من هو الإمام عبد الوهاب الشعراني؟
هو إمام، وعالم، ومحدّث، وأحد أقطاب الصوفية في القرن العاشر الهجري.
وهو الإمام أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني الشافعي الشاذلي المصري، وأطلق عليه لقب الشعراني نسبةً إلى قريته "أبي شعرة"، أحد أئمة وعلماء الصوفية، ومن الذين جمعوا ما بين العقيدة السليمة، والاهتمام بالجانب السلوكي والأخلاقي، بحيث تكون هذه الأخلاقيات منبثقة بشكلٍ أساسي من تعاليم الإسلام، وقد كرس جل حياته لتنقية التصوف من الأوهام والخرافات والشبهات التي علقت به، ليعيده إلى ما كان عليه أيام السلف الصالح، فكان بذلك مثالًا يحتذى به للتصوف المعتدل والبعيد عن التطرف، كما اشتهر الإمام الشعراني إلى جانب زهده، وورعه، وتقواه، بسعيه الحثيث والمستمر لخدمة المسلمين، ونصحهم، والدفاع عن حقوقهم أمام حكامهم.[١][٢]
مولد الإمام عبد الوهاب الشعراني ونشأته
ولد الإمام الشعراني في 27 رمضان عام 898 هجري، في بلدة "قلقشندة" وهي مسقط رأس أمه، وبعد أربعين يومًا من ولادته انتقل إلى قرية والده "أبي شعرة"، ويعود أصل الإمام الشعراني إلى قبيلة بني زغلة في المغرب الأقصى، والتي يتصل نسبها بمحمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، حيث أقام أجداده في المغرب وأنشأوا دولتهم فيها، إلا أنّ جده الأكبر "موسى ابن السلطان أحمد" إثر اتباع طريق التصوف، فترك المغرب ليهاجر إلى مصر وينشر دعوته فيها، وقد استقر أحفاده في قرية "أبو شعرة" الواقعة في محافظة المنوفية المصرية، وأسسوا فيها زاوية للعلم والعبادة، ومما يتضح من ذلك أنّ نشأة الشعراني قد كانت في بيئة صوفية خالصة، الأمر الذي كان له كبير الأثر في تكوين شخصيته، والجدير بذكره أنّ والدي الشعراني قد توفيا وهو لا يزال في عمرٍ صغير، فنشأ يتيمًا، حيث أشرف أخوه الشيخ عبد القادر على تربيته، ورعايته، وتأديبه، وقد قام بهذه المهمة على أكمل وجه.[٣][١]
مسيرة الإمام عبد الوهاب الشعراني العلمية
بدأ الإمام الشعراني تلقي العلم في عمرٍ مبكر، فقد حفظ القرآن الكريم وهو لا يزال في السابعة من عمره، وقد أظهر الشعراني نباغة وذكاء شديدين، الأمر الذي دفع بوالده ليطلب له الإجازة من الشيخ "جلال الدين السيوطي" والذي أجازه بالفعل في ذلك، وبعد وفاة والده بأربعة أعوام وتحديدًا عام 911 هجري رحل الشعراني إلى القاهرة، بهدف الدراسة في الأزهر الشريف، والتفقه في الدين، حيث بقي ملازمًا لشيخه "علي الشوني" ما يقارب الخمسة أعوام، حفظ خلالها العديد من الكتب القيمة مثل "المنهاج للنووي، وألفية مالك، والتوضيح لابن هشام، وغيرها"، كما حفظ كتاب "الروض مختصر الروضة"، والذي يُعد من أجمع كتب فقه المذهب الشافعي، وفي عام 919 هجري انتقل الشعراني للإقامة في الجامع الغمري ولبث فيه مدة سبعة عشر عامًا، ومن ثم انتقل بعدها إلى مدرسة "أم خوند"، وفي هذه المدرسة لمع نجمه واكتسب شهرته العالية.
تلقى الشعراني العلم على يد كبار علماء القاهرة في ذلك العصر، ومنهم "جلال الدين السيوطي، وزكريا الأنصاري، وناصر الدين اللقاني، والسمنودي"، وقد ساعده ذلك على الاطلاع والإلمام بجميع علوم عصره من فقه، وتفسير، وحديث، ولغة، وقواعد، وأصول، كما أثرى الشعراني التراث الإسلامي بالعديد من المؤلفات القيمة، إذ قِيل إنه ألف ما يقارب الثلاثمئة كتاب تناول فيها مواضيع مختلفة في الطب، والنحو، والتفسير، والفقه، والتصوف، وغيرها الكثير.[٤][٥]
الإمام عبد الوهاب الشعراني والتصوف
كما أسلفنا سابقًا فقد كان للبيئة التي نشأ فيها الشعراني دورٌ كبير في سلوكه طريق التصوف، حيث عُرف عنه منذ طفولته المبكرة كثرة العبادة، والتهجد، وقيام الليل، وقد استمر على نهجه هذا حتى بعد انتقاله إلى القاهرة، حيث لم يمنعه طلب العلم من كثرة الصوم، وكف النفس عن الشهوات، إلى أن قيّض الله له شيخًا صوفيًا أرشده إلى الطريقة الصحيحة لمعالجة النفس وتزكيتها، ليقبل بعد ذلك على طريق الصوفية بهمة عالية، ودون مللٍ أو كلل، حتى بالغ في ذلك أشد المبالغة، إذ ألزم نفسه على كبح شهواته حتى عن الحلال، وأجبرها على عمل ما لا تطيق، ومن الأمثلة على ذلك لبسه الملابس المصنوعة من الخيش، وامتناعه عن أكل أطايب الطعام، وغيرها من مظاهر الحياة القاسية.
