذكر الأحاديث المرفوعة.
والجدير بذكره أنّ للإمام عبد الله بن المبارك العديد من الكتب التي تم ذكرها في كتب التراجم، إلا أنه لم يتم طباعتها، ومنها ما يأتي:[١٠]
- السنن في الفقه.
- التفسير.
- التاريخ.
- البر والصلة.
- المناسك.
- الاستئذان.
- ديوان شعري.
وفاة الإمام عبد الله بن المبارك
توفي الإمام عبد الله بن المبارك في عام 181 هجري، وقد دُفن في بلدة هيت الواقعة على ضفاف الفرات بالقرب من بغداد.[١١]
المراجع
- ↑ محمد عثمان جمال، عبدالله بن المبارك الإمام القدوة، صفحة 42-43-66-67. بتصرّف.
- ↑ "عبدالله بن المبارك"، علي الربيعي، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021. بتصرّف.
- ↑ الفاروق عمر، الإمام عبدالله بن المبارك الأخير، صفحة 2. بتصرّف.
- ↑ الفاروق عمر، الإمام عبدالله بن المبارك الأخير، صفحة 3. بتصرّف.
- ↑ محمد عثمان جمال، عبدالله بن المبارك الإمام القدوة، صفحة 55-56-58-63. بتصرّف.
- ↑ مجاهد مصطفى بهجت، ديوان الإمام عبدالله بن المبارك، صفحة 21-22 26-28. بتصرّف.
- ↑ الفاروق عمر، الإمام عبدالله بن المبارك الأخير، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ الفاروق عمر، الإمام عبدالله بن المبارك الأخير، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ مجاهد مصطفى بهجت، ديوان الإمام عبدالله بن المبارك، صفحة 25-26. بتصرّف.
- ↑ مجاهد مصطفى بهجت، ديوان الإمام عبدالله بن المبارك، صفحة 26. بتصرّف.
- ↑ "الإمام عبد الله بن المبارك"، السنة، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021. بتصرّف.