ومن أشهر شيوخ الصوفية الذين تتلمذ على يديهم الإمام الشعراني، وكان لهم تأثيرًا كبيرًا على حياته "زكريا الأنصاري" الذي ألبسه خرقة الصوفية، والشيخ "أمين الدين" إمام جامع الغمري، والشيخ "علي الشوني" الذي نصحه بالإقامة في جامع الغمري، ومن جهةٍ أخرى انكب الشعراني على قراءة كتب ومؤلفات شيوخ الصوفية السابقين من أمثال "ابن الفارض، والحلاج، وابن عربي، وذي النون، وأحمد البدوي".[٦]
أشهر مؤلفات الإمام عبد الوهاب الشعراني
من أبرز ما ألف الإمام عبد الوهاب الشعراني ما يأتي:[٧]
- الدرر المنثورة في زيد العلوم المشهورة.
- المقدمة النحوية في علم العربية.
- النوار القدسية في معرفة آداب العبودية.
- تنبيه المغتربين في آداب الدين.
- لطائف المنن.
كتاب الطبقات الكبرى
يُطلق على هذا الكتاب أيضًا اسم "لوافح الأنوار في طبقات الأخيار"، أو "لواقح الأنوار القدسية في مناقب العلماء والصوفية"، وهو يُعد كتابًا شاملًا لكل ما جاء في كتابي الإمام الشعراني السابقين "الطبقات الصغرى، والطبقات الوسطى"، حيث تناول الشعراني فيه ترجمة شاملة لسيرة حياة أولياء الله الصالحين، فذكر نبذة مختصرة عن حياتهم، وأعمالهم الصالحة، وحكمهم العظيمة، وأقوالهم ونصائحهم القيمة، إلى جانب ذكره لأهم صفاتهم وكيفية مجاهدتهم لأنفسهم والانقياد والانكسار والاستعانة والتقرب لله تعالى، وقد أراد الشعراني من كتابه هذا أن يقدم نماذج رائعة لكي يحتذي بها المريدون، ويسيرون على هديها، ويقتدون بأفعال أسلافهم ومعلميهم.[٨]
وفاة الإمام عبد الوهاب الشعراني
توفي الإمام عبد الوهاب الشعراني في 12 من شهر جمادى الأولى عام 973 هجري، عن عمرٍ يناهز 75 عامًا، وقد أقيمت الصلاة عليه في جامع الأزهر، ودفن في مدفن بجانب زاويته، علمًا أنه قد أصيب بالفالج قبل وفاته بمدة قصيرة.[٩]
المراجع
- ^ أ ب محمود المصري، "الإمام الشعراني- حياته الشخصية والعلمية|"، المعهد العالمي للعلوم الإسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 9/12/2021. بتصرّف.
- ↑ "Sayyidina Abdul Wahhab Al-Sha’rani", mazaratmisr, Retrieved 9/12/2021. Edited.
- ↑ طه عبد الباقي سرور ، التصوف الإسلامي والإمام الشعراني، صفحة 19-21. بتصرّف.
- ↑ عبد الحفيظ فرغلي علي القرني، عبد الوهاب الشعراني إمام القرن العاشر، صفحة 24-26-27. بتصرّف.
- ↑ توفيق الطويل، الشعراني إمام التصوف في عصره، صفحة 22-23. بتصرّف.
- ↑ عبد الحفيظ فرغلي علي القرني، عبد الوهاب الشعراني إمام القرن العاشر، صفحة 38-39-41-42. بتصرّف.
- ↑ حسن محمد الشرقاوي، الكوكب الشاهق للشعراني، صفحة 25-26. بتصرّف.
- ↑ "الطبقات الكبرى عبد الوهاب الشعراني"، بلاي جوجل، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2021. بتصرّف.
- ↑ عبد الحفيظ فرغلي علي القرني، عبد الوهاب الشعراني إمام القرن العاشر، صفحة 194. بتصرّف.